السلوك الأصولي!!
    الأحد 12 مايو / أيار 2019 - 21:17
    د. صادق السامرائي
    الأصولية واحدة محليا وإقليميا وكوكبيا , ولا فرق بينها في جميع الديانات والمعتقدات , وتمتاز بالتزمت والإيمان بإمتلاك الحقيقة المطلقة , والتمسك بالحرفية النصية , وسهولة تكفير الآخر الذي لا يتفق معها.
    فهناك أصوليات في الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية , وكافة الديانات الأخرى التي ينتمي إليها البشر.
    وكل منها يعتبر نفسه صاحب الحقيقة المطلقة وغيره لا , ودينه الدين الأصلح والأصدق وغيره لا , فالأديان كافة كل منها لا يعترف إلا بنفسه وينكر وجود الدين الآخر , ومن الصعب أن تجد من يرى أن الدين الآخر يمكن تسميته بدين , وإنما إنحراف وخروج عن أسس وضوابط ما يؤمن به ويعتقده.
    فالأصوليون يكفرون بعضهم البعص , بمعنى نكران وجودهم وعدم الأخذ برأيهم والنظر في دينهم.
    وكل أصولي يخترع تعميما وحكما مسبقا على الدين الآخر الذي هو أيضا يخترع رأيا مسبقا ضده.
    فالمجتمع البشري في حقيقته عبارة عن كينونات أصولية منتشرة في أرجائه , وكل منها يكفر الآخر , ويسعى للإنقضاض عليه.
    وقد توهمت البشرية أنها إستطاعت أن تبتكر حالة من التحمل والتعايش ما بين الأصوليات , لكنها برغم أنظمتها الصارمة , تجدها أمام تحديات شرسة من قبل الأصوليات , وذلك لأنها وظفت التقدم التكنولوجي  والعلمي لتمرير أفكارها وتعزيز منطلقاتها , والعمل على التعبير عنها في الواقع البشري بالقوة , وبتسخير وسائل الإعلام والأقلام لتسويقها وترسيخها في الأذهان والنفوس.
    ومنبع الأصوليات واحد يتوطن النفس البشرية ويتسيد على أعماقها في أغلب الأحيان , فالأصولية في حقيقتها تعبير منافق عن مطمورات النفس الأمارة بالسوء وما حولها , وما يتصل بها من رغبات ونوازع ودوافع , ووجدت هذه النفس العنيفة الشرسة المتوحشة ذات الطاقات الهائلة , أنها يمكنها أن تمتطي الدين لتأكيد دورها وتحقيق نوازعها الضاغطة والفاعلة  في رسم مسيرتها.
    ولهذا فأن الأصوليات لا تختلف عن بعضها لأن المنبع واحد وفاعل فيها.
    وفي الدين الواحد قد تتحذ الأصولية أسماء وتوصيفات متعددة ومتوالدة , لكنها في حقيقتها هي أصولية واحدة راسخة وتعبر عن جوهرها بآليات متنوعة ومتعددة , وقد تتحارب الأصوليات وتتناحر لشدة تطابق منطلقاتها ومحتواها , وهي المتميزة بالأنانية والغرور وحب السيطرة والتحكم بمصير الآخرين , والتوهم بأنها تمثل سلطة ربها وإرادات القدرات الغيبية الفاعلة في فضاءات خيالها , التي تعيشها كأوهام لذيذة تأخذها إلى إنجازات وأفعال لا تخطر على بال الذين يمشون فوق التراب.
    وتكون الحركات الأصولية محكومة بفتاوى متطرفة لرموز تتبعهم وتعبدهم  وتنفذ رؤاهم بإندفاعية مذهلة , وفي هذا تكمن خطورة الأصوليات وربما هيمنتها وتدميرها للواقع البشري , خصوصا وأن التطور العلمي والتقني قد وفر لها ما يمكنها أن تقضي به على البشرية.
    فهل أن الأصولية من طباع البشر؟!!
    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media