فضائل (الخضرمة)
    الأثنين 27 سبتمبر / أيلول 2021 - 14:45
    أ. د. محمد الدعمي
    كاتب ومؤلف وباحث أكاديمي/أريزونا

    أقصد بـ”الخضرمة” أن يكون الإنسان "مخضرمًا”. وعليه، تكون ظاهرة إخفاء العمر الحقيقي للإنسان المنتشرة في العديد من مجتمعاتنا، إذ يميل غالبية الأفراد إلى التشبث بعدد سنين أدنى أقل من العدد الحقيقي، ذلك بهدف التشبث بـ”الصبا” و”الشباب”. تنطبق هذه الظاهرة على النساء بشكل خاص: فأغلبهن يفضلن أن يبدون أصغر سنًّا. وعلى أساس من هذه الظاهرة "الكونية”، راحت المخابر والمعامل تدور ليل نهار لإنتاج كل مستحضر من شأنه إخفاء السن الحقيقية للرجال والنساء على حد سواء. والحق، فإن هذه ظاهرة اجتماعية تنطوي على كم كبير من "النفاق الاجتماعي”، كما تنطوي على الجهل والسذاجة، خصوصًا وأن سن الإنسان غالبًا ما ينعكس على الوجنتين والعيون والبشرة، من بين سواها من مكونات الجسم، درجة تحول إخفاء السن الحقيقية إلى مدعاة للسخرية كما حدث للعديد من الفنانات والفنانين، دون ذكر أسماء.

    ويمكن للمرء أن يرصد فوائد ومزايا أن يكون المرء (رجلًا أو امرأة) مخضرمًا من خلال الخبرة المتراكمة التي يستجمعها الإنسان عبر تتابع السنين وتتالي العهود، ناهيك عن مزايا "التجربة” العملية والفكرية التي لا يمكن للنشء والشبيبة الفوز بها إلا بعد قضاء سنوات كافية من العمر: وهذا ليس بالأمر اليسير، بطبيعة الحال. لذا استذكرت العرب نوعًا محنكًا من الأفراد المعمرين (المخضرمين) بوصفهم مصادر للحكمة ومنابع للأمثال والأقوال الشائعة، الأمر الذي يلقي الضوء على واحد من أبرز العقول العربية الشائخة، وهو قس بن ساعدة، الذي لاحظ أهمية سني العمر في بناء الشخصية ورفد المجتمع بالخبرة وبالأعمال الطيبة. بل إن الأشهر من بين هؤلاء المعمرين الذين اشتهروا بالحكمة والحوكمة، كان الشاعر الفذ "زهير بن أبي سلمى”، ثم "كعب بن زهير”، فعد الأول الذي قال: "سئمت تكاليف الحياة ومن يعش/ثمانين حولًا لا أبا لك يسأم): فبرغم السأم من أعباء الحياة، ارتقى زهير إلى مصاف أحكم العرب وأفضلهم قاطبة نصيحة ومشورة.
    لذا، فإنه من السذاجة، بل والسخف، أن يدعي الإنسان بأنه شاب صغير، متناسيًا ما قالته العرب بأن "الشباب مطية الجهل”! محذرين من مخاطر الجهل الذي واشجوه بـ”الشباب”!
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media