أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (٢٧)
    الأحد 9 مايو / أيار 2021 - 05:49
    نزار حيدر
         {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}.

       خطآن يقع فيهما كثيرُون بإِزاء تطوُّر التَّجارب؛

       *فمِنهُم من يتصوَّر أَنَّ نِهاية مرحلة من مراحل التَّجربة يعني إِلغاءها! فيعمد إِلى التنكُُر لها وتصفيةِ آثارها وكلَّ شيءٍ يتعلَّق بها، الرِّجال والمناهج والأَدوات والقِواعد وكُلَّشيءٍ.

       *ومنهُم من يتصوَّر أَنَّ بإِمكانهِ أَن يُطوِّر التَّجربة من دونِ أَن يمرَّ بالمراحلِ اللَّازمة [نظريَّة حرق المراحِل] أَو كأَنَّ كلَّ مرحلةٍ جديدةٍ تنزلُ عليهِ من السَّماء! من دونِ أَن يدفعثمنها.

       إِنَّ الجماعة النَّاجحة هي التي يسيرُ فيها الماضي والحاضر والمُستقبل معاً، وأَقصد بذلكَ الأَجيال الثَّلاثة [القديم والحالي والجديد] {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًاوَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً}.

       فلكُلِّ واحدٍ منهُم طعمهُ وبصمتهُ ودَوره، تتكامل عندَ الجماعاتِ النَّاجحة وتتقاطع أَو تتخالف فتتنازع عندَ الجماعاتِ الفاشِلة.

       ولذلكَ فقد حرصَ المُشرِّع هنا، مثلاً، على تنظيمِ القانون بشَكلٍ يحتفظ بجيلَينِ تحت قُبَّة البرلمان [الكُونغرس] أَمَّا الجيل الثَّالث فيحتضنهُ المُشرِّعونَ في مكاتبهِم ولجانهِموهُم صغارُ السِّن طُلَّاباً في الكليَّة أَو الجامعة لينشأُوا مع المشروع.

       عندنا نظَّمَ المُشرِّع القانون ليحتكرَ [المُحاربُون القُدماء] المشروع [من المهدِ إِلى اللحدِ]!. 

       ولغَياب هذهِ الحقائق في مفاهيمِنا لذلك لم تتراكم عندنا التَّجارب والخبرات، فكلُّ جيلٍ يبدأ مشوارهُ من الصِّفر بإِزاحة الجيل الذي سبقهُ، وهكذا! {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْأُخْتَهَا ۖ}.

       الجماعةُ النَّاجحة هي التي تتمسَّك بنظريَّة التَّوريث [توريث الخِبرة والتَّجربة والمسيرة] من خلالِ احترامِ الأَجيال الثَّلاثة، فإِذا رأَيتها فاشِلة ولا تورِّث غَير الفشل فتأَكَّدبأَنَّها تُفرِّط بالأَجيال على رأسِ كُلِّ عقدٍ أَو عقدَينِ مِن الزَّمن! والنَّتيجة {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا}.

       ومِن أَسبابِ ذلكَ عدم الإِيمان بنظريَّة التَّكامل، فنتصوَّر أَنَّ كُلَّ مرحلةٍ من مراحل تطوُّر التَّجربة قائمة بذاتِها لا علاقةَ لها بالتي سبقتها ولا علاقةَ لها بالتي ستلحق بها.

       القُرآن الكريم يقولُ لنا أَنَّ الأَطوار في الحياةِ تكامليَّة وغَير مُنقطعة عن بعضِها {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} كيفَ؟! {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَعِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}.

       وهذا يحتاجُ إِلى أَن تحترمَ الأَجيال الثَّلاثة بعضها فلا يتكبَّر أَحدٌ على أَحدٍ ولا يستخفَّ أَحدٌ بأَحدٍ ولا يُقلِّل أَحدٌ شأنَ أَحدٍ ولا يُلغي أَحدٌ أَحداً {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ}.

       والآن؛ بعد كلِّ هذا الشَّرح الوافي عن أَسباب الخلاف والإِختلاف وقواعد الحل، فهل يعني هذا أَنَّ على الجميع أَن يذوبَ في بوتقةِ [الزَّعيم] لنتجنُّب الخِلافات؟!.

       هل تعني الحاجة إِلى الإِتِّفاق عند الإِختلاف للحيلولةِ دونَ أَن يتحوَّل إِلى نزاعٍ أَنَّنا بحاجةٍ إِلى أَن نتنازلَ جميعنا عن آرائِنا وأَفكارنا وخُططنا لصالحِ آراء وأَفكار وخُطط[الزَّعيم] مثلاً؟! هل يعني أَن نُلغي شخصيَّتنا لصالحِ شخصيَّةِ [الزَّعيم]؟! أَو أَن يتحوَّل الجميع إِلى قطيعٍ من الذُّيولِ والإِمَّعات يقودهُ [الزَّعيم]؟!..

       لا أَبداً فالأَمرُ ليس كذلكَ، خاصَّةً إِذا شعرت الجماعة بإِنحراف المسيرة، فالعكس حينها هو الصَّحيح، فالتَّنازل هو الذي يُسبب الخِلافات لأَنَّهُ يُشجِّع [الزَّعيم] علىالإِستئثار والإِحتكار والطُّغيان والإِصرار على خُططهِ حتَّى إِذا قادت إِلى الفشل، والذي سيُصيبُ بآثارهِ السلبيَّة المُدمِّرة كُلَّ الجماعة وليس فئةٍ دونَ أُخرى.

       يقولُ تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوايَفْعَلُونَ} وقولهُ {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

       كما أَنَّ التَّنازل عن الرَّأي خاصَّةً قبل مُناقشتهِ بالمنطقِ والعقلِ يُساهم في خلقِ عُصبةٍ وصوليَّةٍ تتمحور حَول [الزَّعيم] تحرِّضهُ على رفضِ أَيِّ رأيٍ آخر، ليسَ من أَجلِتحقيق المصلحةِ العُليا للجماعة وإِنَّما لتحمي مصالحها الخاصَّة من خلالِ الإِحتفاظِ بموقعِها المُلاصق والقريب من ظلِّ [الزَّعيم].

       ولقد حذَّر أَميرُ المُؤمنينَ (ع) [الزُّعماء] من هذهِ العصابة بقولهِ في عهدهِ للأَشتر لمَّا ولَّاهُ مِصر {وَلَا تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ}.

       فضلاً عن ذلكَ فإِنَّ الرَّأي الآخر المدعُوم بالأَدلَّة والبراهين والمعلومات والشَّهادات، والذي يُشكِّلُ مَنفعةً للشَّأن العام فيُجنِّبهُ مُشكلةً مثلاً أَو يُساعدهُ على الإِنتقالِ إِلى مرحلةٍجديدةٍ مطلوبةٍ، بمثابةِ الشَّهادةِ التي لا يجُوزُ احتكارها أَو إِخفاءها {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ}.

       ولذلكَ تُلاحظ أَنَّ أَميرَ المُؤمنينَ (ع) كان يُحرِّض أَصحابهُ على إِبداءِ وجُهاتِ نظرهِم مهما اختلفت أَو تخالفت، فكانَ يقولُ {وَإِنَّ مِنْ أَسْخَفِ حَالَاتِ الْوُلَاةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِأَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ وَيُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْكِبْرِ} على اعتبارِ أَنَّ التَّفاخُر والتكبُّر سببانِ لمنعِ ومُحاربةِ وقمعِ [الزَّعيم] للرَّأي الآخر، لأَنَّهُ (ع) كانَ يحرص على أَن لا يكتُمأَحدٌ رأيهُ لأَيِّ سببٍ كانَ فيتحوَّل شيئاً فشيئاً إِلى مُعارضةٍ بالسِّر يكونُ خطرَها على المُجتمع أَكبر بكثيرٍ من خطر الإِصحار بالرَّأي الآخر مهما كانَ مُتخالِفاً أَو مُتقاطِعاً معرأي [الزَّعيم] وموقفهِ.

       ٨ مايس [أَيَّار]  ٢٠٢١

                                لِلتَّواصُل؛

    ‏Telegram CH; https://t.me/NHIRAQ
    ‏Face Book: Nazar Haidar
    ‏Skype: live:nahaidar
    ‏Twitter: @NazarHaidar2

    ‏WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media