خليجُنا والفوزُ الكبير
    الجمعة 20 يناير / كانون الثاني 2023 - 08:10
    قاسم محمد الكفائي
    المقدمة
    قراءة التاريخ يحكمها المنطق خارج حدود التصور والتأويل والتحريف المُتعمَّد نتيجة دوافع صنّاع القرار السياسي، أوبالدوافع القومية والعنصرية كون الحقيقة التاريخية ثابتة في جوهرها لن تتبدل وإن تأثر ظاهرُها بالمُتغيرات والصراعات والتباينات التي لا تأخذ من المنطق دليلا ولا برهانا، فهي عادة تكون ضعيفة تجتمع على الأنانية ذات الرؤية الضيِّقة والتصور المغلوط. كذلك الأحداث أيَّا كانت عندما تظهر للعلن تظهر معها سلوكيات من طرف وآخر تفسر حقيقة النيات التي تُخفيها القلوب. إنتهت.

    بطولةُ كأس (خليجي25) التي احتضنتها البصرة العراقية شاركت فيها الدولُ المُطلة على الخليج ( مشاركة اليمن حتمية ) وقد تجلت أهميتُها حين التقت شعوبُ تلك الدول وتعانقت فيما بينِها وكانت الضيافة المُشرِّفة التي قام بها أهالي البصرة الكرام إكراما لأخوانهم الوافدين عليهم من تلكَ الدول. في هذا الجو الرائع تكشفت حقائقُ في الداخل العربي تفسر عمقَ الروابط ونقاوتها بين الشعوب، وأنها حقيقة ثابتة لم تتصدَّع ولم يطرأ عليها غير غُبار السياسة والتجاذبات. الوافدون على البصرة دخلوها أولَّ مرَّة وكأنهم دخلوا عالَما آخرَ أشبه بعالم الوحوش المنفلتة، قد أن بعضَهم أوصى عياله بتقوى الله وتقسيم الإرث على أبنائه لأن سفرته الى العراق كما يتوقعها مجرّد ذهاب دون إياب. هذا اللون من الفهم المغلوط كانت قد صنعته الماكنة الإعلامية الرسمية لهذه الدول بينما المواطن العربي الخليجي حفظها دون أن يجدَ سبيلا لتفنيدها، أو القدرة على التصدي لها. لكن الشخصية العربية بقيمها ونبلها لن تتلوث بضغائن السياسة على حساب العلاقات والروابط المتينة. فالصورة التي تجلت بمجرد لقاء رياضي جمع الأطراف من اليمن، عُمان، قطر، الإمارات، الكويت، السعودية، والبحرين، إضافة للفريق المُضيِّف على أرض البصرة الفيحاء أثارت حفيظةَ المؤسساتِ الأمنية التي تشربت بالأنانية وحب الذات في إيران وقد إستشعرَت خطورةَ هذا الحضور الجماهيري العربي النادر القادم من الدول المُطلة على الخليج التي أعلنت بصوت واحد، (خليجُنا عربي). كانت إيران في زمن تسلط الشاه محمد رضا بهلوي أقوى نفوذا في المحافل الدولية من إيران في زمن الجمهورية الإسلامية، وكانت قراراتِها وأوامرَها تُأخذ على مَحمل الجِد الى حدِّ رضوخ حكام دول الخليج لكل ما يُمليه عليهم شاهنشاه بهلوي، فلو نطق هذا العفريت بكلمة فالعربان تخرس ذليلة لا حول لها ولا قوة. هذه حقيقة أقرَّتها واعتمدتها نصوصُ تاريخنا السياسي المعاصر. لهذا كانت تسمية الخليج الفارسي هي الشائعة التي ارتكزت على مبدأ التسلط والنفوذ لا على أساس الحقيقة الجغرافية والتاريخية، ولو حسب الإيرانيون بتصورِهم دولة قطر والكويت والبحرين والإمارات مجرد كيانات صنعتها السياسة المعاصرة والأطماع فإن تاريخ اليمن والعراق والجزيرة العربية يدحض التفسيرَ الخاطىء والطمعَ الإيراني الغير مبرَّر بحقوق شعوبٍ من حقها التملك، والعيش والحياة. خلال ثلاثة عقود المنصرمة التي أمارس فيها الكتابة كنتُ أكتفي بذكر كلمة (الخليج)، لا عربي ولا فارسي، كان هذا بدافع موقفي من نظام الدكتاتور صدام حسين الذي فتك بأبناء وطني، ومن حكومات دول الأشقاء التي إعتمدت دعمَه ومساندتَه في الحرب التي إبتدعها وفرضها على إيران، مع أن مصطلح الخليج الإسلامي الذي اعتمدَه الإمامُ الخميني –قدس الله سره- كان يستهويني كونه الحل الصحيح للمعضلة القائمة ما بين إيران والعراق والدول المطلة على الخليج. فالدوائر الرسمية الإيرانية في حينها لم ترحب بفكرة الإمام كونها خالية من التزمت والغطرسة والطمع، كذلك حكومات دول الخليج كونها تابعة في سياساتها لتوجيهات الدول الكبرى التي اقترحت منذُ عقود تسمية الخليج الفارسي في مجلس الأمم المتحدة إرضاءً لملك الملوك في طهران. في أكثر من مقالة سابقة كنتُ قد كتبتها أدعو المعنيين في إيران الى تنقية وهيكلة أجهزتهم الأمنية كونها تعدَّت الخطوطَ الحمر بتدخلاتها في الشأن العراقي وإدارة الأزمات بالأزمات، وتدمير البُنى التحية للإقتصاد، وتعطيل عجلة النمو، وضرب قيمة الدينار، وسرقة الدولار، كذلك التوزيع المنتظم لكل أنواع المواد المخدرة التي تضر بالإنسان العراقي وتهدد حياته ومستقبله. هذا السلوك الضحل يوحي أن هناك خللٌ خطيرٌ في الإدارة الإيرانية صاحبة القرار السري عندما تصل بتفكيرها الى هذا المستوى من التمني والطمع والإحتجاج، ولستُ أدري بأي نضج تتوهم تلك الإدارة، وكيف تُصدِّق أن مئات الآلاف من العرب القادمين الى البصرة من ثمان دول عربية مشارِكة في البطولة "خليجي 25" أن يصدحوا بصوتٍ واحد ويرددوا تسمية ( الخليج الفارسي) كشعار للبطولة والجمهور الكبير الذي يعيش منذ آلاف السنين على سواحل خليجه العربي على طول 3490 كم بينما حصة إيران من الجهة الأخرى مساحة 1050، فهل يعتقد الإيرانيون أن شواربَ هؤلاء القوم (تَنَك)؟ من علامات هذا الخلل أيضا أن الحكومة في إيران تستدل بهوية الخليج فارسي وليست عربي بثبوتات عمرُها آلاف السنين فإن صح هذا الزعم فالأمر يستلزم شموله على الكرة الأرضية بما فيها من دول ومنازعات فيما بينها بحيث تجعل من الشمال جنوبا ومن الغرب شرقا، كذلك لو ذهبنا بالتاريخ الفارسي-العراقي الى ما قبل 130 عاما فقط فإن إيران ستخسر كل أرض الأحواز (للمرة الأولى أسميها بالحاء وليس الهاء) بما فيها من مصادر طاقة وخيرات عظيمة، وقد يتحقق إسترجاعها فيما بعد بشيء من العقلانية وليست بالطريقة التي سلكتها بعضُ حكومات دول الخليج بدوافع خارجية دون أن تراعي أهمية إستقرار المنطقة ومصالحها. تواجه الحكومة العراقية في مقدمتها السيد رئيس مجلس الوزراء المسؤولية َالكبرى في خلاص العراق من محنته التي تقضي بإبعاد المؤسسات الأمنية الإيرانية تماما عن الساحة بعد تحديد حركة عناصرها من العراقيين وسوقهم الى محاكمات بتهمة الخيانة العظمى مع استرجاع أموالنا المنهوبة. كذلك تجميد جميع النشاطات التجارية بين البلدين ما عدى تجارة الزعفران (لا يستحقون أكثر من هذا المستوى من العلاقة) وتعويضها بمد جسور العلاقات التجارية مع دول أخرى شقيقة أو صديقة دون مِنِيَّة من أحد (أكَرَع بفلوسه). إن تنفيذ بنود هذه المهمة الوطنية تفرض على رئيس مجلس الوزراء أن يكون مخلصا ومهنيا وحازما كي يستوعب الصعاب التي تعترضه في عمله لأن محاربة الفاسدين والقضاء عليهم، وأسترجاع ما نهبوه داخل العراق وخارجهِ قد تكون مكلفة تقتضي مشاركة الدول الصديقة في تحقيقها. إن الشراكة الدولية على أساس المصالح وليس الخنوع والتبعية مع الصين، موسكو، لندن، باريس، وواشنطن، ثم الجارة المسلمة تركيا قد تجعل العراق آمنا من أي خطر خارجي، وقد تعجِّل ببدء عملية بناء شاملة وسريعة على أفضل وجه. اليوم إنتهت بطولة خليجي25 كان فيها العراق الرابح الأكبر ما قبل فوزه بالمبارات بإستضافتهِ الرائعة والفريدة لأشقائه من تلك الدول جعلت من العراق والعراقيين منارة تستضيىء بها الشعوب. أما الذين اصطادوا بالماء العكر ولم يفلحوا فجزائهم الخيبة بعد إن خذلوا أنفسَهم بأنفسِهِم. الخير فيما وقع.

    في كل الأحوال كان موقف رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني منصفا لتاريخ وطنه وشعبه وخليجه بتسميته – الخليج العربي- وقد لحقه بنفس الغرض سماحة السيد مقتدى الصدر حفظه الله مما أثارَ حفيظة وزارة الخارجية الإيرانية بتقديمها إحتاجا لدى وزارة الخارجية العراقية، ثم تلاه إستدعاء السفير العراقي في طهران لهذا الغرض. في الأعوام القليلة القادمة سينعم العراق بخليجه العربي وشعبه الصابر بحياة أفضل وقد خرج تماما من تحت عباءة إيران التي حطمته وأذلته. 

    قاسم محمد الكفائي/ كندا  twitter…@QasimM1958

    © 2005 - 2023 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media