الأمازيغية / الأصولية، أو العملة ذات الوجهين.....23
الأثنين 10 ديسمبر / كانون الأول 2007 - 22:46:21
محمد الحنفي / المملكة المغربية
كاتب وباحث مغربي
أي أفق للأمازيغية، والأصولية، في ظل عولمة اقتصاد السوق؟.....1
إن الحديث عن أفق الأمازيغية، هو الحديث عن أفق مليء بالأشواك، والعقبات، والظلام، وغير ذلك، مما لا يمكن إلا أن يخرب واقع الشعب المغربي على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. والشعب المغربي، الذي يجد نفسه مضطرا للعيش في ظل عولمة اقتصاد السوق، لا بد وأن يتأثر بتلك العولمة، التي نجد أن من بين مظاهرها دعم النظام الرأسمالي العالمي لكل ما يؤدى إلى إضعاف الشعوب المتخلفة، التي نجد من بينها الشعب المغربي، الذي يجد نفسه عاجزا عن مقاومة آثار العولمة على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
فعلى المستوى الاقتصادي، نجد أن الاقتصاد المغربي لا يقوى على الصمود أمام اقتصاديات الدول العظمى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، التي توظف المؤسسات المالية الدولية للدفع في اتجاه خوصصة القطاع العام، وتمهيد الطريق أمام تغلغل الشركات العابرة للقارات، حتى تتمكن من السيطرة على القطاعات الأساسية: الإنتاجية، والخدماتية، من أجل استنزاف الخيرات المادية، والمعنوية، لصالح النظام الرأسمالي العالمي.
وعلى المستوى الاجتماعي، نجد أن معظم الخدمات الأساسية صارت بيد القطاع الخاص، وخاصة: التعليم، والصحة، والسكن، وغيرها. والدولة، في هذه الحالة، تقدم كافة أشكال الدعم المادي، والمعنوي، للقطاع الخاص المحلي، والوطني، والأجنبي، مما جعل مصير الخدمات تحت رحمة القطاع الخاص، الذي صارت له اليد الطولى في ذلك.
وعلى المستوى الثقافي، نجد أن قيم الاستغلال المادي، والمعنوي، صارت متمكنة من المسلكيات الفردية، والجماعية، كنتيجة لما تروجه وسائل الإعلام المختلفة، ونظرا لطبيعة الأدوات، والوسائل الثقافية الأخرى، ولطبيعة نظامنا التعليمي، ولسيادة النظام الرأسمالي العالمي، ولهمجية استغلال الطبقة الحاكمة وحلفائها لكادحي الشعب المغربي، وطليعتهم الطبقة العاملة، في الوقت الذي تتراجع فيه قيم التعاون، والتضامن الطبقي، إلى الوراء، بسبب الحصار المضروب على الإطارات الثقافية الحادة، والتقدمية، واليسارية، مما جعلها مرحليا تتراجع إلى الوراء.
وعلى المستوى السياسي، نجد أن الطبقة الحاكمة تلتزم بالإملاءات الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية، التي تفرض التزام الحكام المغاربة بالاختيارات الرأسمالية التبعية اللا ديمقراطية، واللا شعبية، والتي يتضرر منها، بالدرجة الأولى، كادحوا الشعب المغربي، الذين تفرض عليهم مؤسسات معينة، في إطار انتخابات لا ديمقراطية، ولا شعبية. تلك المؤسسات التي تعتمد لقيام حكومة لا تخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة، ومن يسبح في فلكها، في ارتباطها بالنظام الرأسمالي العالمي، الذي يوظف كل الإمكانيات، المتوفرة لديه، لتدجين الطبقة الحاكمة.
وهذا الواقع الذي فرضته عولمة اقتصاد لسوق على المجتمع المغربي، هو الذي أفرز استفحال أمر الأمازيغية، وأمر الأصولية، ذلك أن التنظيمات الأمازيغية، المدعومة بالخصوص، من قبل الكونغريس الأمازيغي العالمي، ستعرف آفاقا تتأرجح بين الأمل في السيادة، وبين اليأس من الاستمرار في طرح المطالب الأمازيغية.
فإذا استمرت السيادة للرأسمالية العالمية، وتعمقت التبعية للنظام الرأسمالي العالمي، وازداد تأزيم المجتمع المغربي، فان الحركة الأمازيغية ستعرف ازدهارا. وتاثيرها في الواقع المغربي سيعرف تطورا. واستقطابها لمستعملي اللهجات الأمازيغية سيعرف توسعا. وطرح المطالب سيعرف حدة. وتكاثر التنظيمات الأمازيغية سيزداد عددا. والطبقة الحاكمة المغربية ستنصاع لتلبية بعض المطالب الأمازيغية، كما يحصل الآن، والتي من جملتها تأسيس الأحزاب الأمازيغية، التي ستعمل على الوصول إلى المؤسسات المنتخبة، ثم إلى الحكومة، وبعد ذلك ستسعى إلى امتلاك سلطة الدولة، لترغم المجتمع، ككل، على التحول إلى مجتمع أمازيغي.
أما اذا تراجعت السيادة الرأسمالية، وأخذت شروط التحول الديمقراطي التي تعمل على إنضاج شروط الانتقال من التشكيلة الرأسمالية، إلى التشكيلة الأعلى تتسارع، فإن الحركة الأمازيغية ستعرف تراجعا، لأن الديمقراطية ستعرف تحركا هائلا، يغيب كل ما هو ثانوي، خاصة، وأن احتداد فك التناقض الرئيسي، لا بد أن يغطي على التناقضات الثانوية، التي قد تختفي، وبصفة نهائية إلى الوراء. وصراع الحركة الأمازيغية، لا يمكن أن يعتبر إلى صراعا ثانويا؛ لأنه صراع من أجل إثبات الهوية الأمازيغية لجميع المغاربة بجميع طبقاتهم الاجتماعية. أما الصراع بين الطبقات الممارسة للاستغلال، والطبقات التي يمارس عليها الاستغلال فهو صراع رئيسي. والصراع الرئيسي هو الذي يقوم على أساس قيام التناقض الرئيسي. ويتمثل في مستويات معددة: إيديولوجية، وسياسية، وتنظيمية، قبل الوصول إلى مرحلة الحسم النهائي، والانتقال إلى التشكيلة الاجتماعية الأعلى.
وهكذا يتبين أن الحركة الأمازيغية، لا تنشط إلا في ظل التراجع الذي تعرفه الحركة الديمقراطية بالخصوص.
فهل يمكن أن تتحول الحركة الأمازيغية، باعتبارها حركة ثقافية، إلى شيء آخر في ظل عولمة اقتصاد السوق؟
وهل تراهن الأمازيغية على العولمة، من أجل تحقيق أهدافها المتمثلة في السيادة ثم التسلط؟
إن الحركة الأمازيغية، باعتبارها حركة ثقافية، تكتسب مشروعيتها من خلال عملها على فرض العناية بالأمازيغية، كمكون ثقافي، يجب أن يلقى نفس العناية لتي تلقاها المكونات الثقافية الأخرى، حتى تستمر في العطاء الثقافي، وحتى يتطور ذلك العطاء إلى الأحسن، في أفق تحول اللهجات الأمازيغية إلى لغة قائمة الذات، لها قواعدها، وضوابطها النحوية، والصرفية، والبلاغية، والمعجمية، والاصطلاحية، والمصطلحية، حتى تصير لغة للآداب، والفنون، والعلوم المختلفة، والتقنيات، والتواصل، والإعلام، وغيرها، وحتى تصير واقعا يفرض اعتماده كلغة للتعليم، والإدارة، والقضاء، وحتى يستوجب كل ذلك دسترتها كلغة وطنية، ثم كلغة رسمية. ولكن عندما تستغل الأمازيغية إيديولوجيا، وسياسيا، فإنها ستتحول إلى وسيلة لبناء أحزاب سياسية ،تقود الصراع اللغوي، والعرقي، في أفق تحقيق السيادة، ثم التسلط، لإقصاء غير الأمازيغية من اللغات الأخرى، ولتهميش غير الأمازيغيين اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، حتى يصير المغاربة جملة، وتفصيلا، أمازيغيون، أو موالون للأمازيغية، وفي هذه الحالة، فالأمازيغيون المستغلون للأمازيغية إيديولوجيا، وسياسيا، لا يمكن أن يحققوا أهدافهم بدون دعم خارجي. وهذا الدعم قد لا يستمر طويلا، وقد يتوقف في أية لحظة، إذا اقتضت ذلك التحولات القائمة على المستوى العالمي، وعلى مستوى الشعب المغربي. ولذلك فرهان الأمازيغية على عولمة اقتصاد السوق، هو رهان غير محسوب، وقد كان يجب أن يراهن الأمازيغيون فقط، على الاهتمام بالأمازيغية كمكون ثقافي، بعيدا عن تحويل التناقض الثانوي إلى تنقض رئيسي، يمكن أن يقود إلى صراع تناحري لا يعرف مداه، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.