هل يتعلم الإطار التنسيقي من أخطاء الماضي؟
    الجمعة 1 يوليو / تموز 2022 - 12:17
    د. عقيل عباس
    أستاذ جامعي
    أذنت هذه الخطوة الصدرية المفاجئة بتشكيل مشهد برلماني وسياسي جديد ومختلف، المستفيد الأكبر منه هو الخصم الشيعي للتيار الصدري: الإطار التنسيقي. حصل الإطار على فوز مجاني بحصوله على أكثر من 40 مقعداً جديداً، ليصبح التحالفَ البرلماني الأكبر الذي بمقدوره تشكيل الحكومة. هنا يكمن الاختبار الحقيقي للإطار: هل سيكون بمقدوره تشكيل حكومة مختلفة في أدائها مقارنةً بالحكومات السابقة التي تزعمها وأدارها قادةُ الإطار منذ عام 2005؟ رغم أنه من المبكر إطلاق حكم واثق بهذا الصدد، فأن العلامات الأولى لا تبدو مشجعة، خصوصاً لجهة التعلم من الأخطاء الفادحة والمتكررة على مدى السنوات.

    بين أهم أخطاء الإطار هو خطابه العقيم الذي يحاول أن يقدم تشكيل الحكومة على أنه إنجاز: إفراط في الحديث عن الاجتماعات الدورية بين أطراف الإطار وتسمية "لجان مهمة " لكتابة الأشياء، كالبرنامج الحكومي، وإدارة شؤون الإطار والتفاوض مع الاطراف السياسية الأخرى "لإنضاج" الأفكار والرؤى، من أجل الإسراع في تشكيل الحكومة! هذا التركيز على الصيرورة وإظهارها على أنها مهمة، بدلاً من النتائج التي تهم المواطن، يعيد الى الذاكرة العراقية الأساليب والخطابات العقيمة ذاتها في تشكيل الحكومات السابقة حيث الإعلانات عالية فيما الانجازات واطئة إن لم تكن معدومة. بالإمكان العودة إلى مواسم تشكيل الحكومات السابقة التي قادها الائتلاف الشيعي بتسمياته المختلفة وسيجد المتابع اللغة نفسها التي تهنئ الذات على القيام بالمعتاد (اجتماعات وحوارات وتشكيل لجان وفرق تفاوضية الخ الخ) حيث يستغرق تشكيل الحكومات أسابيع وشهوراً طويلة ومحبطة، وتقديمه بوصفه انجازاً!! تُزيد هذه اللغة الإطارية التي تدور حول نفسها وليس حول ما يهم المواطن أو يفيده قناعةَ العراقيين أنه لن يكون هناك جديد هذه المرة أيضاً وإنما الاجترار المعتاد للقديم.

    تدور السياسة، عندما تكون ناجحة واخلاقية، حول مصالح المجتمع والناس العاديين، وعندما تكون فاشلة وغير أخلاقية فإنها تدور حول مصالح الساسة واحزابهم والمقربين منهم، أي مصالح "الصفوة" وليس مصالح الجمهور. هناك قناعة واسعة وراسخة في العراق، مدعومة بالكثير من الأدلة القوية، أن السياسة في البلد بعد 2003 تخدم مصالح الصفوة وليس الجمهور. لا يستطيع حتى ساسة الإطار إنكار صحة هذه القناعة.

    في سياق توليهم تشكيل الحكومة، يحتاج الإطار خطاباً مختلفاً، لا يتمحور حول انشطته، بل حول ما يمكن أن يقدمه للناس والمجتمع. يستخدم ساسة إطاريون مصطلحاً جديداً في وصف الحكومة المقبلة على أنها حكومة "خدمة وطنية." حتى لا يكون هذا شعاراً فضاضاً جديداً سيُعتبر لاحقاً جزءاً من سجل الخداع الوطني الطويل الذي مارسته هذه الطبقة السياسية، وفي مقدمتها أحزاب الإطار التنسيقي، بحق المجتمع والبلد، قد يكون مفيداً للإطار أن يقوم بأمرين بهذا الصدد. الأول تشكيل لجنة تستطيع ان تحدد بشيء من دقة المجالات التي تستطيع فيها الحكومة المقبلة، أن تشكلت، أن تقدم فيها الخدمات للمواطن في إطار تناول حقيقي وجاد، وليس عمومياً وخطابياً، للعوائق التي منعت تقديم هذه الخدمات للمجتمع في السابق، وما الذي ستفعله الحكومة المقبلة لتجاوز هذه العوائق. الثاني هو تشكيل لجنة أخرى، تمتاز بدقة واضحة في عملها وصراحة عالية في إعلان النتائج، بعيداً عن لجان التدجين الخطابي والتخدير النفسي التي اعتادها عراق ما بعد 2003، وتكون مهمتها تشخيص الأسباب الدقيقة لفشل حكومات ما بعد 2003 التي قادها الإطار التنسيقي، في تطبيق برامجها السياسية التي صوت عليها البرلمان كجزء من مصادقته على الحكومة ورئيسها. تحتاج هذه اللجنة الثانية أن تشرح كيف ستستطيع الحكومة المقبلة أن تتعلم من فشل الحكومات كي لا تكرر ذلك الفشل وتتجاوزه لتحقيق النجاح. ستكون مثل هاتين اللجنتين، ان تم تشكيلهما ونفذتا مهماتهما بجدية، أهم اللجان واصدقها في كل تاريخ التحالف الشيعي بكل مسمياته المختلفة منذ "الائتلاف العراقي الموحد" في 2005 وصولاً إلى الإطار التنسيقي في 2022. إذا لا يستطيع الإطار تشكيل هاتين اللجنتين، فمعناه أنه غير جاد وغير قادر على المجيء بشيء جديد ومهم ومختلف ايجاباً بخصوص تجربة حكمه المقبلة، وبالتالي سيكرر الفشل المألوف مرة اخرى. لكن سيكون لهذا الفشل اثمانٌ باهظة هذه المرة، خصوصاً في ظل مجتمع غاضب ونافذ الصبر ومتشكك بعمق بكامل الطبقة السياسية.

    فرص الإطار التنسيقي بتحقيق النجاح في حكومة مقبلة ضئيلة فعلاً، لكنها ليست مستحيلة او مستبعدة تماماً. بشكل عام، تحقيق النجاح في الأنظمة الديموقراطية التوافقية-المحاصصاتية صعب، لان الجميع في السلطة، وبالتالي يصعب اتخاذ قرارات حاسمة لصالح المجتمع وليس الطبقة الحاكمة وتضيع المسؤولية عن الفشل والنجاح. من اجل نجاح نظام معقد وصعب كهذا، هناك حاجة لوجود زعماء استثنائيين في كل المجاميع العرقية والدينية المتشاركة في السلطة يستطيعون عقد الصفقات والمساومات الكبرى التي تخدم الصالح العام وليس الصالح الخاص المتعلق بالحركات السياسية الممثلة في الحكم. على مدى الـ 17 عاماً من حياة الديموقراطية التوافقية-المحاصصاتية في العراق، لم يظهر مثل هؤلاء الزعماء برغم إسباغ الحركات السياسية العراقية على زعمائها صفات الاستثنائية والتميز المجانية إلى حد اعتبار نقدهم والسخرية منهم تجاوزاً على الرموز الوطنية يستوجب إصدار مذكرات الاعتقال على أساس قوانين قمعية من عهد وفكر النظام البعثي السابق. حقيقة الأمر هي أن عموم الزعماء العراقيين، في ظل الديموقراطية المنقوصة والهشة في البلد، فئويون وانتهازيون وضيقو الأفق ويبرعون في التهرب من المسؤولية ولومها على غيرهم، في الداخل والخارج، واستحضار نظريات المؤامرة الكثيرة لتبرير عدم قيامهم بالأشياء الصحيحة.

    سيكون استثناءً مبهراً، يقترب من حدود المعجزة النادرة عراقياً، أن يبرهن زعماء الإطار التنسيقي، هذه المرة، أنهم، في سلوكهم السياسي، مختلفون عما كانوا عليه في السابق، وأنهم تعلموا فعلاً من تجارب الأخطاء الفادحة السابقة كي لا يكرروها في حكومة "الخدمة الوطنية" التي يتحدثون عنها بكثرة هذه الأيام.

    "سكاي نيوز عربية"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media