أوبرا نيكسون في الصين
    السبت 17 أبريل / نيسان 2021 - 06:37
    د. ميسون البياتي
    نيكسون في الصين هي أوبرا من ثلاثة أجزاء لحّنها جون آدامز وهو موسيقي مهتم بدراسة الأساطير ، كتبت نص الأوبرا أليس غودمان . وهي مستوحاة من زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون للصين عام 1972. عرض العمل أول مرة في دار أوبرا هيوستن الكبرى في 22 أكتوبر 1987 ، العمل إنتاج وإخراج بيتر سيلارز ( مواليد 1957 وهو غير بيتر سيلارز الممثل ) ,  أما تصميم الرقصات فقام به مارك موريس . عندما قدّم سيلارز فكرة الأوبرا الى جون آدمز في عام 1983  كان آدامز متردداً في البداية لكنه قرر قبول العمل في النهايه
    الخلفيه السياسيه لهذه الأوبرا أن الرئيس نيكسون ومثل جميع السياسيين فإن وعوده الإنتخابيه خلال صعوده إلى السلطه مارس عكسها تماماً بعد جلوسه على كرسي البيت الأبيض ، ففي حين كان قبل الإنتخابات معروفاً  بأنه من معارضي الشيوعيه الرواد ,  بعد أن أصبح رئيساً في عام 1969 وبمشورة وزير خارجيته هنري كيسنجر داهية السياسه , غيّر نيكسون سياسته 180 درجه وأصبح يسعى الى تحسين علاقاته مع الصين والإتحاد السوفييتي ويحاول إنهاء حربه في فيتنام بتسليمها الى الشيوعي هوشي منه 

     قد نتساءل ماهو السر وراء ذلك ؟ والسر بسيط جداً , بعد الحرب العالميه الثانيه خرجت كل الدول الإستعماريه الكبرى مديونة ديون فادحه الى الولايات المتحده , ولهذا أعلنت الولايات المتحده قارتي امريكا اللاتينيه وافريقيا والشرق الأوسط والشرق الأقصى مناطق مقفله للإستعمار الأمريكي وحده , عندها بدأت عمليات تبديل مستعمر بمستعمر تحت ما تمت تسميته : حركات تحرر الشعوب 
    [[article_title_text]]
    بوستر أوبرا نيكسون في الصين

     بالوصول الى بداية فترة حكم نيكسون كانت الولايات المتحده تسيطر على أهم منابع النفط في العالم , وعن طريقها نصح هنري كيسنجر بإستعمار كل العالم عن طريق حاجته الى الطاقه 

    تم وضع الخطه بالتحايل أولاً على جورج بومبيدو وإرغامه رغماً عنه على القبول بمنصب رئيس جمهورية فرنسا مع أنه ليس أهلاً لذلك , فقط بسبب كونه مدير بنوك آل روتشيلد وعلاقاته المتينه مع هذه العائله لتحييدهم أثناء وقف ربط سعر الدولار بالذهب , وربطه ببيع النفط 

    الخطوه الثانيه هي تحسين العلاقه مع الصين والإتحاد السوفييتي وانهاء حرب فيتنام وتسليمها الى الشيوعي هوشي منه , لتحييد صراعات الحرب البارده أثناء عملية تعليق بيع النفط بالدولار الأمريكي فقط لاغير 

    الخطوه الثالثه كانت البحث عن شراره تُقدَح مع عملية التحويل تُعَلّق برقبتها كل الأزمات الإقتصاديه والسياسيه التي ستحصل في العالم , ولأن العرب حطب كل المواقد لهذا تم تصميم مسرحية حرب تشرين 1973 كانت اسرائيل تريد إعادة سيناء الى المصريين ليتفاوض رئيسهم على التطبيع والسلام مع العبريين من موقع المنتصر , التطبيع والسلام بالنسبه الى اسرائيل أهم من الأرض التي يمكن أن تستعيدها في أية لحظه تاليه كما احتلتها في الأعوام 48 , 56 , 67  وأعادتها فعلاً في 1973 وهي بإنتظار التالي  

     الخطوه الأهم التي انبثقت عن حرب تشرين هي قيام الملك فيصل بإعلان المقاطعه العربيه وعدم بيع النفط العربي بسبب المسانده التي تحصل عليها اسرائيل من الغرب . خلال فترة قصيره ارتفع سعر كل شيء بسبب شح المحروقات فأنفق العرب مدخراتهم وأصبحوا يتباكون من الجوع ورغبوا في العوده الى تصدير نفطهم فجمعتهم الولايات المتحده سراً مع اسرائيل , وقّعوا جميعاً ودون إستثناء على ضمان أمن اسرائيل مقابل تصدير النفط , عندها مضى السادات الى حفلات التطبيع دون أن يتمكن بلد عربي واحد من فعل شيء غير بيانات الشجب والإستنكار التي تصدر من الإذاعات 
    [[article_title_text]]
    الممثل بيتر سيلرز

    الولايات المتحده استغلت كل هذا الستار لتغطية عملية تحويل سعر الدولار من الذهب الى النفط وأصدرت الأمر الى جميع مستعمراتها أن لا بيع بغير الدولار , وجميع ما تمخض عن ذلك من مشاكل حول العالم تم تعليقه برقبة المقاطعة العربيه , والعرب الى اليوم تمجد بالملك فيصل دون أن تسأل فيما اذا كان الملك قد أوقف شركة أرامكو عن تصدير النفط أم لا أثناء المقاطعه , وبعضهم يمجد بأنور السادات دون أن يهتم بأن تطبيعه مع اسرائيل كان النقلة الأولى على رقعة تحويل الصراع القومي العربي مع اسرائيل , الى صراع طائفي اسلامي _ اسلامي لتدمير الاسلام والعروبه , بينما الولايات المتحده تطبع ورقاً نقدياً لا قيمة له يتهافت العالم على شرائه بسبب حاجة العالم الى النفط عصب الحياة 

     في عام 1983 وبعد أن ذاق كل العالم مرارة البترودولار ولتحسين صورة أمريكا امام العالم وصورة نيكسون كقائد عظيم اقترح مدير المسرح والأوبرا بيتر سيلارز على الملحن الأمريكي جون آدامز أن يلحِّن أوبرا عن زيارة نيكسون للصين عام 1972

    كان جون آدامز الذي لم تسبق له محاولة تلحين أوبرا  من قبل متردداً في البداية لأنه اعتقد أن سيلارز كان يريد هجاء نيكسون على ما فعله بالعالم أجمع , لكن سيلارز لم يبالِ بذلك التردد وبدأ بالحديث مع الملحن بالمفاهيم الأسطوريه التي يعمل عليها آدمز , مذكراً إياه أن الأساطير لم تقع في الماضي فقط , بل يمكننا عمل أساطير جديده في زماننا الحالي 
    [[article_title_text]]
    ملحن الأوبرا, جون آدامز

     وهكذا اتفق الرجلان على أن الأوبرا ستكون بطوليه بطبيعتها , ليس فيها أية سخرية أو هجاء لنيكسون أو ماو , وقاما بدعوة أليس جودمان للانضمام إلى المشروع ككاتبة نصوص , واجتمع الثلاثه في مركز كينيدي في واشنطن العاصمة في عام 1985  لبدء دراسة مكثفة للشخصيات التي ستركز الأوبرا عليها وسعى الثلاثي إلى تجاوز التصورات الحقيقيه عن شخصيات نيكسون ورئيس الحزب الشيوعي الصيني ماو من أجل صناعة أسطورة معاصره 

    تم تقديم العمل في دار أوبرا هيوستن الكبرى في 22 أكتوبر 1987 ,  وفي يوم تنحي حسني مبارك عن الحكم  11 فبراير 2011  أعاد سيلارز تقديم عرضه من دار أوبرا متروبوليتان في نيويورك . تم بث هذا العرض يوم 12 فبراير في العديد من المسارح حول العالم بتقنية ( 3 دي ) للتأكيد على سطوة الولايات المتحده وعظمة رؤسائها في قراراتهم التقارب مع عدو , أو التباعد عن حليف 

    درس بليغ تعلمه لنا الفنون في كيفية صناعة الأساطير حول العالم , في كل الأزمان , ومختلف المواضيع , في حين أن لا حقائق تبنى عليها تلك الأساطير بل هي أوهام حيكت من العدم 

    د. ميسون البياتي   

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media