ثورة تشرين تتجدد وستنتصر إرادة قوى التغيير
    الثلاثاء 4 أكتوبر / تشرين الأول 2022 - 09:14
    أ. د. كاظم المقدادي
    إستاذ جامعي وخبير بيئة عراقي مقيم في السويد
    تفي الأول من تشرين الأول الجاري حلت  الذكرى الثالثة لإنطلاق ثورة تشرين المجيدة، وأحيت قوى التغيير الشعبية المنضوية تحت راية « ثورة تشرين» المناسبة بتظاهرات جماهيرية كبرى في بغداد ومحافظات أخرى، وفاءاً وتكريماً لشهداء الثورة الأبرار، ولآلاف الجرحى والمعوقين جسدياً، والمختطفين والمعذبين والمغيبين من شباب وشابات الثورة ضحايا القتل العمد والقمع الدموي، إنتقاماً لمطالبتهم بوطن وبحياة كريمة وبعدالة إجتماعية، وهي مطالب مشروعة كفلها لهم الدستور العراقي.

    لم تكتف الأحزاب المتنفذة بالضغط على القضاء ومنعه من محاسبة القتلة، وإنما شنت على الثورة ونشطاء الحراك المدنيهجمة شعواء،وسعت بكل ما تستطيع وبأشنع الوسائل لقتل الثورة والإساءة الى كل من شارك فيها، الى جانب إشهار سيف الترهيب والقمع والإضطهاد، معتقدة بأنها «قضت» على الثورة، ولكنها فشلت فشلآ ذريعاً، وخاب ظنها، فها هي الثورة تتجدد. وشهدنا هذا التجدد مرة أخرى في تظاهرات الأول من تشرين الجاري..

    ولعل الأبرز هو صمود أبطال تشرين ونشطاء الحراك المدني الأحياء بوجه جرائم الطغمة السياسية المتنفذة ضدهم وضد عوائلهم- أولآ، وسعيهم الجدي الحثيث، وبنكران ذات، لتلافي الأخطاء والسلبيات السابقة واللاحقة، وأخذ العبرة والدروس من التجربة السابقة- ثانياً، لمواصلة النضال ضد منظومة الفساد.

    وقد إنبثقت العديد من التشكيلات المدنية الجماهيرية، ومنها: قوى التغيير الديمقراطية، وقوى الإحتجاج والتغيير، وتجمع دعم الإنتفاضة والتغيير في العراق، واللجنة المركزية للتنسيقيات، وغيرها. وإتسعت جبهة القوى المدنية والديمقراطية والناشئة والنقابات والمنظمات والحراكات الاحتجاجية والشخصيات المستقلة ذات التأثير و من مختلف المدن العراقية، عاكساً التنوع الاجتماعي العراقي الاصيل
    المفرح ان الفترة الأخيرة شهدت بوادر الأحترام والتفاهم والأهداف المشتركة بين القوى التشرينية الأصيلة.

    وعُقدت العديد من الإجتماعات التشاورية والتنسيقية،وتشكلت عدة لجان، وهذا هو بداية فعلية لسلسة من نشاطات ولقاءات لاجل انضاج الرؤى والتحرك من اجل معالجة جذرية شاملة للازمة، وطرح البديل السياسي والاقتصادي والاجتماعي المنشود.
    مؤخرا عُقد في مدينة الناصرية إجتماع تشاوري لقوى "الإحتجاج والتغيير”،حضره ممثلون عن القوى المدنية والديمقراطية والناشئة والنقابات والمنظمات والحراكات الاحتجاجية والشخصيات المستقلة ذات التأثير، أكد الإجتماع على ما يلي:
    -1 ضرورة وحدة المنطلقات والأهداف الوطنية النبيلة للحراك السياسي والاجتماعي والاحتجاجي، المعارض لمنظومة المحاصصة والفساد والسلاح
    2 -أهمية التمسك بالمطالب الوطنية وفي مقدمتها محاسبة قتلة المتظاهرين والكشف عن مصير المغيبين، والاهتمام بعوائلهم الكريمة.
     -3محاسبة الفاسدين وحصر السلاح بيد الدولة، وضمان استقلالية القضاء، وتطبيق قانون الاحزاب وإصلاح المنظومة الانتخابية لتكون حرة ونزيهة تعكس ارادة العراقيين.
    4 -أهمية تشكيل جبهة سياسية من القوى المؤمنة بالتغيير الديمقراطي، تكوّن بديلا سياسيا حقيقيا، قوامها الاحزاب والشخصيات التي لم تتورط بالازمة والدم العراقي الطاهر والفساد اللعين.
    -5الدعم الكامل للاحتجاج السلمي المعارض للسلطة الفاسدة الهادف للتغيير في الذكرى السنوية الثالثة لثورة تشرين.
    ومن أجل مواصلة الجهد في توحيد الأهداف وتنسيق التحرك، تم تشكيل لجان بمشاركة المتخصصين والكفاءات كل ضمن اختصاصه:
    أ- لجنة لوضع وصياغة الرؤيا السياسية (الدولة والمؤسسات والمطالب التي رفعتها انتفاضة تشرين).
    ب- لجنة لوضع رؤية متكاملة عن المنظومة الانتخابية التي تحقق التغيير.
    ج- لجنة لصياغة العقد الاجتماعي.

    من جهتها،أكدت قوى التغيير الديمقراطية، وقوفها الداعم للحراك السلمي في عموم ساحات الوطن، والذي ينطلق في الأول من تشرين المقبل.. بل ودعت تنظيماتها ومناصريها إلى التحشد تحت راية الوطن والتغيير.
         وشددت على أهمية وضرورة التعاون والتنسيق بين جميع القوى والحراكات، وتحشيد الطاقات، والسير قدما على طريق التغيير الديمقراطي، وتدشين بناء دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية، الدولة كاملة السيادة.
        وقالت:” في الذكرى الثالثة لحراك تشرين، نؤكد سعينا نحو القصاص من قتلة المتظاهرين والكشف عن مصير المغيبين، وتحصيل حقوق الجرحى الابطال وتعويض عوائل الشهداء.
    "    وستبقى مطالبتنا بدولة خالية من المحاصصة والفساد والمليشيات، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.. حاضرة لحين تحقيق ارادتنا: التغيير الشامل».
        وأضافت:» إننا على ثقة كبيرة بأن قوى التغيير، باختلاف مشاربها، قادرة على تحقيق أهدافها الوطنية النبيلة، إن تضافرت الجهود وتوحدت الحناجر».
         وفي هذا الصدد، دعت جميع القوى المدنية والديمقراطية والناشئة، والحركات الاحتجاجية إلى توحيد اهدافها وتنسيق الحراك الشعبي السلمي ليكون معبراً عن إرادة ابناء شعبنا في بناء الوطن المستقل والمزدهر.

    وفي ما يخص القوى المدنية، او الكثير منها، ومن بينها الحزب الشيوعي العراقي، فقد اكدت موقفها الداعم للمطالب المشروعة التي رفعها المعتصمون، وشددت على ضرورة تعاظم الضغط الشعبي لتحقيقها انسجاما مع هذه الوجهة وتطبيقا لها. وفي الاطار ذاته حرصت على عدم التقاطع، وشددت على المشتركات والاهداف التي تتقاسمها مع المعتصمين في الخضراء حينذاك.
        وجاء في بلاغ إجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في  3 حزيران 2022:
    "تشير معطيات الواقع الى انسداد افق الحل على يد القوى المتنفذة، ونظرا لأهمية تشديد الضغط الشعبي والجماهيري لفرض الانطلاق على طريق التغيير الشامل، بما يحقق بناء دولة المواطنة والقانون والمؤسسات الضامنة للحريات والحقوق السياسية، فان حزبنا يجدد دعوته قوى الحراك والاحتجاج الجماهيري والشعبي على اختلاف عناوينها وتشكيلاتها، الى المزيد من التنسيق والتعاون في ما بينها، وصولاً الى صيغ متقدمة للعمل المشترك، والى بلورة رؤى مشتركة حول أولويات الحراك ومطالبه وأهدافه، والى مد جسور التواصل والعمل المشترك مع سائر قوى التغيير، التي تتقاسم معه المشتركات والرؤى.”
       وأضاف: " لقد اصبح هذا ضرورياً وملحاً في ظل تمادي المتنفذين وتفريطهم بحقوق الشعب والوطن العليا، وفي ظل استمرار التضييق على الحريات، والانتهاكات الفظة لحرية التعبير، وملاحقة الناشطين وذوي الرأي، وعدم متابعة وكشف من قتل ومارس العنف ضد المنتفضين والمحتجين. فلا خلاص من منظومة المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت، الا بكسر احتكار السلطة، وتغيير موازين القوى السياسية لصالح البديل المدني الديمقراطي، وإعادة بناء الاقتصاد والمجتمع على أسس جديدة، وضمان استقلالية القضاء وعدم تسييسه، والسير على طريق بناء دولة المواطنة التي يسود فيها القانون والعدل والسلم الأهلي والحريات العامة والخاصة.”

    خاتمة، ان التغيير الجذري والشامل لمنظومة الحكم السائدة في العراق منذ عام 2003، وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الإجتماعية الضامنة للحياة الحرة الكريمة والمستقبل الزاهر، مطالب مشروعة، اَنية وملحة، ضحت الشبيبة العراقية الواعية من أجلها بأغلى ما تملك،وقدمت أكثر من ألف شهيد وشهيدة، وأكثر من 30 ألف جريح وجريحة، من ضمنهم أكثر من 7000 معوق جسدياً نتيجة إطلاق الأجهزة القمعية للرصاص الحي على المتظاهرين السلميين،إضافة الى مئات المعتقلين والمختطفين والمعذبين والمغيبين، المطالبين بحقوقهم المشروعة، التي كفلها الدستور العراقي.
        أن التغيير المطلوب لا يحصل في عراق اليوم إلا بإزاحة الطغمة الحاكمة الفاسدة والخلاص من منظومة حكمها الجائر، عبر النضال الواسع، المتواصل، والعنيد من قبل الغيارى والشجعان من أبناء وبنات العراق الجريح الأوفياء لدماء شهداء تشرين ولعذابات الجرحى والمعوقين والمغيبين..
        وهذا يستلزم من بين ما يستلزم تجديد ثورة تشرين وإدامتها وتحويلها الى ثورة عارمة لن تخفت حتى تحقيق أهدافها.. والمطلوب أولآ إستنهاض الجماهير المكتوية بجور الطغمة الحاكمة، وتعيئتها للمشاركة الواسعة في الضغط الشعبي..
    وهذا يستلزم، من بين ما يستلزم، التنظيم الموحد والقوي، والقيادة الجماهيرية الكفوءة، والمسؤولية الجماعية المشتركة، وليكن رائد الجميع إنقاذ العراق وشعبه من القوى والأحزاب الولائية الفاسدة التي دمرت العراق وحطمت شعبه وأهانته وأذلته، لتعود له سيادته وحريته وكرامته !
        وتلكم هي شروط تجدد الثورة وإدامتها وبالتالي نجاحها والخلاص من منظومة القتل والمحاصصة والفساد والولاء لغير العراق! 

    "المدى"، العدد:5275.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media