هل انتفت الحاجة الى الإيديولوجيا؟
    السبت 20 فبراير / شباط 2021 - 15:51
    عبد الله عطية شناوة
    تعاني مجتمعاتنا من فقر كبير في الجوانب المتعلقة بفهم المفاهيم والمصطلحات الحديثة التي أفرزها التطور الفكري في حضارتنا المعاصرة. وما تزال أذهاننا تحمل تصورات مشوشة عن مفاهيم ومصطلحات نتداولها أو نبحثها في نقاشاتنا، أمر يؤدي ولا شك الى الخروج بنتائج خاطئة لتلك النقاشات.

    من أكثر المصطلحات غموضا في الأذهان مصطلح إيديولوجيا. الذي تم تداوله بشدة بعد أنهيار التجربة الإشتراكية في أوربا الشرقية، بما أوحى بأن الأيدولوجيا رديف للماركسية، ولهذا جرى حديث كثير عن موت الإيدولوجيا. وأستخدم البعض من متواضعي الثقافة الإيدولوجيا سبة وشتيمة، واعتبار من يهتدي بإيديولوجيا مثالا للتحجر والجمود.

    فما هي الإيديولوجيا؟ ... وهل أنتفت الحادة إليها حقا؟
    إيدولوجيا تركيب من كلمتين هما أيديا وتعني فكرة و لوغوس وتعني علم، ومن دمجهما نحت مصطلح إيدولوجيا الذي يعرفه دوتراسي على أنه (( العلم الذي يدرس الأفكار، بالمعنى الواسع لكلمة أفكار، أي مجمل واقعات الوعي من حيث صفاتها وقوانينها وعلاقتها بالعلائم التي تمثلها)).
    ومع تطور الفكر الاجتماعي صارت الإيدولوجيا وسيلة لقراءة الواقع والأحداث والتأريخ وشخصياته الفاعلة، و حتى أستشراف المستقبل وفق نسق معرفي يبتعد عن النظرة الجزئية إلى مظاهر الحياة الأجتماعية، التي تهمل الترابط الممكن بينها والتأثير المتبادل فيما بينها، ويعتمد بدلا من ذلك بحث الواقع في حركته الدائمة وتحليل سلوك الجماعات والأفراد وعلاقاتهم وردود أفعالهم، ليس فقط على أساس الظروف الخاصة بالفرد والجماعة، بل كذلك بترابط الأفراد والجماعات في علاقات متشابكة ومصالح مشتركة، وبما يفصل بينهم من تناقضات وتصادم مصالح. نسق يربط بين الأحداث والوقائع ويبحث في أساسها الاجتماعي، وليس النظر اليها كتعبير عن نوازع شخصية أوفئوية بحتة.

    أستخدام إيدولوجية معينة في التحليل لا يعني بالضرورة أنها أصبحت تحكمنا، ولا يشكل دليلا على تحجر من يستخدمها، إن كان ينطلق في قراءة الواقع الاجتماعي وفي التعامل معه من نظرة شمولية تستند الى مبادئ إنسانية عامة، لا تهمل المتغيرات المستمرة في الواقع دائم الحركة، ولا تشيح عن جديد المنجز العلمي أو تفسيره تفسيرا إرادويا ينطلق من قيود الإيديولوجيا.

    نعم لا ينبغي للإيديولوجيا ان تحكمنا، وتتجاوز دورها كأداة مساعدة في تحليل الواقع واتخاذ الموقف منه، ولنا بعدها ان نختار ما إذا كان موقفنا ينطلق من المصلحة العامة للمجتمع، أو من مصلحتنا الفئوية، القومية، الطبقية، أو مصالحنا الشخصية.

    وليست هناك ايديولوجيا خالية من العيوب، لكنها تظل كمنظومات فكرية للتعامل مع الوجود والواقع الإجتماعي بترابطة وتشابكه، اكثر قدرة على تحليله من النظر الى مفاصله كأجزاء منفصلة عن بعضها، وينبغي ان يجد حامل الإيديولوجيا في السعي الى اكتشاف جوانب الخلل فيها، والتخلي عما لم يعد نافعا فيها بحكم حركة الحياة. وإلا أصبحت قيدا فكريا يحول بينه وبين إدراك الواقع المتجدد.

    ويتعين عدم نسيان ان هناك إيديولوجيات مختلفة، ومتعارضة، بعضها بالغ الخطورة كالإيديولوجيا العنصرية، التي تقوم على التمييز بين الناس على أساس انتماءاتهم الإثنية، وفق تراتبية تضع الاثنيات بعضها فوق بعض من حيث القيمة.

    ومثل هذه الإيدولوجيا غير ضرورية بالتأكيد بل هي مدمرة ومهينة وماسخة للحياة.


    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media