ظاهرة المليشيات ومستويات العنف في المجتمع العراق
    الجمعة 19 فبراير / شباط 2021 - 10:27
    مهدي الصافي
    بغداد عاصمة الخلافة العباسية لم تستقر يوما بعد سقوط الامبراطورية الاسلامية على يد المغول، بقيت مدينة احلام امبراطوريات الامم الاخرى، حتى قيل بعد احتلالها من قبل بوش الابن2003، ان اعلان السيادة والسيطرة على العالم يبدأ منها...التركة الامبراطورية العثمانية الثقيلة في بلاد العرب، تركت اوطاننا غارقة في المشاكل والازمات الاجتماعية، ولان طبيعة المجتمع قبلي عشائري واثني وطائفي، والبيئة فيه متشابكة ومتداخلة بين الطوائف والاعراق والاديان، ولانه بلد لاذت به قوميات الدول المجاورة منذ زمن، ضعفت عند ابناءه الروح الوطنية العامة، وقويت بدلا عنها روح الانتماء القبلي او الطائفي، وقد تكون مسألة قبول ملك عليهم من الحجاز دليلا على صعوبة ايجاد قائد او ملك عربي عراقي، تجمع عليه مكونات المجتمع، ولعل الاستعمار الانكليزي لعب دورا في تفضيل المحلي على الملك المعلب او الجاهز مسبقا من قبلهم.....

    لقد كان العراق يعرف ببلد الانقلابات العسكرية، وهذه الظاهرة المعروفة لايمكنها الا ان تكون انعكاس لطبيعة المجتمع الذكوري المعقد او المركب، ولكن نتيجة هذه التحولات السياسية الدموية، انتجت نخب وطبقة سياسية تؤمن بالعنف كوسيلة للوصول للهدف، وهو حكم البلاد (تحت شعار تخليص البلاد من الاستعمار والعملاء)، الا ان الحياة الاجتماعية الاقطاعية السابقة كانت ايضا هي الدافع لصعود واستفحال تلك الظاهرة، اي ان العنف (القبلي والعشائري) زحف من المجتمع الى السياسة وليس العكس...

    المجتمعات غير المتجانسة وطنيا او انظمة الدول البدائية (المحير في الامر ان اغلب الانظمة العربية الجمهورية التي استلمت الحكم بعد رحيل الاستعمار وانهيار الانظمة الملكية كانت لديها اجهزة امنية متوحشة)

    التي تنتشر فيها عصابات الجريمة المنظمة والمتوحشة، تنتج شعبا حذرا خائفا مضطربا، يخضع لسلطة وهيمنة وثقافة الاقوى في الشارع، ليس العراق وحده من عانى من تلك الحالة، انما دول اخرى وقعت في نفس الماساة، وهذا بدوره يجعل الارضية معبدة لولادة كيانات سياسية مشوهة، تمزج بين الانتماءات الاثنية او القبلية وبين المفاهيم والشعارات السياسية وبين الاساليب الاقطاعية في الحكم، وتحديدا في الدول التي تواطئت معها او سكتت عنها المؤسسات الدينية..

    ولتحديد مراحل او مستويات العنف في المجتمع العراقي

    يمكن الاشارة اليها في عدة نقاط منها:

    اولا: الحياة البدوية والقبلية قبل قيام الدولة اي تحت الاحتلال العثماني..مرحلة غياب النظام والقانون الوطني

    ثانيا: الاقطاعية السياسية والاجتماعية في العهد الملكي

    ثالثا: الاحزاب والتيارات السياسية (اليسارية واليمينية او القومية) في العهد الجمهوري الاول (عهد عبد الكريم قاسم)

    رابعا: عهد العارفين وصعود البعث (وهو يشكل انعطافة خطيرة بالمستويات الدموية السياسية)

    خامسا: عهد البكر وصدام ودخول الانتماءات القبلية والعشائرية والطائفية بقوة في الحكم

    سادسا: الحروب المتوصلة مع ايران 1980-1988، وحرب الخليج الثانية عام1990

    سابعا: الحصار الاقتصادي الدولي المدمر على العراق بعد عام 1990

    ثامنا: اسقاط النظام السياسي في العراق عام 2003 وبداية انتشار الفوضى العارمة في البلاد

    تاسعا: انتشار الارهاب الاسلاموي الاخواني والداعشي في البلاد، وتعمد توفير بيئة نظرية الهيمنة والاستحواذ بعد نشر التوحش

    عاشرا: ظاهرة الدعشنة او التدعيش التي عبرت الى الجماعات والفصائل والاحزاب والتيارات الاسلامية الشيعية

    بعد نهاية الحرب الباردة، وانسحاب الروس من افغانستان بعد هزيمة الاستنزاف الطويلة، اشار بعض الكتاب العرب الى ازمة او ظاهرة الافغان العرب، واحتمال عودتهم الى بلدانهم، والدخول في دوامة عنف جديدة، وبداية لاثارة الفتن الداخلية، لم يتوقع احد ان تكون تلك الفرضيات او الاحتمالات ممكنة الوقوع، وبالاخص مع وجود انظمة واجهزة امنية عربية حديدية،

    الا ان خنادق التأمر الامبريالي العالمي كانت تخطط لهذه العودة، لاشعال مابات يسمى بعدها ثورات الربيع العربي بعد 2003، الذي بدء بضخ الارهاب بقوة الى بلاد الرافدين، على اعتبار ان هناك مشروعية دينية للحرب المقدسة، لطرد الاحتلال الامريكي من دار الاسلام، ولحماية العرب السنة من الحكم الشيعي الجديد، ثم تحول وانتقل هذا المرض المعدي الى بقية الدول العربية (سوريا لبنان ليبيا ومصر وحتى اليمن الخ)،

    هذه الفتنة الطائفية الدموية جعلت من منطقة الخليج العربي، ومايسمى بدول الهلال الشيعي، في حالة حرب طائفية مستعرة، ومنطقة لتصفية الحسابات العربية والاقليمية والدولية، فهي من جهة صراع عربي عراقي لابعاد الهيمنة الشيعية على الحكم، وطرح سيناريوهات متعددة منها تقسيم البلاد الى اقاليم ثلاث (اقليم عربي شيعي، واقليم عربي سني، واخر سني كردي)،

    او تركها دولة مفككة غير مستقرة ينخرها الفساد، حتى يتم الانتهاء من ملف التطبيع او لتمرير صفقة القرن، ومواجهة ايران النووية، وكذلك صراع عربي اسرائيلي ضد ايران وسوريا، واخر امريكي روسي صيني لبسط النفوذ في المنطقة، حتى جاءت لحظة سقوط الموصل بيد داعش واعلان دولة الخلافة 2014،

    ومن ثم اصدار فتوى الجهاد الكفائي، وانطلاق تشكيل الحشد الشعبي، الذي قاتل الارهاب ببسالة وشجاعة عالية، شهد لها القاصي والداني،

    تم بعدها سحق داعش وانهاء دولة البغدادي الورقية، الا ان المشكلة الجديدة التي ولدت بعد التحرير، هو انعدام الثقة بين الدولة ومؤسساتها العسكرية والامنية الرسمية وبين فصائل الحشد الشعبي (الذي بات يعرف بالحشد الولائي اي التابع لولاية الفقيه الايرانية)، وبقية المجاميع المسلحة، هذه الجماعات لاتريد العودة للحياة المدنية حتى مع توفير فرص الاندماج بمؤسسات الدولة، بحجة ان فتوى الجهاد الكفائي لازالت سارية المفعول، وانها لن تلقي السلاح حتى خروج اخر جندي امريكي من البلاد، تماما كحالة الاحراج التي تعرض لها حزب الله بعد الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، وبقيت الاسباب غير المقنعة للشارع معقلة بمزارع شبعا، حتى تورط الحزب بالملف السوري بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية لاسقاط نظام الاسد ولازال مستمرا، حتى بعد انتفاضة الجوع اللبناني قبل وبعد دمار مرفأ بيروت، وانتشار وباء كورونا

     (من النادر جدا ان تتخلص الدول المبتلية بأفة المليشيات والجماعات المسلحة بسهولة منها، وبدون قتال واراقة الكثير من الدماء، وقد كان ابن سعود مؤسس مملكة ال سعود في نجد والحجاز من ادهى الحكام العرب، عندما تخلص في بدايه حكمه من المليشيات اي حركة الاخوان، ومن باقي القبائل المسلحة، التي ساعدته في انهاء حكم الشريف حسين بن علي واعلان دولته) .....

    المزج بين الواجب الديني والوطني لايمكن القبول به في عصر العولمة والهيمنة الالكترونية، لاتوجد حروب مقدسة دينية او طائفية عابرة لسيادات الدول، هناك امبريالية رأسمالية تفرض سيطرتها بقوة على العالم، تتحكم بالسياسة والقوانين والاعراف الدولية، وباتت تلعب على المكشوف، لم يعد هناك شيئا خافيا على احد في القرية الكونية....

    سياسة تصدير او ترحيل المشاكل ليست حديثة، تتبعها بعض الدول التي تعاني من ازمات داخلية، ايران تعاني من حصار ووضع اقتصادي صعب في المنطقة، ولهذا انخرطت بقوة في مشروع الاحتواء والتبني الكامل لدول او منطقة الهلال الشيعي، رافعة شعار المقاومة الدينية الثورية لتحرير القدس، ولاخراج الامريكان من الخليج العربي-الفارسي،

    في حين هي تعاني على المستوى السياسي العام من تصاعد حدة الرفض لبقاء شكل وهيئة وتركيبة الدولة الدينية (ولاية الفقيه)،

    بعد ان اصبحت دولة نووية، وكما هو معروف من ان النقيضان لايجتمعان، بين العلم والجهل، فمن الطبيعي ان يحصل تغيير ثقافي في المجتمع، وان يتراجع التأييد الشعبي او حتى النخبوي والاكاديمي، وان ينتقد الناس وتعترض على نمطية التراجع السياسي، او ان تبقى اسيرة الحرس الثوري القديم، والطريقة البدائية المتخلفة في الحكم وادارة الدولة، وهذا الامر لايقتصر على طبقة معينة دون غيرها، انما منذ اعلان الجمهورية الاسلامي بعد عام 1979، كانت هناك معارضة شديدة حتى من قبل الحوزات الدينية التقليدية لفكرة ولاية الفقيه المطلقة (في غياب الامام المعصوم)،

    وقد كانت ردود الافعال الرسمية على تلك الاعتراضات عنيفة، بل دموية احيانا، وقد لوحظ في الاونة الاخيرة كثرة الاعتقالات والاعدامات للمعارضين والمفكرين والاكاديميين الايرانيين،

    مما دفع بالنظام الايراني الى احياء ملفات التدخل المقدس في شؤون الدول الاخرى، دافعة بذلك الرأي العام الى التحشيد الشعبي، للعودة الى شعارات الحرب العراقية الايرانية،

    ونظرية تصدير الثورة (ونموذج هيمنة الحرس الثوري على الجيش والدولة)، واحياء يوم القدس، والمساهمة بقوة في نشر روايات ظهور الامام الغائب  (والمسيح الدجال والسفياني واليماني، وقد اشرنا الى هذا الامر في مقالات سابقة)، وهذا ما يتحدث به ايضا الجماعات او المليشيات الولائية التابعة لهم في العراق، من جهة اخرى لا احد يمكنه ان ينكر من وجود مخاطر ارهابية حقيقة، تهدد الوجود العربي الشيعي او العلوي في العراق وسوريا، وتتمنى انهيار او زوال النظام الاسلامي الايراني (لكنها هي ايضا رغبة اغلبية الشعب هناك)،

    فقد تعاملت دول الخليج بغباء كبير، وحماقة غير مسبوقة مع الملف العراقي والسوري وحتى اليمني، حتى انتهى بها المطاف الى ان ترتمي في احضان وشباك التطبيع مع اسرائيل لمواجهة ماتعتقد انه خطر يهدد امن واستقرار بلدانها (بينما قطر ذهبت الى طلب الحماية من ايران وتركيا لمواجهة الخطر التوجهات السعودي الاماراتي العدائية على سيادتها ووجودها، وهذه ايضا تؤكد على فقدان بوصلة الاستقرار والامن الاستراتيجي العربي والاقليمي)، وللحد من الهيمنة الايرانية المتوقعة على منافذ تصدير الطاقة البحرية (اي عودة شرطي الخليج الفارسي الى عمله السابق كما كان في عهد الشاه)،

    اي بالفعل كانت هناك تهديدات طائفية، ويبدو انها مستمرة في عهد بايدن (ساكن البيت الابيض الجديد)، لكن هذه التهديدات ليست مبررا للمساهمة بصناعة دول كارتونية فاشلة كما في العراق وسوريا، او ان تفتح مخازن السلاح وبقية الدعم اللوجستي لكل من يريد انشاء او تشكيل فصيل مسلح بعيدا عن سلطة ورقابة وموافقة الدولة،

    مع انها كانت ووفقا لمصادر سياسية عديدة تتدخل على سبيل المثال في اختيار مرشح رئاسة الوزراء العراقي (وحتى الوزراء، وبقية المسؤولين)، لانها تمتلك النسبة الولائية المعطلة لاختيار اي شخصية غير مقبولة ايرانيا في البرلمان (المجلس الاسلامي الاعلى، وفيلق بدر، والعصائب، واجنحة من حزب الدعوة، وحتى احيانا كسب التيار الصدري المتذبذب الولاء، وبقية الشخصيات والجماعات الولائية، وتعلم المكون السني هذه اللعبة وبدء يبحث عن ورقة التأييد الايراني على منح منصب معين، كما في عملية الاستحواذ على كرسي رئاسة مجلس النواب على سبيل المثال، الخ.)،

    حالها حال بقية التدخلات الخارجية لدول الخليج وامريكا وتركيا، فلكل دولة شروطا معينة في تشكيلات الحكومة وقراراتها...

    صناعة دولة المليشيات تعني تسهيل عملية الاستهداف للقواعد الامريكية (في العراق والشريط الحدودي مع سوريا)،

    ولنقل الاسلحة ايضا من ايران الى سوريا ولبنان، من هنا نجد ان مطالبة الكتل السياسية للمحافظات الغربية بسحب الحشد والفصائل المسلحة من مناطقهم، هي تأتي بدعوة خليجية امريكية لقطع المنافذ البرية المفتوحة بين ايران وسوريا مرورا عبر الاراضي العراقية (وليست نتيجة للخروقات او التجاوزات من قبل افراد الحشد او الفصائل كما يشاع عنها)،

    مع ان المخاوف من عودة داعش الى تلك البؤر والحواضن لازالت كبيرة، ولكن يبدو ان قيادات الحشد والفصائل المسلحة المرتبطة بأيران، ترفض اعادة هيبة المؤسسة العسكرية والامنية، مثلما اعترض سابقا اقليم كردستان على اعادة تسليح الجيش، وكذلك رفض المكون السني من ان يتم تطوير المؤسسة العسكرية بقيادة عربية شيعية (كانت تطلق على الجيش العراقي بعد2003 بالصفوي)، الخ...

    مستويات العنف الجديدة للفصائل والاحزاب والتيارات الاسلامية الشيعية، ظهرت بعد تجربة التوحش والارهاب الداعشي في البلاد، اذ بدأت تدخل الى المذهب الجعفري المصطلحات والمفاهيم والتأويلات الداعشية (الضرورات تبيح المحظورات، انما الاعمال والافعال بالنيات، خدمة الصالح العام، طاعة ولي الفقيه او المرجع نائب الامام الغائب واجب شرعي، كطاعة او بيعة الدواعش لامراءهم، قطع دابر الفساد، الخ.)، بينما كان ابناء الطائفة الشيعية وعبر تأريخهم الطويل عرضة للتكفير والقتل والارهاب، ولم يعرف عنهم انهم كانوا يفعلون كما يفعل الخوارج، لديهم فتاوى تكفيرية ميتة لايترتب عليها اي تبعات اجرامية، لانه مذهب معارض ومطارد من قبل الدول والانظمة الطائفية منذ ثورة كربلاء او بعد واقعة استشهاد الامام علي ع،

    الى ان استلمت ولاية الفقيه الشيعية الحكم في ايران، فصار بعدها للمذهب الجعفري دول اقليمية مهمة، تغيرت بعدها الفتاوى والمفاهيم او المبادئ والاجتهادات السياسية والفقهية الشيعية...

    اعتمدت الفصائل الاسلامية الشيعية المسلحة على ابناء العشائر، وهذه الطبقة في الاعم الاغلب كانت غارقة في النزاعات العشائرية المسلحة (ابناء المدن عادة لايؤمنون ولايرغبون في الانخراط بالعنف المسلح المنظم عقائديا او اجراميا او حتى عشائريا)، وهي قادمة من ثقافة اقتل وافصل (اي العشيرة تتكفل بدفع دية القتيل سواء كان على حق او باطل)، التي انتشرت بعد الحصار الاقتصادي، وتزايدت بشكل كبير بعد 2003، عندما تعمدت الطبقة السياسية الفاشلة ان تجعل من المحافظات دوائر انتخابية واحدة، تحولت الاحزاب والتيارات السياسية الى تجمعات عشائرية انتخابية، حيث عمدت بعض هذه الاحزاب الى اهمال واقصاء قياداتها المفكرة غير العشائرية، لانها غير نافعة في مسألة جلب اصوات الناخبين، كما يحصل عند مرشح هذه العشيرة او تلك، 

    هذه التصرفات الهمجية البدائية اعطت قوة كبيرة لنشر حالة اللادولة، وبات المواطن يسمع النخب السياسية الحاكمة او المسؤولة تردد عبارة "الاحتكام الى الاعراف العشائرية"  اكثر من السلطة القضائية، ومن خلال تلك التركيبة المشوهة للديمقراطية الفوضوية في بلادنا، استغلت الجماعات والفصائل المسلحة تلك الارضية الخصبة لبناء قوة عسكرية وسياسية واقتصادي غير دستورية، يمكنها تعطيل الدولة وشل حركتها متى ما ارادت، وقد استعرضت لهذه القوة في الشارع اكثر من مرة، الا ان انتفاضة تشرين، وزيادة الوعي الوطني، والامتعاض الشعبي من هذه التصرفات، ادى الى رد فعل عكسي من قبل هذه الجماعات المسلحة، عبر كيل سلسلة من الاتهامات لكل من يعترض على وجودهم خارج سلطة القانون، او يصف ولاءهم لايران بأنه انعدام للوطنية، الخ.

    المجاميع المسلحة الشيعية والحشد الشعبي كانت واجباتهم دفاعية في بادئ الامر، ومع الانتهاء من ملف الارهاب، وتحرير المحافظات الغربية من داعش، تمسكت هذه الفصائل بالبقاء في تلك المناطق، وعززت من قدراتها القتالية والتسليحية، بعد ان دخلت بشكل مباشر في العملية السياسية بعد انتخابات 2018 الاخيرة، ومع غياب العدو الميداني، قامت بصناعة عدو اخر، لكنه وهمي 

     (اخراج الامريكان من العراق، مع وجود اتفاقية دولية موقعة بين البلدين، اتفاقية الاطار الاستراتيجي)، لم يقتنع الشارع والنخب السياسية والثقافية والاجتماعية بتلك الاسباب، ومع اتساع الهوة بين الشارع وهذه الفصائل والمليشيات المسلحة، تحول التعاطف والتأييد الشعبي السابق لها الى عداء مبطن واحيانا علني، بعد ان شاركت الاحزاب والتيارات الفاسدة تقاسم كعكة المحاصصة في تشكيل الحكومة (المشهورة والمتهمة بنهب المال العام، وبيع او توزيع المناصب، وشراء الاملاك العامة، والمتاجرة بالعملة الصعبة، وسرقة اموال قطاع الصحة والتربية والتعليم والخدمات والبطاقة التموينية، الخ.)،

    وتوجيه اصابع الاتهام لها من قبل ثوار انتفاضة تشرين بأنها جزء من الطرف الثالث، الذي استهدف المتظاهرين في بغداد وبقية المحافظات بالرصاص الحي (منذ الايام الاولى لانطلاقها في اكتوبر 2019)، ومن ان قسما منها يقف وراء اغلب عمليات الاغتيال والخطف والتعذيب او زرع العبوات الناسفة، التي تستهدف الناشطين والمعارضين لهم، الخ.

    ثنائية العرب والسلاح، تكاد تكون جزء من العادات والتقاليد العربية القبلية الموروثة، في السلم والحرب السيف او البندقية تبقى معلقة في ديوان القبيلة او العشيرة، بل هي سمة عامة لدى البشر، اي من الصعب نزع سلاح المسلح، الا بعد ان يشعر ان الجميع لايشكلون خطرا عليه، وانهم لايحملون اسلحة او تخلوا عنها قبله، ومن هنا نؤكد على ان المطالب بنزع السلاح غير الدستوري دون وجود ضمانات حقيقة ضرب من الخيال، اي نعتقد ان لايحق لاحد ان يطلب من البيشمركة او سرايا السلام او الحشد الولائي وبقية الفصائل المسلحة ان يتركوا اسلحتهم، وان يعودوا الى بيوتهم، لانهم جزء من قوة الشعب القتالية (غير المنظمة)، التي كان لها دورا تأريخيا في حفظ البلاد من الارهاب الداعشي، وايقاف تمدده الى العاصمة بغداد، لكن من حق الدولة والشعب والطبقة السياسية النزيهة ان تقترح او تطرح خطط معينة لايجاد حلا لهذه المعضلة، كما فعلت بعد 2003 عبر قانون دمج المليشيات بالقوات المسلحة والاجهزة الامنية (مع انها كانت عملية فاشلة تندر عليها الشعب كثيرا ولايزال، لانها تجاوزت الاعتبارات والسياقات الامنية والعسكرية في منح الرتب)، قبل ان تتصاعد مستويات العنف، فيصبح القتال كما كان في شمال العراق قبل 2003، من بيت الى بيت، ومن شارع الى شارع، بالاستفادة من الخبرات القتالية والعسكرية لافرادها، واعادة توزيعها على الوحدات والالوية العسكرية، وبقية الاجهزة الامنية، والعمل على تشريع قانون الخدمة الالزامية، لضمان غلق الابواب امام اي مكون او طرف يتبنى اجندات تخريبية خارجية، لاثارة الفتن بغية تدمير العملية السياسية او الذهاب الى مشروع تقسيم البلاد، وبما يخدم المصلحة الوطنية العليا، دون اقصاء او تهميش او ابعاد لاحد....

    الجندي الذي يبقى حاملا سلاحه خارج ساحة الحرب، اما ان يبقى على اهبة الاستعداد بشكل دائم، او يقوم بالروتين اليومي بالتدريب وتنظيف سلاحه، اما المقاتل المدني المسلح داخل المدن فهو يعتقد ان القوة والقانون في مقدمة فوهة البندقية، ولهذا يستعرض بها في الشارع كلما خفت بريقها امام الناس، وعند الاستفزاز قد يستخدمها في جميع الاتجاهات ...
     

    مهدي الصافي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media