الحبر الأعظم في العراق
    السبت 6 مارس / أذار 2021 - 07:19
    قاسم محمد الكفائي
    هي الزيارةُ الأولى التي قام بها بابا الفاتيكان خورخي ماريو بيرجوريو (فرنسيس) الى بغداد منذ تأسيسه والى اليوم وفيها يقوم الحبر الأعظم بزيارات أخرى داخل بلاد الرافدين من بغداد الى الموصل ثم أور والنجف الأشرف، وزيارة أماكن مسيحية مقدسة في سهل نينوى. العراقيون المسلمون قبل المسيحيين رحبوا به وأقاموا له إستقبالا يليق بمكانته الدينية في العالم. إن الإهتمام البالغ الذي حظي به البابا يمسح عن صورة المسلمين العراقيين غبار السياسة والتعصب الديني وأوهام الجاهلين عند المسلمين والمسيحيين، وهو حالة تحدي للإرهاب وحواضنه ومموليه. لكن الأهم في هذه الزيارة المباركة هو زيارة الحبر الأعظم فرنسيس ولقاءه بسماحة إمام الطائفة الشيعية السيد على السيستاني في بيته بالنجف الأشرف.

    في هذه الخطوة يثمن المسلمون دورَه المتسامح الذي يجسّدُ كلَّ المفاهيم الرسالية الربانية التي آمن وبشر بها نبينا عيسى المسيح عليه السلام. فلقائه بالسيد السيستاني يعني لنا لقاء الأديان، والحضارات، وقبول الآخر، ثم التفاهمات المشتركة بين الشعوب. وفيه تتلخص أهداف الرسالات، وتتوحد المفاهيم، وتذوب الفوارق المغلوطة بين أهل الكتاب.

    صورة مؤلمة لن ينساها العراقيون، عاشوها في تسعينيات القرن المنصرم بجميع طوائفهم لبضع سنين حالة حصار إقتصادي فرضته الإدارة الأمريكية ومجلس الأمن بحجج واهية غرضها محاصرة الرئيس السابق صدام حسين ومعاقبته إقتصاديا، لكن الشعب العراقي برمته واجه هذا الحصار وعاشه واقعا فهو المعني والمُستهدَف، مما دفع بالإنسان العراقي أن يبيعَ مُستلزماتِ بيته، أو واحدة من أعضاء جسدة، فإن لم يستطع فكان الإنتحار هو الحل الأخير.

    في ذلك الظرف العصيب لم يحرك الفاتيكان ساكنا سوى أنه أخذ دورَ المتفرج بينما مكانة البابا عند الأمريكان وحكومات أوروبا ذات قيمة عظمى يمكننا تلخيصها بأنها ذات سيادة روحية غير قابلة لأي تفسير آخر لا يليق بروحانيتها. كان بإمكان بابا الفاتيكان آنذاك تذليل صعوبات ومخاطر الحصار عن العراقيين بجدية الموقف الذي يتناسب مع الواقع ويكون حلاّ وليس بطريقة (المبخرة) و الحديث عن (المحبة والأمل والسلام)، هذه مراسيم نحترمُهما ونقدسُها، تليق ممارستِها داخل الكنيسة وليس في مواجهة مؤسسات الشياطين، البنتاغون والسي آي أي دفاعا عن الشعوب. 

    في هذا الظرف الصعب والحازم الذي تعيشه أمتُنا المسلمة ويعيشه المسيحيون في اليمن وسورية وفلسطين وإيران معا بلا فوارق ولا نزاعات دينية، كذلك أحوال شعبَي كوبا وفنزويلا يتوجب على بابا الفاتيكان وفق شريعة إبراهيم وموسى وعيسى المسيح ومحمد عليهم صلوات الله أن يحشّد كلَّ إمكاناتِه للدفاع عن الشعوب المحاصَرة من باب أن الطفل والمرأة والشيخ والإنسان الغير مُحارب غير معني بطرهات السياسة ولا بالسياسيين. هذا الموقف يفضح نوايا الإدارة الأمريكية في تدمير البنية المجتمعية للشعوب، وتعطيل مركب حياتها، وابتزازها، ثم السيطرة عليها وهو بند مهم من بنود وأهداف الحصار الأمريكي الذي تسانده وتؤيده دول الغرب والمنظومات الصهيونية والحلفاء تحت إمضاء مجلس الأمن الدولي المُهيمَن عليه بلا حولٍ ولا فوة.

    نتمنى على الزائر الكبير أن يساهم سِلما بدفع الضرر عن العراق والعراقيين ببذل كل الجهود من أجل سحب القوات العسكرية الأجنبية من العراق، ويساهم في دفع أهلنا المسيحيين ونشجيعهم للبقاء في موطنهم الأصلي حتى لا تضيع هويتهم الوطنية خارج حدود وطنهم المقدس.

    الإرهابُ المُوجَّه والمُقنن من الخارج عمَّ واستشرى في بلادنا وأضر الجميع وقد تصدّى له المسلمون وواجهوه بشراسة حتى قضوا عليه دفاعا عن أخوتهم في الوطن دون تمييز. هذا الموقف الوطني والإنساني خطته المرجعية الدينية في النجف الأشرف وعملت به واقعا خارج مراسيم العبادة والدعاء.

    فزيارة البابا للعراق مُرحَبٌ بها في أروقة الدين والسياسة، ومجتمعيا. لكن العراقيين يتمنون على الحبر الأعظم في ظرف زمني لا يحتمل التأخير زيارة صنعاء أولا ثم دمشق وفنزويلا وكوبا وإيران بعيدا عن إملائات أمريكا ودول الغرب بهدف رفع المعاناة عن الشعوب وتجديد فرص العيش فيها نحو الأفضل. هذا ما يسر البشرية ويعطل تلك الإملائات أن يقوم بابا الفاتيكان بزياراته للدول بعد تدميرها وتدمير شعوبها، وهو عمل غير موفق من الأرض وحتى السماء. 

    فكما أسلفنا، أننا لا ندَّعي السلطة السياسية والعسكرية لدى الفاتيكان بقدر ما هي سلطة دينية متميزة تحرج الإدارة الأمريكية وحكومات دول أوروبا برفع المعاناة والعقوبات، وعدم التدخل في شؤون الدول التي تبعد عنها عشرات آلاف الأميال، وسحب قواعدَها العسكرية منها بحرا وبرا.
    فالعراق الذي احتضن أبو الأنبياء إبراهيم وجسَّد رسالته، واحتضن أتباعَ عيسى المسيح لأكثر من ألفي عام ومازال، وتعلم الإنسانُ فيه ما لم يعلم يفتح بوابته اليوم في بداية القرن الواحد والعشرين مُرحِبا بتواضع الأخوَّة بالحبرالأعظم بابا الفاتيكان فرنسيس الذي نجد في زيارته الأمل في تحقيق حلم الرسالات التي يهمها مصالح البشرية وليس مصالح الإستكبار المتغطرس... فألف مرحبا.

    قاسم محمد الكفائيTwitter…Qasim.ALkefaee.canada    

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media