مقالات

ضياء الشكرجي

مع زهير كاظم عبود في إدانة جريمة حرق القرآن ١/٢

07/07/2023 10:01
قرأت بكل اهتمام مقالة القاضي زهير كاظم عبود بعنوان «جريمة التجاوز على الكتب والمقدسات الدينية»، وقررت على الفور كتابة مناقشة لهذه المقالة المهمة، ذلك في مقالة لي من ثلاث حلقات. وللتمييز بين نصوص مقالة القاضي عبود ومناقشتي لها، سأجعل نصوصه بين علامتي التنصيص المزدوجتين «هكذا ...»، وأضع مناقشتي بين مضلعين [هكذا ...].
«في نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ ١٠ كانون الأول ١٩٤٨ في المادة (١٨) منه على أن لكل شخص الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده وحريته في إظهار دينه أو معتقده، وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.»
[وهذا ما اعتمدته في مشروع "دستور دولة المواطنة"، حيث جاء في المادة (٤٤) التي تقابل (٤٢) في دستور ٢٠٠٥: لكل شخص حق في حرية الفكر والضمير والدين والعقيدة، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة". والنص مقارب لما جاء في الإعلان العالمي أعلاه، لكننا نعلم إن الدستور شيء والواقع شيء آخر، فأن يتحول المسيحي أو المندائي أو الإيزيدي إلى مسلم ليس مسموحا به وحسب، بل مرحب به، لكن هل يسمح يا ترى لمسلم أن ينتقل إلى أحد الأديان التي ذكرت أو غيرها كالبوذية على سبيل المثال؟ بالتأكيد كلا وألف كلا.]
«وإن كل فعل وبأي شكل من الأشكال يمنع أو يسخر أو يسيء أو يهين أو يتجاوز على تلك الكتب أو الأماكن يشكل فعلا مخالفا للقانون وتعديا واضحا على حرية العقيدة والفكر والدين.»
[لكننا نعلم جيدا إن الكتب المقدسة نفسها، ولنأخذ القرآن مثالا باعتباره الكتاب المقدس لدين الأكثرية عندنا في العراق وفي عموم البلدان ذات الأكثرية المسلمة؛ إن هذه الكتب والقرآن بالذات يزدري عقائد الآخرين بشدة، بما في ذلك عقائد المسيحيين واليهود وعقائد الخارجين من الإسلام (يعني المرتدين) حتى لو كانوا مؤمنين بالله، لكنهم اختاروا عقيدة الإيمان العقلي أو الوجداني اللاديني، ناهيك عن عقائد الملحدين واللاأدريين الذي أحتمل إنهم يمثلون نسبة يعتد بها من نفوس العراق لا تقل عن نسبة التابعين لبعض الديانات غير دين الأكثرية والمعترف بها. مع العلم إن ٩٩% من المسلمين الذين تحولوا إلى الإلحاد أو اللاأدرية أو الإيمان اللاديني لا يفصحون بذلك، رغم أن الدستور يسمح لهم بذلك، وأعرف منهم من يمارس التقية حتى أمام عائلته. فهل يشمل حظر هذه السخرية والإساءة والإهانة ما ورد في الكتاب المقدس لدين الأكثرية؟]
«وفي هذا الخصوص فقد نص قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل في المادة (٣٧٢) منه على معاقبة مرتكب جرائم التهجم والاعتداء والتقليد والسخرية على الدين أو المعتقد بعقوبة الحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات.
[إذن هذا يمكن أن يشملني ويشمل الكثيرين من الذين يكتبون فكرا ناقدا للدين، فأين الحدود بين عدم الإكراه على العقيدة وحظر النقد الديني؟ ثم كما مر يشمل النص المقدس الذي يزدري مقدسات بقية الأديان.]
«وفصل النص المذكور أشكال التعدي بالاعتداء بشكل علني على معتقد لأحد الطوائف الدينية ...، أو كل من أهان علنا رمزا أو شخصا هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية، ...»
[في كل سنة تمارس مرة أو مرتين شريحة واسعة من طائفة كبيرة من طوائف المسلمين إهانة لشخصيات تعتبر مقدسة عند الطائفة الأخرى، وأذكر بالأخص ما يمارس بمناسبة ذكرى وفاة فاطمة الزهراء، فلا تجري الإساءة واللعن للخليفة الثاني من على منابر الخطابة الشيعية فحسب، بل تعلن محافظات بشكل رسمي ذلك اليوم عطلة رسمية تسميه "يوم شهادة الزهراء"، ونحن نعلم ما تعني (الشهادة)، فالشهيد هو الذي يقتل في سبيل الدين أو يقتل مظلوما، وهذا يعني إن فاطمة الزهراء قد توفيت مقتولة، والقاتل الذي يعتقد به هؤلاء معروف، مع العلم إن ليس كل أبناء تلك الطائفة يؤمنون بحصول تلك الحادثة المعروفة بحادثة الباب والمسمار وكسر الضلع وإسقاط فاطمة لجنينها المدعى على يد الخليفة الثاني، مما يبرر للمؤمنين بصدق هذه الحادثة لعن الخليفة المذكور، أي كأننا بهذه المحافظات تعلن رسميا لعن ثاني الخلفاء الراشدين. فلماذا لا يطبق هذا القانون على من يرتكبه ويجرمه، بما في ذلك تجريم مجالس المحافظات المشار إليها؟]
«بالإضافة الى ما نص عليه الدستور العراقي وهو القانون الأسمى والأعلى في العراق من حظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو (التكفير الطائفي) (المادة ٧)، وفي المادة (١٠) ألزم الدولة العراقية على التأكيد وصيانة العتبات المقدسة والمقامات الدينية في العراق، وصيانة حرمتها وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها، وكفل الدستور على الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني، وتتكفل الدولة حرية العبادة وفق الديانات الموجودة بالعراق، وتعمل كسلطة تنفيذية على حماية أماكنها.»
[نعم فقد ورد المادة (٣٧) - ثانيا: "تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني." ولهذا السبب كتبت في مقالة لي قبل سنوات في كانون الثاني ٢٠١٦ مقالة من ثلاث حلقات بعنوان "لست مسلما"، جاء في آخر الحلقة الثالثة منها ما يلي: "(حقي الدستوري في إعلاني): وهذا الحق، أي حق إعلاني عن كوني لا أنتمي لدين، حق الإفصاح عن ذلك، وحق أن تحميني الدولة من تعرض أي جهة لي بسبب الإفصاح والتعبير عن عقيدتي، بل وحقي في المطالبة بإبقاء حقل ديانة المواطن في الوثائق الرسمية شاغرا، بدون ذكر أي دين؛ كل ذلك يمثل حقوقا دستورية. وبوصفي أتمتع بالمواطنة العراقية والألمانية، أستند في زعمي هذا إلى دستورَي جمهورية العراق، وجمهورية ألمانيا الاتحادية. ولأني لا أواجه أي مشكلة في ذلك في وطني الثاني ألمانيا، بل تواجهني المشكلة في وطني الأول، كما هو الحال في كل البلدان ذات الأكثرية المسلمة، فسأعرض المواد التي تمنحني هذا الحق من الدستور العراقي. المادة الثانية (ثانيا) من دستور جمهورية العراق تنص على الآتي: ثانيا: "يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين والبهائيين والزرادشتيين واليهود."، والذي يعنيني من هذا النص هو عبارة:  "يضمن هذا الدستور... كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة ... ". فالحقوق ليست لأتباع الأديان، بل لكل الأفراد، ومنها حرية العقيدة، أما ذكر المسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين، فهو ليس من قبيل الحصر بل على سبيل المثال، ودليل ذلك استخدام الكاف بقول  "كالمسيحيين و... ". ثم يدور الكلام فيما يتعلق الأمر بـ  "الممارسة الدينية "، عن كونه حقا، وليس واجبا، ومن هنا فالاعتقاد بدين ما، أو الممارسات الدينية هي حقوق، والحق غير ملزم، وبالتالي يعني الحق إثباتا وسلبا، أي الانتماء أو عدم الانتماء لدين، ومن قبيل الأولى القيام بالممارسات الدينية لأي من الأديان، أو عدم المشاركة في هذه الممارسات. أما المادة الرابعة عشر من الدستور العراقي، فتنص:  "العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي. " والذي يعنيني من هذه المادة القول:  "العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب ... المعتقد أو الرأي ... ". والمساواة أمام القانون تشمل المسلم وغير المسلم على حد سواء، سواء كان غير المسلم منتميا لدين آخر بالولادة، أو اختار أن يتخلى عن دينه، أو يتحول إلى دين آخر في مرحلة من مراحل حياته. والمادة السابعة والثلاثون (ثانيا) تؤكد على أنه:  "تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني. " إذن  "تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه ... الديني ". إذن ما زالت الدولة مسؤولة وكافلة لحمايتي من أي إكراه ديني يمارس معي، فمن باب أولى لا يجوز لها أن تكرهني على اعتناق دين ما، أو البقاء على دين ما. وحيث إن الدولة كما هو معروف تضمن للمواطن غير المسلم حق وحرية الانتقال من دينه إلى الإسلام، وبما أن الدستور يؤكد مساواة المواطنين، وعدم جواز التمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة، فلا بد لها أن تحمي المتحول من الإسلام إلى دين آخر، أو إلى اللادين، أو إلى الإلحاد. فالمادة الثامنة والثلاثون تنص على أنه  "تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. "، ثم  "ثانيا: تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني. ". فالدولة إذن  "تكفل ... حماية الفرد من الإكراه ... الديني "، ثم  "تكفل ... حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل "، أما اشتراط تلك الحرية بأن تكون مما  "... لا يخل بالنظام العام والآداب "، فاعتماد عقيدة ما، أو التخلي عن عقيدة ما، ثم التعبير عن ذلك وبكل الوسائل، كما تنص المادة، أي بالكتابة والتأليف وعقد الندوات وإلقاء المحاضرت، بكل تأكيد لا يمكن اعتباره مخلا بالنظام العام، ولا بالآداب. وتأتي المادة الثانية والأربعون لتؤكد أنه:  "لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة. " ففكري وعقيدتي اللذان منحني الدستور حق اختيارهما بكامل حريتي، هي أني لست مسلما، بل مؤمن لاديني، أو إلهي عقلي، أدافع عن حقوق المسلم، والمسيحي، والإيزيدي والزرادشتي، والصابئي المندائي، واليهودي، والبهائي، والإلهي اللاديني، واللاإلهي أي الملحد، واللاأدري الإلهي، واللاأدري الديني، على حد سواء." ثم التعبير عن أي عقيدة، لا يمكن إلا بنقد العقيدة المغايرة لتلك العقيدة، فمن يحدد الحدود بي حرية التعبير وبين ازدراء الأديان؟ ثم القول بـ "صيانة العتبات المقدسة والمقامات الدينية في العراق، وصيانة حرمتها وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها" كما ورد في دستور ٢٠٠٥، فإن هذا جاء تكريسا للصبغة الطائفية للشيعة، لأن مصطلح العتبات المقدسة لا يستعمله إلا الشيعة، وهي تعني فقط أضرحة أئمتهم في كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء، وتأكيدا للصبغة الطائفية أصروا وقتها بإدراج (الشعائر الحسينية)، مما لا حاجة لذكرها، كونها مشمولة بمصطلح (الشعائر الدينية). وأكدوا الصبغة الطائفية لحق إقامة الشعائر في المراقد المقدسة، مما لا حاجة له، إذ أكدت مادة أخرى على حق إقامة الشعائر عموما، فهي إن كان مسموحا بها في الأماكن العامة، فما هو مبرر تأكيد تخصيص جواز إقامتها في المراقد المقدسة؟]
جريمة التجاوز على الكتب والمقدسات الدينية .. زهير كاظم عبود

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية