مقال ممنوع من النشر
    الخميس 16 مارس / أذار 2023 - 08:51
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    السير والقصص بين الحقيقة والإختلاق
    عادل نعمان 
    وإذا قرأنا عن السير الذاتية او النصوص التاريخية او القصص الدينية او حتى سيرة الصحابة مهما بلغ قربهم من صاحب الرسالة ، فلا يمنعنا احد من التدقيق والتمحيص والفرز ، على ان مانقرأ  عنهم ليس كله حقيقة وكما يحتمل الصواب فإن الخطأ وارد وناهض وموجود ،  ولا حرج او مصانعة او مجاملة فى النقد الواضح الصريح ، وإستقبال الرد بحياد كامل ، فلا قداسة ولاعصمة لاحدهم ، فهو سرد تاريخى لبشر منقول عن رواة وقصاصيين ، وربما يفقتد فى الكثير من التواصل المباشر بين الرواة بعضهم بعضا ، والأهم ان كل هذه الروايات قد نقلت على المعنى وليس على الحرف "اللفظ"  زمن من وقوعها او إختلاقها ، هؤلاء جميعا الراوى والمروى عنه وصاحب الرواية وناقلها لهم نوازعهم وطموحاتهم ونقاط ضعفهم البشرية ، فتستجيب وتلبى إذا ساءت وانحرفت ، وترفض إذا عفت واستحت ، وهذا قدر الجميع وإرادة الإنسان فى التعفف والترفع او الإنحراف والإعوجاج ، ولا نستثنى احد مهما علا شأنه أن يكون تحت هذه المظلة وتحت نفس السماء ، صحابيا كان او خليفة أو إماما للدعاة او للرأى او مفسرا وشارحا.

    وإذا كان احد مشايخنا العظام المحدثين يذكر ان سيدنا الولى عبد الرحمن بن جابر كان يجامع زوجته من مسافة الف وثمانمائة كيلو وكانت تحمل منه وتنجب ، ويصدقه البعض ، فلا مانع أن يصدق الناس عن الإمام الشافعى ان إمرأة محمد بن عجلان كان تحمل جنينها فى بطنها ثلاث سنوت ، وتصدق ايضا مافعلته جيوش سعد بن ابى وقاص فى غزو العراق  وعبورهم نهر دجلة ، حين إقتحموه بالخيول فإذا تعبت الخيول ترتفع الارض من تحت حوافرها فتستريح وتستكين وتهدأ ، وكان الفرسان يتسامرون ويتضاحكون وكانهم على الارض سائرون حتى تحسبهم يتنزهون فى الخلاء ، ومن قال ان ماء نهر دجلة قد شح وجف من دعاء "سعد" له ، وعبر الجنود فى سلام ويسر ، وزادنا احدهم برواية "القدح" أو الوعاء ، فقد فقد احدهم قدحا للماء اثناء عبور النهر ، وكان عزيزا عليه ، وحزن حزنا شديدا ، فأبت أمواج النهر ان يصاب الصحابى بكدر فدفعت القدح اليه من قاع النهر فى حجره وهو جالس يستريح ، ولن ننسى ماتناقله المحاربون فى حرب افغانستان الاخيرة وكيف كانت "نعوش" الشهداء تطير فى السماء ، ويتسابقون فى الإرتقاء ، و كانت توزع روائح المسك على المودعين .

    ولنهر دجلة كرامات ونعمات حسان كما زعموا ، فكانت أمواجه تحارب مع الغزاة ، وشاطئه حافظ للجنود وأمين ، فهذا ابو مسلم الخولانى حين عبر النهر إياه كانت الواح الخشب تفرش امامه ليمشى عليها ويتبعه جنوده وخيوله فى سلام ، ولما قطع المسافة وعبر النهر ،سأل الصحابة "هل فقد احدكم متاعا فنرده له ؟"

    أما قصة الحمار "يعفور" فقد وردت فى البداية والنهاية لإبن كثير ، وإبن الاثير فى أسد الغابة ، والذهبى فى ميزان الإعتدال ، والحافظ بن حجر فى لسان الميزان ،والسيوطى فى اللآلئ المصنوعة ،وفى صحيح البخارى ،ومسلم "..عن معاذ بن جبل : لما فتح الرسول خيبر أصاب حمارا اسود "كان من نصيبه " فكلمه رسول الله فقال له : ماإسمك ؟اجاب الحمار : يزيد بن شهاب ،اخرج الله من نسلى ستين حمارا لايركبها إلا نبى ، وقد كنت اتوقعك لتركبنى ، ولم يبق من نسل جدى غيرى ولا من الأنبياء غيرك ،وقد كنت قبلك عند رجل يهودى وكنت اعثر به عمدا ، فقال له الرسول تعالى فانت "يعفور" وكان الرسول يركبه فى حاجته ،وكان يبعثه خلف من شاء من اصحابه فيأتى الباب فيقرعه براسه ،فإذا خرج صاحب الدار اومأ له الحمار براسه ،فيعلم ان الرسول طلب فى إستدعائه ، ولما قبض الرسول ذهب "يعفور" الى بئر كانت لأبى الهيثم  فتردى فيها حزنا على رسول الله ومات ، وهى حكاية لااتصور ان مقام النبوة الغالى فى حاجة الى إثبات من هذا اليعفور "ولو كان الامر كذلك لملأت كتب الفقهاء بحكايات على شكل الف ليلة وليلة من الغربان والعصافير والنسور تتحاكى وتتباهى بنسلها الشريف ، إلا هذا الحمار الذى اخطأ فى الحساب إذا كان رقمه فى ترتيب الحمير الاحفاد ستين حفيدا ، وهى حسبة لاتتعدى الف عام فكيف تسنى للجد الاعظم ان يلحق بالانبياء الاوائل!!
    اساطير الاديان لاتنتهى وقد كانت فى زمن تأكيد وتوكيد وبرهان على وجودها ، يستعين بها اصحابها حين كانت الظواهر الطبيعية والإنسانية جميعها لاتفسير لها سوى هذا الشطط وكان مقبولا ومستساغا ، وقد كانت الاساطير قاسما مشتركا فى حياة الناس ، يعيشون ويتنفسون هواءها برضا حين عجز العقل عن التفسير والتعليل ، الى عهد اصبح العلم هو السائد والمفسر والشارح الوحيد ، والحكاية او الرواية تحتاج الى دليل وإثبات وبرهان وإلا رفضها الصغير قبل الكبير ، دون الراوى او الحكاء وقد كان هو مصدر الثقة والقبول والإقرار سابقا حتى فى رواية الاحاديث ،والحكاوى والسير كثيرة ومفرطة فى مخالفة العقل والعلم ، لكن السؤال الاهم هل يسرى هذا على النصوص  نفسها والاحاديث  ؟ نعم .. هكذا كان المعتزلة أئمة العقل .. والحديث هنا شاق بل ومحظور " الدولة المدنية هى الحل " .
    © 2005 - 2023 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media