محطة رقم 2 الفرزة السابعة
    الأربعاء 28 أغسطس / آب 2019 - 04:31
    عطا يوسف منصور
    كان المحامي علي السلبي هـو وكيل أبي في دعـاواه الخاسـرة التي يُـقـيمُها على ابن
    خالته الحاج حسون وكان المحامي سـلّابًا كاسمه وإني أتذكرُ هيأته فهو طويل منحني 
    قليلاً ومائل الكـتـف بـسب حَـمْـلِهِ لحقـيـبته يرتدي بـدلةً لونها  قهـوائي ويضع على رأسه 
    سـدارةً  ومن خلال عـمل هـذا  المحـامي مع والـدي أخـذتُ لا أصدق قـول المحامين لأن
    غالبيتهم لا يملكون ضميراً حـيّـاً ولا يُعطون للمهنة شرفها وكل غايتهم هـو أن يجعـلوا 
    من موكليهم مصدرَ رزقِهـم وتـحـقـيق موارد ماليةٍ لهم رغم علمهم بخسارة الدعوى . 
    ومـن ذاكـرة الـطفولة في بيت جـاني أنَّ في ضحى أحد الايام طـرق بـابـنـا رجـل يـسأل عـن
     أبـي يُـريـدُ مـنه مـبـلغ الـسَـمَـك الذي اشتراه ابي  منه ، خرجتُ له وأخبرتُه أنّ أبـي خـارج 
    الـبـيت قـد يكون فـي إحـدى الـمـقاهي التي على الـشـطّ فأجابني أنّه لا يعرفها وكانت   
    أُمّـي تـسـمعُ قـولَـهُ بأنّه لا يعرف هذه المقاهي ، طلبتُ منها الاذن بمساعـدته فوافقتْ 
    فكان هدفي الاول مقهى رحماني وهي داخل الـسوق الكبير ويـجـلـس بها غالبية الـتجار 
    دخلت اليها فـلم أجـد أبي فانطلقتُ بـه الى مقهى سـوزي والتي تقع في ركن فندق جبهة 
    النهر  وهي ركن تُـقـابـلـها المدرسة الـمـركـزيةُ للـبـنـين وأكثر زبائـنها عـصـراً هـم الموظفون 
    المعلمـون فلم أجـدهُ أيـضاً ثـم وصلتُ السير الى مقهى صــادق وهي على نفس الامتداد 
    وابنيتها قديمة مازالت قائمةً ثم مقهى شاكر سعودي وهي في الركن الآخر الى نهايــتـهِ 
    وهي بـداية شـارع العـلوة وسُمي بـهـذا الاســم لأن غالبية البيوت كانت عنابر  للحبوب 
    وخاصةً حبوب الحنطة والشعير .

    أعود الى كلامي الاول وهو أنّي واصلتُ السير وهو معي الى مقهى صادق وهنا يقع ما 
    ليس في حسباني وهو وجود خالي عبد الامير فيُناديني وما هو إلّا سؤالٌ منهُ ونـصفُ
    جوابٍ مني حتى قام لي مُـسـدداً ركلةً برِجْلِهِ [ جلاق ] في مؤخرتي رفعتني بحدود المتر
    ثم أسقط على ظهري مما حدا بالجالسين بالمقهى أن يهبوا صائحين على كيفك ويه 
    الطفل فأركضُ هارباً وأنا أصرخ من شــدّة الالـم ويلحقُ بيَ بائع السمك محاولاً إسكاتي
    إلّا أنني لم أتوقف عن البكاء فـحاول إسكاتي بـشـراء بعض الحـلوى من بائع يتجول في
    شـارع العـلوة ولم يفلح لأن الضربة كانتْ قاسـيةً عـنـدها عـادَ بيَ بـائعُ الـسـمكِ للبيت 
    بـاكـيًا وأخبرتُ أمي بما حصل وعاد بائع الـسـمك خـاسـراً الـنتـيـجةَ وبائع السمك يُدعى
    سيد محمد إلـتـقـيتُ به بعـد سـنين طويلـةٍ في ثمانينات القرن العشرين وهو يعمل في
    كراج الكوت دلالًا للركاب وأكثر المسافرين كانوا الى بغداد والكراج الآن قد انتهى 
    وانـتـقـل الى خلف المـستـشـفى العام قرب معملي الحياكة والنسيج . 

    أقول إلتقيتُ بسيد محمد بائع السمك عـدّة مَـرّات في الكراج فأبـتـسـمُ لـه وأقـدم ما
    يـتـيـسر من نـقـود عِـرفاناً مني لذلك الجمـيل كان ذلك بعد انتقالي الى بغداد والسكن 
    فيهاعام 1983 ولا أدري هل يتذكر الحادثة ويـفـهم مـعـنى ابتسامتي ؟ . 

    وبعد وفاة والدتي في الثامن منأكتوبر عام 1983 كان انتقالي لكي أتخلص من 
    منافقي مدينتي الذين مَردوا عليه والابتعاد عن اعين الجلاوزة   .

    وذكرت لي أمّي حادثةً حدثتْ معي تقول فيها كنتَ في عمرٍ أقل من السنتين وكُنّـا 
    في زيارة الى كربلاء ونحن في داخل الحضرة العباسية المباركه تركـتُـكَ مع عـمتكَ 
    أم صادق للصلاة وبعـد الانـتهاء من واجبات الـزيارة عُـدتُ إلـيها كي آخذكَ منها لكنّي 
    تفاجأتُ بأن عـمّـتـكَ مربوطة الرأس الى شبّاك الامام  وعلى رأسها أحـد الـسـادة يقرأ  
    ادعيته فـسألـتُها عـنكَ فـتـفاجأتْ بعدم وجـودكَ بجانـبها وأخذنا نبحث عنكَ وبعد أن 
    أخذ الفزعُ مِنّـا مأخذهُ سَـمِعـنا صوتك  فرفعـنـا رأسيـنـا وإذا بـكَ فـوق الـقـفص الـشريف 
    فـأنـزلوكَ ووجـدناك مَـبـلـولاً بـالـبـول فـسـلامٌ عـلـيـكَ سـيدي ومـولاي أبي الفضل العـباس
    وسـلامٌ على العُـتـرة الـطاهـرةِ وصلى الله وبارك وسلم على نـبـيه المصطفى محمدٍ وآله 
    الطيبين الطاهرين ما تعاقب الليلُ والنهار .  

    وأتذكرُ أني في عـصر أحـد أيـام صيف عـام 1948 كنتُ ذاهـبًا الى بيت جدي الحاج 
    حمادي وإذا بيَ أتفاجأ بوجود نـسـاء وزغـاريد وهيصة وقـد نادت إحدى الـنـساء الى
    المشرفة على تـوزيع الـشـربت هـذا [ عطا إنطيهِ شربتْ ] فـناولـتـني كأسَ الـشربتِ
     فـشـربـتُـهُ ثـم خـرجـتُ دون أن أفهـم الـمـوضوع وغـادرتُ بـيـت جـدي للعـودةِ الى بـيـتـنا
    وعلى مَـقْـرُبـةٍ من منزلنا وجدتُ عمي نوري ورجـالاً لا أعـرفهم يُحاولون فتح بابَ بيتٍ 
    قـريـبٍ من دارنا وبعـد أن عـجـزوا إسـتـقـرَّ رأيُـهم على أن يُـدخلـوا طـفلاً لينزل عن طريق
     الجيران كي يفتحَ البابَ من الداخل فلم يتبرع من الاطفال الموجودين غيري فوافـقوا
    على ذلكَ ودخـلتُ من سـطح بـيت الجـيران الى سـطح الـبـيت الـمغـلق إلّا أنّ الـموقـف
    ليس كما هو متوقع حيث كان للسـلم بابٌ مـغـلق فاقـتـرحوا انزالي بالحبل من السطح 
    الى فناء البيت ، أنزلزني من السياج المحجر الى أن وصلتُ الى الصحن فخلعتُ الحبل 
    واتجهتُ الى الباب وفـتحـتـها، دخل عمي نوري المنزل واتجه الى إحدى الحُجر وأخـذَ
    بإخراج الـقـنـفات الى فـسحةٍ أمام البيت في الـشارع وزاد على ذلكَ بكراسي وطبلات وما
    يتطلبه حفل الزفاف لأخيه عبود على كريمة الحاج حمادي خـالتي فـطّـومـه البنت
     الثالثه في تـسلـسل البنات ولا أدري مَنْ أخبر أُمي فجاءتْ الى البيت وهي في حالةٍ من
    الغضب والانفعال فأعـادت الـقـنـفات الى مـكانها وكلَّ ما أُخرجَ وبعد ساعةٍ أو ساعتين
    حضرَ عمي وهو في ثورة وأخـذَ يُـكـسر في القناني ويضربها ببعضها وكانت في طـشـتين يُـغـطيهـما 
    الـثـلجٌ وهـو يُـزبـدُ ويُـرعـد بـكلامٍ لم أفـهـمـهُ وأمي مع نِـسـوةٍ جـالـساتٍ كأن الامرَ لا يعنيها وبعد  
    أنْ أكمل تكـسـير كل ما في الطَشتين خرج ولم يَعُــدْ ، وأنـا أُشــاهـدُ هذا الحَـدَثْ من
    السـطح ولم أفهم شـيءً وبعـد أنْ إنـتهى المشهـد الـدرامي الحـزين نـزلتُ وجلستُ الى
    جانب أمي حيث سـادَ الصمت والوجوم لكن زوجة الخال الحاج سلمان واسمها نجيبة 
    سلطان كـسـرتْ ذلك الوجوم وقامتْ تـرقص وتُـزغـرد وبـعـد سـاعة أو أكثر بـقـلـيـل تـخرج 
    اُمّي وأنا معها الى مـسـكـنـنا بيت جاني وهو الـقـريب من مـسـكن العـريـسين  . 

    وبعد زمنٍ راجعتُ شـريطَ الـذاكرةِ عَـمّـا حصل مع أمي في ذلك اليوم فتَـبَــيّـنَ لي الموضوع
    هو زواج عمي عبود من خالتي فطومة وان القناني هي قناني بيرة كان قد أعدّها عَـمّي 
    نوري الى المدعوين من اصدقائه الموظفين واصدقاء العريس من المعلمين وهنا ارى
     أن تصرف امّي كان غير صحيحٍ وكان بامكانها التدخل بطريق غير مباشر عن طريق
    ابي أوعن طريق أخيها وهـما أولى بالـتـصرف في هـذا الموقف من والـدتي لكن الـدافعَ
    الـديني لدى والدتي كان أقوى من الـسكوت أو تـكليف الاخرين فتصرفت بطريقةٍ غير
    مقبولةٍ في نظر عمي نوري والآخرين .

    وأذكرُ أنّ الحكومة العراقية في عام 1948 بـدَأتْ بتـسـفير العراقـيين الـيهود وكُنتُ مع 
    مجموعـةٍ من الاطفالِ نجـوب في سـيارةٍ باص خشبي أعـدتها الحكومة وكان الشرطي
    راضي جاني ملكشاه يقود هذه الحملة ونحن نهتف بهتافات لا نفهمها ولكني أتذكر 
    منها هـذا المـقطع خلاله صفره حمره من الطبق فُـرّي ومعنى هـذا كما أفهـمه اليوم 
    هو أنّ اليهودَ العراقيين كانت سِحنتهم أي بشرتهم صفراء ويحملون الافكار والمبادئ
    الحمراء أي الشيوعية الـمُحَرمةِ فعلى هـذا الاساس على الخَـلالة الصفراء  أن تَـفُـرَّ من 
    العراق وهذا ما تهدف إليه الصهيونية العالميةِ لتأسـيـس الدولـة الـيهـوديه التي تُدعى   
    الـيوم دولـة إسـرائيل في فـلـسـطين وبـسـبـب جهل الحكومة العراقـية وربما هو اتفاق 
    سِـرّي مع الدولة الحاضنة للصهـيونية بريطانيا العُظمى لتأسـيس دويلة إسرائيل وهي 
    اليوم الابن المُدلل لأمريكا . 

    الدنمارك / كوبنهاجن     الجمعة في 23 / آب / 2019    

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media