هل أصيب المثقف العربي بلوثة؟
الأحد 18 فبراير / شباط 2007 - 15:24:08
شاعر ومترجم مقيم في المغرب
منذ فتحنا عيوننا على المتناقضات العربية الغريبة بكل أتراحها وأفراحها إن مر تأريخها بنسمة أفراح من هنا وهناك وأمريكا تلعب على الحبلين ولا نعرف نحن الخارجون من أرحام أمهاتنا المظلمة الى واقع عربي أكثر حلكة وسوداوية، متى نكون مع أمريكا ومتى نكون ضدها، بوصلتنا هي ان نصفق حين يستوجب الوضع تصفيقا ونعربد حين ينقلب الوضع بنا ونحن غارقون في عسل الأحلام العربية، والوقت يمر بنا سريعا ونحن نبني آمالا رملية سرعان ما تهوى، لنعيد الكرة مرة أخرى وهكذا دواليك حتى وصلت بنا الإمور الى ان نصبح كالغراب الذي اضاع مشيته ولم يتقن سير النعامة. إنها مأساة حقا ان تظل هذه الأجيال تتوارث الهزائم والنكبات والمحن ويظل المسحوقون يصفقون ليل نهار للمضللين دون ان ينالوا لا خبزا ولا كرامة، لكنهم ورثوا طول اللسان وعقولا لا تفخر بها حتى الأسماك، حتى باتت الغالبية العظمى من الناس تنتظر من يحركها لتخرج الى الشارع معلنة عن غضبها عما يدور وهي لا تعرف اصلا ماهية ما يدور، ويبقى المستفيد الأوحد، هم أؤلئك الحراب المثلومة والتي ما تلبث ان تسنن حافاتها لمستجد ما، يمكن ان تنال الغنائم منه، فتحرك الراكدين من الأعراب وأتباعهم وهي تقودهم الى حيث لا يفقهون.
في كل حدث عربي وكوني ما أن تدخل أمريكا طرفا فيه حتى ينهض الغافلون من سباتهم ليعلنوا سخطهم وهو بالطبع مجرد بالون ينفجر للحظة ثم يعودوا للسبات ثانية وهكذا دواليك، ونحن جيل المحن عشنا هذه الحالات الكارثية منذ نهاية الخمسينات وحتى يومنا الأغبر هذا، ولا من أمل تحقق ولا من أهداف وصل اليها المطبلون سوى الخيبات المتلاحقة يوما بعد آخر، ولنا في مثل المنكوبة فلسطين ما يشفي غليل ما ذهبنا اليه الآن. فمنذ الإغتصاب حتى يومنا هذا لم نحصل سوى الهزائم والمهانات والتخلف وتسلط الأنظمة الفاشية، ونظل نعدد خطر التراجعات حتى ينشف اللسان ولن نصل الى نتيجة تشفي او تهدأ على اقل تقدير غلياننا الموسمي هذا، نجند انفسنا وندفع من يسمع لنا لإطالة اللسان الذرب لإطلاق السباب وأرذل الكلمات بحق أمريكا وإسرائيل ومن لف لفهما من عملاء وخونة ومتواطئين ومنثلمي الشرف والكرامة، وتبقى أصواتنا تصم الآذان ولا من مجيب ولا من هدف ولا من أمل ولا من رجاء في النفق سوى اننا اعتدنا ديدنا غاية في الدونية وقلة الحياء ذلك هو معاداة امريكا لله بالله دون ان نعتمد آليات العمل السياسي والأخلاقي وحتى الوطني للحفاظ على ما تبقى لنا من كرامة.
حتى وصلت بنا الأمور الشوهاء ان نصفق للشيطان إبن جلدتنا ونحن نعرف من هو الشيطان ليقودنا الى حتوف الموت والإبادة والقتل الجماعي ونحن راضون ومبتهجون انما فقط هو ضد أمريكا حتى وان كان ضدا لفظيا مبطنا، فندعوا له بالتوفيق ونقول له:
* أقتل يا إبليس ما شئت منا واذبح من تريد.
*اجلد وانفي وعاقب على هواك .
*احفر لنا القبور الجماعية بالعدد الذي تريد وادفنا احياء.
*احرق قرانا واهدم بيوتنا وسوي المعالم بالارض.
*أطلق الغازات السامة على أمتك المنكوبة لتقتل ما شئت من البشر الطاعنين في الحقد عليك.
*وحتى الاطفال مشاريع الحقد القادم، امحهم من الوجود.
*ابقر بطون الحوامل واقتل الأجنة التي قد تسّود عيشتك لاحقا.
*بدد اموال الوطن حيث تشاء.0
* انفق ما شئت على مناسباتك الخرقاء لمجرد ان تبهرج نفسك وتحيطها بهالة من الادعاء الكاذب.
*إشتر الذمم والضمائر المتسخة التي بات ثمنها أبخس من التراب.
*حول دولتك الى دهاليز للموت والإقصاء والقتل المجاني ومرتعا لكل من عافته الأرض ليجرب على هواه طقوس الموت الرهيب.
* شن الحروب على جيرانك وأعلنها صرخة مدوية ضد الأجناس الاخرى.
* إدفع شبابك اليافعين الى محرقة الحروب الرهيبة.
* ليمت من اجل بقائك الف، الفان، مائة الف، مليون، المهم ان يظل إسمك ملعلعا فوق البيوت التي ثكلتها حروبك.
* إقتحم بدباباتك ومدرعاتك الأحياء الآمنة واخرج كل من تطاول على سموك وأنحره امام والديه وأطلق عليه الكلاب الضالة لتنهش لحمه وويل لمن يجرأ على البكاء من العوائل المثكولة بابنائها.
* إقطع الالسن التي تطال قدسيتك.
* إبتر أطراف من تسول له نفسه التجرأ على مقامك الرفيع ليخرق قوانينك القرقوشية.
* أوشم جباه الخارجين عن طاعتك.
* إقطع دابر كل أسرة تحمي إبنا لها قد يقول لا لحروبك الرعناء.
* الويل الويل للمارقين والرافضين لوصاياك والحمد لك وحدك والشكر لجنابك الكريم .
*أترك صنابير الموت مفتوحة على كل إتجاه ولا يهم من يموت ومن يحيى فداء لك أيها القائد الملهم.
نريد منك فقط ان تقول لا لأمريكا وسحقا لإسرائيل اللعينة ولتذهب الشعوب التي لا تحبك وترضى بظلمك وقهرك الى الجحيم !!!!!!!!!!
ماذا دها هؤلاء العروبيون وما الذي يجري وكيف يفكرون؟؟؟؟
ان حاكم بلد ما يوزع بركات ظلمه على كافة شرائح المجتمع المغلوب على أمره وبأوسخ الأساليب واكثرها دموية ورعونة اليس من حق هذا الشعب ان يتحالف مع ابالسة الكون من اجل التخلص من شروره؟ اليس هذا ما يتمناه المظلومون وفي مقدمتهم اؤلئك الذين ينصبون العزاء ويترحمون في البرلمانات على الطاغية المقبور؟ فلماذا هذه الإزدواجية الغريبة والبلهاء، حين يتعلق الأمر بهم يكون طبيعيا ومرحبا به، وحين يهم مجتمعات أخرى، فانهم يحولون الدكتاتور الى مقدس وبطل وشهيد وغيرها من الصفات المخجلة ؟ ألا يستحي هؤلاء المثقفون والسياسيون من انفسهم ؟ ام ان في الأمر خبايا لا يعرفها حتى هم انفسهم؟
هل ان هؤلاء الأعاريب الأعاجيب اكثر وطنية وقومية وتقدمية وإلتزاما بالقيم والمبادئ النبيلة التي ناضل العراقيون من اجلها وقدموا القرابين ووضعوا أسس الحق والعدالة والمبادئ السياسية القويمة متمثلة باحزاب وطنية وتقدمية عريقة علّمت هؤلاء المتبجحين الجدد، الف باء السياسة قبل ان يستولي بلطجية البعث المجرم على مقاليد السلطة بلغة المدافع والرشاشات وعلى ظهرالدبابات الأمريكية، كما قالها قائدهم القاتل علي صالح السعدي ابان إنقلاب رمضان سئ الصيت وليس عبر صناديق الإقتراع التي يتبجح بها أعاريبنا الأعاجيب. من منكم يراهن او يشك بوطنية الشيوعيين العراقيين وتفانيهم من اجل الوطن الغالي وتحقيق العدالة والتقدم والسلم الإجتماعي، هذا الحزب الذي ذهب خيرة مناضليه وكوادره وقواعده ضحايا القمع البعثي الشرس إسوة بمناضلي الاحزاب الأخرى تقدمية كانت ام إسلامية، كل هؤلاء الخيرين أبادتهم المحرقة البعثية اللعينة وانتم كنتم تتفرجون على المذابح، لا بل كنتم تشاركون بوفود لمرتزقة، لا هم لها من عذاب العراقيين سوى الأكل والشرب والحفلات الماجنة وإستلام هبات قائدكم الذاهب الى مزبلة التأريخ من خزائن العراقيين الذين كانوا يتضورون جوعا. سنسمع غدا أعاجيب غاية في الغرابة فقد تحولون العقيد القذافي الى قائد جديد للأمة اذا ما حرك عطاياه لإشباع نفوسكم المريضة وإن غدا لناظره قريب.
قال لي صديق مغربي منصف ورائع يوما بان السياسيين العرب مثلهم مثل البلغة المغربية الجديدة لا يمكن ان تعرف يمناها من يسراها حتى تنتعلها وهذا لعمري توصيف غاية في الدقة لمعرفة هذه المواقف العربية المستهجنة.
مثقفون وكتاب ومبدعون ونقابيون وبرلمانيون يساريون واحزاب تدعي التقدمية وأساتذة باحثون ومفكرون وأصحاب مواقع الكترونية يشنون حملات تواقيع لإدانة إعدام الطاغية. هل من المعقول أن كل هؤلاء قد فقدوا عقولهم وأنتابتهم لوثات جنونية بحيث يضربون قيم الحضارة والإنسانية واحترام حقوق الإنسان والدفاع عن قوى الخير والحرية ويتخلون عن مبادئهم بهذا الشكل الصفيق وبقدرة قادر يتحولون الى مدافعين عن دكتاتور عتي، مجرم وسفاح عاث في الارض والعباد فسادا منذ اكثر من ثلاثة عقود من الحكم الظالم والقسوة الرهيبة ضد شعب لا ذنب له سوى انه كان يرفض الظلم والتعسف والإنصياع وراء قيادة مخبولة ومتخلفة وحزب موغل في السادية والقتل الأهوج.
هل ان حكامهم مجرمون وقتلة وغير مأسوف على رحيلهم وهم قد يكونون انجب واقل شراسة وفتكا بالناس مقارنة بما فعله حاكم العراق الأهوج، في حين ان دكتاتور العراق المدّعي هو بطلهم العروبي المأسوف على رحيله وهم يعلمون جيدا ان مياه الكون كلها لا تطهر يديه من دماء الأبرياء التي سفكها ظلما.
أما ان يحسب حاكم العراق الشقي، قومي ووطني وتقدمي ومحب للخير، ليس الا ضحك على العقول البلهاء، فرفع شعار معاداة أمريكا وهم يعرفون انه مدعي وكذاب ويلعب على الذقون بادعاءآت مزيفة وحمقاء والعراقيون اعرف بماهية هذا الرجل الثعلب الذي التهم اقرب المقربين له من رفاق الأمس لمجرد انهم إرتابوا من أفعاله، فتململوا عنه والتف عليهم وأبادهم كلهم في دقائق دون محاكمات او دفاع عن النفس. اين كان هؤلاء المطبلون وجوقات الضحك ايام كان العراقيون يساقون الى مهرجانات الموت ببرودة دم والجوقة هذه كانت ترتع في بغداد لتشارك في مهرجانات رثة وملتقيات مشبوهة، يوظفها الدكتاتور لصالحه ونظامه وهم بدورهم يغترفون اموال العراق وهبات السفاح من السحت الحرام، ليدبجوا مقالات بحق سيدهم الأخرق ، انما ليس كل من يشارك في مهرجانات الغي بعد اعدام الطاغية أجره مدفوع، بل هنالك المغفل والمستغفل والأطرش في الزفة ممن لا يعرف من الامر الا العداء لامريكا ولكن ممن ؟ هذا لا يهم، المهم انه وطني وقومي وعروبوي ويعربد ضد أمريكا وينبغي تقديسه.
كانت حالة من الهيجان الأعمى إجتاحت النفوس المريضة دون ان نعرف لذلك سببا منطقيا. كيف لمثقف وتقدمي ومناضل ويرفض كل انواع التسلط والقهر والعسف الرهيب، كيف له ان يخرج الى الشارع حاملا بوقه ورافعا صور الطاغية ومنددا برحيله غير المأسوف عليه. هل يرضى هذا الأبله ان يقوم العراقي بنفس الفعل اذا ما حصل ما يماثل ذلك لحاكم بلاده او من يمارس عليه ذات القمع والتصفيات. وحاشى ان نشبّه اي مخلوق مهما كانت درجة قسوته بقسوة حاكم العراق الرهيبة.
قليل من الحياء وعزة النفس والعودة الى العقل والمنطق والا فان العراقيين سوف لن ينسوا هذه الاساءآت ابدا ابدا، وشكرا لكل من فضح نفسه دون ان يعي بانه كان تابعا ومباعا ويفي بأخلاق يحكمها بيع الضمير وشراء الذمم.
يدّعون انه أعدم في اول ايام العيد وهذا حرام، فلنذكّرهم بان الانقلاب البعثي المشين بمباركة امريكا والإمبريالية العالمية ضد الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم وحكمه الوطني، وقع في 14 رمضان 1963 وفي اليوم الموالي اقتيد الرجل الوطني مع رفاقه وتم إعدامهم في مقر الإذاعة العراقية دون محاكمة وكانوا جميعا صائمين. هل يعلم سدنة بيع الضمائر ذلك؟ ام ان ذاكرتهم قد ثقبتها عطايا عرّابهم الجلاد؟
قرأنا الخبر الذي نشرته جريدة الأحداث المغربية والذي مفاده أن رجلا إحتدم في نقاشه مع زوجته حول طاغية العراق كونه قائدا عربيا فاعترضت عليه قائلة له بانه كان سفاحا وقاتلا لشعبه، فقام هذا الرجل المعتوه بشج رأس زوجته فماتت في الحال.
عندي ان هذه المرأة أنضج وأنقى واكثر بعدا أخلاقيا من اؤلئك الأدعياء ممن يقودون الشارع العربي الى الهاوية وفي الحقيقة انني أجد العكس حيث أن الشارع العربي هو الذي يحركهم ويقودهم وهذه هي أم المصائب مثلهم مثل الذي اراد ان يعلم اعجميا العربية فحدث العكس وتعلم هو اللغة الأعجمية.
أي بؤس هذا الذي وصل اليه الشارع العربي ولا ذنب للمواطن المغلوب على امره بل ان من يتحمل المسؤولية هم اؤلئك المقامرون بمصير الامة والوطن ومستقبل الشباب الذي لا يعرف ماذا يفعل اذا كان ساسته وقياديوه بهذا القدر من الضحالة والسطحية.
إن الشارع غير ملام أبدا بسبب النكبات التي تمر على الأمة ولا من سبيل للخروج من هذا النفق المظلم اذا ما إستمر الحق العربي سليبا ولكن ليس من أعدائنا، صدقوني، بل من اؤلئك القابعين في جحورهم رافعين شعارات خرقاء طيلة اكثر من نصف قرن وهم يصرخون بعودة الحق الى أهله . وظل الحق مهدورا، والاهل يقودهم هذا الجيش من المرائين والدجالين وانصاف المتعلمين، وفي مقدمتهم اصحاب الشهامة العربية، الذين ظلوا وطوال حقب الهزائم يصفقون للذي يدفع اكثر بمجرد ما يرفع شعار الموت لأمريكا وسحقا لإسرائيل وبقيت الجموع الغفيرة في سباتها وبقي الحكام يغذّون هكذا خمول وإدعاء أجوف وأنتكست حركات التحرر الواحدة تلو الاخرى، ونتيجة هذه الفراغات القاتلة خرج علينا المتسلقون واصبحوا في هرم السلطة وهم مجموعة جهلة ومرائوون وبقي الناس في حيص بيص . واخيرا لا تحررت القدس ولا نال العرب ربع ما كانوا يحلمون به، وبقيت دار لقمان على حالها، وإذا بقي الوضع على ما هو عليه، فالكورث ستترى والأوقات العصيبة ستكون أقسى وأشد. قفوا مع الشعب العراقي للخلاص من محنته بعد ان تخلص من أعتى وأشرس نظام قمعي عرفته البشرية، ليقف على قدميه معافى ومساعدة هذا الشعب الجريح للتخلص من الفتن وطقوس الموت اليومي على أيدي مجرمي البعث والتكفيريين القتلة و سادية المليشيات العفنة، وليتخلص من الإحتلال الكارثي للبلد وأن تمدوا يد العون بشتى الوسائل حتى بالإحتجاجات وان لم تستطيعوا عليكم ان تلوذوا بالصمت وهذا هوأضعف الإيمان.
ثوبوا الى رشدكم أيها الساسة والأدباء والمثقفون وشرائح المجتمع المدني وكل مكونات الوطن العربي الجريح وأزيلوا النقاب عن وجوهكم وعوراتكم المخجلة وأحتكموا الى ضمائركم وعقولكم قبل عواطفكم وتبا لكل من دعّم وصفق وترحم على جلاد وطاغية أهوج، قاتل لشعبه...........
جواد وادي
شاعر ومترجم عراقي مقيم في المغرب