ثقافتنا على مفترق الطريق
    الأربعاء 29 يونيو / حزيران 2022 - 12:44
    أ. د. محمد الدعمي
    كاتب ومؤلف وباحث أكاديمي/أريزونا
    عهدنا الثقافة، منذ نعومة أظفارنا، بوصفها مسألة تشبث فردي، إلا أن هذه القناعة م البثت وأن تآكلت حتى تلاشت، خصوصًا بعد أن عيَّنت الحكومات نفسها مسؤولة عن الثقافة، إذ طفت على السطح تعبيرات من نوع "الثقافة العامة” و”الثقافة الجماهيرية”، ناهيك عن "الثقافة الموجهة”. والتعبير الأخير هو الأكثر التصاقًا بالأنظمة الشمولية صنوًا لها، إذ أخذت هذه الأنظمة على عاتقها مهمات التدخل في كل شيء حرفيًّا، لبالغ الأسف.

    والحقُّ، فإن هذا الجدل هو المسؤول عن دفع مسألة "المؤسسات الثقافية” إلى الواجهة، الأمر الذي قاد إلى انقسام المهتمين في الشؤون الثقافية إلى معسكرين: بين مؤيد ومضاد! وإذا ما أرادت المؤسسات الثقافية "تأميم الثقافة” و”تسويقها” على الذي تريده لا يمكن أن يتحقق، ذلك أن رماة الحجارة على "قطار الثقافة” الحكومي غالبًا ما يتزايدون، معتصمين بشعارات كـ”الحرية” و”عدم التدخل” و”الاستقلال الذاتي”، من بين سواها من الشعارات الرنانة التي افتتنا بها أيما افتتان على سنوات الصبا والعنفوان.

    بَيْدَ أن الأمر، كما دلَّت مسارات الحياة وكما عكست ذلك أنماط التغير الثقافي، لا يمكن أن يترك كما يترك "الحبل على الغارب”، خصوصًا بعد "الغزوات” الثقافية الوافدة من الخارج التي "تكالبت” على النشء والشبيبة على نحو لا سابق له، وذلك بفضل الإنترنت والفضائيات على أشكالها وقنواتها، درجة شعور المرء بدرجة من الشلل واللافاعلية أنه يستحسن الدعوة إلى رفع يد المؤسسات الثقافية في هذه الحقول المهمة، الآن وإلى الأبد! هذا الانجراف أو الارتماء المتعامي في "سيول العولمة” الإعتباطية الجارفة لا يمكن أن يمر على أهل الرأي وأصحاب الرأي السديد دون ملاحظة ولا حراك جاد، حراك يضطلع بالأخذ بأيدي الشباب نحو مسالك التربية والثقافة من الوطنية والمجتمع الفاضل والمستقبل الواعد المشرق، وليس المستقبل المحاط بأشباح الشذوذ والانحراف وتعظيم الجريمة وتمجيد الخطايا، بوصفها جزءًا من الحياة ومكونًا اجتماعيًّا وجوديًّا لا مناص من وجوده في عصرنا هذا!

    لست أشك في أن ثقافتنا تقف على مفترق طريق تاريخي يوجب على أهل الحل والعقد أن يحركوا أنفسهم برباطة جأش عالية في سبيل إتاحة التوجيه الراشد في هذه الشؤون التي هي جزء من الأمن الوطني والقومي.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media