لماذا يستجدي السياسيون والمثقفون العراقيون ود الأعراب؟
الثلاثاء 13 مايو / أيار 2008 - 12:37:15
شاعر ومترجم مقيم في المغرب
الكلام الذي انقله للقارئ الكريم ليس جزافا، إنما هو من الواقع المرير في توصيف (السياسي) العربي، و(المبدع) العربي، واقصد بهذين النعتين المشكوك صدقا في إطلاقهما على العديد من العينات التي تدعي السياسة والإبداع الحقيقيين حين تكتشف أن جل هؤلاء البشر إما سعاة يستجدون الصدقات على أبواب الأنظمة القمعية، عارضين سلعتهم لمن يدفع أكثر رغم علمهم بحقيقة الكذب والنفاق والرياء وقلب الحقائق تلك التي يعرضونها سلعة في سوق النخاسة العربي المبتذل، أو بقيتهم ممن لا يفقه أي شئ ومع علمهم بهذا الجهل المطبق فهم مغالون في بيع الضمائر بشكل يبعث على التقزز. لكننا نواجه الصدمة الحقيقية حين نكتشف أن الصنف الأول يعرف مديات الوقاحة التي هو عليها ومع ذلك يستمر في دونية المواقف، للدفاع عن الباطل. أما الصنف الثاني فتفاجئهم الحقائق الغائبة ويتم التراجع عن المواقف. وفي كلتي الحالتين فالمصيبة تبقى عظيمة إذا كان صناع القرار السياسي و(مبدعي) الأمة على هذا القدر من الغباء والنفاق اللذان لا يحسدون عليهما.
ونحن هنا نتكلم من وقائع لا كلام عابر كما عودنا المراءون في ذلك.
قابلنا والتقينا وجالسنا المئات من هذين الصنفين وكانت مهمة صعبة في بداية الأمر أن تشرح لهم حقيقة ما يحدث في العراق من قمع رهيب ومصادرة مفزعة للحريات والحياة على حد سواء، وحين ندخل في تفاصيل الكوارث البعثية المرعبة يصدم الصنف الثاني بحقيقة ما يحدث وطبيعة النظام البعثي المجرم، فيتراجع العديد منهم وينزعون صفة البطولة والمقاومة والهوية العربية( الحقة) وغيرها من المسميات التي اعتادوا على إطلاقها على النظام العفلقي وقائده ضرورة الجحور المظلمة.
أما مصيبة الصنف الأول فهي الأعظم والأخطر رغم أنهم لا يمتلكون من الحجج الدامغة ما يبررون فيها مواقفهم الرعناء غير تلك التي تصدر من الإعلام الصدامي المقبور ومع ذلك وحين تسوف قناعاتهم، يظلون على ذات المواقف الخسيسة التي اعتادوا عليها أيام كانوا على صلة وثيقة بالسفارات العراقية في الخارج متمثلة بأجهزتها الأمنية وكانوا ينسقون معها قصد القيام بزيارات لمناسبات سياسية وثقافية لتقديم الولاء للنظام الفاشي بعد أن يستلمون ما جادت به أيادي أزلام السلطة من أموال العراق والعراقيين الجائعين، كسحت حرام وفاسد. ولنا في الأمثلة من مواقف هؤلاء ما يشيب لها الرأس وكلها بين أيدينا.
فكيف إذن أيها المسؤول العراقي الجديد والمثقف العراقي والمبدع العراقي الذين انيطت بكم مهمة التغيير بعد انهيار النظام البعثي العفن، كيف لكم أن تنتظروا الخير في مواقف هذه العينات للوقوف إلى جانب العراق ومحنته لدعم مؤسسات الوضع الجديد؟ أليس هذا ضربا من الحمق؟
ها هي سفارات الغرب تبادر في فتح أبوابها دون خوف أو رعب يدعيه العرب من الانهيار الأمني، فهذه السفارات لا تحميها قوى خارقة هبطت من السماء بل هي المصداقية والموضوعية والوقوف النبيل لدعم مسيرة التغيير في العراق، هذا التغيير الذي بات مصدر خوف حقيقي للأنظمة القلقة والمرتعبة من هكذا تغيير قد يطالها معللة مواقفها السلبية بالارتباك الأمني وهو ليس بالسبب البين بل لأسباب ذكرناها ونزيد عليها ذلك الرعب الحقيقي من البعبع الشيعي، الأمر الذي دفع بالعديد من هذه الأنظمة المنخورة أصلا أن تعلن بوقاحة لا تخلوا من سذاجة سياسية، أنها إلى جانب نصرة أهل السنة في العراق ، وكأن أهل السنة فصيل ليس بالعراقي، على افتراض إذا ذهبنا مع ما يذهبون إليه من طروحات غاية في السوء والدونية والتدخل السافر. أليست هذه المواقف الغبية تفضح نفسها بنفسها حيث تعطي لنظام إيران المتخلف الحق بالدفاع عن شيعة العراق، وهكذا عاد المخبولون يوزعون جغرافية العراق المتعددة المشارب والانتماءات حسب أهوائهم ونزوعهم الأهوج والبليد. هذا على المستوى الرسمي وهو مجرد مثال بسيط لشرشحة هذه الأنظمة الموبوءة.
أما على المستوى الشعبي والجمعي والمنظماتي، والحبل على الحرار من التسميات التي هي في واقعها كلها منظمات رسمية تصب في خانة الأنظمة الفاسدة وتحركها روبوتات تلك الأنظمة ولكن دون حياء او ذرة خجل، ولأضرب لكم مثلا واحدا من مئات الأمثلة التي باتت معروفة لكل العراقيين بسبب فسادها ووقاحتها ودونيتها:
حين مرت على رحيل المقبور صدام الأرعن الذكرى الأربعون لهلاكه، تجمع المئات من( العقول العربية النيرة) من مثقفين وفنانين وصحفيين وسياسيين وقادة أحزاب ومنظمات واتحادات أدبية وعمالية... و.....و... تجمع كل هؤلاء الأفذاذ في الساحة الرئيسية في عاصمة عربية مهمة ليوئبنوا طاغية العراق على رؤوس الأشهاد، وحمل العديد منهم وعلى رأسهم رئيس نقابة الصحفيين في ذلك البلد، مكبرات الصوت ليعددوا مناقب صدام الأبله، وعمل ذات الفعل، رؤوسا نقابات وأحزاب يسارية وغيرها من فعاليات المجتمع ( المدني).
على غرار ما فعله الأبطال الفلسطينيون والأخوة الأردنيون وأخوتهم في ارض الكنانة والحبل على الجرار، في نفس المناسبة ولتذهب مشاعر العراقيين واحتجاجاتهم إلى الجحيم، المهم عندهم أنهم يترحمون على قائدهم العربي ( المقدام )، ناسين أنهم، أي الأمريكان، قد أخرجوه بسيف مثلوم تغطيه قذارة كقذارة الفئران.
بربكم هل من المعقول أن يفكر سياسيو ومثقفو العراق مجرد تفكير بالاقتراب من هذه المخلوقات الخرافية التي هي بيدها القرار للوقوف إلى جانب العراق والعراقيين في المحنة العظيمة؟ أليس أمرا غريبا أن ننتظر تغييرا للمواقف من هذه الكائنات البشعة حتى بمجرد النظر إليها لا طلب الود منها؟
المطلوب من العراقيين جميعا سياسيين ومثقفين، اقتصاديين وتربويين، رجالا ونساء، نساء ثكلى ورجالا منكوبين، أطفالا وشيوخا، أرامل وأيتام.....، المطلوب منهم أن ينبطحوا على ظهورهم للانتشاء بالضحك المر، ولكنه المشحون بالغرابة حين يسمعون أي مسؤول عراقي لأي مفصل عراقي له لسان كبقية البشر وعقل كخلق الله، عندما يعلن ويطالب ويرجو من ( أشقائه العرب الأفذاذ) الوقوف إلى جانب العراق ومسيرته الجديدة، دون أن يقنح صندوقا خاصا في بورصة الضمير العربي المعروض للبيع أو على اقل تقدير للاكتراء؟ والأيام حبلى بالمواقف العربية وفنتازياتها، كفنتازيا الأنظمة ذاتها ومن يدور في فلكها.
Jawady49@hotmail.com