كل شيء هاديء على الجبهه الغربيه All Quiet on the Western Front
    الخميس 6 أكتوبر / تشرين الأول 2022 - 07:16
    د. ميسون البياتي
    الحرب الروسيه في اوكرانيا تثير أشكال مختلفه من أنواع القلق والذكريات والمخاوف لدى المواطن الأوربي , وهذا ربما هو الدافع وراء إعادة إنتاج فيلم All Quiet on the Western Front في العام 2022 وبعد حوالي قرن من كتابة رواية الفيلم 
    الفيلم ملحمي ألماني مناهض للحرب يستند إلى رواية عام 1929 التي تحمل الاسم نفسه للكاتب إريك ماريا ريمارك Erich Maria Remarque ومن إخراج إدوارد بيرغر Edward Berger بطولة دانيال برول Daniel Bruhl  وآخرون ,  تدور أحداثه في السنوات الأخيره من الحرب العالميه الأولى ، وهو يدور حول حياة الجندي الألماني بول بومر الذي وجد نفسه  بعد التحاقه بالجيش الألماني مع أصدقائه  في خطر بسبب وقائع الحرب المدمره فالموت ليس مغامره والحرب ليست نزهه , والأفكار الرومانسيه عن حب الوطن , والإعتقاد بشجاعة النفس وبطولتها , كل هذا سيتعرى أمام مشاعر الخوف والجوع والألم مما يؤدي الى تحطم أشياء في النفس لن نتمكن من استعادة امتلاكها مرة ثانيه بعد أن تنتهي الحرب 

                                                          https://www.youtube.com/watch?v=Y0g9Vul2mIM 

    تم عرض فيلم All Quiet on the Western Front لأول مرة في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي في 12 سبتمبر 2022 ، وسيتم بثه على قناة Netflix في 28 أكتوبر 2022 
    في أغسطس 2022 تم الإعلان عن الفيلم عند ترشيح ألمانيا لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم روائي طويل دولي في حفل توزيع جوائز الأوسكار 95
    في عام 1917 زمن نهاية الحرب العالميه الأولى في ألمانيا يكذب بول بومر بشأن عمره فيجعله أكبر ليتمكن من الإلتحاق بالتجنيد إلى جانب أصدقائه وكأنهم ذاهبون في نزهه وعليه مرافقتهم كي لا تفوته المتعه , جميعهم من الشباب المليئين بالمفاهيم الرومانسيه عن الذات وحب الوطن . سرعان ما يُلقى بول في خندق ، بمعدات قليله ، وتدريب بسيط ، بملابس مستعمله لجندي آخر تم إصلاحها بعجاله وعدم اتقان , نصيحه قويه تلقاها أول يوم إلتحاقه من أحد المحاربين القدامى الذي منعه من أن يحصى خيباته وحظه السيء منذ اليوم الأول ,لأن الأيام المقبله ستجلب المزيد 
    إريك ماريا ريمارك مؤلف الروايه كان محارباً ألمانياً في الحرب العالميه الأولى وصف في روايته الإجهاد البدني والعقلي الشديد للجنود الألمان أثناء الحرب ، والانفصال عن الحياة المدنيه الذي شعر به العديد من هؤلاء الجنود عند عودتهم إلى ديارهم من الجبهه , الحياة المدنيه تحتاج الى الهدوء والدعه والسلام وحب الخير , سيفقدهما الجندي عند رؤية صخب الحرب وشراسة القتل ومظاهر العداء وروح الشر, صدمة كل هذا لن يتمكن من تجاوزها العديد من المحاربين حتى حين يعودون من الجبهه وحتى بعد أن تنتهي الحرب 
    نُشرت الرواية لأول مره خلال اعداد نوفمبر وديسمبر 1928 من صحيفة فوسيش Vossische  Zeitung   الألمانيه , وعلى شكل كتاب في أواخر يناير 1929  كانت للكتاب تكمله بعنوان : طريق العوده صدرت عام The Road Back 1930
    الروايه وتكملتها من بين الكتب التي تم حظرها وإحراقها في ألمانيا النازيه . باعت All Quiet on the Western Front    مليونان ونصف المليون نسخه بـ 22 لغه في أول 18 شهراً من طباعتها 
    في عام 1930  تم تحويل الكتاب  الى فيلم حاز على جائزة الأوسكار يحمل نفس الاسم ، من إخراج لويس مايلستون Lewis Milestone 

                                                               https://www.youtube.com/watch?v=fHuNQER_8rI 

     تم إنتاج الروايه كفيلم مره أخرى في عام 1979 من قبل المخرج التلفزيوني الأمريكي ديلبرت مان Delbert Mann  وهذه المره كفيلم تلفزيوني من بطولة ريتشارد توماس Richard Thomas وإرنست بورغنين Ernest Borgnine  نتابعه كاملاً من هذا الرابط

                                                              https://www.youtube.com/watch?v=MhC4ESwuPPI

    تعطي الترجمة الإنجليزية التي كتبها آرثر ويسلي وين Arthur Wesley Win العنوان: All Quiet  on the Western Front  كترجمة غير حرفيه للعباره الألمانيه : Im Westen nichts Neues التي ترجمتها الحرفيه هي : لا شيء جديد في الغرب ، كلمة الغرب في هذا العنوان تعني:  الجبهه الغربيه  
    في ترجمة بريان مردوخ Brian Murdoch  عام 1993 تم شرح العنوان على أنه : لم يكن هناك شيء جديد يمكن إبلاغه عن الجبهه الغربيه , لكن برايان مردوخ وضمن السرد يتحدث في المقدمه عن احتفاظه بعنوان الكتاب كما ترجمه آرثر ويسلي وين على الرغم من أنه لا يتطابق تماماً مع اللغه الألمانيه لأن هذا العنوان أصبح علامة في اللغه الإنكليزيه , فعبارة ( كل شيء هاديء على الجبهه الغربيه ) أصبحت تعني الركود وعدم وجود تغير مرئي من أي نوع 
    ثم يشرح مردوخ كيف أن ترجمة وين ، وبسبب الفتره التي نُشرت فيها ، كانت ملزمه باستخدام بعض المراجع الألمانيه غير الدقيقه واختصار تأثير بعض المقاطع ، بينما تم حذف البعض الآخر تماماً . ترجمة مردوخ أكثر دقة بالنسبة للنص الأصلي ولم يتم تعتيمها كما في ترجمة وين 
    كتب ريمارك في مقدمة روايته : " لا يجوز اعتبار هذا الكتاب اتهاماً لأحد أو اعترافاً بأمر ، أو أنه مغامره ، لأن الموت ليس مغامره لمن يقابلونه وجهاً لوجه . سأحاول ببساطه إخبار جيل من الرجال ، أنهم على الرغم من نجاتهم من قذائفها .. ربما ، لكن الحرب دمرتهم . ما وجده الجنود بأنفسهم : الرتابه بين المعارك ، والتهديد المستمر بنيران المدفعيه والقصف ، والنضال من أجل العثور على الطعام ، ونقص تدريب المجندين الشباب ما يعني انخفاض فرص البقاء على قيد الحياة ، والدور الشامل للفرص العشوائيه في حياة وموت الجنود ستكون موصوفة بالتفصيل "
    المعارك التي وقعت في الروايه ليست لها أسماء ويبدو أنها ذات أهميه قليله ، أهميتها فقط لأنها تؤشر احتمال حدوث إصابه أو موت لبومر ورفاقه , ولا يتم فيها سوى الاستيلاء على مساحات صغيره من الارض , بحجم ملعب كرة قدم ربما ، ثم تُفقد مرة أخرى لاحقاً , والإستيلاء والفقدان يكلّف خسارات جسيمه بالأرواح والمعدات حيث يصبح الجنود الباقون على قيد الحياة مستنزفون ومهتزون عاطفياً, تطوعوا للحرب بعمر 18 عام لكنهم بعد أشهر لم يعودوا شباب 
    [[article_title_text]]
    زيارة بول لمنزله تسلط الضوء على تكلفة الحرب النفسيه . لم تتغير البلدة منذ أن خاض الحرب ، لكنه هو من تغير: وجد أنه لم يعد ينتمي إلى بلدته بعد الآن لأنها عالم أجنبي . هو يشعر بالانفصال عن معظم سكان المدينه . يسأله والده أسئله "غبيه ومؤلمه" عن تجاربه في الحرب ، دون أن يفهم أن الرجل لا يستطيع الحديث عن مثل هذه الأشياء . يحاضره مدير مدرسه قديم حول إستراتيجية الحرب والتقدم في الجبهات الى أمام , بينما يصر المدير على أن بول وأصدقاءه يعرفون فقط قطاعهم الصغير الذي يحاربون فيه لكنهم لا يعرفون شيئاً عن الصورة الكبيره , بينما بول يرى أن الصورة الكبيره للحرب هي في داخل كل الجنود ممثلة بالدمار النفسي والإنفصال عن العالم 
    الشخص الوحيد الذي لا يزال بول على اتصال به هو والدته التي تحتضر ، والتي يشترك معها في علاقه عاطفيه جيده , لكن والدته مريضه , في الليله التي سبقت عودته الى الجبهه بقي معها ، وتبادل تعبيرات صغيره عن الحب والاهتمام ببعضهما البعض , وفي طريقه الى الجبهه يفكر مع نفسه في كيفية التحاقه بالقتال بينما والدته تحتضر وهو لديه الكثير من الكلام معها الذي لن يقوله حين تموت . في هذه اللحظه قرر أنه لن ينزل في إجازه الى المنزل مرة أخرى 
    يشعر بول بالسعاده عندما يلتقي برفاقه , بعد فترة وجيزه تطوع للذهاب في دوريه وقتل رجلاً لأول مره في حياته بقتال بالأيدي . شاهد الرجل يموت متألماً لساعات فشعر بالندم وطلب المغفره من جثة الرجل . أصيب بالدمار واعترف بذلك لاحقاً لزميلين حاولا تهدئته وطمأنته بقولهما أن هذا ليس سوى جزء من الحرب
    تم إرسالهم لحراسة مستودع إمدادات في قريه تم إخلاؤها بسبب تعرضها للقصف الشديد. خلال هذا الوقت  كان هو ورفاقه قادرين على إطعام أنفسهم بشكل كاف ، على عكس ظروف شبه الجوع في الخنادق الألمانيه , ومستمتعين وهم يعيشون على غنائم القريه ورفاهية الضباط في مستودع الإمدادات . أثناء إجلاء القرويين المدنيين الأعداء، فوجئ بول وزميله بقصف مدفعي على قافله مدنيه وأصيبوا بقذيفه فتم اخلائهما الى مستشفى , تم بتر ساق الزميل بينما عاد بول الى الخدمه في الخطوط الأماميه
    الحرب تقترب من نهايتها والجيش الألماني يتراجع في حالة من اليأس ، شاهد بول أصدقاءه يسقطون واحداً تلو الآخر, موت زميله ( كات ) هو الذي جعل بول لايهتم بشأن الحياة رغم أن السلام قادم قريباً لأنه لا يرى المستقبل مشرقاً وفيه أمل , ويشعر أنه لم يتبق له أي أهداف في الحياة وأن جيلهم سيكون مختلفاً وسيساء فهمه 
    تم اعلان هدنة الحرب العالميه الأولى في 11  نوفمبر1918 قبلها بعدة ايام نهاية اكتوبر, قتل بول أخيراً في يوم حربي هاديء بشكل غير عادي , صدر بيان الحرب ذلك اليوم يقول : كل شيء هاديء على الجبهه الغربيه 
    الموضوعان الرئيسيان اللذان ركزت عليهما الروايه هما : الصعوبه التي واجهها الجنود في العوده الى الحياة المدنيه بعد معاناة مواقف قتاليه قاسيه . والتأكيد باستمرار على الخسائر الفادحه في الأرواح , والمكاسب الضئيله من القتال , واعتماد القيادات وهي مرتاحه وغير مباليه بمعاناة ورعب الخطوط الأماميه عند دفع الجنود الصغار الى الموت
    الموضوع الرئيسي الآخر هو مفهوم القوميه العمياء . الأولاد في الروايه لم يُجبروا على الانضمام الى الحرب ضد إرادتهم ، بل من خلال الشعور بالوطنيه والفخر. معلم المدرسه ( كانتوريك ) قام بتصوير رومانسية  الحرب والمجد والواجب تجاه الوطن لطلابه فتطوعوا من تلقاء أنفسهم , لكنهم حين التحقوا واضطروا الى العيش والقتال في خنادق قذره وضيقه مع القليل من الحمايه من الرصاص والقذائف المعاديه , وأثناء مواجهة الخوف والجوع والمرض عندها أدركوا مدى إحباط الخدمه الفعليه في الجيش
    حين تلاقي حتفك في القتال ثم يتم تجاهل ذلك في بيان الحرب لذلك اليوم , ولا يتذكرونك حتى كرقم يُكتب في حقل أعداد القتلى .. فذلك هو منتهى الموت بلا معنى للإنسان , لكنه أبلغ توصيف للحرب لأنها تأتي على الأخضر واليابس .. ولا تبالي 

    د. ميسون البياتي 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media