ماذا يريد العرب من العراقيين؟
الأثنين 9 سبتمبر / أيلول 2013 - 19:47
جواد وادي
كاتب وشاعر ومترجم مقيم في المغرب
رغم مرور أكثر من عشر سنوات على تغيير النظام الصدامي المقبور وما نتج عن هذا التغيير النوعي من مستجدات ومتغيرات منها ما كان متوقعا بسبب تكرار المغامرات الصبيانية للنظام وما جره من ويلات ومحن للعراقيين ولشعوب المنطقة، ومنها ما كان في علم المجهول لما كان عليه النظام المنهار من سادية ضد معارضيه فاقت كل تصور، وصولا الى الحكم البديل الذي واجه تحديات كبيرة، منها ما هو داخلي، ومنها ما هو خارجي لاشاعة الفوضى بكل بلاويها وبمسلسل خراب باركته ودعّمته وما زالت قوى أجنبية وبتنفيذ عراقيين بمشارب مختلفة وللأسف، هدفهم الأساس تخريب العملية السياسية وبكل الوسائل ليتواصل مسلسل النحر وطقوس القتل اليومي وبتصاعد خطير ليتحول الدم العراقي الى ارخص من التراب، وكأنه قدر لعين على العراقيين دفع الثمن لأسباب لا يفهمها حتى ذوي الرجاحة والفطنة، فمنذ حروب الابادة الصدامية وحتى يومنا والعراقيون يواجهون المحو اليومي ولا من سبيل للفكاك من هذا الفتك يلوح في الأفق.
ناهيكم عن الضيم الذي يطاردهم حتى في لقمة العيش وعدم توفر ابسط شروط الحياة الآدمية، وعلى أيدي من كانوا يتوسمون فيهم خيرا للخروج من أيام صدام السوداء، ليتحول الوضع الى مجرد فنتازيا لا يمكن فهمها وفك ملابساتها وطلاسمها.
ونحن لسنا بصدد تبيان مساوئ الوضع الراهن بكل مفاسده وملفاته الخطيرة، فهذا شأن آخر يؤزم وضع العراقيين أكثر، انما ما يؤلمنا ويزيد من حيرتنا، ازدواج المعايير لدى العرب والتي نعيشها يوما بيوم ونتحمل مراراتها بصمت وحيرة، فهم ما زالوا بذات العقلية وذات المواقف من التزلف للنظام الصدامي، كل واهدافه، رغم اقبار ذلك العهد المشؤوم، لنطالع ونقرأ ونسمع كلمات الاطراء والترحم على صدام وازلامه وكل ايتامه، يكاد يكون يوميا.
وكمثال على ما تقدم نلاحظ أن الرأي العام العربي، حكومات وشعوبا، لا يعير أية أهمية أو كلمات أسف للضحايا التي تسقط يوميا من العراقيين ولا لحرب الابادة المتواصلة ضد الابرياء على ايدي القوى التكفيرية وفلول البعث المجرم وسقوط المئات من العراقيين ضحايا لهذا العبث الأرعن وتهديم العشرات من المنازل ونشر المفخخات في الارض العراقية وانهار الدم التي ما توقفت يوما، والاعداد الهائلة من الايتام والارامل. ليظل الرعب اليومي سيد الحياة اليومية للعراقيين.
رغم كل هذا الخراب لا نجد من يدين ويستنكر ويشجب ويطلق كلمات أسى لما يحدث للعراقيين من اعمال مجرمة، هذا الشعب الذي قدم الكثير لهذه الشعوب من دعم وتأييد وعلى كل الأصعدة، لتنال حريتها ويتحقق استقلالها، مع كل هذا الدعم المتعدد الجوانب والقنوات، لا نلمس ولا نشعر ولا نقرأ ولا نشاهد كلمة تأسي، لا من الشارع ولا من الاعلام المقرؤ والمسموع ولا من أي طرف كان وبعقوق ما بعده عقوق، الا بنشر أخبار مبتسرة عن القتل وعدد الضحايا وما نتج من خراب دون تعليق.
وأشد ما يغيضنا حينما يحدث وقوع انفجارات أو اعمال ارهابية في بلد آخر غير العراق، عربيا كان أم اجنبيا، يسارع أعلى هرم في السلطة بتوجيه برقية مواساة ودعم واستنكار لما حدث، ولا من حراك رسمي للتعبير عن الرأي عندما يسقط العشرات ضحايا الاعمال الرهابية في العراق، ليخيم عليهم صمت القبور، وكأني بهؤلاء أن الأمر لا يعنيهم أو أنه التشفي بعينه في ازدواجية المواقف من كلا الموقفين الرسمي والشعبي، إلا في استثناءآت يتيمة. وليس لهذه المواقف اي تفسير غير أنهم فرحون لما يحدث، كون العراقيين استبشروا خيرا بزوال الحكم الصدامي.
ناهيكم أن حضور ذكر الطاغية صدام لا زال قويا في الوسط الشعبي وكأن ما حدث في العراق من كوارث بسبب ذلك النظام المجرم ورئيسه المعدوم، لم تعد خافية على الجميع، لا تعنيهم، أو أنها مجرد فبركات من معارضيه.
بات معلوما للجميع أن الارهاب لا دين ولا ملة له، ولا تحدده جغرافيا بعينها، وهو بلاء وطاعون سيطال الجميع دونما تمييز أو استثناء، اللهم لا شماتة على دم الأبرياء، والجميع مدعو للتصدي له وبكل حزم وقوة.
أن مرور عشر سنوات على التغيير، ليس بالوقت القصير بعد أن اتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود، لكن الفوضى السياسية والتجاوزات الخطيرة في ادارة الحكم ونظام المحاصصة المقيت وتكالب الساسة على الامتيازات على حساب اهمال اعادة بناء العراق المدمر وتوزيع المناصب والمهام، عليا كانت أم دونها، على اساس طائفي وغيرها من الملفات المخجلة، سوف لن تخرج العراق من عنق الزجاجة والتي حشره فيها الساسة المتناحرون، دون أن نعرف سببا منطقيا لهذا التناحر الذي يصل أحيانا حد التهديد بفضح الملفات فيما بينهم وحتى اعلان التمرد والحث على العصيان كما يحدث اليوم في المنطقة الغربية، وكأنهم ليسوا بقادة بلد يحتاج لكل يوم من الجهد لاعادة اعماره، وخروجه من محنه المتواصلة، تجمعهم جميعا روح المواطنة والانتماء للعراق ونبذ كل أنواع التطاحن الطائفي والحقد فيما بينهم، لكن ما يحصل الآن في المشهد السياسي هو العكس مما يخلق بيئة مناسبة لبقاء الوضع هشا وقابلا للتفجر في أية لحظة، حينها سيخسر الجميع.
أليست تلك هي فرص ماسية اذن لكل المتربصين بالعملية السياسية للتشفي والترحم على الطاغية والاشادة بحكمه الفاشي، لتظل الفوضى سيدة الموقف ويمنح هذا التناحر الفرصة للارهاب ان يصول ويجول كيفما يريد، لأن مكونات ادارة البلد مريضة، فكيف لجسد هذه المكونات والحالة هذه ان يدافع عن أرواح الناس ويحمي البلد وهو مهدد أصلا بالموت المفاجئ وهو طريح الفراش ويعاني موتا سريريا منذ أن تفتقت عبقريتهم بخلق نظام المحاصصة المقيت وسئ الذكر.
هذا النظام هو سبب كل البلاء الذي لا يريد الساسة تدارك مخاطره الكارثية قبل فوات الآوان.