المكونات ,التوافقية السياسية ,المحاصصة الطائفية والقومية والعرقية أسست لمكاسب فئوية وطائفية‎‎
    الأربعاء 8 ديسمبر / كانون الأول 2021 - 08:54
    د. سمير ناجي الجنابي
    المكونات ,التوافقية السياسية  ,المحاصصة الطائفية والقومية والعرقية أسست لمكاسب فئوية وطائفية  واجتماعية والتي أفرزها وزرعها الاحتلال وكثير من قطف ثمارها وزرع بذرها بمواقع كثيرة ومختلفة

     هكذا هي المحاصصاتية المتحورة والمتدرفلة والمظللة بما أقر وأراد الاحتلال ، لا تقف عن حدود السياسة ومؤسسات الحكم، بل تتسلل إلى ثنايا المجتمع ومؤسساته وحقول حياته الحيوية. كل الأزم ات الأمنية والاقتصادية وكل ما يرتبط بسوء قطاعات التعليم والصحة وغيرها هي ببساطة نتائج طبيعية للمحاصصة.

    أن المحاصصة شجعت الأحزاب على اسـتغلال تخصيصات موازنة الدولة ليغرق الكثيرون في الفساد من خلال تصرفات لجان المشتريات ولجان التعاقد في العقود الخارجية والداخلية، إضافة إلى استغلال طابع التخادم الحزبي لبعض المؤسسات مما جعلها في منأى عن الرقابة، لتتفاقم بها حالات فسـاد جعلت البرلمان العراقي الأسوأ عبر التاريخ.

    و وجود علاقة بين المحاصصة والفساد المالي والإداري وهدر الأموال التي ترصد في الموازنات الحكومية العامة، وأن هذه العلاقة طاردة للاستثمار، ومتسببة في توسيع الفجوة بين فئات المجتمع.

    وبالحقيقة وبكل صراحة وشفافية النظام السياسي في العراق هو سبب كل الأزمات التي تضرب العراق من شماله إلى جنوبه، بعد مرور أكثر من خمس عشرة سنة من «التغيير»، وأن تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية سببه النظام السياسي وأخطاؤه الكارثية التي يدفع ثمنها الشعب العراقي الذي أوقعه قادة النظام السياسي في مستنقع المحاصصة والطائفية والنظرة ضيقة الأفق في معالجة المشكلات.

    و أن جميع الأحزاب السياسية التي تنتمي للطوائف والقوميات في العراق تشترك في الحكومة، وأن الكل يريد أن يعتلي السلطة ويشارك بالحكومة، ما يعني غياب أي دور للمعارضة بصورة كاملة، وهذا مؤشر خطير في فهم العمل السياسي.

    فالحكومة القوية تقابلها معارضة قوية، والمعارضة الحقيقية لا يقل دورها عن دور الحكومة، حيث إنها تقوّم عمل الحكومة وتكشف أخطاءها وتراقب عملها، لكن من مفارقات العمل السياسي في العراق - حسب الإدريسي - أن الذين يقودون التظاهرات والاحتجاجات يشتركون بالحكومة، وهذه ليست سياسة معارضة إنما وسائل ضغط على الحكومة من أجل زيادة المنافع والامتيازات.

    و التوافق السياسي ونهج المحاصصة الطائفية والقومية والعرقية قتلا النظام السياسي وجعلا العراق يتخبط بفوضى عارمة. وإذ يدافع بعض السياسيين عن المحاصصة باعتباره نظام حكم مأخوذًا به في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى، فإن تلك بنظر آخرين محاولة للدفاع عن مكاسب فئوية وطائفية أفرزها الاحتلال، إذ إن الحديث هنا لا يتعلّق بأقاليم جغرافية لدولة ومجتمع مندمجين على نحو كبير، كما في الدول المذكورة.

    لذلك يستخدم بعض السياسيين تعبير «مكونات عراقية» للتغطية على التشكيلات الطائفية والعرقية، باعتبارها من تشكيلات ما قبل الدولة المدنية، ولذلك أراد الاحتلال أن يقيم لها دولة مكونات ممزقة ومُقتتلة، من دون أن يذكر اسم هذا المكون أو ذاك، أو يتحدّث صراحة عن ذلك في الدستور، واستعاض عن الصراحة بتورية عبّرت عنها عبارات من نوع التوازن بين المكوّنات، وليس المساواة بين المواطنين.

    وإذ أصبح تشكيل الحكومات والتعيين في الوظائف قائماً على المحاصصة من دون نص صريح، فذلك لأن من أوجد الدستور هو نفسه من أتى بالكثير من القائمين على النظام السياسي، وهم الذين يوجّهون المادة الدستورية باتجاه الترجمة التي تنسجم مع نظام يبرّر وجودهم على رأس النظام.

    تقوم فلسفة المحاصصة الطائفية على تعريف المواطنين بحسب انتمائهم الإثني، وبناءً على نسبة كل جماعة إثنية داخل حدود الدولة الوطنية، تُحدد نسبة حصتها في أجهزة الدولة ومؤسساتها، وهو شكل من أنظمة الحكم السياسي، تُصمم غالباً لحماية حقوق الأقليات، وهو النظام المعمول به في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية، وجميعنا يعرف كيف يُحكم لبنان اليوم. ولهذا النظام مساوئ جمة، تبدأ من تعريف المواطنين سياسياً على أساس انتماءاتهم (الأصلية) المذهبية في العراق، ولا تنتهي بعملية النهب المشرعن التي يُمارسها زعماء الطوائف.

    والعراق، وبعد اربع جولات انتخابية، كان مُفترضاً أن تعزز الحياة الديمقراطية، وترسخ الحريات وحقوق المواطنة وتصوغ هوية وطنية، ينزلق في قعر الطائفية أكثر وأكثر، حتى باتت تهدد وحدة أراضيه، بعد أن قضت على السلم الأهلي فيه، وحولته دولة فاشلة. فعوضاً عن طرح أيديولوجيات ومشاريع سياسية وطنية، يجري التنافس عليها بين الفرقاء السياسيين، من أجل نهضة العراق، أضحى التنافس على حصة كل طائفة من السلطة غاية الغاية، حيث يجري تعبئة الجمهور العام، بمخاطبة غرائزهم واستنهاض عزائمهم، بالتذكير بهوياتهم الأصلية، كما فعل رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، في وصف معركته ضد خصومه بأنها "حرب بين أتباع معاوية ويزيد وأتباع الحسين"، وأنه، أي المالكي، يسعى إلى بناء دولة "أهل البيت". أضف إلى ذلك أن العلاقات البينية بين الطوائف تتحول من السعي إلى انصهارها في هوية وطنية جامعة إلى علاقةٍ، يتملكها الخوف والريبة والشك، فتعمل كل طائفة على بناء تحالفات إقليمية مع دول راعيةٍ، تدعمها ضد خصومها المحليين.

    بهذا المستوى من التفكير والممارسة السياسية، تتجذّر مصلحة الطائفة على ما عداها، فالمصلحة، هنا، هي لمصلحة الجماعة الطائفية، وليس للجماعة الوطنية، وهذا ما عبّر عنه صراحةً السياسي العراقي، مشعان الجبوري، بقوله إنه يريد تحرير العراق من "الاحتلال الكردي"، أي إن الآخر (العدو) هو داخل الحدود الوطنية، وعلاقات العداوة والصداقة ليست مع الآخر من خارج الوطن، بل مع أحد مكوناته الأساسية. أكثر من ذلك، في نظام المحاصصة الطائفية، لكل طائفة زعيمها الذي يمثلها في مؤسسات الدولة، وأمام بقية المنافسين، فيستفرد هو بنصيب طائفته، ويسرق ما تيّسر من خيرات البلاد، ويوزع المنح والهبات على من شاء، كلٍّ بحسب مجهوده في ترسيخ حضوره داخل الطائفة، حيث يتحول المواطنون رعايا، والزعيم راعياً وأجهزة الدولة إقطاعيات، بالإضافة إلى تحويل الانتخابات من استفتاء على سياسة الحكومة إلى مجرد ماكينة لحساب حصة زعيم كل طائفة داخل طائفته.

    الأنكى تحاصص مذاهب دينية (السنة والشيعة) السلطة مع جماعة قومية (الأكراد)، ويسمى هذا، بُهتاناً، الديمقراطية التوافقية، وهو، في الأصل، صورة لديمقراطية ممسوخة، تنم عن أزمة عقلية المُستَعمِر الأميركي الذي لا ينظر للمواطنين إلا ككائنات مذهبية وعرقية، يستحيل أن تنسجم مع بعضها في دولة مواطنة، وقد ساعدته النخب الطائفية على ترسيخ هذه النظرة.

    لا يؤسس نظام المحاصصة في "العراق الجديد" لبناء نظام ديمقراطي، مع وجود نخب فاسدة تتقاتل على مكانة كل طائفة وحصتها، بل على النقيض من ذلك، يؤسس، في أفضل الحالات، حالة من اللاحرب واللاسلم، تُبقي البلد بين خياراتٍ مجنونة، الحرب الأهلية أو التقسيم، وكلاهما ينتهي بهدم منظَّم للدولة الوطنية.

    فإن إزاحة المحاصصة لا تزال تمثـل تحـدياً حقيقيـاً أمـام أي برامج حكومية جديدة، بالإضافة إلى إصرار قادة الكتل والأحزاب وأمراء الفصائل على تنفيذ المحاصصة السياسية والطائفية والقومية. وتواجه الدولة العراقية اليــوم، بالإضافة إلى مشكلة المحاصصة وما نجم عنها من تهميش وإقصاء للكفاءات وتهجير للعقول وحروب داخلية بـين شركـاء الـوطن واللغـة والدين، موجات التشدد الديني التي تطورت وتعقدت بسبب المحاصصة التي قام بسببها نظام فاشل، وتمظهـرت في بعـض جوانبها على هيئة بروز جماعات عنف أفقدت الـبلاد الأمن والاستقرار، وهو ما يمثل تحـدياً يواجـه كل حكومة، فالنضــال مــن أجــل العدالة الاجتماعية والتنميــة في العراق اليــوم يأخذ مســارين: مســار القضــاء عــلى المحاصصة السياسية وآثارها، وبناء دولـة القـانون التـي تقـوم عـلى المساواة بين المـواطنين وتحقيـق العدالـة الاجتماعيـة. ومسار احتكار السلاح بيد الدولة. وينتشر السلاح في محافظات العراق كافة؛ سواء على أسـاس مزاعم دينـية كالفصائل المسلحة، أو على أساس مزاعم عشائرية كسلاح العشائر التي أصبحت في المحافظات الجنوبية دولة داخل دولة.

    تطــور دور المحاصصة إلــى المشــاركة فــي كل تفاصيل العمليــة السياســية، وحتــى لو كان ذلك لمصلحــة سلمية الــدولة، فقــد قامــت الأحزاب المسيطرة المنتفعة من المحاصصة، باستثناءات خاصة لها، أصبحت تشكل تهديـداً للهويــة الوطنية، وتقدم مصلحة الهويات الفرعية وتحالفــاتها العصبيــة أو الطائفيــة أو القومية على المصلحة العامة. وظلــت التوازنــات مــع المحاصصة مكونــاً أساسياً فــي النظام السياسي بعد 2003. وليــس ســراً تزوير الانتخابــات بسبب المحاصصة والسلاح السائب الحارس لها لــدى بعــض الفصائل والعشائر العراقية لفرض مرشــحيها فــي الانتخابــات البرلمانية والمحلية، بحيــث يلتــزم المنتمــون إلــى العشيرة والقرية بتأييــد مرشــحهم. ويحــدث ذلــك بغــض النظــر عــن برنامــج المرشــح السياســي؛ كمــا يتجلــى دور المحاصصة فــي حــالات الاستقطاب السياســي أو الطائفي أو القومي.

    وعــلى المســتوى الاقتصادي باتت ثروات العراق غنيمة تطمع فيها القوى الإقليمية والدولية. وبــات للمحاصصة السياسية رعاة من خارج العراق لهم دور محوري منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003. وبعد انهيار الدولـة، تـدخلت دول الجـوار في الشــأن العراقي بشــكل مبــاشر وغــير مبــاشر، فتدخل إيران وسوريا في الشـأن العراقي أمنياً وسياسياً واقتصادياً كــان لــه تــأثيره الســلبي خلال السنوات الماضية. ولم تسعَ أحزاب المحاصصة السياسية في العراق التي تسلمت السلطة بعد الاحتلال الأميركي إلى إعادة بناء الاقتصاد العراقي، رغم توفر موارد مالية كبيرة، وبدلاً من ذلك تحول الاقتصاد إلى ريعي، نتج عنه نهب ثروات العراق من قبل قيادات النخب الحاكمـة، وانتشار الفساد المالي والإداري وتفاقم البطالة والفقر وتردي مستوى الخدمات.

    أما وجود إدارات تنصبت بالمحاصصة في مجال إدارة الدولة وفي جميـع المجـالات، فقد أثر سـلباً عـلى سير العملية السياسية والأمنية والاقتصادية؛ سواء كان موقفاً أو قراراً أو تشريعاً، لأن الاختيار لشغل منصب ما للأسف يتم حسب الانتماء السياسي، أو النسب، بغض النظر عن المؤهلات العلمية، أو العملية، ففي هذه الحالة لن يخدم محيطـه ولـن يفكر في الولاء للعراق. إن احترام مبدأ سيادة القانون والعدالة الاجتماعية يحتاج لتوافر الخـبرات والمهـارات الجيـدة لإعـداد دراسـات تحليليـة لتحديـد إيجابيات وعيوب كل بديل من أجل اتخاذ القرار الذي يساعد في تقليل الفساد وتعطيل المحاصصة بتغليب المصلحة الوطنية على الشخصـية.

    المحاصصة السياسية أضعفت قانون الدولة، وتمددت في إضعاف مؤسساتها بمساعدة عوامل أخرى، فكثير من الوزارات والمؤسسات تقع حالياً تحت سلطة الأحزاب السياسية وفصائلها المسلحة، وأيضاً هناك مناطق كبيرة في شمال وغرب العراق تقع تحت سلطة الفصائل غير النظامية وتطلق عليها مناطق محررة، أو تحت سيطرة المكاتب الاقتصادية صاحبة السلاح التي تفرض سلطتها عند تقاسم المشاريع والمقاولات والموازنات.

    بسبب تعرض الدولة للمحاصصة أصبحت الإدارات غير قادرة على العمل وفق القانون أو تقويم الاعوجاج أو الانحراف كما كان في الماضي. وأصبحت تقف عاجزة أمام إقناع الفصائل المسلحة واستمرار الحكومة في دفع الأموال والاستثمارات من أجل كسب هدوء تلك الفصائل، الأمر الذي شجع على استمرار الجرائم وأعمال العنف.

    ومن الملاحظ أن تقاسم الثروات والسلطات وفق المحاصصة أصبح يدار من داخل مكاتب الأحزاب المسيطرة ومن قبل نافذين في الدولة، لا مانع لديهم في الوصول إلى السلطة على حساب مصالح أهلهم. إن أحد أكثر أسباب الفساد هو التطلع للسلطة عن طريق المحاصصة. لقد أصبحت المحاصصة الحزبية والطائفية صاحبة الصوت الأعلى في توزيع فرص العمل...

    وهذا رغم أن المجتمــع العراقي فــي معظــم مدنه أصبــح أقــرب إلــى المجتمعــات المدنية، إلا إن بعــض أريافه ما زال تحكمه الأعــراف والعشيرة التي تتشبث بقوة بعرف المحاصصة.

    عرف المحاصصة في تقاسم السلطة والثروة أنتج طبقة مستثمرة في الفساد من أجل الاستدامة، لذلك تسعى لاستمرار الأزمات والنزاعات الداخلية باصطناع الفتن وبغيرها من الوسائل.

    إن كثيراً من الباحثين والمراقبين كانت لهم مقترحات لتجاوز عقدة المحاصصة؛ منها:

    1- إعمال الحوكمة الحقيقية مع الديمقراطية.

    2- إعادة النظر في قانون مفوضية الانتخابات ونزاهتها.

    3- تفعيل قانون العمل وتسنّم المناصب الخاصة حسب المهنية والضوابط القانونية، وإعادة الأهلية لمؤسسات الدولة وإلى سابق عهدها بسلطاتها وهيبتها وحيادها.

    4- أن تترك الأحزاب السياسية المسيطرة للشعب سيرورته الوطنية بحيث تنحسر المحاصصة ثم تنتهي تدريجياً بزحف وسائل وظروف الديمقراطية الوطنية.

    5- أن تكف الحكومة عن تسييس المناصب الخاصة دون الوزارة.

    6- احتكار سلاح الفصائل بيد الدولة ونزع سلاح العشائر وتقوية القوات النظامية وتكثيف نشرها في مناطق التوتر والنـزاع.

    7- أن ترتفع الأحزاب السياسية إلى مستوى المسؤولية الوطنية وتضع في أولوية برنامجها السياسي بناء مؤسسات الدولة وتقويتها؛ بأن تركز في برامجها على المشاريع والتنمية وليس على المناصب، وذلك من أجل تحقيق تغيير اجتماعي حقيقي وصناعة وعي وطني شامل يقضي على المحاصصة والفساد.

    ولقد بات واضحا وجليا .. بات واضحا” ان ثمة معيار جديد بات يعتمد في إدارة السلطة السياسية في البلاد وان لم ينص عليه الدستور لا صراحة ولا ضمناً ألا وهو مبدأ التوافق في توزيع وتقاسم السلطات في النظام السياسي العراقي او بات يعرف بالعملية السياسية في العراق ، الا أن المرحلة الراهنة والتي يعيشها النظام السياسي في العراق قد صاحبتها الكثير من الازمات التي عكست أشد حالات عدم الاستقرار السياسي في التاريخ العراقي كونها تمثلت باستخدام العنف كوسيلة لإدارة الصراع الاجتماعي بعيداً عن المؤسسات السياسية والدستورية التي يفترض أن تكون هي الوسيلة لإدارة الصراع ، رغم الرعاية الامريكية للمشروع السياسي في العراق القائم على بناء دولة ديمقراطية مدنية ذات تعددية سياسية يكون فيها الحكم قائماً على أساس الانتخابات الحرة العلنية لتنظيم الية التداول السلمي للسلطة بعيداً عن الاحتكار الفردي أو الفئوي . إن مظاهر عدم الاستقرار السياسي في العراق اتخذت مظهراً جلياً في السنوات الأخيرة من عمر هذه التجربة (الديمقراطية)، افرزت وجود متغيرات وفواعل ساكنة كانت تهدد بإشاعة عدم الاستقرار السياسي وحتى الاجتماعي . مفهوم المحاصصة الطائفية والسياسية يقصد بالمحاصصة الطائفية والسياسية : الإجراءات التي تتخذ بالتوافق بين مختلف التيارات المذهبية والقومية من اجل ضمان تمثيل نسبي لجميع الطوائف والقوميات في الحكومة بما ينسجم مع كثافتهم السكانية وذلك بإسناد مناصب ومراكز تختلف في أهميتها ووزنها السياسي لممثلي هذه الطوائف والقوميات) . وقد جرى زرع وترسيخ المحاصصة الطائفية والسياسية في العراق منذ عام 2003 عندما تم تشكيل مجلس الحكم الانتقالي برئاسة الحاكم المدني الامريكي (بول بريمر)، اذ كان المجلس المذكور الذي تشكل في شهر ايار من عام 2003 قد ضم (25) عضواً من ممثلي الكيانات السياسية المختلفة، وقد راعى المجلس في تشكيلته الحجم السكاني لكل طائفة وقومية، اذ ضم (13) عضواً من الشيعة العرب و (5) أعضاء من السنة العرب و (5) أعضاء من القومية الكردية فضلاً عن عضوين اخرين لكل من المسيحيين والتركمان بالتساوي. وعلى الرغم من أن الدستور لم يشر إلى هذه الإجراءات ولم ينص عليها قانوناً إلا أنها باتت عرفاً ملزماً في تشكيل الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003. وهو أمر يتناقض اصلا” مع الدستور العراقي الذي نص في المادة (1) من الباب الأول على أن (جمهورية العراق دولة أتحادية … نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمتقراطي ) مما يوحي بما لا يدع مجالا للشك أن الحكم في العراق بات ، كما يفترض أن يكون ، يقوم على قاعدة حكم الأغلبية السياسية التي تحوز على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان سواء أكانت حزباً أم ائتلاف يضم مجموعة من الأحزاب وهي التي تشكل الحكومة وتنتخب رئيس الجمهورية، إلا أن القاعدة التي بات معمولاً بها هو أعتماد مبدأ (المحاصصة الطائفية والسياسية ) في توزيع المناصب والأدوار. بالإضافة الى ذلك فان الدستور العراقي لعام 2005 ، أكد في المواد التي تتحدث عن مناصب رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وهي المواد (54) و (70) و (76) لا تتضمن لوناً طائفياً أو قومياً لمرشحي هذه المناصب، ولكن العرف السياسي استقر على أن يكون رئيس الجمهورية من القومية الكردية ورئيس الوزراء من القومية العربية (شيعياً) ورئيس مجلس النواب من القومية العربية (سنياً) فضلاً على أن الوزارات والمناصب الأخرى بات توزيعها مرتهن بالمحاصصة الطائفية والسياسية. وبدلا” من ان تتمكن العملية السياسية العراقية القائمة على المحاصصة الطائفية والسياسية من تجاوز إشكالية الفوارق الإثنية بين فئات الشعب العراقي عندما اعتمدت مبدأ المشاركة السياسية للجميع واحترام الحقوق والحريات، الا انها فشلت في تغيير القناعة العامة بعدم وجود شكل من اشكال الحكم الفئوي الذي يعمد الى تغييب باقي التكوينات الإجتماعية وهو ما جعل من التنوع الثقافي مشكلة حقيقة تنعكس سلباً على بناء الدول والوحدة الوطنية ، وهو ما ضاعف من مشكلة (الحرمان السياسي) لدى التكوينات الإجتماعية البعيدة عن مركز المشاركة في صنع القرار. لذلك لم تنجح العملية السياسية العراقية بعد 2003 من إدماج جميع الأفراد في نطاق المشاركة السياسية، ولهذا فأن أحدى الخصائص المميزة لهذا النظام تنحصر في حالة من عدم الاستقرار السياسي كحالة تبدو مستدامة كونها متصلة بأرث تاريخي من الحكم الفئوي الأمر الذي جعل من مسألة القبول بالآخر تبدو معضلة أو أزمة، وقد تجذرت هذه الثقافة (ثقافة الاقصاء من الحكم) لفترات طويلة ولاسيما خلال النظام السابق الأمر الذي جعل من مسألة التشارك في السلطة تبدو غير مقبولة ومرفوضة البتة وأعطى لإنطباع أيضاً بحقيقة أن نظام الحكم ذو طـابع (إوليجارشي). تأثير المحاصصة الطائفية والسياسية على الاستقرار السياسي مما لاشك فيه اليوم أن المحاصصة الطائفية والسياسية كان لها آثار أو انعكاسات مباشرة وغير مباشره على الاستقرار السياسي في العراق ، انسحب بشكل او بآخر على النسيج الاجتماعي العراقي . فلقد ادت المحاصصة الطائفية والسياسية الى تحديد قدرة النظام السياسي على الفعل المؤثر وصياغة القرارات الاستراتيجية المتعلقة بعملية التنمية والاستقرار والتطور في العراق وبالتالي انعكس ذلك على الوحدة الوطنية والامن الوطني العراقي . فقد اتسمت العملية السياسية خلال الثماني سنوات الماضية بالتنافس عالي المستوى بين اطرافها ، على أدوات السلطة السياسية من أجل إعادة توزيع الموارد الإقتصادية – الإجتماعية ، ويبدو بما لا يدع مجالاً للشك أن الصراع السياسي الحكومي عكس وجود مساع متناقضة متعاكسة في الإتجاه: مساع لإزالة الحيف وإستعادة إمتيازات وحقوق كانت معدومة وبالمقابل هناك مساع لاستعادة السلطة والنفوذ (انظر ، ديناميكيات النزاع في العراق: تقييم ستراتيجي، معهد الدراسات الستراتيجية، بغداد – أربيل، 2007، ص 8 ) ، لذلك بقيت العديد من المناصب السيادية (الامنية) في الحكومة دون توافق على تنسيب من يشغلها . كما أدت المحاصصة الطائفية والسياسية الى تراجع عملية النمو والتنمية، نتيجة لغياب التخطيط الواضح لحل مشكلة البطالة وتوفير فرص عمل وإحداث تنمية حقيقية من خلال توظيف عائدات النفط بسبب الخلافات السياسية، التي تزامنت مع تفاقم مشكلة الأمن مما أضعف قدرة الحكومة في إمتصاص التطلعات البازغة وإرساء الإستقرار، وهو ما حدا بالعديد من الفئات الإجتمـــــــــاعية إلى التورط في مظـــــــاهر العنف والإرهاب. كما ادت المحاصصة الطائفية والسياسية الى تفاقم ظاهرة الفساد الإداري والمالي، إذ لايزال العراق يحتل مراكز متقدمة في ترتيب الدول الأكثر فساداً في العالم حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية (International Transparency) . إن الفساد الإداري والمالي بهذا الشكل لم يؤد إلى عرقلة عملية التنمية الإقتصادية فحسب بل ساعد أيضاً على تمويل العمليات الإرهابية، إذ أن الكثير من الأنشطة والعمليات التي قادتها الجماعات المسلحة كانت تعتمد على التمويل المتأتي من مصادر الفساد المالي حسب ما جاء في تقرير للسفارة الامريكية في بغداد صدر في نهاية أيلول من عام 2007 (تقرير السفارة الامريكية في بغداد عن فساد الحكومة العراقية، المستقبل العربي، السنة (30)، العدد (345)، تشرين الثاني، 2007، ص 92) ، وضمن السياق نفسه أكد (ستيوارت بوين) في عام 2006 أن الفساد الذي يكلف العراق سنوياً بما يقدر (4) مليارات دولار والذي يمثل (10 بالمئة) من حجم الناتج القومي الإجمالي يعمل على تمويل العمليات المسلحة وبالأخص من خلال الفساد في القطاع النفطي، إذ أن تهريب النفط الذي يتورط فيه بعض المسؤولين العراقيين يوفر دعما للمليشيات المسلحة بنحو مئة مليون دولار سنويا. الخاتمة خلاصة القول أن المحاصصة الطائفية والسياسية التي اتسمت بها العملية السياسية العراقية ، كانت لها انعكاسات وآثار متعددة طالت ظاهرة الاستقرار السياسي في العراق، أدت بالعراق إلى أن يعيش أزمات متعددة مثل أزمة ضعف القدرة الواضحة للنظام السياسي على الفعل و تعثر قضية التنمية الاقتصادية ، مما أدى الى انتشار مشاكل البطالة التي أثرت بدورها على عدم الاستقرار الاجتماعي ، كما ادت المحاصصة الطائفية الى تفاقم ظاهرة الفساد الاداري والمالي ..
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media