د. ميسون البياتي
عند الحديث عن الحضارات نتذكر الحضاره العراقيه القديمه التي أبدعت للإنسانيه أهم إبتكارين لم يزل يُعمل بهما حتى يومنا هذا وهما الكتابه والعجله , منذ 6 آلاف عام إبتكر العراقيون الحرف الذي نكتب به حتى اليوم رغم تعدد وسائل وأساليب الكتابه , أما العجله فقد قربت المسافات وساعدت في نقل الأحمال وعن طريق تعشيق العجلات تعمل الكثير من المكائن والآلات
إبداعات معروفه كثيره قامت بها الحضارة الفرعونيه , ولعل أهم إبداعت الحضاره اليونانيه القديمه تتجلى في إبداعاتها الفلسفيه والأدبيه التي تؤثر حتى اليوم على آداب كثير من الشعوب والأمم
من الحضارات العظيمه التي أنجبتها الإنسانيه كانت الحضاره الإسلاميه . دخل المسلمون في حروب دينية مع العالم فأدخلوا تحت حكمهم شعوباً وأعراقاً كثيره , ومن نتيجة تزاوج خبرات تلك الشعوب والأمم حصلت الحضاره الإسلاميه على صبغة متعددة الأطياف قلما حصلت عليها حضارة من قبل
الحضاره المسيحيه التي نطلق عليها تسمية الحضاره الغربيه هي الأخرى من الحضارات العظيمه بسبب جمعها أعراقاً وشعوباً كثيره ومن نتيجة تلاقح الأفكار والعادات والتقاليد والعلوم والفنون كان هناك إبداع عالي للحضارة المسيحيه
تبنى الحضاره على عاملين أساسيين هما التفوق في مختلف المجالات , مع نظام أخلاقي متفرد , بفقدان أحد هذين العاملين لا يمكن لأمه أن تدّعي أنها تمتلك حضاره مهما بلغت أو إمتلكت
الخصوصيه الحضاريه لكل أمه تكون متأثرة بالبيئه التي تنتج تلك الحضاره ولهذا فليس عيباً إن خلت حضارات بعض الأمم من عدد من المقومات التي لا تتوافر عناصرها في بيئتها , وليس لائقاً أن ننسب الى حضارة ما كل شيء حتى نجعلها مثل ثوب مليء بالرقع
يقسم الناس في تعاملهم مع إرثهم الحضاري الى 3 أقسام . القسم الأول هم أشخاص تنقصهم الثقه بخصوصية حضارتهم لهذا ما أن يسمعوا بإبتكار أو إكتشاف جديد حتى ينبرون لإثبات أنهم يمتلكون مثله . عند مفتتح القرن العشرين إنفصل علم النفس عن الفلسفه حين اصدر سيغموند فرويد كتابه ( في تفسير الأحلام ) وتحدث فيه عن النفس ومكوناتها , فإنبرى كثير من المسلمين الى القول بأن القرآن تحدث عن النفس قبل فرويد بذكره النفس اللوامه والنفس الآمنه والنفس المطمئنه , لكنهم سكتوا ولم يعلقوا بحرف واحد حين بدأت الإنتقادات توجه الى نظرية فرويد لأنها ليست أكثر من فرضية على الورق ومن المحتمل أن تثبت البحوث التاليه خطأها وفشلها
القسم الثاني ممن يتعاملون مع إرثهم الحضاري هم شرقيون معجبون بالحضارة الغربيه لهذا يقلدونها تقليداً أعمى زاهدين بكل ما أنتجته حضاراتهم الشرقيه من عادات وتقاليد وعلوم لا بل أن بعضهم زاهد حتى بمنتجات مطبخه الشرقي ساعياً وراء منتجات المطابخ الأوربيه والأمريكيه . هذه الفئه من الناس يشكلون خطراً على مجتمعاتهم لأنهم سرعان ما ينسلخون عنها , ومن المحتمل خيانتهم لمبادئها أو تعاملهم مع أعدائها
الفئه الثالثه ممن يتعاملون مع إرثهم الحضاري أشخاص ينظرون بموضوعيه الى ذلك الإرث مؤمنين أن ما أنتج قبل مئات أو آلاف السنين هو نتاج يومه , قد يكون صائباً يستحق التطبيق حتى اليوم , أو قد يثبت فشله فينحى ويعوض عنه بالبديل . نظام المضاربات الإسلاميه لم ينزل بكتاب , لكنه إبتكار إقتصادي تعارف عليه المسلمون في فترة من فتراتهم , وتثبت الدراسات الإقتصاديه الحديثه أنه ليس أكثر من ( ربا مُقنَّع ) وأن إضراره بعموم الطبقات الفقيره من المجتمع عن طريق البيع والشراء هو أكبر من ضرر الربا العادي ببعض أفراد المجتمع الذين يضطرون الى الإقتراض ربوياً
كتاب إبن سينا ( القانون في الطب ) لم تعد له قيمه أمام التقدم الهائل في الطب والجراحه وصناعة الدواء , هذه مواضيع كانت صالحه في وقتها لكنها لا تصلح لكل حين , لكن فرضيات الخوارزمي في الجبر والرياضيات صالحة للتطبيق حتى اليوم ومثلها فرضيات الحسن بن الهيثم في الضوء وإنكساره التي أفضت الى إختراع الكاميرا , ليس كل التراث صالح , ولا كله طالح
لا تزدهر الحضاره عند أمه إلا بتعدد أعراقها وقومياتها , مما يؤسف له أنه حال إستقلال الولايات المتحده الأمريكيه عن التاج البريطاني نهاية القرن 18 , ولأغراض إستعماريه أمريكيه , لأجل تفتيت الدول والسيطره على مقدراتها , تمت زراعة التعصب القومي عمداً عند كل أمم الأرض فأصبحت كل قومية تطالب بوطن مستقل وحاكم من نفس القوميه , عندها دخلنا في طور إضمحلال حضاري لن نخرج منه بسهوله في ظل الصراعات العالميه المحتدمه حالياً
د. ميسون البياتي