يونس بحري .. أسطورة الإعلام العراقي
يُعتبر يونس بحري أحد الإعلاميين الذين ذاع صيتهم مطلع أربعينات القرن الماضي بعد انقلاب مايس عام 1941م , فهو كاتب وصحفي ومذيع ومغامر وسائح , كانت إبداعاته مرتجلة بسبب نبوغه وطموحه , جاب أوروبا وآسيا , سافر لعدة مدن منها افغانستان وإيران والهند وجاوة وحضرموت وليبيا وتونس وباريس الذي سجن فيها , ثم عاد إلى العراق عام 1933م وكتب قصصاً عن أسفاره تصلح حديثاً للمجالس.
ولد الإعلامي يونس صالح أغا الجبوري عام 1897م أو 1900م (كما تذكر بعض المصادر)(1) في مدينة الموصل / محلة السوق لأسره كادحة , فوالده صالح أغا عمل يوزباشي في الجيش العثماني يقوم بتأمين البريد بين استنبول مركز الدولة العثمانية وولاية الموصل.
درسّ في طفولته لدى الكتّاب بمدينة الموصل , وبعد ذلك التحق بالمدارس الرسمية حيث أكمل الدراسة الابتدائية والمتوسطة ثم التحق بدار المعلمين الابتدائية في بغداد عام 1921م , حيث ذاق ذرعاً بهذا الدار من مديره , لكنه طرد منه بعد مرور شهرين أو ثلاثة لمجادلته مدير الدار , وتوجه نحو الوظيفة وتعين كاتباً في وزارة المالية عام 1923م , ومثلما لم تسعه مدينته الموصل , لم يعد العراق يسعه , فغادر العراق عام 1923م إلى استنبول وانخرط فيها لدراسة العلوم البحرية , ولكن الظروف الصعبة التي عاشتها تركيا العثمانية بعد الحرب الأولى ومخاض تركيا في حرب الاستقلال جعلته يرجع ثانية إلى العراق , ثم قرر السفر خارج العراق سائحاً في عدد من الدول الأوروبية والآسيوية ولم يكن يمتلك الكثير من المال فعمل باعمال بسيطة ثم عاد إلى الموصل عام 1925م(2).
في 29/2/1929 التقى لأول مرة بفتاة هولندية في مدينة نيس بفرنسا, والحسناء الهولندية تنتمي لأسرة ارستقراطية وأمها بارونة المانية ثرية, ووقعت بينهما رابطة حميميه من الحب والغرام وكانت رغبته بالزواج منها عارمة جداً, إلا أنها كانت عازمة على الاستقرار بينما كان صاحبنا في أوج جموحه وطموحه والسعي وراء ملاكماته الصحفية ومغامراته في تحقيق بعض المآرب المادية التي كان يسعى إليها (3).
تزوج يونس بحري لأول مرّة من امرأة موصلية اسمها (مديحة) فأنجبت له ولدان وبنت هما (الأدميرال رعد يونس بحري قائد الاسطول الفلبيني .د. لؤي بحري , استاذ الحقوق الدولية في جامعة بغداد , د. سعدي يونس , الفنان الاكاديمي المسرحي لهُ الفضل في ادخال فن التمثيل النيتومايم إلى العراق في الستينات من القرن الماضي , د. منى بحري , الاستاذة في جامعة بغداد كلية التربية قسم علم النفس) , لكن هؤلاء الابناء تبنت تربيتهم جدتهم لأمهم (مريم خانم) بسبب اهمال والدهم لهم , كانت جدتهم تمتلك مدرسة لتعليم فن الخياطة في الموصل , اهمل يونس بحري عائلته بسبب رحلاته المكوكية في البلدان الاوروبية والآسيوية , تعلم من خلال رحلاته اكثر من ستة عشر لغة عالمية اساسية قراءة وكتابة عدا اللهجات المحلية , كان بحري مزواجاً فتعددت زيجاته حتى وصلت إلى اكثر من اربعين , فكان يتباهى بهنَّ أمام أصدقاءه قائلاً : بدأت بشهريار الإيرانية وانتهيت بشهرزاد السورية .
عام 1925م عاد إلى العراق باسم (السائح العراقي) , عاد مثقفاً بلغات ومعلومات واسعة , نشر مقالات انتقد فيها ساطع الحصري انتقاداً مريراً وشتمه لسوء تصرفه في مؤسسة المعارف العراقية , غادر العراق عام 1929م إلى الكويت ومنها إلى السعودية كان مغامراً حتى وصل اليمن والتقى الإمام يحيى بن حميد الدين زعيم اليمن فأكرم وفادته , كما عبر البحر الأحمر نحو أفريقيا واخترق أرتيريا والحبشة والسودان الشرقي ومن ثم السودان الغربي وعبر الصحراء الكبرى مشياً على الإقدام لوحده , وصل بعد 48 يوماً إلى جبال الأطلس , ووجد نفسه في المغرب , فزار فاس ومكناس ومراكش وكازابلانكا والرباط وطنجة , ثم عبر إلى أوروبا نحو اسبانيا ووصل فرنسا والمانيا وبلجيكا وابحر إلى انكلترا , وصلها منتصف الثلاثينات حتى شارك مع سباحو العالم لعبور بحر المانش باسم العراق وفاز بالمركز الأول مسجلاً سابقة لا مثيل لها فأطلق عليه تسمية يونس بحري ومنح جواز سفر دبلوماسي ألماني بهذا الاسم ولأول مرة .
ذكر البروفسور إبراهيم العلاف في حلقة لقناة الموصل المتلفزة حول حياة يونس بحري , إذ قال: كان رجلاً عجائبياً حقاً , ففي فترة من حياته في الهند كان يعمل كراهب في النهار وراقص في ملهى بالليل , ويجد مع ذلك وقتاً ليقوم بعمل إضافي مراسل لأحدى الصحف الهندية , وفي وقت آخر أصبح مفتي في اندونيسيا ومره جاءه أحد سكان الجزيرة المعروفين مصطحباً معهُ فتاة في منتهى الجمال يريد منه أن يعقد قرانه عليها .. فأستحسفها يونس لأن الرجل كان مُسناً ودميماً وافهمه أنه لا يجوز شرعاً عقد قرانه عليها , فصدقه الرجل لأنه (مفتي) وترك الفتاة فتزوجها المفتي".
عام 1930م اشترك يونس بحري مع الأديب الكويتي الشيخ عبد العزيز الرشيد بإصدار مجلة في اندونيسيا باسم (الكويت والعراق) , كما أصدر مجلة أخرى بعنوان (الحق والإسلام) , كما أكد الأستاذ قاسم الخطاط إذ قال : في عام 1931م عاد يونس بحري إلى العراق فأصدر جريدة باسم (الميثاق) , وعندما وقعت حادثة اصطدام سيارة الملك غازي ملك العراق بعمود الكهرباء أدت بوفاته (4), صدرت جريدة الميثاق وبصفحتها الأولى كلها مجللة بالسواد تحت عنوان (مقتل الملك غازي) والإشارة في المقالة إلى وجود أصابع انجليزية وراء الحادث للتخلص من الملك الوطني الشاب الذي كان يدعو إلى التخلص من الاستعمار , وبدأ يوزعه في بغداد فجراً وهو على دراجته النارية , متهماً الانكليز وعملائهم الأمير عبد الإله ونوري السعيد بقتل الملك , مما تسبب ذلك في مظاهرات صاخبة نجم عنها هجوم المتظاهرين على القنصلية البريطانية في الموصل , وحين خرج القنصل البريطاني مونك ميسن قتله عدد من المهاجرين , مما دعا الشرطة إلى الذهاب لبيت يونس بحري لإلقاء القبض عليه وتقديمه إلى المحاكمة , لكن بحري هرع إلى السفارة الألمانية يحتمي بالسفير غروبا الذي قام بوضع خطة لتسفيره خفية عام 1939م إلى ألمانيا قبل اندلاع الحرب الثانية , وذلك من خلال التمويه , إذ جعله عضواً ضمن أعضاء وفد صحفي وصل بغداد على متن طائرة خاصة حشر بحري نفسه فيها ضمن أعضاء الوفد , فوصل برلين.
يونس بحري وإذاعة قصر الزهور
قبل مغادرة بحري العراق عام 1939م عمل كمذيع أول في إذاعة قصر الزهور التي أقامها الملك غازي , وجد فيه الملك غازي إنساناً يؤدي من خلاله أغراضه السياسية وخصوصاً بعد أن نصب بحري أول مذيع في الإذاعة العراقية عام 1936م , وهو أول من نطق على موجات الأثير (هنا بغداد .. إذاعة المملكة العراقية) بصوته الجهوري .
في رحلة بحري إلى ألمانيا عام 1939م عمل مذيعاً في محطة برلين العربية الإذاعية مع المذيع تقي الدين الهلالي , وقد أشار على ادولف هتلر على ضرورة افتتاح وقت الإذاعة الأول بسور من القرآن الكريم لجذب المستمعين العرب لمتابعة الإذاعة , يبدأ يونس بحري خطاباته بـ(هنا برلين, حي العرب) , من خلال دعوته لتحرير البلاد العربية من الاحتلالين البريطاني والفرنسي , كانت لبحري علاقات متميزة بالحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين ورشيد عالي الكيلاني , كانا حلفاء للألمان ضد الانكليز , وبعد اندحار ألمانيا توجه إلى أمارة شرق الأردن التي وصلها بما يشبه المعجزة , وهناك التجأ إلى الملك عبد الله أمير شرقي الأردن, وقد طبع بحري خطاباته عام 1956م في بيروت تحت عنوان (هنا برلين) بثمان أجزاء.
يونس بحري إماماً لجامع في باريس
ارتبط اسم يونس بحري بإذاعة برلين, حيث أكد عبد السلام العجيلي في مذكراته قال: بأحداث كثيرة, وحكايات غريبة, مثيرة تارة ومضحكة تارات, من تلك مثلاً حكايته في جامع باريس الذي بني في العشرينات من هذا القرن, وكان يحوي, إلى جانب المسجد والسوق والحمامات العربية, مطعماً مغربياً وملهى ليلياً. كان يونس يؤذن للصلوات الخمس في مئذنة المسجد بصوته العريض, ويتولى الإمامة بالمصلين عند الحاجة, وفي الليل كان يرأس تخت الموسيقى في الملهى, فيعزف على العود, ويغني الأدوار التي كان يجيدها تمام الإجادة, ولا يتأخر عن المشاركة في الرقص الشرقي مقلداً أشهر العوالم في شارع عماد الدين في القاهرة, ويروون أن فيصل بن الحسين, ملك العراق, حين زار باريس في إحدى السنين , وصلًى الجمعة في مسجدها لاحظ أن خطيب الجمعة كان يلقي خطبته البليغة المؤثرة بلهجة عراقية بينة , وحين أثبت تحت عمامة الإمام الضخمة وجه يونس بحري لم يملك نفسه عن الضحك وهو يقول : هكذا جامع يحتاج إلى هكذا خطيب (5).
يونس بحري يسبح مع التماسيح
قبل أن تستقل جزر الميلانو ويصبح اسمها اندونيسيا, وهي مشهورة بنهرها الكبير الذي يتجنب الناس السباحة فيه لكثرة تماسيحه وخطرها على كل من يغمس قدمه في مائه. وجد يونس نفسه ذات يوم في تلك الجزيرة خالي الوفاض, فتفتق ذهنه عن طريقة طريفة يملأ بها جيبه الخالي, أعلن في الجرائد المحلية أن السائح العراقي المشهور يونس بحري سيقطع ذلك النهر الخطر سباحة, متحدياً التماسيح الشرسة المفترسة , وأن على من يرغب في مشاهدة هذا التحدي أن يحضر إلى ضفة النهر في مكان معين, وفي اليوم الفلاني والساعة الفلانية بشرط أن يدفع سلفاً ثمن تذكرة المشاهدة.
وسرى هذا النبأ سريان الهشيم في أنحاء الجزيرة, فتقاطر الناس متزاحمين على شراء التذاكر حتى تحصل منها مبلغ كبير . وقبل الموعد المضروب بيومين دسّ يونس بحري إلى الحاكم الهولندي في الجزيرة من يقول لهُ بأن هناك أجنبياً مجنوناً يعتزم أن يقطع النهر المخيف سباحة على يديه , ملقياً نفسه في فكوك التماسيح الفتاكة , مما لا نجاة له فيه من الهلاك, وأن هذا الأجنبي من بلد تحكمه بريطانيا العظمى فلا يبعد أن يتسبب هلاكه بأزمة سياسية بين بريطانيا وهو لندا!! عند هذا... وزيادة في الاطمئنان أمر بأن يقف على باب الفندق الذي يقيم فيه ذلك الأجنبي المجنون حارسان مسلحان يحظران عليه الخروج إلى أن ينتهي الموعد المعلن عنه, وهكذا خرج يونس بحري من هذه العملية ببضع مئات من الجنيهات قبرَ بها إفلاسه (6).
يونس بحري مؤسس حزب التراخي العراقي
ذكر السيد سعيد علي في يوم كان في النجف الأشرف كان ذلك قبل ثمان وعشرين سنة , كان في مكتبة الشيخ محمد كاظم الكتبي في قيصرية علي أغا في سوق الحويش من النجف, وكان في المكتبة الكتبي والعلامة محمد صادق بحر العلوم والشاعر الشيخ عبد الغني الخضري والمحامي محمد رضا السيد سلمان, وما هي إلا دقائق حتى جاء الأستاذ على الخاقاني صاحب كتاب (شعراء الغري) ومجلة (البيان) مصحوباً... برئيس حزب التراخي يونس بحري! فعجبنا كيف اهتدى الخاقاني إلى يونس بحري وكيف أدرك بحري الخاقاني, وكيف جاء يونس بحري النجف الأشرف ليكون في مجلسنا يقعد متربعاً كما نفعل...واني لأذكر أن صاحب المكتبة الشيخ محمد كاظم الكتبي قد سأله عن حزبه التراخي الذي يرأسه فقال يونس بحري : إنه لا مناص لي من البداية فأقول إنه قبل عقدين من السنين أنشأت بألماني جريدة عربية لقبتها بـ(جريدة التراخي) وفسرتها بأنها صوت حزب التراخي بالعراق وجعلت أرسل بها إلى مشاهير العراق كنوري السعيد, وتوفيق السويدي, وبهجة العطية, وأحمد مختار بابان, وفاضل الجمالي, والسيد محمد أبي طبيخ, والسيد محمد الصدر, وسعد صالح, وصالح جب, وأرشد العمري, وغيرهم من الحاكمين في ذلك الزمان, وأدعوهم في صحائفها إلى الانضمام إلى حزب التراخي هي ثوب عليهم وبطش بهم , وسعى إلى انقلاب واجتهاد في دينونة وحساب فيأمر نوري السعيد مدير الأمن العام بهجة العطية بالتحري والتفتيش, فيتراكم في مكتب العطية من أوراق العيون وآذان والجواسيس والمخبرين, ما كان تلاً من الحدس والتخمين, وما فسر هذا التل من الأوراق ولا وضّح شيئاً من أسرار الحزب وأهدافه, وبعد سنين قصدت بغداد . والكلام ما زال ليونس بحري. لأزور الربوع فإذا بالشرطة يعتقلوني في المطار ويقودونني إلى بهجة العطية مكبلاً بالقيود الحديدية, وإذا بمدير الأمن العام بهجة العطية يسألني البوح والإفشاء , والاعتراف لأن نوري السعيد الملقب بأبي صباح يريد أن يكتشف حقيقة حزب التراخي, فقلت لهُ: لئن جمعتني نوري به فسوف أبوح له بكل أسرار الحزب, ولأن بهجة العطية كان يريد أن يحظى من نوري السعيد وأجلسني الأخير عن يساره, وهو يسألني بلهجة من أخذ بتلابيب الكابوس, وقد كنت كابوسه أن أفضل الكلام عن حزب التراخي: ما مرماه , ومن هم أعضاؤه؟ فقلت لهم مستريحاً مطمئناً, لا تفصيل ولا برطيل حزب التراخي أعضاؤه من أمثالكم فمن التراخي عضوه دخل في حزب التراخي.. وما إن سمعنا هذا حتى أغرقنا في الضحك, وسأله الخاقاني عن مآل نوري السعيد بعد أن سمع عبارته النابية؟ فقال يونس بحري:إن نوري السعيد كاد يموت من الضحك (7).
انتقل يونس بحري إلى بيروت في الخمسينات , وكان اسمه ذائع الصيت , فيحتفى به ويوثق البعض علاقته به , ويقيم في بيروت زمناً , وكان صديقه الصحفي الكبير جبران تويني (ابو غسان) صاحب صحيفة (النهار) صديقه المفضل , ومن بيروت زار سوريا والأردن , وزار مصر بطلب من القيادة المصرية الجديدة واحتفى به الرئيس جمال عبد الناصر وأنور السادات .
لما وصلت أخبار يونس بحري في مصر إلى العراق ولقاءاته بالقادة المصريين , خشي الهاشميون في العراق والأردن , وبالأخص نوري السعيد أن يكون ليونس بحري دوره الإعلامي في مصر ضد كل من نظامي الحكم في العراق والأردن , فوجد كل من عبد الإله والملك عبد الله في الأردن أن يرسلا بطلبه , وأن يصفحا عنه أن اعتذر لهما , فما كان منه إلا أن يعتذر فيصفحا عن كل ما ارتكبه بحقهما , وما كاله ضدهما من شتائم مقذعة .
وفي مصر , تعرف من خلال صديقه الفنان الموصلي الأصل نجيب الريحاني بالراقصة جمالات , فشبكها حباً وهياماً .. ومن خلالها أيضاً تعرّف على الفنانة المطربة هدى سلطان معرفة عميقة وهام بها وهامت به وقد أهداها خاتماً نادراً من الماس , يؤكد الدكتور عبد الرحمن بدوي في لقاء مع د. إبراهيم العلاف حين ألتقاه عام 1982م في باريس , أن الدكتور بدوي كان يعرف يونس بحري منذ أيام باريس , وانهُ التقى به في القاهرة ابان الخمسينات , وكانت أغنية المطربة المصرية هدى سلطان المشهورة ( من بحري ونحبوه) كانت بحق يونس بحري الذي " شبك جمالات وشبكها" , كان صديقة الشاعر فتحي قورة قد كتب كلمات تلك الأغنية الشهيرة , لا نعرف مدى مصداقية هذه المعلومة.
عام 1956 أثناء وجود يونس بحري في مصر , توصل نوري السعيد إلى سحبه من ترسانة الرئيس جمال عبد الناصر وشبكته الإعلامية , فوصل يونس بحري إلى العراق واحتفى به , كما اتفق معه أن يكون مسؤولاً في الرد على إذاعة صوت العرب من القاهرة , كي يلقن عبد الناصر دروساً لا ينساها , فوافق يونس ودون أن يعلم أن القدر له ولكل النظام الملكي في العراق بالمرصاد.
عودة يونس بحري قبل ثورة تموز1958 إلى العراق
قبل ثورة تموز 1958م عاد يونس بحري إلى بغداد , فأرسل في طلبه نوري السعيد , وطلب منه أن يذيع مقالاته ضد عبد الناصر ففعل , فاعتبر بعد ثورة 14 تموز 1958 كأحد أنصار نوري السعيد , بعد ساعات من ثورة تموز القي القبض على صديقه اللبناني صلحي الطرابلسي الذي اعلم الجهات المسؤولة عن مكانه , فاعتقل يونس بحري وكان ثاني المعتقلين بعد سعيد قزاز وزير الداخلية في الموقف العام , كان معه في السجن وفي قاعة واحدة توفيق السويدي وكلاهما يُكنى (بأبي لؤي) , وفي يوم جاء ضابط السجن منادياً : من (أبو لؤي) .. فخاف السويدي لأنه توقع أن يكون وراءه شراً ولم يجب .. وأجابه يونس بحري وكانت المفاجأة أن الضابط أحضر مظروفاً يحوي مائة دينار فوقع بحري واستلمها .. وبعد ايام جاءت رسالة إلى توفيق السويدي تقول : هل استلمت المائة دينار؟
اعتقل بحري لفترة تقارب السبعة أشهر واطلق سراحه دون محاكمة لعدم كفاية الأدلة , وبوساطات من زعماء وقادة عرب وأجانب, وقد تعرف أثناء اعتقاله إلى رئيس عرفاء السجن (رسن) فقال له مرة : لماذا لا تقوم بانقلاب وتستولي على السلطة؟
فأجاب: كيف وأنا رئيس عرفاء؟
فقال : وكيف استطاع رئيس عرفاء دولة افريقية القيام بثورة ... وحين سمع عبد الكريم قاسم هذه المحادثة أرسل في طلبه وقال له : أتريد أن تفسد عليّ جنودي؟
بعد إطلاق سراحه أفتتح عام 1959م في منطقة الكرادة ببغداد مطعم (بوران) في شارع الرشيد , وأخذ يرتاده كبار الشخصيات السياسية والفكرية والسفراء , فكان أشبه بمنتدى , وكان يونس يقوم بطبخ الأكلات المختلفة التي تعلمها أثناء سفراته , وهناك صادف مرور عبد الكريم قاسم الذي تسبب بهروبه مرة أخرى من العراق وسافر إلى لبنان , كان يتصل بشخصيات عسكرية معادية لثورة تموز ويحضر بعض لقاءاتهم لتغيير نظام عبد الكريم قاسم بسبب تفرده بالحكم.
عاد يونس بحري إلى بغداد في سبعينات القرن الماضي بعد أن أدركته الشيخوخة حتى توفى عام 1979م يصفه البعض بأسطورة الأرض باعتباره مؤسس لـ(16) إذاعة واتقنَّ 16 لغة , وحمل 15 جنسية , يونس بحري من تباينت الناس في تقيمها لهُ , فثمة من وصفه بأقذع التهم , وثمة من انصفه ومنحه الحق المشروع لحريته التي مارسها سياسياً وثقافياً وإعلامياً , وصف من البعض بالدعارة والتجسس وانعدام الأخلاق , ووصف من البعض الآخر بصفات العظمة الخارقة .
كان يتصف يونس بحري بسرعة الإقناع والجاذبية والسحر وسرعة البديهية والنكتة , فهو جهوري الصوت , يتقن التقليد والتمثيل ببراعة , لا يهمه نقد الآخرين أو شتائمهم أو مدحهم له , فلسفته في الحياة ( الحياة لحظة زمنية لا فرق فيها بين كبيرة وصغيرة) , لهُ القدرة الخارقة للاتصال بالملوك والزعماء والوصول إلى صناع القرار , عمل مستشاراً لرؤساء وملوك , ومحرراً ورئيس تحرير , أصدر عدة صحف , وبائع كتب متجول , وموزع صحف , وكاتباً ومؤلفاً , عمل مذيعاً ومدير إذاعة ومعلقاً رياضياً وسباحاً ورحالة.
ليونس بحري مؤلفات كثيرة , وأول كتاب أصدره كان تحت عنوان (العراق اليوم) عام 1924 , ويؤكد البروفسور إبراهيم العلاف أن الكتاب محفوظ في مكتبة الأوقاف في الموصل , ومن كتبه المنشورة ما يلي :
1- صوت الشباب في سبيل فلسطين الدامية والبلاد العربية المضامنة . 1933 .
2- العراق اليوم (بيروت 1936)
3- تاريخ السودان . القاهرة 1937.
4- هنا بغداد . بغداد 1938.
5- الجامعة الإسلامية . باريس 1948.
6- دماء في المغرب العربي . بيروت 1955.
7- الحرب مع إسرائيل وحلفائها. بيروت 1955.
8- تونس . بيروت 1955.
9- الجزائر. بيروت 1956.
10- ليبيا. بيروت 1956.
11- المغرب . بيروت 1956.
12- هنا برلين : حي العرب (8 أجزاء). بيروت 1956.
13- سبعة أشهر في سجون بغداد . بيروت 1960.
14- موريتانيا الإسلامية . بيروت 1961.
15- ليالي باريس (باريس 1965)
16- محاكمة المهداوي . 1961.
17- وحدة أم اتحاد . 3 سنوات تخلق أقداراً جديدة . 1963.
18- العرب في المهجر . بيروت 1964.
19- العرب في أفريقيا.
20- أسرار ثورة مايس 1941 . بغداد 1968.
21- ثورة 14 رمضان المباركة . بيروت 1963.
أكد البروفسور إبراهيم العلاف انه : صاحب شخصية نادرة , مثل يونس بحري ما كان له الطبع ولا الرغبة في أن يقضي وقته مع عائلته , فهو صاحب نفسيه قلقة مهاجرة , وسايكولوجية غير مستقرة لا تهجع أبداً , فهو إنسان غير غادي , قادر على أن يكون شخصية قيادية له كاريزما ساحرة في لحظة تاريخية معينة , لكن سيرة حياة بحري بحاجة إلى دراسة وتحقيق وفحص دقيق , لأن هناك جملة أسرار لم يكشف عنها حتى اليوم , لكن تعتبر مؤلفاته مصادر أساسية لسيرته الشخصية والإعلامية والأدبية , لكن المؤرخ معن عبد القادر آل زكريا يستعد لنشر كتاب يتحدث عن حياة السائح بحري يتضمن أكثر من 1000 صفحة وأكثر من 500 صورة ووثيقة تخص بحري , حيث ابتدأ آل زكريا مشروع كتابه سنة 1990 , ومن المحتمل أن ينشر الكتاب في لندن .
المصادر
1- هناك من يرى أن ولادته عام 1900 أو 1904 في نص التقارير الصادرة من السفارة الهولندية حول سيرة يونس بحري . المصدر مجلة الموسم . العدد3. السنة 2013 . ص256.
2- مير بصري. اعلام السياسة والأدب في العراق. ص288/289.
3- مجلة الموسم . العدد3. السنة 2013 .ص256 .
4- مجلة الموسم . العدد3. السنة 2013. ص256 .
5- د. عبد السلام العجيلي . حفنة من الذكريات. ص184/186.
6- د. عبد السلام العجيلي. في كل واد عصا. ص119. دار الحوار. اللاذقية. ط1. 1984
7- مجلة الموسم. العدد. السنة 2013. ص273/274.