إبنة السماءِ ، سيّدةُ البهاء
    الجمعة 13 ديسمبر / كانون الأول 2019 - 06:12
    أ. د. عدنان الظاهر
    (سفينةُ الهواءِ تطيرُ في الفضاءِ / من أناشيد السنة الثانية في مدارس العراق الإبتدائية أيام زمان ... ايام الرُخُص !).
    أجلْ ، الكلام لا عن الفضاء ولا الهواء ولا سفائن الكون الدائرة حول كوكبنا ليلاً ونهاراً تُحصي أنفاسنا وتلتقط صوراً لعوراتنا المكشوف منها والمستور وتفضحُ علاقة الزوج بأم ولده على سطوح صيف العراق في شهور الحر الذي لا يُطاق . لا اللحاف يفيد ولا الكلّة تنفع أو تستر وربُّك هو الساتر والستّار ! من أية سماء نزلت إليكَ سيّدةُ البهجة والبهاء إذاً يا إبنَ آدم وكيف نزلت ؟ نزلت إليَّ من سماءٍ خاصةٍ لا علمَ للبشر بها ، لم تُكتشف بعدُ وأرضها ما زالت بِكراً لا من زرعٍ فيها ولا ضرع . وإني لفي شوق عارم عرمرم لأنْ أسمع سيدة البهاء تقصُّ عليَّ حكاية طبيعة ورقم تسلسل [ أو تسنسل / من كلمة ستنسل ]  السماء التي كانت فيها ونزلت لي منها . ثم ما شأني بالسماوات وما ومَن فيها وأنا لستُ أنا إلا كائناً متواضعاً بسيطاً كباقي أهل أرض السواد من النبيط والعُربِ والعجم ؟ تهمّني بالدرجة الأولى والأخيرة السيدة البهيّة الجليلة التي جاءتني تتهادى من هناك . فاجأتني أو [ فأجتني ] بزيارتها حيث أنَّ بيتي خالٍ حتى من الحطب وباقي أصناف المحروقات من ديزل ونفط أسود وروث وبعر مستورد مجفف ومعلّب بعناية من هناك ... من بلاد البعر والبعران حيث يأكلُ البشرُ حتى الجراد والأفاعي والأراول والسحالي وأبو بريص فضلاً عن الريم والغزلان والحُمُر الوحشية الجميلة التخطيط [ طيط ] . فاجأتني حقاً إذْ لم تكتب لي رسالة ألكترونية أو بريدية عادية بطمغة وطابع ولم تستخدم تلفونها المحمول [ على الضمّ ] أو موبايلها النقّال ولمْ ولمْ ثمَّ ولمْ فما بالها وقد خطر على بالها أنْ تزورني فأهلاً بها وبأمها وأبيها ولكن ، كان عليها إشعاري بموعد زيارتها الدقيق فنحن نحيا عصر ما وراء الذرّة والألكترون ، عصر الإنترنت وباقي وسائل الإتصالات الخرافية . رحم اللهُ أيام الحمام الزاجل حيث لا رقيب عليه ولا رقابة حكومية ولا سطو ألكتروني حاذق ولا فايروسات مدسوسة . حمامٌ حرٌّ طليق يعرف جيداً طريقه ويعرف درب العودة بدقة . فهل جاءتني الحبيبةُ سيّدةُ البهاءِ على جناح حمامة زاجلة ؟ قالت كلا ، إنما أسقطتني السماءُ مثل [ ميتيوريت ] أو كنجمٍ مذنّبٍ هوى بكل ثقله وزخمه فوقع عليك وأنت في عقر دارك . هيّا ، قالت ، قمْ ، أنهض ورتّب أمور بيتك وتسوّق طعاماً وشراباً وحاجاتٍ أخرى يقتضيها بقائي لديك ضيفةَ شرفٍ وبهجة . سيّدةُ البهاء في بيتي ؟ لا أصدّقُ ذلك لا أُصدّقُ ذلك أبداً أبداً . إكشفي سيدتي لي رأسك كيما أتبيّنُ حقيقتك وأتعرّفُ على هويتك . قالت كلاّ ، ذلك أمرٌ محالٌ . لا أكشف شعر رأسي إلاّ لأبي وأخوتي وزوجي . إجعليني سيدتي أباك أو في مقام أبيك . قالت كلاّ ، أنت مهما قربتَ منّي تظلُّ رجلاً غريباً عليَّ . فكّرت وأنا في أشدِّ حالاتي إضطراباً وتشوّشاً ... كيف أستطيعُ أن لا أكونَ غريباً على زائرتي وكيف تعتبرني غريباً وهي في بيتي تشاركني طعامي وشرابي وربما حاجاتٍ أخرى كثيرة شديدة الخصوصية ؟ واللهِ قد حيّرني زماني . سيدتي ، سيدة البهاء والرونق والروعة ، سيدتي ، تساهلي قليلاً ، تلطّفي ، رقّي على حالي وحالي كالعدم أو أكثر تعاسةً . تساهلي وانزلي عن بغلتك العالية فالدنيا لا تدومُ لحيٍّ وغرورها لا محالةَ إلى زوال . أنا ـ سيّدتي ـ لم أطلبْ أكثر من أنْ تكشفي رأسكِ لأرى وجهك الفاتن كما هو . قالت لا أسمحُ لك حتّى أنْ ترى شعرات رأسي. شعرُ الرأسِ حرمةٌ يا رجل فانصفْ واعدلْ ولا تتجاوز الحدود . سبحانَ الله ! هل أنا الذي يتجاوزُ حقوق الناس وحقوقي انا مهضومة بالطول والعرض ؟ سيدة البهاء منشغلة بهواجسها الخاصة عني . تقلّب صفحات ألبوم وضعت فيه حديثاً مجموعة صور تمنيّتُ لو كانت صورتي بين هذه الصور . هل أستطيعُ ـ سيدتي البهيّة التقيّة النقيّة ـ أنْ أمتّعَ نظري برؤية ما في ألبومك من تصاوير ؟ قالت نعم ولكن ، بعد حين ، ربّما غداً . سمعاً وطاعةً يا أخت العرب . تمتمتُ : وإنَّ غداً لناظرهِ قريبُ . تبسّمت السيدة وهي قليلاً ما تبتسم ولا تضحكُ أبداً كأنَّ الأطبّاء منعوها من الضحك حفظاً على صحتها وسلامة أسنانها فبالضحك تتآكلُ أسنان الإنسان خاصةً إذا اقترب ( أو اقتربت ) من الخمسين . ظلّت السيدةُ ضيفتي متشاغلة بتصفّح ألبوم الصور وكنتُ أختلسُ بين الفينة والفينة النظرَ بعين واحدة إلى محتوياته ... تماماً كلصٍّ غير مُحترف { غشيم } . يبدو أنها أدركت أني أسترق النظر فيما بين أناملها من صور تتعاقب الظهور والإختفاء لكنها لنبلها ورفعة محتدّها كانت تتغاضى ولا تعتبْ أو تُلفت النظر . هكذا يكون البهاء وها هي معي سيدة البهاء إبنة السماء وماء السماء . نفد صبري فوددتُ لو أرفع عن رأسها الغطاء السمائي اللون كيما أراها كما هي لا كما يريدُ منها الشرعُ والعادات والتقاليد . لعنتُ شيطاني وعدتُ لوقاري وتركتها تتصفح البومها غير عابئةٍ بي متجاهلةً كامل وجودي . حرّكتُ الموقف المتعثر بأنْ سألتها أما ترغبُ في أنْ تأكلَ شيئاً وتشربَ مشروباً وأنْ لا تنسى أنها السيدة وأنها ضيفي الكريم . رفعت رأسها بأبّهة وبهاء ثم قالت بوقار طبيعي غير مُتَكلّف : هات ما عندك من طعام وشراب فلقد أحسست للتو بشيء من الجوع وقدر كبير من الظمأ . أتاها على عجلٍ ما أرادت . حمله لنا عاملُ مطعم البيتسا القريب على دراجته الهوائية . كانت حقاً جوعى إذْ شرعت تأكلُ بنهمٍ ونسيتْ حتى أنْ تغسلَ يديها . هكذا يفعلُ بالبشرِ الجوعُ . حاولتْ أنْ تعودَ ثانيةً لألبوم أو متحف الصور لكنها إستثنت وقالت ما لديك من أخبار جديدة سارّة ؟ ومن
    أين تأتي الأخبار السارّة يا سيدة البهجة والوقار ؟ أجبتها . دخلت مريمُ على الخط فجأة وكانت غضبى . إحتجّت قائلةً لِمَ لمْ توجه لي دعوة لحضور هذا اللقاء لأتعرّفَ على إبنة السماء وسليلة ماء السماء وأطّلعَ على ما يدور بينكما من خاص الأحاديث ؟ مشكلة ، إنها حقّاً مشكلة . كيف أدعو المريم لحضور لقاء شديد الخصوصية بيني وبين سيدة البهاء وكانت هذه قد قبلت دعوتي بشروط شديدة القساوة منها : لا أحد يحضر لقاءنا . لا من تقبيل إلا تقبيل الكف الأيمن . لا غزل ولا رومانس . لا دعوة للمبيت . وأن أرافقها بعد لقائنا حتى حدود سمائها السابعة حيث مقر سكناها وعملها والجنات الملحقة بحديقة قصرها . كنتُ قبلتُ ورضختُ لشروطها فمن أين وكيف جاءت مريمُ العذراء على حين غرّةٍ وكيف سأبرر حضورها لسيدة البهاء الأسطوري ؟ كنتُ قلقاً في حقيقة أمري وكنتُ خائفاً من وقوع ما لا تُحمدُ عُقباهُ . طلبت  إبنةُ ماء السماء شيئاً تشربه فأتيتُ السيدتين بعصير برتقال طبيعي مركّز خالٍ من السكّر وهو شرابي المفضَّل . رفعت السيدة كأسها مع إبتسامة ودودة وجهتها لمريم فتجاوبت على الفور معها وردّت الإبتسامة بأحسنَ منها رافعةً كأسها إلى أعلى ما تستطيع مبالغةً في المجاملة والتكريم . إذاً قد حصل التحوّل فتغيّرت المعادلة وزال همّي وقلقي بعد أنْ إستطابت السيدة [ أو العلوية ] حضور مريم واستلطفتها بل وتركت أريكتها لتجلس إلى جانبها كتفاً لكتف . سبحانَ مُغيّر الأحوال . الزمن أفضل طبيب وأنجعُ دواء فعلّقت السيدة بمرح وبهجة : الفضلُ لعصير البرتقال المركّز الخالي من السكّر . إرتعبتُ ! ما تقصد السيدة بكلامها هذا ؟ هل تعرف أني مريضٌ بداء السكّري ؟ تجاهلتُ الملاحظة حتى لكأني لم أسمعها لكنَّ مريم الذكية القوية الملاحظة عقّبت قائلةً : أجلْ ، الفضلُ كل الفضلِ للبرتقال على الشجر ولعصيرة في كؤوس البللور المتألقة الشديدة الشفافية والنقاء . أضفتُ إنه كريستال بوهيمي من أرقى الأنواع فلم تفهم ضيفاتيَ ما قصدتُ ولم تعلّقا . تركت السيدتين العذراء وابنة السماء منسحباً بحجة إنجاز بعض المهات العاجلة منها الرد على بريدي الألكتروني وكتابة بعض الرسائل وإتمام بعض الحواريات فانبسطتا أكثر وراحتا في أحاديثَ لها أولٌ وليس لها آخرُ . كنتُ أراقبهنَّ خلسةً عن بُعد وما كانتا تشعران بي مراقباً . أهكذا إذاً تنسجمُ النساءُ إذا اختلين ببعضهنَّ وخلا الجو لهنَّ من الرجال؟   
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media