صناعة العباءة الرجالية في ميسان.. أسواق خاصة وموروث شعبي يتحدى الزمن
    أبرزها النجفية و{البشت» والحسائية واللندني والماريني
    الخميس 10 يناير / كانون الثاني 2013 - 06:39
    (الصباح) العمارة -
    عرفت علاقة الإنسان بفرسه منذ القدم حتى أخذ يتغزل بهذه العلاقة وينظم القصائد الى الآن لا تزال من الإبداعات الأدبية الخالدة، وللرجل علاقة أخرى حميمة لا تقل أهمية عن علاقته بفرسه إلا وهي علاقته بعباءته، فللعباءة مكانة كبيرة عند العرب منذ أقدم العصور فهي التي تقيه برد الشتاء وحرارة شمس الصحراء وتقي وجهه رمال الهيجاء، ورغم تطور الحياة بقيت العباءة رمزا لعدد كبير من الرجال الذين يشعرون بأن أناقتهم لا تكتمل إلا بالعباءة، وللعباءة أنواع مختلفة تتفاوت أسعارها بشكل متفاوت وقد تصل إحداها الى 10 أضعاف سعر الأخرى ومن أهم أنواع العباءات هي العباءة النجفية تليها عباءة "دشت" التي يتغير لونها تبعا للإضاءة الموجودة والعباءة الحسائية واللندني والماريني.
    وكانت العباءة تسمى رداء، واول من استخدمها كلباس له هو الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. واشتهر العراق بصناعة العباءة الرجالية وخاصة في مناطق الجنوب والفرات الأوسط، ومن المدن التي تشتهر بهذه الصناعة مدينة العمارة الجنوبية لكون هذه المدينة من المدن العريقة والتأريخية وتقطنها قبائل عربية تستهوي لبس العباءة، ويمتهن عدد كبير من أبناء ميسان مهنة صناعة العبي الرجالية، حيث أن الزائر للعمارة يستوقفه منظر خياطي العباءة وهم يقومون بعملهم بكل هدوء وحذر لان هذه الصناعة تحتاج الى دقة وبراعة كبيرتين.
    ومن أشهر صانعي العباءة في مدينة العمارة الحاج "طالب الشمري" الذي تحدث عن عمله قائلا: "توارثنا هذا العمل جيلا بعد جيل لأن الذي يعمل بهذه الحرفة يجب أن يكون خبيرا بها لأن أي خطأ قد يؤدي الى خسائر مادية كبيرة".
    وفي شرحه لمراحل عمل العباءة فأضاف "العباءة تدخل بمراحل عديدة، إذ تجمع الأصواف الجيدة في موسم جز الصوف "الكصاص" والتي تصلح للغزل وخاصة "حوايا" الأغنام وظهورها ثم تغسل جيدا بعدها تقوم مجموعة من الرجال الماهرين "الغزالون" بغزل هذه الأصواف وبعد إتمام الغزل المطلوب ترسل الى النساجين "الحياك" لتصبح عباءة أو ما يسمى "بالخاجية" ثم يأتي دورنا نحن الخياطين وهي آخر مرحلة من مراحل هذه الحرفة بعدها تصبح جاهزة للبس".
    وللعباءة عدة أنواع منها الصيفي التي تسمى "الخاجية أو البشت" ومنها الشتوي التي تسمى العباءة، وتختلف العباءة حسب نوع الأصواف المستخدمة في صناعتها فمنها ما يصنع من الوبر ومصدره الابل والصوف من الغنم ومنها ما يصنع من القماش المستورد وكما تتعدد أنواع العباءة تتعدد طرق خياطتها ومن أهم أنواع الخياطة "الجاسبي" وخياطة التحرير وأنواع أخرى عديدة حسب ذوق المشتري وقد اشتهر بهذه المهنة خياطون كثيرون منهم المرحوم الحاج محمد تقي محبوبة والمرحوم خنجر علاوي والمرحوم الحاج كيطان والمرحوم الحاج مجاري والمرحوم يعقوب العطية والمرحوم عبد الحسين عتيد وعبد الأمير حنظل والحاج هاني عبد النبي، حسب قول الحاج "طالب الشمري".
    من جانبه يقول "العبايجي" فالح عبد الحسن عنيد 63 عاما، احد رواد هذه المهنة في المحافظة: "تعلمت هذه الحرفة من والدي رحمه الله وهو معروف في قضاء المجر الكبير وعلى مستوى المحافظة والعراق، إذ عمل في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي بعد أن تعلم فنونها على يد الاسطة "يعقوب عطية" الذي اشتهر بهذه الحرفة في الأوساط الشعبية في مطلع القرن الماضي".
    ويشير عنيد إلى أن أبرز الأنواع الرائجة من العباءة الرجالية هي الخاجية الصيفية التي تصنع بطريقة يدوية متعبة ودقيقة ومن الأصواف الطبيعية المختارة الألوان، اذ عادة ما تكون "الخاجية" جميلة وخفيفة، ويستطيع الشخص تمييز الملابس من خلالها.. واللون المرغوب للزبون عادة مايكون الأسود أو الأصفر الصاجي "الأشقر".
    أما عدي فالح - صانع عباءات-، فقد أشار إلى أن سبب ارتفاع أسعار خيوط "الكلبدون" الذهبية اللون المستخدمة في صناعة العباءة الرجالية لأنها شرائح تصنع من الفضة والنحاس ملفوفة حول خيوط قطنية ناعمة مطلية بماء الذهب تطلى بشمع العسل قبل خياطتها.. وهي متنوعة وتباع بأسعار متفاوتة وحسب كميات المواد المذكورة في صناعتها".
    وأضاف أن "سعر الخاجية الصيفية الجيدة يتعدى مليون دينار أحيانا، وخاصة النوع الذي يسمى "الجاسبي" ويعتقد بأن هذه التسمية جاءت نسبة إلى اسم أول رجل ارتدى هذا اللون من الخياطة وهو الشيخ "جاسب بن الشيخ خزعل الكعبي" أمير مدينة المحمرة في مطلع القرن الماضي".
    © 2005 - 2025 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media