المتوكل (205 - 247) هجرية , وخليفة (232 - 247) هجرية , ترى ماذا كان يدور في خلده عندما عُرض عليه تصميم الجامع الملوية (للمهندس الكلداني دليل بن يعقوب) , وربما عرضت عليه عدة تصاميم وإختاره من بينها.

والمصمم شرح الفكرة والتعبير عنها عمرانيا للمتوكل , فوافقه وأعجب برؤيته , فقرر الشروع بالبناء.

الجامع برمته وخصوصا منارته الملوية تلخيص عمراني لجوهر الإسلام ومعاني السنة النبوية , التي ركز المتوكل على إحيائها , ونبذ ما لا يتوافق معها.

فكان العمران تكثيفا معرفيا , وإدراكا عميقا للمعاني الكامنة في الدين , ويبدو أن المصمم لديه ثقافة عالية ومعرفة وافية بآفاق الثقافة في عصره.

المتوكل من أكثر خلفاء الدولة العباسية إهتماما بالبناء , فشيد في سامراء عدة قصور ومعالم عمرانية متميزة بطرازها وفنون بنائها , فأحدث ثورة عمرانية غير مسبوقة , تأثرت بها أمم الدنيا من بعده.

ومما يذكر أن خلفاء بني العباس اللاحق منهم يهدم ما شيده السابق , فالقصر الجعفري كما تذكر كتب التأريخ تم تخريبه بأمر من المنتصر بالله الذي قتل أباه المتوكل , وكأنه أراد أن يمحو ما يذكّره بأبيه , وربما هو الذي خرب المعالم الأخرى ذات الصلة بالمتوكل , ومنها جامع الملوية وجامع أبي دلف والبركة الحسناء , وغيرها من المعالم المتميزة.

لم يتم بحث الأفكار الكامنة في عمارة المنارة الملوية , فهي ليست كما يُراد تبسيطه وقوله على أنها مأخوذة من الزقورة أو مما سبقها من الأبراج للحضارات السالفة , والحقيقة الجوهرية أنها فكرة دينية ورسالة إدراكية عميقة المعاني , إختصرت أفكار الدين في كيانها الملتوي المتوافق مع نبضات التفاعلات ما بين الأرض والسماء.

ولابد من التساؤل عماذا كان يجول في خاطر المتوكل وهو يجلس على قمتها متأملا ؟

فلا توجد مدونات عما كان يتمثله , كما أن البحتري لم يكتب شعرا عنها , وعن جلسات المتوكل على قمتها , وفي هذا ضياع لمعاني مهمة أوحت بها الملوية لصاحب فكرتها والآمر ببنائها.

ماذا كان يدور في خلد المتوكل وهو يراقب إرتفاعها وتألق جمالها وزهوها؟

ولماذا الملوية المنارة خارج الجامع ولم تكن داخله كعادة بناء الجوامع؟

تبقى تساؤلات تبحث عن أجوبة , فهل من مجيب؟!!

د-صادق السامرائي