لماذا فقدتُ الأملَ بالعراق؟
    الأثنين 6 ديسمبر / كانون الأول 2021 - 22:12
    رعد الحافظ
    كاتب عراقي مغترب مقيم في السويد
    مقدمة:
    البؤس الضيق النكد الشجن المصائب ,الإحباطات النفسيّة والأحزان كلّها (بشأن بلدي الأمّ العراق) كانت حاضرة دوماً لا تنتهي!
    ولمن يختلف معي في (التسمية القادمة) فليطوي هذه الورقة من الآن ,ويكتفي بلعني وشتمي وترديد بعض العبارات الإنشائية الوطنية البائسة,التي يتقنها أدعياء الوطنية الأنذال ,فذلك أفضل من صعود ضغط دمهِ الوطني الشريف!
    تحرير العراق عام 2003 
    نعم تحرير العراق من صدام حسين ,أبشع طاغية عرفه العراق حتى مقارنةً بأبي العباس السفاح (رغم أنّ معظم السُنّة يعتقدون أنّ هذا اللقب يدّل على الكَرَمْ  ولا علاقة لهُ بدموية الرجل) .والحجاج بن يوسف الثقفي ( صاحب مقولة أرى رؤوساً قد أينعت وحان وقت قطافها) .. وكلّ الطغاة الذين يخطرون ببالكم!
    أمّا فكرة (الديمقراطيّة لا تأتي عن طريق القوة الخارجية) وتُفرض فرضاً على شعبٍ مُعيّن ,فرغم وجاهة هذا الرأي ,لكنّي أظنّه يعتمد على طبيعة وعقلانية ذلك الشعب .إذ لم تنطبق هذه الفكرة في حالة ألمانيا (بعد النازية) واليابان وكوريا الجنوبية!
    على كلٍ الأمريكان لم يقولوا نحنُ جئنا لفرض الديمقراطية على الشعب العراقي!
    بل أعلنوا أنّهم جاؤوا بمهمة طرد صدّام ونظامه من الحُكم كونه يشكل خطراً مستمراً على شعبهِ ومحيطه الإقليمي والعالَم أجمع .ثمّ أعلنوا أنّ بقائهم المؤقت لتستقر الامور (هو فترة إحتلال) حسب التعريف العالمي المتداول!
    فالخلاصة نتيجة ما حدثَ بالفعل أنّ القوات الأمريكية حرّرت العراقيين من طاغيتهم الذي إستعبدهم (إذا قال صدّام قالَ العراق) ,وأسلمتهم الحُكم على طبق من ذهب ثمّ وضعت اُسس وقواعد تقاسم الشعب بجميع مكوناته للسلطة ,على أن يكون كلّ ذلك حسب النظام الديمقراطي المعروف عالمياً .وبعد أن خسرت آلاف من رجالها وتريليونات من أموالها ,غادرت بخُفيّ حنين لا جزاءً ولا شكورا !
    لكن الذي حصل بعد ذلك من عناد وفساد (أكثر من 400 مليار دولار منهوبة حسب منظمة الشفافية العالمية) ,وقتال وتطاحن وتداعيات مُرّة كالعلقم بين الفئات فمردّهُ للعراقيين أنفسهم ونوعية الثقافة الدينية السائدة وبعض جيرانهم (بالأخص إيران) ,الذين يخشون عدوى الديمقراطيّة!
    حسبَ ظنّي كلّ مُعترض أومعارض لهذا الحدث الجلل في تأريخ العراق الحديث سينطبق عليه المثل الإنكليزي .. (بعد الحدث الجميع سيدّعي الذكاء)!
    After the event every body is clever
    في الواقع إنّ الكراهيّة (لأمريكا) ,المزروعة في وجدان أغلب العراقيين زمن الأدلجة والتعريص القومي الإسلامي ,يجب أن لا تمنع حقيقة تطابق مصالح الطرفين في حالة التخلّص من صدام وحزبه الفاشي .ففي السياسة لا يوجد عداوات أو صداقات دائمة ,إنّما مصالح دائمة!
    ***
    صورة نصب الحرية!
    [[article_title_text]]

    مقالات حميد الكفائي تُعبّر عن العقلانية العراقية!
    الكاتب والأكاديمي العراقي (د. حميد الكفائي) من الأصوات القليلة النادرة التي أقرأ لهم وتتسم بالعقلانية والموضوعية والحياد ,مثله في ذلك د. غسان العطيّـة ود. عبد الخالق حسين وبعضٌ آخر!
    دائماً يطرح الواقع على الأرض ويُحدّد المشكلة في هذا الواقع ثم يقترح الحلول المنطقية (لا المناطقيّة) المعقولة المناسبة!
    أعترف أنّ نسبة لا بأس بها من إحباطاتي النفسيّة (العراقيّة) تنقشع كلّما قرأتُ مقالاً لهذا الرجل!
    فماذا يقول كفائي في مقالهِ الأخير بتأريخ 5 ديسمبر 2021 / الرابط أدناه!
    بدءاً ,يتحدّث عن سبب طول فترة عملية تشكيل الحكومة العراقيّة سابقاً وحالياً .
    في السابق كانت الفترة تطول بسبب تفاصيل تقسيم الغنائم لحكومة توافقيّة.
    ويؤكّد على التالي:
    [.. توزيع المناصب هذا لا يهدف طبعاً لتحقيق نجاح في أيّ مجال ,بقدر ما يهدف لتمكين الجماعات السياسية من الاستيلاء على مقدّرات الدولة وتسخيرها لخدمة أهدافها السياسية الخاصة .على سبيل المثال أحد الوزراء عيَّن أكثر من 60 ألف شخص من أنصار الجماعة السياسية التي جاءت به إلى الوزارة بعد أيام من تنصيبه] .ثمّ يتحدّث عن ممارسات الإسلام السياسي (الشيعي) في هذه الحالة:
    [..أمّا  في وسط وجنوب العراق حيث تقطن الغالبية الشيعية ,فمازالت قوى الإسلام السياسي مهيمنة ,ليس عبر الإقناع بل عبر القمع!
    والقمعُ هنا يتخذ أشكالاً عدة ,من التسقيط الأخلاقي وتشويه السمعة عبر إختلاق الأكاذيب والإفتراءات ضد أصحاب الرأي المُختلف ,إلى التهديد بالتكفير ومُعاداة الدين والمذهب ,إلى الخطفِ والقتل .هذه ليست قصص خيالية أو مُبالغة إنّما حقائق .فهناك المئات من النساء والرجال ممن اُغتيلوا وخُطفوا وعُذِّبوا بسبب آرائهم .بل توجد قصص يشيب لسماعها الأطفال ,مثل خطف المحامي الشاب علي جاسب وقتله ,ثم قتل أبيه المكلوم بخطف إبنه الوحيد ,بعد أن ظل يطالب بالكشف عن مصيره .لكن الجماهير الشيعية التي تتعرض لعملية قمع وإرهاب واسعة النطاق أدركت بوضوح أنّ القوى المتشدقة بالدين ,التي فرضت وجودها بقوة السلاح لا تهتم لمصالح الفئات التي تدّعي تمثيلها ,ولا لترسيخ مؤسسات الدولة وقوتها ,بل يترّكز إهتمامها على إنتهاز الفرص لجمع المال وتمرير أجندات دولة أخرى .لهذا السبب إنتفض الشباب عام 2019 على حكومة عادل عبد المهدي التي كان يتحكم بها قائد فيلق القدس الإيراني (قاسم سليماني) الذي قتله الأمريكيون قبل عامين بعد وصوله إلى بغداد ليلاً في زيارة سرية] !
    أمّا عن الأزمة العراقيّة الحاليّة فيقول :
    [ ..لكن الخلافات السياسية عصيّـة على الحلّ هذه المرّة على ما يبدو .
    إذ إنقلبَ السحرُ على الساحر .فالفائز بأعلى المقاعد (الصدريّون) غير مقتنع بمشاركة جهات فاقدة للشعبية في السلطة .لأسباب عديدة منها أنه ليس ضعيفاً عسكرياً ,وغير مُضطر لمجاراتها والإمتثال لرغباتها .ولأنه أطلقَ وعوداً لناخبيه بأنه لن يشترك مع هذه القوى التي يختلف معها في قضايا كثيرة ,منها التبعيّة لدولة أخرى (إيران طبعاً) ولأنه يعتزم أن ينتهج سياسات تتعارض مع مصالحها, مثل تجريدها من السلاح .أخيراً أدرك أنّ المُضي في معادلة المحاصصة الطائفية السابقة أصبحَ مرفوضاً شعبياً ,وإن لجأ إليه فسوف يتضرر شعبياً لا محالة]!
    أخيراً يوصي د. كفائي بعدم تعاون الكتلة الصدرية الفائزة مع القوى الإسلامية الخاسرة لأجل إنتاج حكومة توافقية ستكون حتماً فاشلة مثل سابقاتها ويقول:
    [ .. إنْ تعاونت الكتل الكردية والسنية والمستقلون مع الكتلة الصدرية ,فبإمكانهم تشكيل الحكومة دون عوائق .فالقوى المسلحة لا تستطيع أن تقف بوجه هذه الكتل المدعومة بالقانون ومؤسسات الدولة والمجتمع العراقي والدولي .
    ليس صحيحاً أن تصر الكتل المكوناتية (الكردية والسنية) على أن يكون هناك توافق طائفي (شيعي) كي تتعاون من أجل تشكيل الحكومة .
    حكومة المكونات رفضتها الجماهير العراقية بكل توجهاتها ,فلماذا يصر القادة الحاليون على الإستمرار فيها ,مُتحدِّين مشاعر الناس مغامرين بإندلاع إحتجاجات جديدة قد تكون خطيرة جداً هذه المرة] ! .. إنتهى
    ***
    الخلاصة:
     كتب مرّة آينشتاين جملة يقول فيها :
    شيئان لا حدودَ لهما : الكون والغبـــاء البشري!
    ثمّ قال : الغباء هو أن تُكرّر نفس الشيء ثمّ تتوقع نتائج مختلفة!
    الواقع العراقي البائس منذُ الأزل (وليس منذ 2003 فقط) ,مردّه عندي الشعب العراقي نفسه وسلبياتهِ العديدة (مثل نكران الجميل) بسبب الثقافة الدينية السائدة وربّما الجو المتطرف الحار بجنون لأشهر طويلة خلال العام!
    لكن هذا ليس مُسلماً به ونهاية المطاف .إذ يبقى الشعب العراقي شئنا أم أبينا صاحب تأريخ طويل قد تصل جذور (بعضهِ) الى أقدم الحضارات الإنسانية!
    ثمّ بهذا الإنفتاح الذي حصل بعد 2003 ووصول تفاصيل الحضارة الغربية الحديثه إلى العراق من مفهوم الديمقراطية الى الساتلايت والكومبيوتر والموبايل 
    وبظهور الشباب المتفتح (منذ 2019) ,وغالبيته ضدّ الطائفية والتطرّف الديني أصبح التغيير والنهوض أقلّ صعوبة من السابق .على الاقل إنّه ليس مستحيلاً كما كنتُ أشعر أنا نفسي .فقط تخلصوّا من سيطرة الإسلام السياسي على عقولكم!
    [ لتُحطمّوا يا إخوتي ألواح الكئيبين ,الذين لا يعرف الفرح ساحتهم ] !
    هكذا تكلّمَ زرادشت / نيتشه!
    ***
    الرابط:
    مقال د. حميد الكفائي / خلافات عميقة تعيق تشكيل الحكومة العراقية!

    رعد الحافظ
    6 ديسمبر 2021

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media