الأَبعادُ المَعْرِفِيَّةُ في استِقْبالِ شهرِ رَمَضان
    الخميس 8 أبريل / نيسان 2021 - 19:18
    زعيم الخيرالله
    نعيش هذهِ الايّامَ المُتَبَقِيَّةَ من شهرِ شعبانَ المُشّرَّفِ ، ونحنُ على مشارفِ شهرِ رمضانَ المبارك ،  الذي كَرَّمَنا اللهُ تعالى فيه وجَعلَنا ضُيوفاً عندَهُ ، فهل نحنُ بمستوى هذه الضيافةِ الآلهيّةِ ؟ وهل هيأنا الاستعداداتِ التي تؤهلُنا لاستقبالِ هذا الشهرِ استقبالاً يليقُ بشرفهِ وعظمته؟ الناسُ تختلفُ في استعداداتها في استقبالِ هذا الشهر كُلٌّ حسبَ معرفتهِ .
     هل نحتاج الى استعداداتٍ مَعْرِفِيَّةٍ لنكونَ مؤهلين للضيافَةِ الآلهِيَّةِ ؟ وهل مواسمُ العبادةِ ومنها شهر رمضان تحتاج الى معرفة؟
    الشيء الملفتُ للنظر في العبادة ، هي انَّها تؤكِدُ على ارتباطِ الانسانِ بخالقهِ . الانسانُ العابدُ موصولٌ بخالقِهِ ، والانسانُ المتمردُ على خالقه هو ذَرَّةٌ تائهة تسبح في الكون بلا بوصلة ولاوجهة تحدد السير . الانسانُ العابدُ انسانٌ عارفٌ انَّ لهُ خالقاً ، وأَنَّ للوجودِ بدايةً .
     هذهِ الحاجَةُ ( حاجةُ الارتباط) سمّاها المفكر الشهيد محمد باقر الصَّدر ( حاجةُ الارتباط بالمطلق) . هذا الحضورُ القَوِيُّ للخالقِ في حياة الانسان العابد يشكل اساسايات المعرفة ، كما قال امير المؤمين عليٌّ عليه السلام : (أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ) . هذا الارتباطُ الذي يتجلّى في العبادة ويتجلى في عبادة الصوم بصورة جليّةٍ واضحةٍ في وقتٍ يعيشُ الانسانُ في هذا العصرِ تحت ظلِّ فلسفاتٍ تدعوهُ الى فك الارتباط بالخالق .
    نظرية (Big Bang) ( الانفجار العظيم ) من النظريات التي تؤكد على فك الارتباط بالخالق . نظرية الانفجار العظيم تفترض ان الكون كان في حالة حرارة شديدة الكثافة فتمدد بعد ان كان جزء واحداً عند نشأته . وحدثت لحظة الانفجار العظيم قبل 13.8 مليار سنة . هي نظريةٌ تفسر نشأة الكون بعوامل ماديّة ، وحرارة شديدة وكثافة عالية وتمدد وانفصال بعد ان كان الكون جزء واحداً ، دون ربط هذه الاحداث بخالقها ؛ لان العلم ليس من شأنهِ ذلك . العلمُ مجاله وحقلهُ التجربة والمختبر والحسابات والمسافات والمعادلات ؛ وليس من شأنِهِ التحدث عن ماوراء ذلك
    صحيح ان نظرية الانفجار العظيم تعزز من حجة المؤمنين بالله لانها تفترض بأنَّ للكون بدايةً .
    وكذلك نظرية دارون في تفسير نشأة الحياة . النظرية تتحدث عن بدايات بسيطة للحياة بدأت بخلية حية ثم حدث تطور ، وتطورت الانواع عن انواع سابقة وفق قانون تنازع البقاء وبقاء الاصلح . النظرية تفك الارتباط بين عملية الخلق والخالق ، لانها ليس من شأنها ان تتحدث عن عوالم ماوراء المادة ، والاخرج العلم عن اختصاصه وحقله .
    في الصوم تأكيد لارتباط المخلوق بخالقه . وهذا بعدٌ معرفيٌّ من ابعاد الصوم ، التي ينبغي للصائم معرفتها وهو يستقبل شهر رمضان المبارك .
    مستويات الصوم
    --------------
    الناس لايصومون صوماً واحداً  ؛ فهناك مستوياتٌ للصوم ، قسموها الى ثلاثة مستوياتٍ :
    1- صوم العوام ( الصوم الفقهي) : وهذا المستوى من الصوم يمارسه اغلبُ المسلمينَ ، فهُم يصومونَ عن مفظراتٍ محدودةٍ ذكرها الفقهاءُ في كتبهم الفقهيّة من طلوعِ الفجرِ الى غروبِ الشمسِ . وهذا ادنى مراتبِ الصوم .
    2- صوم الخواص( الصوم الاخلاقي) : وهو اعلى مستوىً من الصوم الاول ، وهو صومُ الجوارح ، وهو : ان تصوم كل جوارح الانسان . تصوم عينُه عن الحرامِ وأُذُنُهُ عن الحرام وكلُّ جوارحه .
    3-صوم خواص الخواص ( الصومُ العِرفانيُّ ) : وهو اعلى مستوىً من الصومين السابقين ، فهو ليس صوماً عن المفطرات الفقهية فحسب ، وليس صوم الجوارح فقط ، وانما هو صوم عن اية فكرة محرمة اوسيئة تخطر ببال الانسان .صومٌ يبتعدُ فيه الصائِمُ عن كل الخواطر الشيطانيّةِ التي تُشَوِّهُ داخلَ الانسان ونفسه .
     هذه المستوياتُ من الصوم يحددها المستوى المعرفي للصائم فبقدر المعرفة يتحدد مستوى الصوم ومستوى من يصوم .
    المعرفةُ المَقاصِدِيَّةُ للصوم
    ----------------------
    هناك معرفةٌ مَقاصِدِيَّةٌ للصوم لابُدَّ منها ونحن نستقبل هذا الشهر الكريم ، وأقصُدُ بالمَعْرِفَةِ المقاصديّة ان نعرفَ ماذا أراد الله منّا بايجابه الصيام علينا ؟ ماهي الحِكَم ُ؟ ماهي المقاصد؟
    الله تعالى حين فرضَ علينا الصيام لابد ان تكون هناك حكم واهداف ومقاصد . معرفةُ هذهِ المقاصدِِ مهمةٌ جداً في استقبالِ الشَّهرِ الكَريمِ .
     اغلبُ المسلمين يستقبلونَ الشهرَ بالاسرافِ في الاطعمةِ والاشربةِ ، وتتفشى لديهم في هذا الشهر النزعةُ الاستهلاكيَّةُ مما يقضي على فلسفة الصوم ومقاصده ؛ لانَّ اللهَ تعالى أرادنا أن نصوم لحكم عالية ومقاصد سامية ، ونحن جردنا الصوم من هذه الغايات والحكم والمقاصد . نحن نعوض ماصُمناه في النهار بانواع الاطعمة والاشربة . وهذا خللٌ ونقصٌ في معرفتنا المقاصدية للصوم وشهر الصيام .
    المعرفة الحضورية للصوم
    ----------------------
    هناكَ مَعْرِفَةٌ حُضورِيَّةٌ في الصَّومِ لابُدَّ من الاهتمام بها ونحن نستقبل شهر الله تعالى . المعرفةُ الحصوليّةُ : هي المعرفة التي تنشأ عبر وسائط وصور ، امّا المعرفة الحضورية فهي معرفة لم تنشأ عبر صورة ؛ وانما هي معرفة وجدانيّة شهودية سببها حضور نفس المعلوم لاصورته .
    لاضرب لكم مثلاً لتتضح الصورة . عندنا مريضٌ يتأَلَمُ من آلامٍ شديدةٍ في معدته يذهب الى الطبيب ويشرح له حالته . المريضُ عنده نفس الالم حاضرٌ في نفسه لاصورة الالم ، امّا الطبيب الذي شرح له المريضُ حالتَهُ فهو عنده صورة عن الالمِ لانفسَ الالم .
    الله تعالى لم يُرِد ان يتحدث للمسلم عن الجوع عبر الوصايا والكلمات ؛ لان المعرفةَ عبر الكلمات معرفةٌ صوريّةٌ . المفكرون الاشتراكيون كتبوا وتحدثوا كثيراً عن جوع الفقراء ولكن هذه المعرفة التي يتلقاها الناسُ هي معرفةٌ صُوريَّةٌ . الله سبحانه وتعالى اراد ان يدخل المسلم من خلال الصيام في شهر رمضان في معرفةٍ حضوريّةٍ شهوديّةٍ وجدانيّةٍ يعيش تجربة الجوع ليعرف حضوريّاً معنى الجوع .
    هناك تفاصيل أكثر في الحديث عن الابعاد المعرفيّةِ للصيام . اكتفي بهذا القدر ؛ لان هذا مايتسع له الكلام في هذا المقال المتواضع .
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media