الظرفاء والطرفاء: ملح المجتمع
    الثلاثاء 28 يونيو / حزيران 2022 - 22:14
    أ. د. محمد الدعمي
    كاتب ومؤلف وباحث أكاديمي/أريزونا
    عندما خدمت مديرًا لــ”نادي الجمهورية الثقافي” على تسعينيات القرن الماضي، عملت جاهدًا على التعريف بالعديد من الموضوعات والمصطلحات الثقافية على نحو دقيق، وشملت هذه المواضيع عناوينًا شاعت آنذاك كـ”العولمة” و”الثقافة” و”المسرح العراقي” و”الشعر المعاصر”، من بين سواها من العناوين التي كانت تستقطب المثقفين وتستدرج الهواة إلى حضور قاعات "الندوات” التي نظمتها وأدرتها آنذاك.
    وإذا ما نجحت تلك "الندوات” وما تبعها من مداخلات وجلسات نقاشية في ترك آثار غنية لا بأس بفائدتها آنذاك، نظرًا لجدتها وجديتها، اقترحت عليّ الشاعرة العربية "ساجدة الموسوي” تنظيم جلسة خاصة بالـ”ظرفاء والطرافة”، ملاحظة بأن ظروف الحروب الطويلة، التي عاشها العراقيون طوال عقود، لا بُدَّ أن تخفف وطأتها وترفع آثارها النفسية الثقيلة من خلال طرق مواضيع أدنى جدية وأقل تشربًا بفكرتي التعبئة و”الثقافة الموجهة”. وإذا ما وجدت هذا المقترح مفيدًا للغاية (حسب درجات حرارة تلك الأيام المرتفعة)، فإني فكرت في محاور لمواضيع مفيدة أخرى، بعيدًا عن الحروب والتعبئة الجماهيرية والحرب النفسية، الأمر الذي جعلني أفكر بجلسة خاصة "بالشعر الغزلي”، بل وحتى "بشعر الخمرة” بين العصر الجاهلي وعصرنا الجاري، وهي مواضيع تستثير النقاش وتفتح أبوابًا واسعة للتأمل والتفكير والمناظرة، ليس فقط في اتجاهات وتيارات الثقافة السائدة آنذاك، ولكن كذلك في أهمية الظرفاء واللطائف و”الطرفة” في جعل الحياة الاجتماعية المستساغة قابلة للعيش، أي "مهضومة”، كما يقول إخواننا اللبنانيون والسوريون: فعندما تفتح التلفاز ولا تسمع سوى الأناشيد الوطنية والقومية والكلمات التعبوية والأعمدة الصحفية التحريضية أو التوجيهية، لا بُدَّ وأن تشعر بالحاجة الماسة إلى مساحة أمل، كما يقول البعض، أي إلى "متنفس” للإفلات (وإن كان مقتضبًا وسريعًا) من معطيات عجلات الحروب والثقافة الموجَّهة ودعاوي "مقاومة الحصار”، من بين سواها من العناوين التي سئمها الجمهور وراح يبحث عمّا هو متاح من أخبار وعناوين طبيعية، بعيدًا عن "ثقافة التعبئة” وثقافة "استقطاب العواطف العدائية” وثقافة "الخوف”، من بين سواها من العناوين التي أغرقتنا حتى انقطاع أنفاسنا.
    لذا، أغتنم هذه الفرصة لدعوة كل من يقرأ كلماتي أعلاه إلى التأمل في كيفية الاهتمام بالظرفاء و”المنكتين” الذين يضخون الطرائف والقصص المضحك كلما حظينا برفقتهم، أقول كيف يجعل هؤلاء الظرفاء حياتنا أخف وأيسر وأحلى مع البسمات التي يرسمونها على وجوهنا: فشيء من طرائف مجلات الستينيات، وشيء من غزليات قباني لن تنال من جديتنا في الحياة والعمل!
    وعود إلى الماضي: لا بُدَّ أن نلاحظ أن يجالس الخلفاء في العصرين الأموي والعباسي لم تكن تخلو من هذه الشخصيات الظريفة قط!
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media