محطة رقم 10 الفرزة السادسة
    الجمعة 25 نوفمبر / تشرين الثاني 2022 - 07:12
    عطا يوسف منصور
    أعود الى حزب البعث الذي تسلم السلطة وقد أسمى الانقلابيون انقلابهم بالثورة البيضاء لكون الانقلاب انتهى بخطف عبد الرحمن عارف بحيلة دبرها الضابطان المشاركان في الانقلاب وهما عبد الرزاق النايف وابراهيم الداوود ومضمون الحيلة/ هو أن هناك محاولة انقلاب من قبل طاهر يحيى ومجموعة من الضباط وهما يُريدان حمايته في مكان اخر آمن لحين القضاء على الحركة ولأن عبد الرحمن عارف كان يثق بهما ذهب معهما حتى أصبح الصباح وتُليتْ استقالتُهُ وانتهى الحكم العارفي القومي الناصري في العراق صبيحة يوم 17 / تموز / 1968. 
    والذي تلي البيان المذيع التلفزيوني/ نهاد نجيب / وفيه أنهى الانقلابيون البعثيون الخطوة الأولى من المؤامرة وبقيت المرحلة الثانية وهي انهاء وجود عبد الرزاق النايف وإبراهيم الداوود كانت تشكيلة مجلس قيادة الانقلابيين هي من النايف رئيس الوزراء والبكر رئيس الجمهورية 
    ومثلما مرّر إبراهيم الداوود وعبد الرزاق النايف الحيلة على رئيسه عبد الرحمن عارف مرّر احمد حسن البكر ومعه مجموعتُهُ من البعثيين العسكريين مؤامرته على رفيقيه في الانقلاب وهما النايف والداوود ضاربًا بالقسم الذي كان بينهم بالجدار وكانت الخطة كالاتي:
    أن يُرسل وزير الدفاع وهو إبراهيم الداود لتفقد القطعات العراقية في الأردن مع ابلاغ الضباط البعثيين باعتقاله ساعة وصوله وتم تنفيذ الخطة. 
    وأما النايف فقد دعاه البكر لتناول وجبته المفضلة من لحم الغزال معه ووقع في الكمين فقد كان بانتظاره صدام حسين واخر معه حيث اقتاداه الى مطار المثنى واقلعت به الطائرة الى المغرب. 
    ولم تنتهِ قصتهما فقد تم اغتيال النايف في لندن يوم 9 تموز 1978 وانتهى الداوود سفيرًا متنقلًابين إيطاليا ومنها الى الفاتيكان والمطاف الاخير في السعودية وقد عاد للعراق بعد سقوط المجرم وحكومته حزب البعث ولم يُذكر للداوود خبر عند دخوله. 
    بعد تصفية الطارئين/ النايف والداود/ من قيادة البعث نزل البعثيون بخطة عمل تختلف عن عام 1963 فعلى الصعيد الشعبي أخذت قيادات الحزب بالعراق القيام بندوات عنوانها / الشعب يسأل والحزب يُجيب / ومن هذه البادرة يستطيع الحزب غربلة أفكار المواطنين ووضع قاعدة عمل له للحزب وللدولة لكي تحسس الوضع العام وعليه يكون تقويمه.
    ثم أطلقتْ شعار الرقابة الشعبية ووضعت مجلس شعب في كل محافظة وكان يرأسه في مدينتي الكوت عضو الشعبة جمال سـتيته الطائي وهو من مدينة العزة / الفيصلية ثم بعد قيام الجبهة  ترأسه القيادي الشيوعي الموالي لهم حسون الحركاني. 
    كما مرّ الشعب العراقي بأزمات مفتعلة من قِبَلِ قيادة حزب البعث لإلهاء المواطن بها ومنها ازمة المعجون وأزمة لحوم الدجاج المستورد وأزمة البيض المستورد وأزمات أخرى وابتكرت طريقة أخرى وهي رياضة المصارعة الحرة وذلك بإحضار المصارع عدنان القيسي ومعه اخرين وآخرابتكاراتهم هي قضية /ابو طبر/ وجرائمه المشهورة في بغداد بحيث أرعبت العراقيين من الشمال الى الجنوب كل هذه الأجواء المشحونة خلقتها القيادة البعثية لتصفية خصومها على يد منظمة حُنين التي يترأسها صدام والتصفيات تشمل البعثيين من الموالين الى سوريا والتي يحكمها  حزب البعث أيضًا الذي يتناقض في سياسته مع البعث العراقي كما شمل غير البعثيين وهم من القوميين والشيوعيين ولم يترك أصحاب المصالح التجارية الذين لا علاقة لهم بالسياسة وممن شملتهم التصفيات ومصادرة أموالهم مجموعة من تجار الشيعة في الشورجة حيث تمت دعوتهم  الى الاجتماع في قاعة الشعب وهناك انتهى امرهم الى التصفية ومصادرة الاموال وما قضية بيت جيته في البصرة واتهامه بالتجسس الا واحدةً من كثير من جرائم البعث المفتعلة. 
    وبعد قيام الجبهة مع الشيوعين عام 1973 دشن تحالفه بجريمة قتل أكثر من 400 مواطن في خان النص/ يقع بين الحلة وكربلاء/ وهؤلاء كانوا يقومون بالهرولة من طويريج الى مقام الامام الحسين عليه السلام وهي شعيرة دينية دأب عليها الشيعة في اربعينية استشهاد الامام الحسين وجذورها تمتد الى عقود طويله من الزمن كما حاربوا كل ما يتعلق بمعتقدات الشيعة/ من منع  للزيارات وإقامة المجالس الحسينية وتوزيع الطعام الى بيع الأشرطة الحسينية التي تُباع في محلات بيع التسجيلات العامة وكانت العقوبات التي ينالها المواطن الشيعي إذا ما لبستهُ التهمة تتراوح بين الإعدام والسجن بالأحكام الثقيلة ولا ينتهي الامر بالشخص نفسه، بل تشمل عائلتَهُ حتى الدرجة الرابعة من العائلة.  
    أمّا بيان 11 آذار الذي أبرمته حكومة البعث مع ملا مصطفى البرزاني عام 1970 فقد انفرط عَقدُهُ في عام 1971 بعد محاولة اغتيال الملا مصطفى في مقره أثناء اجتماعه مع وفد مفاوض من الحكومة البعثية مؤلف من علماء دين سنة وشيعة وهم لا يعلمون بمخطط المخابرات التي أعدته بتوجيهٍ من البكر وصدام فصاروا ضحايا ونجا من القتل المستهدف الملا مصطفى. وما كان تأميم شركات النفط وتطبيق قانون 80 الا إعادةً لقانون الزعيم الذي وقعه يوم وقوع انقلاب 8 شباط عام 1963 وبالأصل يعود هذا القانون الى العهد الملكي الذي قرر الباشا نوري سعيد بموجبه سحب الأراضي غير المستثمرة من سيطرة شركات النفط وكان موعد الاتفاق هو صبيحة يوم الانقلاب في صبيحة 14 تموز/ ذكر هذا العميد خليل إبراهيم في موسوعته/ ثورة 14 تموز/ أضف الى ما ذكرتُهُ أن حزب البعث أصبح جهازَ مخابراتٍ تجسسي حتى على أعضائه وذلك بالإيقاع والنصب وهذا ما حصل مع الشاعر الشعبي غازي ثجيل/الحامل لكارت الصداقة مع صدام وأصبح كل بعثي مُخبرًا حتى على اهله وأصدقائه ينقل كل ما يدور بين الاصدقاء ولو كان الموضوع حوارًا عن قصيدة لمعلمٍ كان شيوعيًا ثم بعثيًّا وصل لدرجة عضو فرقة وهذا ما حصل معي حين انتقدتُ احدى قصائده أمام مجموعة من المعلمين كانوا يقفون امام نقابة المعلمين لانتظار واسطة نقلهم التي يذهبون بها الى مدارسهم صباحًا.
    وبعد أيام جاءني زميلي المعلم محمد سعيد أبو الهوى وسألني: ماذا كنتَ تتكلم عن المعلم فلان قبل أيام فكان جوابي له/ أني لم أتكلم عليه وانما تكلمتُ عن احدى قصائده وحددتُ وجهة نظري الخاصة عنها/ فقال لي لقد كتب عليك أحد الواقفين معكم وقدم تقريره عنك/ فطلبتُ منه اخباري عن اسمه فأخبرني/ إنه المعلم سيد تقي / فابتسمت وقلتُ له: هذا هم سيد وهم تقي. 
    فكم وكم من أمثال سيد تقي يتقربون بهذه التقارير الى القيادات الحزبية لِنَيْلِ الحِظوة عندها. ولم يكتفِ حزب البعث بكل هذه بل أخذ بعض البعثيين والمتسترين بتزليق الناس من حيث الطعن في الدولة وسياستها لكي ينكشف الانسان البسيط عما يحمله تجاه الحزب والدولة وحصل معي  الكثير من هذه المحاولات التي باءت بالخيبة لا اريد ذكرها حتى لا ارهق القارئ بها. 
    ومن أبرز هذه المنزلقات المؤامرة التي حاكها صدام حسين مع رفيقه ناظم كزار وهي اتفاقهما على تسقيط حكومة البكر حيث كان البكر يومها في زيارة الى الاتحاد السوفيتي وبعض الدول في المنظومة الاشتراكية ويكون التنفيذ في ساعة عودته في 30 حزيران 1973 داخل المطار ولكون  صدام لا يحمل المصداقية والوفاء مع كل مَنْ تعامل معهم حتى مع المقربين له / زوجته ساجده وابنة خاله حيث تزوج عليها بابنة الشهبندر ثم مع ابن خاله وزير الدفاع عدنان خير الله حيث اغتاله بمؤامرة اسقاط طائرته المروحية أثناء وجودهما شمال العراق في صيف عام 1988 بعد  أن توقفت الحرب العراقية الإيرانية وكانت الخطة هي تكليفُهُ بمهمة مُختلقة كي يُنجزها في بغداد فكانت نهايتُهُ بسقوط طائرته المروحية وتركه مدةً طويلةً دون اسعافات. 
    وأرى سبب قتله هو أن أمريكا أعطت اشاراتها لصدام بتسليم الراية وتخليه عن الرئاسة لصالح ابن خاله عدنان بعد فشل صدام في تحقيق ما خططت له أمريكا بإسقاط النظام في إيران.  
    هذه وقائع عملية وشواهد عنه تؤكد سلوكيتَهُ المنحرفة وما حصل مع ناظم كزار هو أن صدام قلب الطاولة على رفيقه كزار وذلك بتسريب خبرٍ عن/وجود مؤامرة على الرئيس الى/ الكي جي بي/ المخابرات السوفيتية فتم العمل على تأخير عودة البكر لعدّة ساعات كان آخرها في بلغاريا. وكان هذا التأخير هو السبب في فشل المؤامرة وهروب ناظم كزار ومجموعة من مرافقيه معه باتجاه إيران عن طريق زر باطية الا أنّه تم القبض عليه وتعذيبه حتى الموت ويُقال إنه أُعدم رميًا بالرصاص رافضًا عصبَ عينيه.  والغريب أنى أقرأ في سيرة ناظم كزار وعائلته ولم أجد ما يتفق وواقعه المُعاش الذي اعرفه ولم أجد للفترة الزمنية التي عاشها مع عائلته في مدينة الكوت في خمسينات القرن الماضي لغاية  يوم الانقلاب عام 1963 أقول لم أجد أثرًا يُذكر لها في ما كُتِبَ عنه وعن والده الذي كان شرطيًا  سجّانًا في سجن الكوت وكنتُ أعرف أباه معرفةً شخصيةً.
    كما أنّي التقيتُ بناظم نفسِهِ قرب بيتهم الذي يقع في الزقاق المقابل لمستشفى الكوت عام 1958 وهو يتكلم مع مجموعة من الصبية وانا من بينهم عن حزب البعث الذي كان مرفوضًا من قِبَل غالبية العراقيين وكان للقوميين الناصريين أثرٌ أكبر في الوسط العسكري والجماهيري.

    وعلى هذا الأسلوب دأب البعثيون بإيقاع الأخرين وشعارهم/ وحدة وحرية واشتراكية. 

    الدنمارك / كوبنهاجن                                          الخميس 24 تشرين ثاني 2022 

    الحاج عطا الحاج يوسف منصور 

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media