يهود العراق، ذكريات وشجون، (23) العراق قدري.. في ألمانيا، نسرين وميخائيل- 1
الأحد 14 أكتوبر / تشرين الأول 2007 - 04:43:26
أ.د. شموئيل موريه
العراق قدري الذي لا أستطيع الهروب منه. كلما حاولت نسيانه يأتي من ينكأ الجراح مرة أخرى، فيسفح دم ذكرياتي على الورق مرة أخرى "بلا ما يخاف الله!". أما من أباح دم الذكريات هذه المرة فهو أحد قراء "إيلاف" الغراء معلقا على فصل من الفصول التي نشرتها : "لا يوجد أكذب من شاب تغرب إلا شيخ ماتت أجياله". وكان المرحوم أبو علوان يعبر عن مثل هذا القول بمثل عامي "بعد أضرب منـّه"، فيقول بلهجته العراقية الصميمة: "عدنا، الشاب اليشك (يشق) صلوخ (الذي يكذب) يقولون عليه "يضرب شيلمان" لكن على الشيخ اليشك صلوخ، يكولون"يقح شيلمان"، ليش؟ لان الشايب يكح هوايا وما بيه حيل يضرب شيلمان. أنت مشايف أبو الشادي (القرداتي) لما يجي بالعياد مالتكم ويقلب الدنيا بالدنبك وبالخرخاشة خاطر يلم الأولاد يشوفوا الشادي، وبعد ما الشادي يمشي مثل الحرامي ومثل الجرخجي (الحارس الليلي) وكتفا سلاح، يكله أبو الشادي: شلون اتنام العروس؟ يفتح رجليه منشع ومكيّف وطربان، ولما يكله شلون تنام العجوز، ينام أعوج ويصير يقح ويحك براسه وابظهره وينعوص ويشخر؟ الخايب بني آدم! بس يشيّب يقوم يقح، والله الستار من الباقي!". هذه بعض الدروس في الفلكلور العراقي الذي كان أبو علوان يلقيها علي وأنا مدين له بكثير من الأمثال والقصص التي سمعتها منه وأروي بعضها هنا. وكان أبو الشادي ينهي عرضه قبل أن يجمع البخشيش بمخاطبة الشادي بقوله: ولك وين أتحط الكريم؟ فيرفع الشادي يده ويضعها على رأسه بكفخة رنانة، ثم يقول: أو وين تحط البخيل، فيضع الشادي يده على الصلعة الحمراء تحت ذيله، فنضحك لهذه التمثيلية ونبادر الى التبرع لكي يضعنا الشادي على رأسه. ثم ينتهي العرض بأمر الشادي أن يضرب دقله وياخذ سلام. ولذلك كنا نحن أولاد البتاويين عندما نريد ردع خصم يتحرش بنا نقول له: "ولك أحسنلك تضرب دقلة وتاخذ سلام وتروح على باب الله!" ولا أدري حتى اليوم إذا كانت هذه العبارة قد انتقلت الى أحياء بغدادية أخرى أم تنوسيت مع رحيلنا؟
وأنا يا أخوان، لم تمت أجيالي بفضل ما نسميه بصناديق المرضي (عيادات تعالج المرضى باشتراك شهري زهيد) في إسرائيل التي تعج بكبار الأطباء "ولا تدري شلون أتدبّر حالها من كثرتهم"، فهم بعون رب العالمين، يطيلون الأعمار.. فقبل أن يصيح الواحد منا "آخ بطني آخ ظهري"، تراه واقفا أمام "باب الدختور" في عيادات المرضى التي تتنافس فيما بينها لتغري المرضى والعالم بالاشتراك فيها بأفضل الشروط، وترى الذي يحب زيارة الأطباء لاطمئنان على صحته صباح مساء، وقبل أن يدخل إلى العيادة يكون قد فتح دكم (إزرار) قميصه ليوفر الوقت على الدكتور المنهك. ولكي يتخلص الأطباء من التطبيب بأسعار هي "أخو البلاش" يطلبون من المريض القيام بفحوصات الدم حذرا من الوقوع في خطأ التشخيص وإقامة الدعوى ضدهم، فإذا كان المراجع للطبيب ممن "يصفرج وجّه لما يشوف الأبرة وجر الدم من ايده، وتصيبه سبع دوخات" فإنه يرمي "بالراشيته" في سلة المهملات ويكون قد تاب ولا يعود للمراجعة. فإذا "شافه" الطبيب بالطريق وسأله: "شلونك يابا؟"، يجيب وهو يتلعثم كالأثول. "والله يا دكتور وصفاتك هوايا زينه وبعد ماكو حاجة للمراجعة!"
مبسيريت يروشلايم، 21/6/ 2007
كتبت هذه المذكرات لتنشر في إيلاف، ولا يجوز نقلها بأية صورة سوى باتفاق مع المؤلف،
أ.د. شموئيل (سامي) موريه.