على أغبياء الإسلام السياسي أن يفهموا موقف بوتن منهم جيّداً!
    الأحد 22 مايو / أيار 2022 - 11:30
    رعد الحافظ
    كاتب عراقي مغترب مقيم في السويد
    مقدمة :
    ذُهِلَ المتابعون لتفاصيلِ الحرب البوتينيّة القذرة (كي لا أقول الحرب الروسيّة), على اوكرانيا الجميلة ,من التداعيات العديدة لهذهِ الحرب!
    ليس فقط الإجماع العالمي الحُرّ بمعارضتها وإدانتها والعقوبات الإقتصاديّة واسعة النطاق على روسيا, ورغبة الرئيس الروسي بتغيير الخارطة الجيوسياسية ,وربّما محو إسم أوكرانيا منها .لكن بأشياء ثانوية أخرى كتعاطف أغلب الإسلاميين مع بوتن .نحنُ نعلَم بالطبع موقف الإسلام السياسي عموماً من الغرب ,والكراهيّة الكامنة في النفوس ,جرّاء الأدلجة والتربيّة المَبنيّة على حقائق مزعومة مغلوطة ,
    تُشير الى أنّ العداء للغرب واجب ديني مُقدّس وأنّ أمريكا هي (الشيطانُ الأكب), على الأقل حسب ملالي إيران وتابعيهم بغباء .وأنّ المقاومة والمُمانعة هي الأصحّ والأفضل على طول الخط .حتى لو قامت أمريكا بتحرير العراق من أبشع طاغية في تأريخهِ عام 2003 وخسرت ترليوني دولار و5000 جندي من قواتها .
    أو قامت بالدفاع عن مُسلمي البوسنة والهرسك ضدّ الإعتداءات الصربيّة العنصرية على المُسلمين عام 1995.أو نَصَرت (بالإعلام والمساعدات الإنسانية السخيّة) مُسلمي الروهينكا في ميانمار عام 2017.
    أو فَضَحت ومازالت بشاعة وقساوة الحكومة الصينية ضدّ مُسلمي الإيغور في معسكرات (التثقيف) .أو وقفت الى جانب الشعب الليبي في ثورتهِ ضدّ طاغيتهِ القذافي عام 2011  ..الى آخر تلك المواقف التي لا ينكرها سوى ناكري الجميل!
    كلّ ذلك وغيره مفهوم ومعروف ,ولم يعد المرء يستغرب طريقة تفكير هؤلاء الأغبياء (حافظين مش فاهمين بالتعبير المصري الجميل) .لكن أن يقفوا علناً الى جانب المُعتدي الغاصب ,لدرجة يصل بهم الأمر إرسال متطوعين شيشان وتَتَر (قوات قديروف) وسوريين وغيرهم ,للقتال لصالحِ بوتن ,مع ما يمكن أن يحدث في ساحات القتال من مواجهات بين المسلمين أنفسهم ,لأنّه هناك مسلمون شرفاء يقاتلون الى الجانب الأوكراني (المُعتدى عليه).
    فهذا أمر يُثير الشفقة والحُزن والغرابة معاً ,لما وصل إليه هؤلاء الأوغاد ومن  يتبعهم وينصرهم على فكرهم الظلامي وفعلهم القبيح ,بطريقة تبقيهم في قاع جدول الحضيض والتخلّف. لقد أثبت هؤلاء فعلاً أنّهم أعداء أنفسهم و(المسلمين خصوصاً) والناس أجمعين!
    فإنظروا الى أعمال (فلاديمير بوتن) ضد الإسلام السياسي والمسلمين عموماً لتعلموا مقدار حماقاتكم ,أو بالأحرى (التدّني الأخلاقي) الذي وصلتم إليه!
    [[article_title_text]]

    بعض أعمال فلاديمير بوتن ضدّ المُسلمين!
    1 / الشيشان :
    إفتتح بوتن فترة حكمه الطويلة ,بالإستمرار بالحرب الشيشانية الثانية التي كانت قد بدأت عام 1999 ,عندما كان رئيساً للوزراء .وإنتهت تلك الحرب بعد عشرِ سنوات ,بسحق الشيشانيين (المسلمين) التام وأحلامهم بالإنفصال عام 2009 ,
    وخسارتهم آلاف الضحايا مدنيين وعسكريين .أشهر أعمال بوتن تلك الفترة حادثة (مدرسة بيسلان) في روسيا عام 2004 .عندما إقتحمها إرهابيون إسلاميّون شيشان وإحتجزوا 1100 من الطلاب والموظفين كرهائن .أمرَ بوتن في البداية بمحاصرة المدرسة ,وفي اليوم الثالث أعطى أوامرهِ بإنهاء العملية مهما تطلب الامر .النتيجة كانت كارثية بكلّ المقاييس حيث قُتل 333 شخصاً من بينهم 186 طفلاً .تمّت حينها إدانة عالمية واسعة للقوة المُفرطة المُستخدمة في الهجوم حيث اُستعملت الدبابات والأسلحة الحرارية والثقيلة بطريقة مُروّعة!
    2 / ليبيا !
    عام 2011 سمعنا جميعاً بموقف بوتن المُعارض لقرار مجلس الأمن بتوفير حماية دولية للمتظاهرين الليبيين ضدّ رئيسهم القذافي ,الذي صرّحَ وكان على وشك إفناء أكثر من نصف الشعب الليبي بطائراتهِ القاصفة ,لولا التدخّل الأمريكي (والنيتو) السريع لمنع وقوع تلك الكارثة البشرية!
    وبعد مقتل القذافي ,شعر بوتن بهزيمة شخصية له في ليبيا ,وأنّ الغرب سيجعل من هذه الدولة ,ديمقراطية على الطراز الغربي .وفي عام 2017 كثّف بوتن تدّخله بالشأن الليبي ووقف الى جانب القائد المليشياوي البارز (خليفة حفتر) في الشرق ,الذي خاض حرباً ضروساً ضدّ حكومة الوفاق الوطني (الإسلاميّة في الواقع) ,لكن مُعترف بها دولياً!
    النتيجة يعرفها الشعب الليبي أفضل منّا جميعاً ,مئات القتلى الليبيين على أيدي قوات فاغنر الروسية (البوتينية) ,التي توصف بـ ذراع كرملين السرّي!
    3 / سوريا !
    في 30 سبتمبر 2015 بدأ بوتن تدخلاته الحربية العلنيّة في سوريا ,بالطبع الى جانب نظام بشار الأسد وضدّ غالبية الشعب السوري (خصوصاً الإسلاميين) ,
    عبر توجيه ضربات جوية ساحقة ماحقة للمعارضة في عموم الأراضي السورية!
    الباقي يعرفه الجميع ومستمر الى يومنا ,بما فيه قيام قوات فاغنر بأعمال قتل وتعذيب وترويع وإغتصاب ,بعضها أعمال بشعة وجرائم ضدّ الإنسانية ,تشمل قطع الرؤوس على طريقة داعش وحرق الأحياء وتقطيع الأوصال!
    هل يتطلب الأمر ,الحديث عن مذابح حلب و جزّار سوريا (الجنرال دوفرنيكوف) ,وسجلهِ الدموي في إستهداف السوريين المدنيين؟

    (الرابط 1 شريط قناة الحُرّة ,برنامج الحُرّة تتحرى بتأريخ 14 مايو 2022)!
    ***
    مقال سامويل لوفيت / في الإنديبيندنت البريطانية!
    يتحدث مُراسل الشؤون العلمية (سامويل لوفيت) بتأريخ 12 مايو 2022 في مقالهِ الطويل لكن المهم (إنظر الرابط 2) ,إلى دبلوماسيين ومساعدين سياسيين وصحافيين وأكاديميين إلتقوا جميعاً ببوتن على مدى الـ 22 عاماً الماضية .شهدوا تطوّره بصفتهِ مُستبداً أبقى نفسه على مسافةٍ من الغرب خلال معظم فترة إدارته .
    من بين هؤلاء السير (رودريك لين) سفير بريطانيا في روسيا بين عامي 2000 و 2004 ,الذي تحدّث عن شخصية بوتن المزدوجة ومراحل تغيّرها وطريقة صعوده فترة الرئيس السابق (بوريس يلتسين) وأشياء عديدة أخرى!
    لكنّي سأنسخ لكم الجزء المتعلق بموضوع هذه الورقة ,أي موقف بوتن من الإسلام السياسي والمسلمين عموماً !
    يقول : لقد إندلعت الحرب مع الإنفصاليين الشيشان في منطقة شمال القوقاز مرة أخرى ,ما أثار إدانة واسعة النطاق بسبب تعامل روسيا الوحشي مع الصراع وقتل المدنيين .حصل أحد أوّل لقاءات (لين مع بوتن) في ظلِّ هذه الخلفية في مارس عام 2000 ,عندما تمّت دعوة توني بلير إلى سانت بطرسبورغ!
    تمّ إصطحاب عائلات بلير ولين ومسؤولين بريطانيين آخرين حول أراضي ومباني قصر (بيترهوف) إلى غرب المدينة .وشاهدوا متحف (إرميتاج) الشهير وتلّقوا دعوة إلى العرض الأول لإنتاج جديد من (الحرب والسلام) في مسرح ماريانسكي ... ويستمر بالحديث الى أن يقول :
    [ .. تناولنا موضوع الشيشان أيضاً ,التي شكلّت موضع قلق كبير في الغرب. ووجهت إنتقادات كثيرة للطريقة التي إعتمدها الروس في إدارة ذلك الموضوع.
     ما جعلَ بوتن عدوانياً ودفاعياً للغاية ! لقد كان يستخدم مونولوجاً طويلاً عاطفياً غاضباً بعض الشيء من أجلِ مُقاطعة الأمور التي لا يريد الإجابة عنها!
    في الواقع كانت فرضية بوتن الأساسية هي أن الغرب فشلَ في فهمِ أن ما تفعله روسيا في الشيشان كان القتال على خط المواجهة الأمامي ضدّ الإرهاب الإسلامي ,الذي يحاول الوصول إلى أوروبا .لقد جادلَ بأنّه يجب أن نكون أكثر دعماً وألا ننتقد الطريقة التي يديرون بها تلك الحرب.
    بعد شهرٍ وفي رحلة العودة إلى لندن ,إنزلق بوتن إلى (ثرثرة غاضبة) أخرى حول الشيشان بعد أن طرح صحفي بريطاني سؤالاً حول الصراع خلال مؤتمر صحافي مشترك مع بلير في وزارة الخارجية.
    يضيف لين: أثار ذلك إنزعاج بوتن فغضب غضباً شديداً .ثمّ أعطى إجابة طويلة جداً ومبالغاً فيها للغاية .وبدا بلير مُحرجاً جداً إذ كان يتكلم عن مدى روعة الأمور .ثم بدأ ذلك الرجل (بوتن) يتحدث بصخب وغضب عن الشيشان.
    كان ذلك الجانب الآخر من بوتن يظهر!
    لقد إستنتجتُ من تلك اللقاءات المبكرة مع بوتن ,وأعتقد أن هذا ما كنتُ اُبلغه إلى لندن ,أنّ هناك بوتينين إثنين!
    بوتن البراغماتي العقلاني الذي كان يحاول تحسين روسيا!
    ثم بوتن الآخر: مُتزعزع الثقة بالنفس ,مُصاب بجنون العظمة بعض الشيء ,
    صبيٌّ خشن من الشوارعِ الخلفية في سانت بطرسبورغ ,ضابطٌ سابق في الإستخبارات الروسية نشأ في الاتحاد السوفياتي وآمن به!
    ***
    الخلاصة :
    العرب والمسلمون عموماً ناس عاديين مثل باقي خلق الله فيهم الطيّب والخبيث!
    إنّما فئة المُشتغلين المُتاجرين بالدين أو ما يسمى تأدّباً الإسلام السياسي (الدواعش في الواقع حتى لو كانوا شيعة) ,وكلّ مَن يسلك سلوكهم من باقي الديانات ,هؤلاء حقاً ينطبق عليهم وصف (حُثالة الجنس البشري) .لسبب بسيط واضح أنّهم يصدّقون (حقائقهم المُطلقة) فقط ,بينما كلّ ما عداهم أو يخالفهم يستحق الموت والحرق بالكاز ..حتى لو كان على نفسِ دينهم وطائفتهم!
    مِثلَ هذهِ الفئة غالباً ما تبحث عن بطل إسطوري خارق للعادة ,يقف في وجه عدّوهم المُفترض (الغرب طبعاً كونه أرقى منهم في سلّم الحضارة البشرية) ,
    ليتحدّاه ويقهره بطريقة صلاح الدين الأيوبّي المُتخيّلة!
    وكون طُغاة العرب أمثال (عبد الناصر وصدّام والأسد والقذافي ..الخ) لم يُنتجوا لشعوبهم سوى مزيد من الذُل والهوان والتخلّف والإنحطاط الإنساني والحضاري. لذا يبحث أصحاب الإسلام السياسي هذه الفترة عن بطلهِم المنشود من خارج الإسلام نفسه ,فلاديمير بوتن مثلاً .وربّما لو هُزِمَ في أوكرانيا وإنتحر ,ستتوجه أنظارهم الى الكوري الشمالي القميء (كيم جونغ أون)!
    أنا بالطبع لستُ حزيناً على بهائم الإسلام السياسي ولا أبكيهم بدموع التماسيح ,لما يفعلهُ بوتن بهم لكن أقول ,إنكشفت أكاذيب هؤلاء وكلامهم الكبير عن المباديء والأخلاق ,بحيث باتوا ينصرون علناً طاغية ليس فقط غير مُسلم ,بل عدو علني واضح قاسي عنيف ضدّ المسلمين عموماً ,والإسلاميين السياسيين خصوصاً!
    فهل بعد هذا من نفاق وغباء وسفالة وتعريص؟
    [ مليئة هي الأرض بالفائضينَ عن اللزوم ,والحياة قد داخَلها الفساد بسبب هذا الفائض من الفائضين] هكذا تكلّمَ زرادشت / نيتشه! 
    ***
    الروابط :
    1 / الحُرّة تتحرى / فاغنر ذراع الكرملين السرّي!

    2 /  قصة بوتن كما رواها مَنْ في الغرفة معهُ / سامويل لوفيت / الإنديبيندنت!


    رعد الحافظ
    22  مايو 2022

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media