د. مؤيد عبد الستار
اشتدت في الايام الثلاثة الاخيرة موجة تظاهرات واضراب اصحاب السترات الصفراء في باريس ، وفرضت نفسها كقوة جماهيرية استطاعت كسر انف الحكومة الفرنسية التي كانت تقف الى جانب الاغنياء وتزيد الفقراء فقرا .
في البداية انطلقت التظاهرة من مجموعة صغيرة في مدينة بعيدة عن قلب العاصمة باريس ولكنها اشتدت و اصبحت علامة فارقة في الحياة السياسية الفرنسية ، وسرعان ما انتشرت في عدة مدن واصبحت معلما من معالم الشانزليزيه كل يوم سبت في باريس .
وكان للعنف الذي واجهتهم به الشرطة سببا لاندلاع معارك عنيفة بين الطرفين راح ضحيتها العديد من المواطنين .
ليست حركة الستر الصفراء بعيدة عن التقاليد الفرنسية العريقة في التظاهر والاحتجاج منذ الاحتجاج الشهير الذي حطم سجن الباستيل في القرن الثامن عشر ، ومنذ كومونة باريس ، واحتجاج الطلبة في ستينات القرن الماضي الذي اطاح بديغول اشهر رئيس فرنسي في الجمهورية الفرنسية .
لا اظن ان حركة الستر الصفراء ستخمد دون تحقيق نتائج ملموسة لتحسين شروط اقتصاد الطبقات الفقيرة وجموع الفلاحين والعمال والموظفين والكادحين الذين يعيشون على حافة الفقر في مجتمع راسمالي لا يرحم ، يزداد فيه نهب قوت الغالبية من قبل حفنة من اصحاب الملايين الذين يستولون على ثروات المجتمع دون رقيب او حسيب .
المثير للفزع في اوربا ان حمى الاحتجاج انتقلت الى بلجيكا وهولندا وربما ستمتد الى اماكن اخرى ، فما دام النهب واللاعدالة سمات المجتمعات الراسمالية ، لن تخمد جذوة الاحتجاج والنضال من اجل مستقبل افضل للبشرية .
كما انتقلت الظاهرة الاحتجاجية الجديدة الى بعض البلدان العربية ، فاول احتجاج مشابه لها ظهر في تونس تحت اسم الستر الحمراء ، وتطالب الاحتجاجات بمستوى معاشي افضل ، كذلك في الاردن ظهرت حركة احتجاج الشماغات الحمر ، او الكوفيات الحمر ، وبدات التجمعات تطالب بتحسين ظروف الحياة الاقتصادية المتردية والبطالة المنتشرة بين الشباب .
وقبل احتجاجات باريس والستر الصفراء اندلعت عدة احتجاجات في العراق وعلى الاخص في بغداد والبصرة ، ورغم استمرار الاحتجاجات في جميع انحاء العراق ، الا انها غالبا ما كانت سلمية ، عدا احداث البصرة الاخيرة ، وبعض التجاوزات التي حدثت في المنطقة الخضراء ومجلس النواب السابق ، وهي اضرار ليست بذي بال ، ولكن الامر الاكثر
بروزا على الساحة السياسية هو الاحتجاج الذي يتلفع بالسواد والذي يمتد وينتشر في ارجاء العراق في شهر محرم الحرام ، الاحتجاج المؤلم والقاسي الذي يستوحي ثورة الحسين ، ويستلهم التضحيات من الشهادة والصمود الذي مثلـه احتجاج وثورة الامام الحسين على الظلم والسلطة الغاشمة .
واستطيع تسميتها احتجاج اصحاب الثياب السود ، فعلامة المحتجين اللون الاسود الذي يميز ما يرتدون من ثياب وهم يقطعون الطرقات سيرا على الاقدام في مسيرة ميلودرامية متوجهة الى كربلاء حيث مرقـد الامام الحسين .
وفي اية لحظة ينكشف الغطاء عن تحالف رجل الدين مع السلطة ، سيعرف المواطنون اصحاب الثياب السود ، ان بوصلتهم بحاجة الى تعديل ، فلا معنى لتوجههم الى كربلاء ، وليس مسيرهم هذا يخدم فكرة ثورة الحسين ، وما الاستمرار على هذا المنوال الا اضاعة لفرص العمل الثوري وتبديد الجهود بعدم التوجه الى رأس الافعى والظلم القابع في قصور الحاكم وقلاعه الباغية .
البوصلة التي نجح الحاكم الظالم ورجل الدين الدجال بتغييرها وحرفها عن الهدف الذي قامت من اجله ثورة الحسين توجب ضرورة الاتجاه الى قصور الطاغية ودك قلاعه واقتلاع حصونه والقضاء على جلاوزته وحراس قصوره بالضبط مثلما اراد الحسين التوجه الى مقر السلطة الغاشمة تاركا مدينته ومكته من اجل الخروج لاصلاح ما فسد من امر الامة . وهو عين ما فعله كاوه الحداد في ثورته التي تكللت بالنجاح في نوروز .
ان حركة الستر الصفراء ستنير الطريق الى اصحاب الثياب السود وسيسيـرون عاجلا ام اجلا في الطريق الصحيح من أجل القضاء على الفساد والمحاصصة ونهب ثروة البلاد والعباد ، وان غدا لناظره قريب .