معلومات من الاستخبارات الألمانية تربط بين مقتل العائلة العراقية جنوب شرقي فرنسا وثروة صدام المخبأة
    تفاصيل الجريمة أصبحت معروفة لكن الغموض مستمر حول دوافعها والقائمين بها
    الأثنين 29 أكتوبر / تشرين الأول 2012 - 22:37
    سعد الحلي
    «الشرق الأوسط» باريس: ميشال أبو نجم -
    يوم 5 سبتمبر (أيلول) الماضي، الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، قريبا من قرية وادعة تدعى شوفالين تبعد عدة كيلومترات عن بحيرة أنسي الفرنسية، حصلت جريمة قتل ذهب ضحيتها أربعة أفراد، ثلاثة من عائلة عراقية واحدة، بريطانية الجنسية والرابع دراج. القتلى هم: سعد الحلي وزوجته ووالدة الأخيرة التي تحمل الجنسية السويدية. والقتيل الدراج فرنسي الجنسية اسمه سيلفان موليه. ونجت ابنتا الحلي زينب (الكبرى) وزينة.

    وبعد أكثر من خمسين يوما على الجريمة وفتح تحقيق واسع في فرنسا وبريطانيا وسويسرا ومشاركة أجهزة أمنية كثيرة في البلدان المذكورة وغيرها كألمانيا، ما زالت الجريمة لغزا يحير العاملين على فكه. وأكثر من سؤال أثير: من هو القاتل أو من هم القاتلون؟ ما هي دوافع الجريمة؟ من هو حقيقة سعد الحلي: هل هو رب عائلة عادي كان يمضي عطلة أواخر الصيف مع عائلته في أحد أجمل المخيمات القريبة من بحيرة أنسي والمدينة التي تحمل الاسم نفسه؟ أم أنه متعدد الشخصيات والارتباطات؟ هل كان في غابة شوفالين صدفة بحيث تواجد في المكان الخطأ والزمان الخطأ أم كان على موعد؟ ولماذا اغتيال زوجته ووالدتها ومحاولة قتل ابنته الكبرى؟ هل كان الغرض محو أي شاهد من الوجود؟ وما سر وجود الدراج الفرنسي سيلفان موليه؟ أهي صدفة أخرى؟ وهل كان موليه هو المستهدف من العملية وأن الآخرين قتلوا بسبب وجودهم فقط في هذا المكان؟

    الإعلام الفرنسي كرس لهذه الجريمة، بسبب ما تثيره من تساؤلات وتكتنفها من ألغاز، الكثير من المساحات، واستدعى الكثير من الخبراء في علم الإجرام ومن المحققين الحاليين والقدامى لسبر السر. الكثير من الفرضيات طرحت: قيل إن خلافا على إرث بين سعد الحلي وأخيه هو سبب الجريمة وقيل إن السبب طبيعة عمل الحلي وربما ارتباطه بالبرنامج النووي الإيراني. وقيل إن السبب قد يكون شخصيا.

    وأمس خصصت صحيفة «لوموند» الفرنسية ملفا متكاملا عن الجريمة مستندة بذلك إلى التحقيق الذي قام به جهاز الدرك الفرنسي والخلاصات التي توصل إليها وأولها أن القاتل كان بمفرده وأن السلاح المستخدم ليس دارجا في عمليات التصفية للقتلة المحترفين لأنه سلاح قديم يعتبر المحققون أنه متواجد في المنطقة الحدودية الفرنسية مع سويسرا. والأمر الثاني أن المحققين الفرنسيين توصلوا إلى خلاصة مفادها أن الدراج الفرنسي ليس المستهدف لأنه لو كان القاتل قد أجهز عليه قبل وصول العائلة العراقية لما كانت هذه الأخيرة قد توقفت في المرآب. ويفيد التحقيق أن القاتل أطلق النار على سعد الحلي وعلى ابنته وهما خارج السيارة وأن العراقي نجح في العودة إلى السيارة ومحاولة الهرب لكن دواليب السيارة غارت في الوحل ما مكن القاتل من استهداف المغدورين بإطلاق الرصاص على الرأس. ويقدر المحققون أن ذخيرة القاتل نفدت لذا فإنه ضرب زينب بعقب المسدس الذي وجدت بعض أجزائه في مسرح الجريمة للإجهاز عليها بعد إصابتها بالرصاص. لكن يبدو أن القاتل قد فر لسبب ما يكون وصول دراج آخر بريطاني الجنسية اسمه ويليام بريت مارتن كان ينتمي سابقا إلى القوات الجوية البريطانية وسبق له أن التقى الدراج الفرنسي قبل دقائق. بريت مارتن الذي اكتشف الجريمة وعثر على زينب جريحة سارع إلى إبلاغ الشرطة بعد أقل من عشرين دقيقة على حصول المجزرة.

    يبقى دافع الجريمة. وأمس جاءت صحيفة «لوموند» بجديد إذ أفادت بأن المخابرات الألمانية نقلت إلى المحققين الفرنسيين عبر مكتب محاربة الإرهاب التابع لجهاز الدرك معلومات تفيد بوجود علاقات بين عائلة سعد الحلي وثروة الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وتفيد هذه المعلومات بأن صدام أودع مبلغا يعادل نحو مليون ونصف مليون دولار في حساب مصرفي في جنيف بسويسرا يعود لكاظم، والد سعد الحلي. وحسب «لوموند» فإنه تم تتبع هذا المبلغ إلى صدام من قبل جهاز الاستخبارات الألماني «بي إن دي». وحسب الصحيفة الفرنسية فإن توترا نشأ بين والد سعد الحلي والمشرفين على ثروة صدام بسبب استبعاد الأول من لائحة المستفيدين منها. وتضيف المعلومات أن الخلاف المزعوم بين سعد الحلي وأخيه ليس مرتبطا بإرث جاءهما عن طريق والدهما بل بسبب هذه الثروة. وجدير بالذكر أن السلطات السويسرية كشفت أن سعد الحلي يملك حسابا سريا في سويسرا وجد فيه مبلغ مليون يورو كما أن معلومات سابقة أفادت أن سعد الحلي ذهب إلى سويسرا في اليوم السابق لمقتله. لكن المحامي إيمانويل لودو الذي سألته الصحيفة عن رأيه اعتبر أن موضوع ثروة صدام وعلاقتها بمقتل العراقيين «من صنع الخيال».

    أما مدعي عام أنسي فقد نفى اطلاعه على هذه المعلومات، لا، بل ذهب إلى حد القول إن فرضية وجود قاتل منفرد ومختل عقليا «عادت بقوة إلى الواجهة» ما يعني أن التحقيق وإن أحاط بتفاصيل المقتلة، إلا أنه ما زال بعيدا عن لملمة كافة خيوطها، وخصوصا تفسير وقوعها وأهدافه.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media