حوارات حول القراءات
    الأربعاء 18 مايو / أيار 2022 - 07:09
    د. هشام حسن الشمري
    انتشرت في الانترنيت فيديوات ناطقة لتسجيلات قرآنية بألفاظ مختلفة عن القرآن المعروف بيننا.
    تقدم أستاذنا الدكتور هادي حسن حمودي، فنبه إلى أن هذه الفيديوات باب من أبواب الفتنة وتعمبق الخلافات بين الناس وحذر منها، فلقي ترحيبا واسعا من عقلاء الناس ومثقفيهم، وتعالت ثلاثة تعليقات بإدانته وإدانة منهجه. 
    فردّ عليهم بنصوص من كتب يعلنون أنهم ملتزمون بها.
    وانتصارا للحق الذي مثله أستاذنا بجرأته في مقاومة تزييف القرآن أنقل لكم منها بعض هذه النصوص لتعم الفائدة ويتم الوقوف في وجه التزييف:
    كتب: النص الأول:
    حدث في نحو الثلاثين من الهجرة أثناء فتح أرمينية وأذربيجان أن حذيفة بن اليمان (رأى الناس يختلفون في القرآن ويقول أحدهما للآخر قراءتي أصحّ من قراءتك. فأفزعه ذلك وقدم على عثمان وقال: أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى). (النشر في القراءات العشر، ابن الجزري 1/7).
    ونتيجة هذا التنبيه انتظم المصحف المعروف وكتبت منه عدة نسخ أرسلت إلى الأمصار.
    النص الثاني:
    قال ابن الجزري في الصفحة نفسها إن الأمة أجمعت (على ما تضمنته هذه المصاحف وترك ما خالفها من زيادة ونقص وإبدال كلمة بأخرى مما كان مأذونا فيه توسعة عليهم ولم يثبت عندهم ثبوتا مستفيضا أنه من القرآن).
    حوار:
    يلاحظ كل من يقرأ هذين النصين جملة أمور أبرزها:
    اختلاف المسلمين الأوائل في قراءة القرآن الكريم، اختلافا كان سيؤدي، في حال استمراره وتطوره، إلى ما لا تُحمد عقباه.
    ولمنع هذا الخلاف والاختلاف في نص يؤمن المسلمون بأنه نص مقدس تم توحيد القراءة في مصحف، وألغي ما سواه.
    وكان التوحيد قائما على ما ثبت ثبوتا مستفيضا وقطعيا - عند المكلفين بالجمع - أنه من القرآن.
    وأما التوسعة التي كان مأذونا بها لحالات خاصة، فلم يُعتدّ بها.
    ثم أرسلت نسخ من هذا المصحف إلى الأمصار وأٌبطل ما سواها.
    **
    ومن المؤكد أن هذا المصحف كان مكتوبا، أي إن كلماته مرسومة بالحروف. ومعنى هذا أنّ كل كلمة يجب أن تُقرأ كما كُتبت، ولا يمكن لأي إنسان أن يقرأها بشكل مغاير.
    ** ولكن بعد نحو 250 سنة من نشر ذلك المصحف في الأمصار ظهر من عُني بالقراءات فبدأت بسبع قراءات، ثم بعشر، ثم بأربع عشرة قراءة، ثم زيدت لاحقا. وبينها اختلافات لا يمكن نكرانها. 
    وهنا ظهر سؤال: لقد نُسبت تلك القراءات باختلافاتها للنبي الكريم فإن صحّ هذا فلمَ لمْ تذكر في المصحف المشار إليه؟
    وأجاب بعض الأفاضل هذا السؤال بأن ذلك المصحف كان يخلو من التنقيط، فحدث تغيير بعض الكلمات بين قراءة وأخرى.
    ولكن هذا القول مردود من أكثر من ناحية، منها:
    ** إن المتخصصين في دراسة الخط العربي أكدوا وقوع تغيير في رسم الحروف المنقوطة عن مثيلتها غير المنقوطة. بمعنى أن حرف الراء، مثلا، يكتب (ر) أما حرف الزاي فلا يمكن أن يُكتب (ر) بل بإدخال تغيير طفيف فيه، وكذلك السين والشين والباء والياء وغيرها.
    ** إن التغيير شمل الحروف غير المنقوطة، مثل كلمة (العهن) التي في سورة القارعة.
    ** على فرض صحة ذلك الجواب فإنّ التغيير كان نتيجة خطأ في قراءة الكلمة فهل تصحّ قرآنيّته؟
    **
    ولقد سئلت عن القراءة التي أحبذها؟ فأجبت: لي قناعتي الخاصة بي لا أفرضها على أحد. ولا أدخل في ميدان التفاضل بين القراءات، فذاك باب للفتنة.
    ** فعلينا أن نحذر ممّا فزع منه حذيفة بن اليمان مما ذُكر في (النصّ الأول) أعلاه.
    أما الدرس اللغوي والنحوي للقراءات فموضوع آخر.
    ثم أضاف هذه النقاط:
    1-أما اللاجئون إلى حديث الأحرف السبعة متصورين أنه يعني القراءات، فقد جزموا بما لا يصح الجزم به. فالحديث مختلَف في معناه جدا، حتى أن السيوطي ذكر أربعين قولا مختلفا لمعناه.
    2-وارى أن فهمه يجب أن يرتكز على الحالة التي قيل فيها. وهذا ما ذهب إليه العلماء الجديرون بصفتهم. فهو تيسير، من النبي الكريم، للذين كان في نطقهم عيب وفي ألسنتهم حُبسة بحيث لم يكونوا يستطيعون لفظ حرف أو كلمة أيّا كان الجهد الذي يبذلونه. وهذا الترخّص ليس قراءة، بل هو تيسير في حالات خاصة ولم تثبت قرآنيته لذا لم يذكر في المصحف الذي جُمع في نحو الثلاثين من الهجرة الشريفة.
    3-أما القول بأن سبب تعدد القراءات أن النسخ التي وجهت للأمصار من ذلك المصحف كانت مختلفة (بناء على ما جاء في رواية)، أو أن فيها أخطاء تُركت كما هي (كما جاء في رواية أخرى)، فلا يمكن الأخذ به لأن الهدف من ذلك المصحف، كما هو معروف مشهور، توحيد القراءة، لا تشريع الاختلاف)).
    ** ختاما أقول: أنا مع كل من يطلب الحقيقة من غير تجمد على ما رواه فلان عن فلان.

    د. هشام حسن الشمري/
    نيوكاسل/ المملكة المتحدة
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media