قراءة في رواية ( الليل في نعمائه ) للاديب زيد الشهيد
    الأثنين 12 أبريل / نيسان 2021 - 21:32
    جمعة عبد الله
    يضعنا الاديب زيد الشهيد ( الروائي والشاعر ) أمام نص روائي لم يلتزم بالقواعد الكلاسيكية في الفن الروائي , فهو يحمل اسلوبية متفردة في المتن  الروائي وتقنياته المتنوعة   .  في صياغة اللغة . في خلق الفكرة الروائية , في تجسيد الرؤية الفكرية في المعنى  الدال من خلال الحدث  الروائي . ففي اللغة ينتهج اسلوبية المزج بين السرد النثري والشعري , يمزجهما  ويصبهما في وعاء واحد , ويسكبهما في المنظور الروائي ,  في غاية الفخامة والتشويق , في ان يمتلك السرد لغة صافية في رشاقتها في الثراء اللغوي , حتى تكون مغناطيس لجذب القارئ بالشد والاهتمام ومتابعة بشغف تبعيات  سرديات الاحداث الجارية في النص  , هذا يدل على القدرة المتمكنة بعلم اللغة في وتوظيفها في الحبكة الفنية بمهارة  , أضافة الى براعته في توظيف تقنيات متعددة قد تكون غير مألوفة , منها  مزج الاسترجاع الزمني ( فلاش باك ) وجعله في زمن واحد . اضافة الى فن الوصف والتصوير في المشهد السردي , والاهم هو خلق حدث داخل حدث في النص الروائي , وبالاحرى حدث يخلق حدثاً آخر من رحمه أو من صلبه , يربطهما في نسق هرموني واحد على عتبات النص , ليضع القارئ في حالة اندهاش ان يقرأ حدثين في حدث واحد . ففي الحدث السردي الاول يتطرق الى مرحلة مختلفة عن مرحلة الحدث الثاني , الفرق الزمني  بينهما خمسة عشر عاماً , في الجانب السياسي وهو المحرك الاساسي للحدث السردي , بتناول الفترات السياسية المظلمة التي مرت على تاريخ العراق , قديماً وحديثاً , يجمعهما مشتركات واحدة ,  لا فرق بين الاثنين , في الظلم والحرمان والحيف , يجمعهما مشتركات واحدة وجوهر واحد , لكن بأساليب مختلفة , ففي زمن الطاغية  ينتهج نهج الارهاب المنفلت في البطش والتنكيل  , وفي عهد الاحتلال الامريكي  وتسليم مقاليد الحكم الى الاحزاب الدينية , تمثلت بالامن المنفلت  بالفوضى السلاح المنفلت . حتى في الكثير من  الاحيان  , يلعلع الرصاص بينهم على حصص المغانم والفرهود والسلطة والنفوذ . هذا  التعامل مع الشعب واحد لكليهما  , لكنهما يختلفان في القشور فقط ,  في عهد النظام الدكتاتوري  , كانت النساء يتبرجن في الزي والملبس  ( كان جميع من الفتيات مراهقات يلبسن البنطلونات الجينز والقمصان المشجرة ) ص11 . وفي عهد حكم الاحزاب الدينية في  فرض الحجاب والزي الاسود ( توجهت نحو غرفتها , رمت العباءة على السرير الخشبي , وخلعت عن رأسها شالاً لم ترَّ حاجة له بل أجباراً على ارتدائه منذ تولت الاحزاب الدينية مقاليد تسيير البلد ) ص20 . نجد بين الحدثين , أن  الليل هو الفاعل في بث  لواعج القهر والحزن ومواساة الجراح الداخلية باللوعة في نارها المشتعلة في الصدور , بأن الليل خير مواسي للاحزان  . وهذه الرواية هي الجزء الاول من رباعيات الليل ( الليل في نعمائه . الليل  في عليائه . الليل في بهائه . الليل في نقائه ) حكايات الحزن العراق بالوجع والالم  الجاثم بثقله على صدور العراقيين في اشجانه المستعرة بالنار الملتهبة , أو ان الرباعيات تمثل تراجيدية الحزن العراقي  , قديماً وحديثاً . كما نجد ايضاً في الحدث السردي مشتركات بين ابطال الرواية أو الشخوص المحورية , ففي الحدث الاول يجمع بين ( مريم ) والشاعر ( وليد ) حب الادب والشعر والتشوق الطاغي اليه , كما ايضاً نفس المشترك  بين ( حمامة ) والشاعر ( حزين ) في التشوق الى الادب والشعر . وياخذنا المتن الروائي ( الليل في نعمائه ) بكل شغف الى حكاية ( حمامة ) الفتاة الجميلة  والشاعر ( حزين ) في مجيئها من مدينة البصرة الى مدينة ( السماوة ) لتنزل في نفس الزقاق ونفس البيت الذي سكنته ( مريم ) قبل خمسة عشر عاماً , واطلق أسم الزقاق بأسمها زقاق العمة , ولا أحد اعترض على التسمية  ( الزقاق الذي اطلقوا عليه قبل خمسة عشر عاماً ( زقاق بيت العمة ) وظل مقروناً بالاسم , لا أحد من المدينة تنكر له في أستبداله ) ص9 . لفت نظره  الشاعر ( حزين ) لفتاة رشيقة القوام والجمال ( حمامة ) تتجه بخطواتها المتعثرة في مشيتها  صوب البيت ,كأن اصابتها  وعكة صحية مفاجئة  , تطلع الى جمالها وخفق  قلبه بخفقات  الشوق متصاعدة في اللهفة  لهذا الوجه الفاتن , وقال وهو يدردم مع نفسه  ( أنها فتاة مموهة بالوان الطيف , فهي الالق وقال هي غيمة بيضاء تعوم في بهاء شذري ناصع , فهي بسمة من بسمات الله في لحظة رضائه ) ص9 . لكنه استغرب في اندهاش وحيرة , لماذا هي وحدها تركت مدينتها مدينة البصرة , وجاءت  هنا الى مدينة ( السماوة ) وتسكن هذا الزقاق وفي البيت المنزوي القديم  . وراح يتسأل بلهفة وهو في حالة  بعثرة حواسه بالاضطراب   لهذا الجسم الرشيق  ( حمامة ) , ولكنه يعود ويقرض نفسه بالحزن بأن الشعراء يملكون قلوب حزينة وهذا دأبهم في ذلك  ( هكذا هم  الشعراء , ألم في ألم , وجزع يليه جزع , وليست للسعادة رقعة في خارطة حياتهم ) ص15 , , وراح يلاحقها من بعيد وقريب يطلب  العلاقة والتواصل معها  , وعرف انها تهوى الشعر وتحضر ندواته الشعرية وتقرأ قصائده وتشتري دواوينه الشعرية من المكتبات , فتعلق بها اكثر . في معرفة سر قدومها , وسكنها وحدها في وحشة الليل , وفي بيت العمة ( مريم ) هذا البيت المنزوي في الزقاق , لابد وان هناك سبب وجيه للمجيء هنا ؟ . ويعود الحدث السردي ( فلاش باك ) الى خمسة عشر عاماً الى الوراء , عندما جاءت ( مريم ) أمرأة ذات ثلاثين عاماً جاءت من البصرة الى هنا لتسكن هذا البيت المنزوي بصحبة مختار المحلة وهو يسلمها مفاتيح الدار ويطمئن هواجسها . بأن الناس في  المحلة والزقاق يملكون الطيبة والتواضع والمحبة والشرف والشهامة والنخوة  والتآلف الاجتماعي . ووجدت ( مريم ) عمل في معمل الخياطة النسوية , وحين تعود من عملها تكون محملة بالحلوى وتوزعها على أطفال الزقاق في فرح وابتهاج , حتى نالت احترام الناس ومحبتهم , واصبحت واحدة منهم . لذلك لم يتجرأ أحداً لمعرفة سبب  مجيئها الى هنا , أو ما تحمل من مأساة في داخلها , وكذلك في رفضها  الزواج من  الذين تكاثروا في الرغبة بطلب يدها  ,  لكن الحزن واللوعة لم تفارقها في شدها الى الماضي والى مدينتها   . فكانت تحمل قصة حب وعشق مأساوية غارقة بالحزن والمعاناة , فقد أحبت الشاعر ( وليد ) هامت به بالعشقً والهيام ,  وهو بادلها نفس الشعور بالهوى والهيام حتى تكلل الحب بالزواج , ورأت السماء تفتح اسايرها لهذا العشق النقي والصافي ,  ولكن لم يمضِ على زواجهما شهرين فقط حتى اغتال النظام زوجها الشاعر (  وليد ) لانه كان مناوئ  للنظام ورفضه الشديد   لاشعال الحرب ضد ايران واستهجان ممارساته الارهابية ضد الناس , فكان عقابه بالاغتيال الوحشي والبشع ( كان وليد مهشم الرأس , مقطوع الانفاس ,جيء به متقطع الاوصال , متهتك الاعضاء ..... وسيارته محطمة بشكل كلي و كأنها رميت من قمة جبل الى وادٍ سحيق ) ص111 . وبعدها شن النظام حملة اعتقالات ضد  اصدقاء وليد واقاربه ,  وحتى شقيقه هرب من الاعتقال , وزوجته ( مريم ) هربت من بطش النظام خوفاً من  سجنها وقتلها , لذلك جاءت الى السماوة هاربة من رعب وبطش  النظام , وسكنت في هذا الزقاق الذي اطلق عليه اسمها , وفي هذا البيت المنزوي   تداوي جراحها الحزينة في عتمة الليل . وحين اشتد عليها المرض وانهكها تماماً , حتى اصبح ليس في مقدورها ان تطعم نفسها , فتطوع الجيران في عنايتها واطعامها والرعاية بها , لكنها شعرت بأن أن اجلها المحتوم اقتربت ساعته  , فصرحت للجيران  برغبتها , بأنها تريد ان تموت في مدينتها وقرب قبر ( وليد ) وسكان المحلة لا يعرفون من هذا (وليد ) الذي تعلقت به اشتياقاً وتردد اسمه على الدوام  في غيبوبتها , ولم يسألها أحداً بما تحمل من قصة حزينة ومأساوية , فكانت تردد ( أريد العودة الى وليد . وليد من يشفيني , ولم نكن نعرف من هو وليد , ولا هي افشت بسرها ) ص92 و فحملوها الى كراج السيارات وهناك انطلقت بها السيارة الى البصرة . هذه التراجيدية المأساوية سببها النظام الطاغي بالبطش والارهاب  . ومجيء ( حمامة ) الى هذا الزقاق والبيت , من اجل استخراج السر الدفين في احدى جدران البيت ,وهو مذكراتها اليومية عن حبها المفجوع , سجلته على الاوراق واشرطة الكاسيت . وحين وجدت  ( حمامة ) بأن الشاعر ( حزين ) لايكف عن ملاحقتها بالسؤال ,  وبما  أنه يملك نوايا صادقة  , وكان في  كل مرة يردد بإصرار حين يراها  ( ردي حمامة ..... ارجوكِ ) ص60 . فوقفت أمامه وقد رضخت له فقالت ( أحقاً تريد الجواب .. يا حزين ؟ أمستعد لما ستكتشف؟
    فقال لها ( نعم . . بكل جوارحي
    - بكل جوارحك ؟ أهذا عهد لا تراجع عنه ؟
    - نعم : قالها باصرار )ص61 .
    عندها سمحت له بالدخول الى البيت والى غرفتها وطلبت منه الاطلاع على الاوراق وشريط المسجل , وذهبت هي تعد له القهوة . وانخرط في قرائتها والاطلاع عليها . واصابه الحزن والالم وهو يطلع على السر الدفين , بقصة حب حزينة جداً التي انتهت الى مأساة , قصة حب ( مريم ) واغتيال زوجها ( وليد ) , وخرج من بيت ( حمامة ) في حالة الذهول والحيرة والحزن ( خرج حزين تاركاً بيت حمامة كالمسحور ذاهلاً , ومتذبدباً , ومشوشاً , خرج والصورة التي ألتقطتها عينيه , قبل خروجه تستقر على المسجل والاوراق والمنضدة واكواب القهوة وحزن حمامة ) ص92 . واتفق مع ( حمامة ) بعد ذلك  على طبع ونشر قصة الحب  الحزينة ليطلع الناس عليها ,  وعلى بطش النظام الساقط بأن  ( وليد لم يمت . بل لن يموت . وليد يعيش في ذاكرة الاجيال . يعود الى جيل جديد يتخذ من كلماته هداية ليومهم ومسيرتهم , يرون فيه الرجل الذي لم يهادن على المبادئ , ولم يتخلَّ يوماً عن البصرة والعراق ..... يستذكرون قوله : الاقدام صفة من صفات الشجعان , شرط أن يتحلوا برجاحة العقل , وإلا كانوا حمقى. كان وليد راجح العقل قوي الشكيمة ) ص119 . لهؤلاء الشجعان هم شهداء العراق ونجومه المضيئة , هم  نوارس الحرية في  ساحة التحرير . والحياة تؤكد بديهية ناصعة  البياض وبيقين الحقيقة, أن البطش لن يدوم , والطغاة مصيرهم مزبلة التاريخ .
       
     جمعة عبدالله
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media