الفنان سامي كمال : الأغنية مسؤولية وموقف إنساني
    الجمعة 29 مارس / أذار 2019 - 21:56
    محمد ناجي
    مَيْلَن لا تِنَگطَن كِحِل فوگ الدم
    مَيْلن وَردَة الخِزّامة تِنگط سَمْ
    جَرْح صويحِب بعِطّابَه ما يِلتَم
    لا تِفرح بدَمْنه لا يلِگطاعي
    صويحِب مِنْ يِموت المنجل يداعي !

    كلمات :الشاعر مظفر النواب 
    ألحان وغناء: سامي كمال 

    سمعت بسامي كمال قبل أن أراه . يومها كان اسمه يتردد على السنة العراقيين وهو يطربهم بصوته الشجي (رايح يارايح وين) ، التي فازت كأحسن أغنية عام 1978 ، و(بين جرفين العيون) وغيرها من الأغاني التي قدمها للإذاعة والتلفزيون في سبعينيات القرن الماضي . ودارت الأيام ليجمعنا الهَمْ العراقي ونلتقي في السويد عام 1989 ، فعرفته إنسان حقيقي ، دمث الأخلاق ، فنان وموسيقي مبدع ، غنى للحب والجمال والإنسان … التقيت به وبادرته بالسؤال التقليدي :

    - كيف حالك اليوم ؟
    * ليس على مايرام ، فحال العراق وكل بلاد العرب تصعب على أي إنسان لديه ولو شيء من الإحساس والضمير ، فكيف ومثلي أمضى سنوات كثيرة من عمره يقدم فنه ويبشر الناس بغدٍ أفضل !

    - يبدو أن لقاءك بالعراق مؤلما وصعبا !
    * بل أكثر من مؤلم ، فالنظام السابق وحروبه أحرقت الزرع وأبادت النسل وخربت الإنسان ، وتبعه الاحتلال والإرهاب وفساد النظام الحالي ، فأجهزوا على ما تبقى من أمل بحياة أفضل للناس . كنت أمشي في شارع الرشيد ، وأشعر بالحزن ، فالخراب يعم المكان . ما شاهدته صدمني وآلمني كثيراً ، وسبب لي أزمة صحية فأصبت بجلطة دماغية بعد وصولي للسويد.

    - لو ابتعدنا عن السياسة ، جمهور القراء اليوم يريد أن يعرف شيئا عن سامي كمال الفنان ، فكيف كانت البداية والمسيرة الفنية ؟
     * حسنا ، سأحاول قدر الإمكان ، رغم أنك تعرف في الواقع ما للسياسة  والسياسيين من دور وتأثير سلبي في حياتنا . كانت بدايتي في فرقة الإنشاد التابعة للإذاعة والتلفزيون العراقي ، يومها كانت الفرقة مدرسة فنية تضج بالحيوية والنشاط . وبرغم أني كنت محاصرا ، كغيري ممن لم ينتم لحزب السلطة ، فقد سجلت عدد من الأغاني للإذاعة والتلفزيون .
    في عام 1976 سافرت للكويت باقتراح من (ناجي طالب) رئيس وزراء العراق الأسبق ، الذي كان يستمع لغنائي في جلسة خاصة ، وكتب رسالة توصية لأحد أصدقائه من أمراء الكويت . سجلت هناك عدد من الأغنيات للتلفزيون ، ثم فضلت العودة للعراق ، رغم العروض المغرية التي قدمت لي للبقاء هناك .

    - لم تمدح نظاما أو شخص ما ، كما فعل آخرون قبلك وبعدك ؟
    * إطلاقا ، وأوضح دليل هو رفضي الانتماء لحزب السلطة وما يوفره من امتيازات . ومرة حدث موقف في حفلة خاصة حين غنيت (ليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب) ، فقام المحتفى به – وليس لي معرفة به ولا باسمه -  وقدم لي رزمة من فئة الخمسة دنانير عراقية ، عرفت حينها أن اسمه (عامر) . رفضتها وتوقفت عن الغناء .

    - وماذا بعد الكويت ؟
    * ذهبت للإذاعة والتلفزيون فابلغوني بقرار نقلي إلى مديرية استيراد الأفلام ، ولا أعرف ماهي علاقتي بهذه الدائرة وأنا مغني وملحن وعازف على أكثر من آلة موسيقية ؟! كان هذا في زمن محمد سعيد الصحاف .

    - وما هو سبب نقلك ؟
    * صدور قرار بإبعاد غير البعثيين من الإعلام ، وسبق وطلبوا مني أكثر من مرة الانتماء لحزب السلطة فرفضت . ثم عادوا ونقلوني للفرقة القومية للفنون الشعبية ، وهناك كرروا طلب الانتماء فرفضت .
    بسبب تزايد المضايقات غادرت العراق إلى الكويت عام 1978 ، بقيت فيها شهرين ثم سافرت إلى اليمن الجنوبية ، يومها كان الفنان الراحل فؤاد سالم قد سبقني اليها . وهناك تشكلت رسميا (فرقة الطريق) من الفنانين كمال السيد - فؤاد سالم - سامي كمال - حمودي شربه - حميد البصري - شوقية العطار - ابو شمس - فائز الطيار - ثامر الصفار - وام ريما . وكان لنا نشاط وجولات في طول اليمن الجنوبي  وعرضها .

    - كان لك حضور خاص هناك ؟
    * نعم من خلال ما قدمته من الحان للمطربة اليمنية (كفى عراقي) ، مثل (هلا ياغالي) .  كما كنت مسؤول دائرة الموسيقى في وزارة الثقافة والسياحة اليمنية .

    - ثم غادرت اليمن ؟
    * كنت بحاجة لإجراء عملية جراحية ، فتقرر إرسالي إلى مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت ، وبعدها حدثت بعض الإشكاليات أعاقت رجوعي لليمن ، فتغير طريق العودة ، وسافرت إلى سوريا 1982 - قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان - وهناك  التقيت (قيس السامرائي - أبو ليلى) ، وهو قيادي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، عرض عليّ تولي مسؤولية (فرقة بيسان) فوافقت .

    - ما أهمية مرحلة سوريا في إبداعك الفني ؟
    * سوريا بالنسبة لي فترة غنية جدا فنيا ، فبالإضافة لعملي في (فرقة بيسان) أسسنا (فرقة بابل للغناء) من الفنانين سامي كمال - كمال السيد - كوكب حمزة - فلاح صبار - حمودي شربة - محفوظ البغدادي ، وآخرون . كانت لنا لقاءات وجلسات يومية رائعة مع الشعراء مظفر النواب وسعدي يوسف وممدوح عدوان وغيرهم .

    - الأغنية العراقية كيف تراها اليوم ؟
    * أية أغنية عراقية ! لا توجد أغنية عراقية ، فقدت طابعها المميز ، ربما توجد ملامح منها .

    - وهذا الإنتاج الغنائي ماذا يمكن أن نسميه ؟
    * سميه ماشئت ، لكن لاصلة له بالأغنية العراقية لا باللحن ولا بالكلمات (الهابطة) . الأغنية مسؤولية وموقف ، لا أقصد سياسي ، بل إنساني راقي.

    - حدثنا عن تجربتك في السويد 
    * هنا كنت أطمح أن أقدم أعمالا موسيقية تجمع بين الفن العراقي/الشرقي والغربي إلا أن القدر لم يمهلني فأصبت بجلطة أفقدتني القدرة على الغناء والعزف والتلحين .

    تبقى لدي مساحة من الفرح في نجاح أفراد عائلتي ، لكن فرحي الأكبر هو حب الناس وتواصلهم معي … هذا هو الفرح العظيم .
    قبل أن نفترق قلت لأبي فريد مناكفاً : هل لا يزال "صويحب مِن يموت المنجل يداعي" ! رد مبتسماُ : بدون شك ، فهذه قضية صراع وجولات بين النور والديجور ، بين الحب والكره ، بين الجمال والقبح ... في النهاية الإنسان هو المنتصر !
     
    محمد ناجي
    muhammednaji@yahoo.com

    نشرت في صحيفة (الكومبس) السويدية ، العدد (65) نيسان/أبريل 2019ص24
     https://alkompis.se/lib/magazine/65/pdf/alkompis-magazine-65-2019.pdf
    © 2005 - 2025 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media