الاقتصاد السياسي لتخفيض سعر صرف الدينار العراقي وموازنة العام 2021
    الأحد 28 مارس / أذار 2021 - 08:48
    أ. د. سناء عبد القادر مصطفى
    باحث إقتصادي وأستاذ جامعي
    المقدمة
    لايمكن مناقشة قانون الموازنة الاتحادية للعام 2021  بمعزل عن سعر صرف الدينار العراقي مقابل العملات الصعبة وبالأخص الدولار الأمريكي وسعر بيع برميل  نفط واحد من النفط العراقي والسياسة الاقتصادية للبلد ونمو وتطور قطاعات الاقتصاد الوطني العام والخاص وسياسة  الاستيراد والتصدير لأن جميع هذه الأمور وغيرها مرتبطة بعضها ببعض لما لها من تأثيرعلى مستوى دخل المواطن الحقيقي ورفاهيته التي تنشدها الحكومة العراقية وهي بذات الوقت الهدف الأساسي لها من الناحية النظرية.  أما من الناحية العملية  فالأمر بالعكس والذي يكون جوهر هذه المقالة.
    أستهل هذه المقالة بايراد تعريفين مهمين في علم الاقتصاد اللذين غابا عن بال الساسة العراقيين وبالأخص أحزابها الموقرة. الدخل الاسمي الذي يعني مقدارالدخل الذي يحصل عليه المواطن من عمله أو راتبه التقاعدي أو  من أي مصدر رزق مشروع آخر يتمثل بعملة البلد أو غيرها. والدخل الحقيقي يعني مقدار السلع والخدمات التي يحصل عليها المواطن مقابل الدخل الاسمي.  
    أن الهدف الأساس في ميزانية العام 2021 هو رفع مستوى الدخل الحقيقي للمواطن العراقي. ولكن من حيث قراءة بسيطة لها نرى العكس، لأن أول عمل قامت به الحكومة الموقرة هو تخفيض قيمة الدينار العراقي مقابل العملات الأجنبية فقد أصبح الدولار الأمريكي يساوي1450 دينار عراقي بعد أن كان يساوي 1191 دينار عراقيا. 
    1.تخفيض  سعر صرف الدينار العراقي
    تسبب انخفاض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار في اضطراب الأسواق المحلية وارتفاع كبير في الأسعار، حيث إن معظم البضائع مستوردة من خارج البلد ومرتبطة بالعملة الأميركية.
    وقد أعادت موضوعة الصناعة العراقية وتنشيطها ، بعد سنوات طويلة من الاندثار والدمار الذي طال القطاع الصناعي، منذ أيام الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي الى الواجهة، بارتفاع المطالبات بالعمل على تخفيض التأثير السلبي الناتج عن تدهور قيمة الدينار العراقي ومن خلال رفع مساهمة  القطاع الصناعي العام والخاص في الناتج القومي الاجمالي.
    وقد أثار قرار الحكومة العراقية بتخفيض رواتب الموظفين بنسبة 20% حفيضة المواطنين وامتعاضهم أزاء ارتفاع قيمة الدولار مقابل الدينار العراقي (1 دولار يعادل 1450 دينار) امتعاضا كبيرا في البلاد، حسب تصريح عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب ندى شاكر جودت. وأكدت جودت أن هذا القرار ليس قرار مجلس النواب وانما هو قرار الحكومة وهي التي اتخذته ونفذته، من دون عقد جلسة برلمانية لمراجعة الحسابات، لكونه ليس قانونا. وحذّرت جودت من تداعيات قرار خفض قيمة الدينار العراقي، الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ولحق الضرر بالمواطن العراقي البسيط، بسبب الفساد وسوء الإدارة، على حد تعبيرها .واعتبرت أن قرار تخفيض قيمة الدينار جاء ضربة قاصمة للشعب العراقي، لعدم وجود  رقابة من قبل وزارة التجارة على الأسواق، التي بدأت تتلاعب بحال المواطن البسيط وتفاقم معيشته. وفي السياق ذاته، قال مدير إعلام وزارة الصناعة مرتضى الصافي إن المواد المستوردة ستكون غالية الثمن، نتيجة ارتفاع سعر الدولار وكذلك الرسوم الجمركية، بينما المنتج الوطني معفى من التعريفة الجمركية والضرائب، وهذا الفارق سيكون حافزا لتشغيل المعامل العراقية، سواء كانت بالقطاع العام أو الخاص.
    2.ركود اقتصادي ومنشآت صناعية معطلة عن العمل
    يرى الخبير الاقتصادي  دكتور همام الشماع أن الركود سيزداد في السوق العراقية، بسبب تراجع القوة الشرائية لكتلة الموظفين بعد انخفاض قيمة رواتبهم.  ورجّح الشماع بأن القوة الشرائية ستتراجع بنسبة 20%، نتيجة لارتفاع الأسعار، وبالتالي سوف تنعكس على القطاع الخاص، وسيؤدي ذلك إلى ازدياد التراجع في الناتج المحلي الإجمالي.
    هذا وقام الدكتور همام الشماع بتقدير إجمالي المشاريع الاقتصادية المتوقفة بنحو 50 إلى 100 ألف مشروع . وأشار الشماع  إلى أن أنشطة القطاعات الحقيقية، مثل الزراعة والصناعة، لا تعتمد على سعر الصرف إلا بشكل بسيط جدا، وهذا يعني أن تخفيض سعر صرف الدينار العراقي يمنح المنتج المحلي فرصة لمنافسة المنتجات المستوردة، بمعنى أن السلع الإيرانية والتركية وغيرها من السلع المستوردة في الأسواق العراقية، ستصبح أغلى من السابق، حسب  تقديرات الشماع. واستدرك بالقول "لكن السلع التركية والإيرانية ستبقى أسعارها أقل من المحلي، بسبب انخفاض قيمة الليرة التركية والريال الإيراني إلى مستويات متدنية جدا، وبهذا تبقى تنافسيتها أعلى من تنافسية السلع العراقية". كما أن المنتج المحلي لا يتمكن من إنتاج كل أنواع السلع التي تتطلبها السوق العراقية، ولهذا لا يتمكن من  سد حاجة السوق بشكل كامل ، ولذلك تبقى هنالك حاجة للاستيراد.
    من جانبه، أعرب رئيس اتحاد الصناعات العراقية علي الساعدي عن ترحيبه بقرار الحكومة، لتقليل الاستيراد ومساعدة المنتج المحلي على المنافسة، وطالب الجهات الحكومية بوجوب دعم الطبقات الفقيرة والضعيفة من خلال دعم المنتجات المستوردة التي تتعلق بحياة المواطن، وكذلك تزويد  أصحاب المصانع العراقية بالمواد الأولية المدعومة لتعويض النقص، مع ترك المواد الكمالية وغير الضرورية من دون دعم. وقد أعاد انخفاض الدينار وارتفاع أسعار السوق مسألة تنشيط مشاريع الصناعة العراقية المتوقفة عن العمل لفترة قاربت العقدين من الزمن .
    هذا وكشف الساعدي في  في لقاء مع الجزيرة نت عن وجود 54 ألف مشروع مسجل في الاتحاد، وكذلك 21 ألف مشروع لدى مديرية التنمية الصناعية، وأكد توقف نحو 90% من هذه المشاريع الحيوية، بسبب عدم قدرتها على المنافسة، وعدم وجود بيئة أعمال آمنة، وبنى تحتية مثالية مثل المدن الصناعية. وأشار رئيس اتحاد الصناعات العراقية إلى عدم وجود دعم حكومي حقيقي للصناعة المحلية، بينما المواد المستوردة مدعومة في بلدانها بصناديق دعم الصادرات. وبيّن أن الرسوم التي يدفعها المصنّع العراقي إلى دوائر الدولة تبلغ أكثر من 30 رسما، كما أن كلفة الوقود والكهرباء عالية وغير مدعومة، وأكثر المنتجات الوطنية غير محمية بقانون حماية المنتجات، بالإضافة إلى أن هناك إغراقا سلعيا مقصود وشبهات غسل الأموال، حسب  تصريح الساعدي.
    وصرح مدير إعلام وزارة الصناعة مرتضى الصافي (الجزيرة نت)، أن عدد المصانع والمعامل التابعة للشركات العامة التي يبلغ عددها حوالي 285 معملا، منها 83 معملا متوقفا. وعن أسباب توقف المصانع يذكر أسبابا عديدة، منها قِدَم واندثارهذه المعدات؛ لأن أغلبها قديمة منذ العام 1960، وتعرضت في زمن حصار التسعينيات للاندثار، بسبب العمل المستمر ونقص معدات الصيانة آنذاك، وكذلك الحروب، وما تعرضت له على يد مسلحي تنظيم الدولة. في حين يقدّر دكتور همام الشماع إجمالي المشاريع الاقتصادية المتوقفة، بأكثر من 50 ألف مشروع صناعي صغير ومتوسط، وقد تصل إلى 100 ألف مشروع معطل. وبين أن الإنتاج الصناعي كان يشكل 12% من الناتج المحلي الإجمالي، لكنه أصبح أقل من 1% بالوقت الحاضر.
    في حين أشارت  ندى جودت عن وجود بعض الشخصيات المتنفذة ممن لديهم  مصانع خارج البلد، ولا يسمحون بقيام صناعة جديدة داخل العراق، لأنهم يريدون أن يبقى العراق سوقا استهلاكية لمنتجاتهم. وأبدت أسفها لما يعانيه العراق من حرب وسوء إدارة وفساد، وصراع إقليمي ودولي، يستهدف العراق، حيث تعمل بعض الدول على إغراق العراق بالبضائع لاستنزاف ميزانياته. ونخلص من هذا أن المنتجات العراقية تحتاج إلى تفعيل قانون حماية المستهلك. 
    3.خطة وزارة الصناعة  لإعادة تشغيل المصانع المتوقفة عن العمل
    وضعت وزارة الصناعة والمعادن خطة للنهوض بالصناعة العراقية، وإعادة سمعة "صُنع في العراق" من جديد، وقسمت الخطة إلى 3 أقسام، قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، حسب تصريح مرتضى الصافي مدير إعلام وزارة الصناعة.
    ويجري العمل حاليا على الخطة الأولى قصيرة المدى، والتي من ضمنها تشغيل المعامل والمصانع التي نسبة التوقف فيها أقل من 30%. وأكد أنه تم افتتاح 12 معملا ومصنعا من شركات وزارة الصناعة والمعادن، ضمن الخطة قصيرة المدى. ويوضح الصافي أن هذه المصانع والمعامل، منتشرة في بغداد وجميع المحافظات، وتنوعت بين معامل الأكسجين الطبي والأدوية والمعامل الإسفلتية، والأنابيب التي تخدم البنى التحتية، ومعمل للطابوق، ومعمل إنتاج المحولات الكهربائية. ويشدد على ضرورة قيام القطاع العام أو الخاص، باستثمار فرصة ارتفاع الدولار مقابل الدينِار العراقي، والذي سيدفع المواطن لاقتناء المنتج المحلي.
    ويبدي الساعدي اعتقاده أن الصناعة بحاجة إلى الأمن والخدمات وخصوصا الكهرباء، فضلا عن تفعيل القوانين الخاصة بها، مثل قانون حماية المستهلك المشرّع في مجلس النواب وغير المفعل، وأيضا قانون احتكار السلع. وهو يؤكد أن إعادة الثقة بالمنتج المحلي تحتاج فترة طويلة جدا، لأن الصناعة المحلية لم تحظ بفرصة كافية حتى تتمكن من النجاح بالاضافة أن الحكومات العراقية  المتعاقبة بعد العام 2003  فتحت الباب على مصراعيه لاستيراد البضائع من الخارج. في حين يرى دكتور همام الشماع بأن تغيير سعر الصرف لن يكون أداة سحرية لتطوير الصناعة وإعطائها الفرصة الكافية للنجاح،  لأن المستلزمات الحقيقية لنهضة الصناعة تتطلب وفرة رأس المال وتحقيق الأمن والاستقرار وجعل السلاح بيد الدولة وكذلك عودة المشاريع الصناعية العراقية التي يمتلكها العراقيون في الخارج.  
    وهنا لا بد من الإشارة الى البدء بتفعيل بناء الطرق والمواصلات التي تربط المشاريع الصناعية بأسواق وتصريف المنتجات الصناعية لأن نسبة كبيرة من الطرق البرية في وسط وجنوب العراق  تقدر ب 70% في حالة يرثى لها وخطرة لكثرة حوادث السير والوفيات. 

    4.أمثلة عن تأثير انخفاض قيمة الدينارعلى المواطن العراقي
    تكبد المواطن العراقي خسائر كبيرة  جراء التراجع السريع لسعر الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي  نتيجة قرار البنك المركزي العراقي بتخفيض قيمة العملة المحلية، بالتزامن مع أزمة مالية خانقة تعصف بالبلاد نتيجة انهيار أسعار النفط جراء جائحة كورونا منذ ربيع العام 2020.
    ومثال على ذلك يقول وسام الشمري  صاحب مزرعة لتربية الدواجن أن الخسارة التي تسببت بها أسعار صرف الدينار الجديدة، تكمن في أن منتجي المواد الأولية لقطاع الدواجن التي تباع لحقول الدواجن المحلية، يستوردون هذه المواد بالدولارالأمريكي ثم تباع إلى  أصحاب المزارع بالعملة العراقية الذين يسددون قيمها بعد بيع منتجاتهم في السوق. ومن هنا يبدأ تعاظم الخسارة. وأضاف الشمري للجزيرة نت أن تراجع سعر صرف الدينار المفاجئ أمام الدولار الأمريكي  كان السبب في خلق فجوة مالية، وارتفاع سعر المواد الأولية بنسبة  أكثر من 30%، في وقت تقدر نسبة الربح من هذه العملية بحدود 10% -15%. ولذلك  فإن من اشترى المواد الأولية بمليون دولار خسر بظرف ساعات حوالي 200 ألف دولار بسبب تغير سعر الصرف، مشيراً إلى أن خسائر مشروعه تضاعفت على دفعات في الأيام الماضية، ووصلت إلى 10 مليون دينار عراقي مع حلول اليوم.
    وقام البنك المركزي العراقي في 20 كانون الأول 2020 بفرض التسعيرة الجديدة لبيع الدولار الأميركي في المزاد العلني لبيع العملة، الذي حدد 1450 دينارا بدلا من السعر السابق البالغ 1190 دينارا عراقيا لكل دولار أميركي. وهذا يعني أن البنك المركزي باشر بتطبيق السعر الجديد لبيع الدولار، ليكون كل 100 دولار أميركي يساوي 145 ألف دينار عراقي.
    وكانت الأسواق المحلية العراقية في بغداد والمحافظات الأخرى قد اضطربت في أواسط شهر كانون الأول 2020، بعد تسريب مفاجئ لمسودة موازنة العام 2021 التي تضمنت سعر الصرف الجديد.
    وفي معرض الكتاب الدولي في العراق الذي اختتم فعالياته مساء السبت 19 كانون الأول  2020 في العاصمة بغداد، تعرضت دور النشر العراقية إلى خسائر كبيرة جراء تراجع سعر صرف الدينار أمام الدولار. وبين عدد مِن أصحاب دور النشر، أنهم تعرضوا لخسائر كبيرة بفعل اختلاف سعر صرف الدولار، لا سيما الذين يتعاملون مع دور النشر العربية، حيث كلفهم تسديد ما بذمتهم من أجور، خسائر بقيمة 20 ألف دينار لكل 100 دولار، فضلا عن ذلك، فإن شراء الإصدارات الجديدة، وفقا لسعر صرف الدولار الجديد، سيعرض سوق الكتب إلى إرباك، بسبب الارتفاع المفاجئ لأسعار الكتب، التي لن يكون لفئة كبيرة من القراء القدرة على اقتنائها.
    وصرح الخبير الاقتصادي دكتور محمود داغر  للجزيرة نت إن "مشاكل الأسعار الجديدة ستستمر حوالي شهرين وستحتاج بعضها إلى حلول عشائرية"، مبيناً أن "المتعاملين مع التجار في السوق العراقية سيواجهون صعوبات بالتسديد وقد يختلفون بشأنها، رغم أنهم لم يساهموا بصنع المشكلة، والحكومة فعلت ذلك بعد نفاد البدائل". وأضاف داغر ، أن السوق العراقية تحتاج وقتا لتتعايش وتنظم تعاملاتها وتحسم التعاملات المالية السابقة قبل تغير سعر الصرف وبعده، للوصول إلى تسويات بين تجار الجملة والمفرد وأصحاب البضائع والمذاخر والمخازن، فضلا عن مشاكل المقاولين في الدولة اللذين يتعاملون بسعر الصرف القديم.
    وأكد عدد من أصحاب المحال التجارية والأسواق وأفران الخبز، تأثر السوق بتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار، في حين بينوا أن المواد الأولية ارتفعت قيمتها في المخازن الرئيسية التي تتعامل بالدولار كعملة ثابتة.
    5.الخطة الحكومية
    ومنذ انهيار أسعار النفط في وقت سابق من هذا العام، يواجه العراق أزمة سيولة غير مسبوقة، اضطرت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى الاقتراض من احتياطيات البنك بالدولار لسداد ما يقرب من 5 مليارات دولار شهريا، تمثل رواتب موظفي القطاع العام ومعاشات التقاعد.
    وبين عضو اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي جمال كوجر أن تراجع الدينار أمام الدولار خطة حكومية منظمة لخفض العجز المالي وتحقيق وفرة في الإيرادات. وقال كوجر للجزيرة نت إن "الحكومة العراقية تتعمد رفع أسعار الدولار مقابل الدينار العراقي لتوفير فروقات مالية كبيرة على أمل تحقيق وفرة مالية لخزينة الدولة". وأشار إلى أن "العراق يحصل على الدولار من بيع النفط الخام، ويقوم بتوزيع الرواتب للموظفين بالعملة المحلية، وتعتقد الحكومة أنها ستحقق وفرة مالية في حال تراجع قيمة الدينار أمام الدولار". واعتبر كوجر أن سياسة رفع أسعار الدولار مقابل الدينار "فاشلة" وتضر بالمواطن العراقي وتحد من قدرته المالية والشرائية في السوق المحلية، على اعتبار أن الأسعار سترتفع في الأسواق المحلية بانخفاض قيمة الدينار.
    وأثار قرار تخفيض سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي موجة غضب في الشارع العراقي، لكن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي دافع عن خطوة الحكومة وقال إنه كان أمام خيارين "إما انهيار النظام والدخول في فوضى عارمة، أو ندخل في عملية قيصرية للإصلاح". واستشهد الكاظمي خلال كلمة له في جلسة مجلس الوزراء العراقي عقدت مساء أمس السبت، بعدة دول منها كوريا الجنوبية وسنغافورة عندما اتخذت في السابق "قرارات صعبة" من أجل إصلاح الاقتصاد.
    وفي وقت لا يزال فيه العراق تحت وطأة أزمة مالية خانقة لم يشهد مثلها منذ عقود، ظهرت على السطح مخاوف شعبية من إمكانية انعكاس ذلك على المستوى المعيشي لعموم السكان وللطبقات الفقيرة بشكل خاص، مع ترقب معركة منتظرة بين الحكومة ومجلس النواب لتمرير القرار داخل مجلس النواب، وبسيناريوهات مشابهة لما حدث عند لجوء الحكومة إلى الاقتراض من المصارف الخاصة التي تملكها الأحزاب المتنفذة في السلطة لدفع رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين في أواخر العام الماضي 2020 وأوائل العام الحالي 2021.
    6.قانون الموازنة الاتحادية للعام 2021
    أن القاء نظرة على ما يجري من نقاش في مجلس النواب العراقي بخصوص  قانون الموازنة الاتحادية للعام 2021 يدرك المرء مدى استهانة هذا المجلس بمستقبل  ومصير الشعب العراقي الذي ينتظر بفارغ من الصبر اقرار هذه الموازنة من أجل تحسين الوضع المعاشي له، في حين تسعى الأحزاب السياسية  الحصول على مكاسب من هذه الموازنة حتى يزداد وزنها النوعي  في الانتخابات مجلس النوابية القادمة والحصول على أصوات أكثر فيها بالاضافة الى استحواذها على حصة كبيرة من الريع النفطي من خلال الوزارات التي هي من حصتها في تشكيلة الحكومة العراقية.   
    وصف رئيس كتلة عراقيون هشام السهيل الموازنة 2021 بانها موازنة الفتنة وكل كتلة تسعى وراء 
    "حصة الاسد" في تلك الموازنة وقال السهيل للشرقية نيوز ان فشل تمرير الموازنة يقع على عاتق جميع القوى مجلس النواب بسبب التداخلات السياسية والتنصل عن الاتفاقات المبرمة بين ليلة وضحاها.
    في حين أكد النائب عن تحالف سائرون رياض المسعودي، الثلاثاء (23 آذار 2021)، أن حصة اقليم كردستان في موازنة 2021 ليست هي ’’المشكلة الوحيدة’’ التي تعرقل تمرير مشروع قانون الموازنة الاتحادية. وقال المسعودي في حديث لـ (بغداد اليوم)، إن "هناك معرقلات كثيرة تواجه تمرير مشروع قانون موازنة 2021، وليس حصة اقليم كردستان في موازنة 2021 هي المعوق الوحيد، لكن هي أكبر وأعمق الخلافات”.
    وعن الأسباب الأخرى التي تعرقل تمرير الموازنة، قال المسعودي إن "هناك رفضاً برلمانياً لسعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، كما أن هناك تحفظات على المخصصات المالية للمحافظات، ومطالب للقوى السياسية في المكون السني، وغيرها، فكل هذه هي من أخر التصويت على قانون موازنة 2021 حتى الان”.
    وتحدث النائب بدر الزيادي، عضو كتلة سائرون،(في 22/3/2021) عن آخر مجريات الحوارات حول مشروع قانون موازنة 2021، والطلبات النيابية التي ادت إلى تعطيل تمريرها خلال الجلستين السابقتين.
    وقال الزيادي، في مقابلة متلفزة، تابعتها (بغداد اليوم)، ان "عقدة بسيطة في المادة 11 الخاصة بحصة إقليم كردستان في موازنة 2021 أحدثت خلافاً بين وفد الإقليم والقوى السياسية”. ولفت الى ان "تلك العقد قابلة للحل، وهي ليست من أخر الموازنة، بل هناك أمور أخرى”.
    واستطرد بالقول متحدثاً عن هذه العقدة "تم تعديل فقرة الاستقطاع من المبالغ المصروفة للإقليم من استخراج النفط للعام الماضي، ونقل النفط والشركات المستخرجة من شهر إلى سنة”، مضيفا "إذ اقترحت المالية النيابية أن يكون لمدة عام كامل فيما أصر الوفد الكردي على أن يكون الاستقطاع شهراً بشهره ونتوقع التوصل إلى حل وسط ينهي الخلاف بشكل نهائي”.
    وبين "ظهرت طلبات جديدة أثرت على إقرار الموازنة رغم التصويت على الموازنة باتفاق الكتل السياسية في اللجنة المالية”، واصفاً ما حدث بـ’’الأمر الخطير”. وقال "الطلبات من بينها إضافة المغيبين في المحافظات، والأمر صعب إذ لم يتم جردهم حتى الآن وكتلة الفتح طلبت إضافة 35 ألف درجة وظيفية وهذه الأمور من الصعب إقرارها لأن الموازنة كتبت وتمت والإضافات ستعيد كتابة الموازنة ".
    وأكمل قائلاً إن "الطلبات الجديدة من بينها تعديل سعر الصرف قد تعطل إقرار الموازنة وتفتح الباب أمام كتل أخرى لتقديم طلبات جديدة ما يعني تأجيل الإقرار لوقت طويل”.
    وفي السياق ذاته، بين الزيادي ان "هناك من يطالب بتعديل سعر الصرف نيابيا، والأمر لا يجوز قانونياً لإنه من صلاحية البنك المركزي وفق القانون ولا علاقة لمجلس النواب بتحديده” ، واصفاً الإصرار على هذا الأمر بـ”المزايدات الانتخابية لشحن الأجواء”. ونبه الى ان "أي قرار فيه جنبة مالية ويتعارض مع القانون قد تطعن به الحكومة أمام القضاء وبالتالي لن يطبق”.
    ورد عضو برلمان إقليم كردستان، عثمان كريم، على "الاتهامات” بشأن عرقلة إقرار الموازنة من قبل الكرد، فيما أكد أنه لايوجد أي تراجع من قبل حكومة الإقليم بتسليم النفط إلى بغداد. وقال كريم في حديث لـ (بغداد اليوم)، إن "حكومة الإقليم ملتزمة بتسليم 250 ألف برميل من النفط وهو النص الذي اتفقت عليه مع الحكومة الاتحادية ولايوجد تراجع إطلاقا بهذا الخصوص”.
    وأضاف أنه "مهما بلغ سعر النفط فأن الاقليم ملتزم بتسليم هذه الكمية، والمفاوضات مايزال مستمرا وحكومة الإقليم لم تتنصل بل ماحدث هو أن الكتل السياسية تراجعت عن مواقفها، ولكن نأمل بالتوصل إلى حل قبل جلسة مجلس النواب الأسبوع المقبل”.
    وكان عضو مجلس النواب عن تحالف "الفتح”، مختار الموسوي أكد، الاثنين (22 اذار 2021)، أن جلسة مجلس النواب المقبلة ستكون حاسمة لتمرير مشروع قانون الموازنة لسنة 2021، مبينا أن، بعض القوى الكردية تحاول فرض مواقفها على القوى السياسية.

    7.الخاتمة
    وانطلاقا مما قيل أعلاه، يمكن الاستنتاج بأن اهتمام اعضاء مجلس النواب منصب على مصالح أحزابهم بالدرجة الأولى، في حين تأتي مصلحة الطبقات الكادحة بالدرجة الثانية.  أما البرامج الاصلاحية والخطط الاقتصادية التي وضعت من قبل وزارة التخطيط والكوادر الوطنية فلا يوجد من يهتم بها وينفذها.  وهكذا سوف تكون هذه هي السنة الثالثة من دون موازنة عامة. 

    أ.د سناء عبد القادر مصطفى
    الأكاديمية العربية في الدنمارك
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media