المقدمة
في بحث سابق (الكعبي، www.akhbaar.org، في 8 كانون الأول 2019)، اقترحنا تعديل مواد الدستور النافذ ذات الصلة بنظام إدارة الموارد النفطية الوطنية (أنظر نص المُقترح في خاتمة البحث الحالي بغرض التذكير)، بعد أن قدمنا المُبررات الموضوعية الكافية، من وجهة نظرنا طبعا، لضرورة هذا التعديل. بيد أن أي مُقترح مُبرر لإحداث تعديل مؤسساتي جذري وشامل في نظام الإدارة المذكور سوف لن يكون كافيا، من وجهة نظر علمية وعملية، ما لم يقترن ذلك أيضا بتقديمنا مقترحات مؤسساتية ووظيفية مناسبة لنظام مؤسساتي جديد للإدارة، قائمة على أساس تحليل التحديات المختلفة التي ستواجه تطبيق التعديل الدستوري المُقترح من قبلنا، والإمكانات المتاحة والكامنة التي سيوفرها التنفيذ الناجح له في الممارسة العملية. وبغرض تحقيق هذا الهدف، في بحثنا الحالي سنقوم أولا، بعرض موجز لطبيعة النُظم المؤسساتية الرسمية النافذة والمُقترحة لإدارة الموارد النفطية؛ وثانيا، تحليل تحديات وإمكانات تعديل هذه النُظم المؤسساتية. في خاتمة البحث، سنقدم الملامح العامة لنظام جديد لإدارة الموارد النفطية الوطنية في هيأة خارطة طريق مؤسساتية، مستجيبا لتحديات التعديل الدستوري المُرتقب وضامنا لإمكانات تنفيذه الناجح.
أولا. طبيعة النُظم المؤسساتية الرسمية لإدارة الموارد النفطية:
عَرفت إدارة صناعة استخراج النفط في العراق، منذ عشرينات القرن المنصرم ولغاية بداية عام 2020، النُظم المؤسساتية الثمانية الرسمية (وهي النُظم التي جرت صياغتها في وثائق رسمية مُعلنة) الآتية، والتي يُمكن تقسيمها إلى مجموعتين كبيرتين من النُظم بمقياس النفاذ:
أ. مجموعة نُظم الإدارة التي جرت صياغتها واعتمادها ونفاذها، وتضم النُظم الأربعة الآتية:
• الأول، نظام "عقد الامتياز النفطي" مع شركات النفط الأجنبية (من نهاية عشرينات القرن المنصرم ولغاية نهاية السبعينات منه). أتصف هذا النظام بغياب السيطرة التنظيمية الوطنية على العمليات النفطية الجارية بموجبه، وانتهاج الشركات النفطية الأجنبية سياسة استثمارية نفطية تمييزية ضد العراق، لأسباب سياسية، في تطوير واستغلال موارده النفطية مقارنة بالبلدان الأخرى المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط، والخلاف بين الحكومة العراقية وهذه الشركات حول منهجية احتساب كُلف وأرباح العمليات النفطية وغيرها.
• الثاني، نظام "الاستثمار الوطني المباشر" مع بعض مساعدة فنية من شركات نفط أجنبية (من سبعينات القرن المنصرم ولغاية عام 2009). لقد تم التمهيد لهذا النظام بتشريع قانون رقم (80) لسنة 1961، والذي بموجبه تم استرجاع ما نسبته 95,5% من مناطق عقد الامتياز النفطي، وتشريع قانوني شركة النفط الوطنية العراقية لسنتي 1964 و1967، وتكوين مؤسسة "لجنة المتابعة لشؤون النفط وتنفيذ الاتفاقيات" عام 1975 برئاسة نائب رئيس مجلس قيادة الثورة المُنحل لتأمين هيمنة قيادة الحزب الحاكم على الموارد النفطية، وإلغاء شركة النفط الوطنية العراقية عام 1989، وتولي وزارة النفط إدارة العمليات النفطية مباشرة لغاية نظام عقود جولات التراخيص النفطية عام 2009 ولغاية يومنا هذا. وبما أن نظام الامتياز النفطي التقليدي كان قد سلب العراق سيادته التنظيمية الوطنية على إدارة موارده النفطية وأوقع اقتصاده في شراك إنتاج واستهلاك الريع النفطي، إلا أن نظام الاستثمار الوطني المباشر، الذي أنتزع السيادة التنظيمية على هذه الموارد من يد الشركات النفطية الأجنبية، كان قد وضعها في يد "شخص الحاكم" وقتها، لتكون ملكا سياديا له ولحزبه ولأصدقائه من الأفراد والشركات والدول، وهو الأمر الذي قاد إلى تعميق الصفة الريعية للاقتصاد والتخريب التكنولوجي للحقول النفطية العملاقة مثل حقلي كركوك والرميلة (أنظر تفصيل ذلك في: الكعبي، http://iraqieconomists.ne في 3 أيلول 2017).
• الثالث، نظام "عقد الخدمة النفطية" بموجب جولات التراخيص مع شركات النفط الأجنبية (من عام 2009 ولغاية عام 2034 بعد تمديد مدة هذه العقود في عام 2014). لقد رجحت الحكومة العراقية بعد عام 2003 خيار تنظيم صناعة استخراج النفط على قاعدة نظام "عقد الخدمة النفطية" مع شركات النفط الأجنبية، مستبعدة بذلك نظام "الاستثمار الوطني المباشر". ولكن المشكلة الأساسية في هذا النظام تكمن في أمرين: الأول، إخفاق الحكومة العراقية بتكوين بيئة مؤسساتية تشريعية حاكمة لنظام الإدارة المُختار من قبلها، إذ جرى اعتماد وتنفيذ عقد الخدمة النفطية باجتهاد شخصي من قبل البعض من كبار موظفي وزارة النفط الاتحادية، ومن دون وجود ضوابط ومعايير قانونية وتكنولوجية للاعتماد والتنفيذ في أرض الواقع؛ الثاني، جرت صياغة بنود العقد النفطي على نحو لا يضمن سيطرتها التنظيمية الكاملة على العمليات النفطية الجارية بموجب هذا العقد، ومنها مثلا كيفية احتساب تكاليف العمليات النفطية (أنظر تفصيل ذلك في: الكعبي، http://iraqieconomists.ne في 20 أيلول 2017).
• الرابع، نظام إدارة الموارد النفطية في "المنهاج الوزاري 2018-2022". هذا النظام مُجرد مشروعات نفطية مُنفردة لم تجر صياغتها وإقرارها بمشاركة الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط، وتتولى تنفيذها وزارة النفط الاتحادية بشكل مباشر. يتسم المنهاج الوزاري المعني بافتقاره لتوجه إستراتيجي واضح المعالم في موقفه من تطوير صناعة النفط، وتناقض البيئات المؤسساتية التي ستجرى بها عمليات التطوير نفسها. من الممكن أن تُعزى أسباب الإخفاق المنهجي في صياغة المنهاج الوزاري وغياب فرص تحقيقه إلى: أولا، اختلاف وتناقض وثائق التأمين المؤسساتي للمنهاج الوزاري التي تم اختيارها من قبل صُنّاعه، وغياب بعضها الأهم؛ ثانيا، اختلاف وربما تناقض الرؤى الفكرية والتوجهات السياسية والقدرات المهنية والمصالح لدى صُنّاعه في قراءة وثائق تأمينه المؤسساتية المُختارة من قبلهم (أنظر تفصيل ذلك في: الكعبي، www.akhbaar.org في 14 شباط 2019).
ب. مجموعة نُظم الإدارة التي جرت صياغتها واعتمادها ولكن لم يجر نفاذها بعد، وتضم النُظم الأربعة الآتية:
• الأول، نظام إدارة الموارد النفطية حسب "أحكام الدستور النافذ". على الرغم من عدم تفعيل أحكامه ذات الصلة، إلا أن دستور البلاد النافذ منذ عام 2005 كان قد نَظم عمليات إدارة الموارد النفطية الوطنية على النحو الآتي: لا تقع عمليات إدارة ثروة النفط والغاز الوطنية ضمن الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية (المادة 110)، "النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات" (المادة 111)، "تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة... وينظم ذلك بقانون" (المادة 112/أولا)، "تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الإستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز..." (المادة 112/ثانيا). يستند هذا النظام على معايير الإنصاف والتنمية المتوازنة والمنفعة، واعتماد مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار النفطي. لقد جرى تثبيت هذه الأحكام الدستورية في قرارات المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 23/1/2019، عندما عَدّت المحكمة بعض أحكام قانون شركة النفط الوطنية العراقية رقم (4) لسنة 2018 غير دستورية. ولكن، من جانب آخر، لم تتضمن قرارات المحكمة الاتحادية العليا أية إشارة إلى مسألة الارتباط التنظيمي للشركة بمجلس الوزراء، حسب المادة (2/أولا) من قانون الشركة غير الموصوفة بعدم الدستورية، وهذا الارتباط نَعدّه مخالفة دستورية أيضا لأحكام (المادة 112/أولا/ثانيا) من الدستور، التي ثبتتها قرارات المحكمة، لأن هذا الارتباط التنظيمي للشركة يجب أن لا يكون فقط بأحد أطراف الشخوص التنظيمية الدستورية الواردة في (المادة 112/أولا/ثانيا) من الدستور، وإنما بمجموعهم من خلال تأسيس كيان إداري يجمعهم جميعا على غرار الشخوص المذكورة في مؤسسة "المجلس الاتحادي للنفط والغاز"، الواردة في مشروعات قانون النفط والغاز الاتحادي العالق التشريع على سبيل المثال، أو تأسيس مؤسسة "المجلس الاتحادي للطاقة"، المُقترحة من قبل كاتب هذه السطور، والذي يرد تفصيلها لاحقا في خاتمة هذا البحث.
• الثاني، نظام إدارة الموارد النفطية، الذي بشرّت به "مشروعات قانون النفط والغاز الاتحادي" (للفترة 2007-2011) العالق التشريع. يتصف نظام إدارة الموارد النفطية في مشروعات هذا القانون بالتناقضات الهيكلية والوظيفية، وسيُفضي تشريعه إلى تقويض تطوير صناعة استخراج النفط الوطنية، وإلى الانتقاص الفاضح من المبادئ والمعايير الدستورية والتنظيمية والاجتماعية في قيّم ومؤشرات العدالة والإنصاف والكفاءة والفاعلية والمنفعة الأعلى للشعب العراقي، وإلى نشوب نزاعات تنظيمية كثيرة وخطيرة، منها (أنظر تفصيل ذلك في: الكعبي، http://iraqieconomists.ne، في 7 آذار 2018):
- نزاعات بين الشخوص الدستورية في دائرة الإدارة الإستراتيجية المُناط بها إدارة الموارد النفطية الوطنية، ونزاعات بين الشخوص التنظيمية في دائرة الإدارة التنفيذية المُناط بها إدارة الموارد النفطية، ونزاعات بين الشخوص التنظيمية في دائرتي الإدارة التنفيذية والعملياتية وشخوص إدارة جولات التراخيص النفطية.
- نزاعات بين قيّم العدالة والإنصاف ومؤشرات الكفاءة والفاعلية والمنفعة في إدارة عمليات تطوير صناعة استخراج النفط والغاز، ونزاعات بين مؤشرات الكفاءة والفاعلية وخيار المنفعة الأعلى للشعب العراقي من إدارة استغلال الموارد النفطية.
- نزاعات ما بين المواقع والأدوار التنظيمية والوظائف الإدارية لشخوص الإدارة، ونزاعات بين الوظائف الإدارية الأساسية (كالتخطيط والرقابة مثلا) والوظائف الإدارية المشتقة (كالتنسيق والمراقبة مثلا) في إدارة عمليات تطوير واستغلال الموارد النفطية الوطنية.
• الثالث، نظام إدارة الموارد النفطية في "قانون شركة النفط الوطنية العراقية" رقم (4) لسنة 2018. لقد عدّت المحكمة الاتحادية العليا بعض أحكام هذا القانون بعدم الدستورية، ولكن في الوقت نفسه لم تَمُسَ هذه القرارات الهيكل التنظيمي لمجلس إدارة الشركة بالسوء، والذي يستحوذ فيه ستة أعضاء طبيعيون (من أصل 9 أعضاء يشكّلون مجلس الإدارة) على صناعة واتخاذ وتنفيذ جميع القرارات النفطية (الكعبي، www.akhbaar.org في 5 نيسان 2019). لقد توقعنا الفشل المُحتمل لنظام إدارة الموارد النفطية في هذا القانون، من خلال تقييمنا لمستوى تحقيق وضمان ديمومة: أولا، مسار كفاءة إدارة استغلال العمليات النفطية (مسار الإدارة العملياتية)؛ وثانيا، مسار فاعلية إدارة تطوير الموارد النفطية الوطنية (مسار الإدارة الإستراتيجية). لا يستطع نظام إدارة الموارد النفطية في القانون الوفاء بمتطلبات تحقيق المعايير الأساسية الآتية، ذات الطابع التنظيمي الصرف، حتى ولو بمستوى مقبول من درجات التحقيق (أنظر تفصيل ذلك في: الكعبي، http://iraqieconomists.ne في 10 نيسان 2018؛ الكعبي، http://iraqieconomists.ne في 27 آب 2018):
- غياب الاستقلالية الإدارية والمالية من نشاط الشركة؛ وحضور التناقضات التنظيمية الكثيرة، والتي يمكن لها أن تُفضي إلى تعطيل و/أو شلل عمليات صناعة واتخاذ ورقابة تنفيذ القرارات النفطية؛ وحضور الإدارة العملياتية في نشاط الشركة، والتي يُمكن لها أن تُفضي إلى سوء استغلال الموارد النفطية؛ وغياب الإدارة الإستراتيجية من نشاط الشركة، والتي يُمكن لها أن تُفضي إلى عدم فاعلية إدارة تطوير الموارد النفطية.
- التجاوز على الحقوق الدستورية للأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط، وسهولة الاستيلاء على والاختراق المؤسساتي والتنظيمي غير المشروع لنشاط الشركة.
- الضياع المحتمل للخيار الدستوري من استغلال الثروة النفطية في تحقيق أعلى منفعة للشعب العراقي؛ وغياب المبدأ الدستوري في نشاط الشركة، والقاضي باعتماد تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار، وهو أمر يُفضي إلى تشوه مؤشرات نشاطها الاقتصادي والمالي والإنتاجي، وإلى غياب مسؤوليتها عن نتائج هذا النشاط أمام الدولة والمجتمع.
• الرابع، نظام إدارة التصرف بما يقرب من 5% من العائدات المالية لنشاط قطاع استخراج النفط والغاز في "مشروع قانون مجلس الأعمار" لسنة 2019. أن عضوية أشخاص من القطاع الخاص في مجلس الأعمار (للتصرف بنسبة 5% من عائدات تصدير النفط مُخصصة للمجلس لتمويل مشروعاته) تتناقض بشكل صريح مع أحكام الدستور ذات الصلة بإدارة الثروة النفطية والغازية والتصرف بعائداتها، إذ أن دستور البلاد النافذ قد حصر ملكية هذه الثروة بيد الشعب العراقي (المادة 111)، وأناط مسؤولية تطويرها واستغلالها والتصرف بعائداتها بالحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط (المادة 112)، وهو أمر أقرته قرارات المحكمة الاتحادية العليا في 23/1/2019. فضلا عن ذلك، ومن الناحية العملية، يُهيمن القطاع الخاص على مؤسسة مجلس الأعمار، وهذا معناه "خصخصة" المؤسسات العامة الحاكمة والناظمة لإدارة نشاط أعمار البلاد، المُمولة بالأموال العامة للبلاد من نشاط قطاع الاستخراج النفطي، لصالح توجهات سياسية ومصالح اقتصادية لبعض ممثلي القطاع الخاص ربما لا تتوافق مع المصالح العليا للبلاد، وهذا هو أحد مظاهر فساد المؤسسات الحكومية وأكثرها خطورة على النظام الاقتصادي والسياسي في البلاد (أنظر ذلك في: الكعبي، www.akhbaar.org في 29 تشرين الأول 2019).
ثانيا. تحديات وإمكانات تعديل النُظم المؤسساتية الرسمية لإدارة الموارد النفطية:
في العقد الأول من الألفية الثالثة ولغاية يومنا هذا، يجري تطور نشاط قطاع استخراج النفط بالعراق في شروط داخلية وخارجية كثيرة ومتغيرة بسرعة، وهذه الحقيقة تُقرر ضرورة التغيير الجذري والشامل لمسارات التنظيم المؤسساتي لهذا التطور تحت تأثير الشروط السياسية والمؤسساتية والقانونية الجديدة الحاصلة في العراق أو في العالم. ينبغي، كما نعتقد، النظر بمسارات إدارة نشاط قطاع استخراج النفط الوطني من منظور كفاءة وفاعلية ومنفعة إدارة نشاطه الإنتاجي والاقتصادي، كتحديات وإمكانات مرئية أو كامنة، في المفاصل الرئيسة الآتية (أنظر تفصيل ذلك في: الكعبي، http://iraqieconomists.ne، في 9 كانون الثاني 2018):
• انسيابية وديمومة وعدم تناقض العمليات التنظيمية في إدارة نشاط قطاع الاستخراج النفطي.
• كفاءة وفاعلية وإنصاف ومنفعة إدارة نشاط قطاع الاستخراج النفطي من منظور إنتاج القيمة الاجتماعية فيه وتوزيعها.
• استخدام العمليات التنظيمية والاقتصادية والتكنولوجية لصناعة استخراج النفط في تغيير هيكل الاقتصاد الوطني والمحلي لمناطق استخراجه.
في العراق، كان يجري التعامل مع التحديات والإمكانات المذكورة أعلاه من خلال تنظيم مؤسساتي، مفاده الآتي: تنتج الدولة النفط الخام ومن ثمة تستخدم عائدات تصديره من خلال الموازنة الاتحادية السنوية العامة لتمويل الإنفاق التشغيلي والاستثماري العام، من دون حصول تغيير ايجابي في هيكل الاقتصاد الوطني والمحلي في مناطق الاستخراج النفطي، أو إنتاج قيّم مضافة جديدة من نشاط عمليات استخراج النفط خارج قيمة الريع النفطي (قيمة إيرادات تصدير النفط الخام المستخرج). يطرح التنظيم المؤسساتي النافذ مشكلة جدوى ودرجة وطرائق مساهمة مؤسسة الدولة (مُمثلة في شخص وزارة النفط الاتحادية) في الإدارة الشاملة لإنتاج واستخدام الريع النفطي. في العراق المعاصر ما بعد عام 2003، تتضمن المشكلة المعنية التحديات الرئيسة الآتية:
• تحدي طبيعة النمط والمستوى التنظيمي الأمثل، من وجهة نظر الكفاءة والفاعلية والمنفعة والإنصاف، للحضور التنظيمي لمؤسسة الدولة في إدارة قطاع استخراج النفط (الدولة بمثابة منظمة أعمال ناشطة في قطاع استخراج النفط عن طريق وزارة النفط الاتحادية، والدولة بمثابة شركات نفط وطنية أو محلية في مناطق الاستخراج مملوكة لوزارة النفط، لا تمارس بنفسها العمليات الإنتاجية والتنظيمية، ولكنها مساهمة في هذه العمليات بصفة الشريك الحكومي لائتلافات شركات نفط دولية بموجب عقود جولات التراخيص النفطية المُبرمة).
• تحدي طبيعة النظام المؤسساتي السائد لإدارة الموارد النفطية، الذي يجري بمقتضاه ضمان سيطرة الدولة على الشروط التنظيمية لاستخراج النفط الخام واستخدام عائدات تصديره النقدية (غياب القانون الاتحادي الحاكم والناظم لسيطرة الدولة على شروط إدارة عمليات استخراج النفط، وحضور عقد الخدمة النفطية لجولات التراخيص مع شركات النفط الدولية، وحضور قانون لشركة النفط الوطنية العراقية مطعون رسميا بدستورية بعض مواده).
• تحدي طبيعة الشخوص التنظيمية المساهمة في صناعة القرارات الإستراتيجية والعملياتية ذات الصلة المؤسساتية المباشرة بإدارة الشأن النفطي (وزارة النفط الاتحادية، شركة تسويق النفط الوطنية، الشركات النفطية الوطنية في مناطق الاستخراج، الشركات النفطية الأجنبية).
• تحدي طبيعة ومستوى الكُلف الاقتصادية والتنظيمية، المرتبطة بسياسات استخراج النفط واستخدام العائد النفطي من تصديره إلى الأسواق الخارجية (إنتاج الريع النفطي وسوء وفساد استخدامه، وغياب السيطرة التنظيمية الوطنية على العمليات النفطية، وإقصاء مناطق نشاط الاستخراج النفطي من المشاركة المؤسساتية المباشرة في إدارة العمليات النفطية الجارية).
إن التحدي الأساسي أمام قطاع استخراج النفط، سواء على مستوى الحكومة الاتحادية أم في إقليم كردستان والمحافظات المنتجة للنفط، يكمن في طبيعة التنظيم المؤسساتي السائد حاليا لإدارة إنتاج واستخدام القيمة الاجتماعية من عملياته التنظيمية والإنتاجية والاقتصادية والتكنولوجية المختلفة. في الوقت نفسه، نحن نعتقد أيضا أن المنظومة المؤسساتية الدستورية السائدة في البلاد بعد عام 2005 توفر إمكانية كبيرة للتعامل الايجابي مع التحدي المذكور، بعد تعديلها بمسارات تنظيمية وقانونية واقتصادية واجتماعية، تأخذ بعين الاعتبار حاجات تطوير البلاد السياسية والاقتصادية الحالية والمستقبلية، فضلا عن الحاجة إلى الوضوح والدقة المفاهيمية واللغوية الكافية عند صياغة عناصر المنظومة المعنية بغرض قطع الطريق أمام الاجتهاد في تفسيرها أو استخدامها.
من المؤكد أن نشاط تطوير واستغلال الموارد النفطية في باطن الأرض بحاجة لوجود فضاء مؤسساتي مُتطور، في هيأة نظام موارد نفطية، لإدارة المصالح والعلاقات الناشئة ما بين الشخوص المُشاركة في هذا النشاط أو من لهم مصلحة مباشرة أو غير مباشرة به (الحكومة الاتحادية، الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط، المجتمعات المحلية)، وكذلك بينهم وبين موضوع إدارة النشاط نفسه (تطوير واستغلال الثروات النفطية والغازية المتاحة). إن الغرض من تكوين نظام إدارة الموارد المعني في قطاع استخراج النفط والغاز، ينبغي أن يتجسد تحديدا في تكوين الشروط المؤسساتية الملائمة والفعالة، الضامنة للتقريب ما بين نوعين من القيمة الاجتماعية المُنتجة في هذا القطاع: القيمة الاجتماعية المتحققة (الريع النفطي)، والقيمة الاجتماعية الكامنة (القيمة المضافة) من تطوير واستغلال الثروة النفطية والغازية المتاحة. في السياق الذي نبحثه هنا، يُقصد بمفهوم "القيمة الاجتماعية" إجمالي المنافع المباشرة وغير المباشرة لاستخراج واستخدام النفط الخام والغاز الطبيعي والمُصاحب، وكذلك عوائد تصديرهما للأسواق الخارجية. لا تقتصر منافع صناعة استخراج النفط والغاز على الشكل النقدي المباشر لها كإيرادات تصديرية، وإنما أيضا في شكل منافع غير مباشرة، من خلال استخدامها في زيادة قيمة رأس المال البشري من خلال التعليم والتدريب واكتساب المهارات والمعارف، أو مساهمة فعاليات الأعمال المحلية بالعمليات النفطية الجارية على سبيل المثال.
وعندما تغيب القيمة الاجتماعية الكامنة من اهتمامات النظام المؤسساتي لإدارة الموارد النفطية، ستنزع عمليات إدارة قطاع الاستخراج النفطي نحو تحقيق مستوى معينا من المؤشرات الإنتاجية والاقتصادية الكمية الطابع تحديدا (إنتاج القيمة المتحققة)، الأمر الذي يقود بالمحصلة النهائية إلى افتراق القيمة الاجتماعية المتحققة من نشاط قطاع استخراج النفط عن القيمة الاجتماعية الكامنة له، سواء على المستوى الوطني أم على مستوى الأقاليم والمحافظات المنتجة. بيد أن تحقيق مستوى مقبولا من القيمة الاجتماعية الكلية (المتحققة والكامنة) للموارد النفطية، يتطلب وجود منظومة مؤسساتية متخصصة ومتكاملة لإدارة تطويرها واستغلالها في البلاد. ومن وجهة نظر تنظيمية، تتعلق مشكلة إدارة إنتاج القيمة الاجتماعية الكلية للموارد النفطية في أمرين أساسيين:
• الأمر الأول، زيادة و/أو خفض مستوى تكاليف الصفقات التجارية Transaction Costs، المُصاحبة لعمليات إدارة القطاع الاستخراجي النفطي حسب النظام المؤسساتي السائد (من هذه التكاليف، على سبيل المثال وليس الحصر، كلفة غياب السيطرة التنظيمية للشريك الحكومي في النظام المؤسساتي لعقود جولات التراخيص النفطية، أو كلفة التشويه والمغالاة في تكوين واحتساب تكاليف العمليات النفطية بموجب هذه العقود، أو كلفة الفساد الإداري المُحتمل في نشاط مجلس إدارة شركة النفط الوطنية العراقية بموجب قانونها لسنة 2018).
• الأمر الثاني، زيادة و/أو خفض كفاءة وفاعلية إدارة الموارد النفطية من وجهة نظر الدولة/المستوى الاتحادي (على سبيل المثال وليس الحصر، تَفرُّد مجموعة صغيرة من كبار موظفي وزارة النفط الاتحادية بتقرير وتحقيق السياسات النفطية الوطنية)، ومن وجهة نظر المحافظات المنتجة/المستوى المناطقي والمحلي (على سبيل المثال وليس الحصر، إقصاء المحافظات المنتجة للنفط من عمليات إدارة وتنفيذ العمليات النفطية في النُظم المؤسساتية لعقود جولات التراخيص النفطية وقانون شركة النفط الوطنية العراقية المذكور).
لقد أمكننا رصد أربع فترات زمنية مختلفة لغاية عام 2014 وما بعده حتى يومنا الحاضر في عام 2020، تعكس بجلاء ثلاثة مظاهر لخلل مؤسساتي كبير في نُظم إدارة مواردنا النفطية النافذة (أنظر تفصيل ذلك في: الكعبي، http://iraqieconomists.ne، في 9 كانون الثاني 2018):
• تصاعد نسبة القيمة الاجتماعية المتحققة (الريع النفطي) من إدارة صناعة استخراج النفط في هيكل الناتج المحلي الإجمالي للفترة الزمنية 1950 – 2020، وهو أمر مُناقض لمفهوم التطوير الاقتصادي (في حالة العراق، يعني لنا مفهوم التطوير الاقتصادي تناقص نسبة الريع النفطي في قيمة وهيكل الناتج المحلي الإجمالي في البلاد).
• تناقص نسبة القيمة الاجتماعية الكامنة (القيمة المضافة) من إدارة صناعة استخراج النفط في هيكل الناتج المحلي الإجمالي للفترة الزمنية 1968 – 2020، وهو أمر يؤشر حالة اغتراب هذه الصناعة عن بيئتها المحلية، والانخفاض النوعي لمستوى التعليم.
• تصاعد سطوة وقسوة وفساد مؤسسة الدولة في إدارة الاقتصاد والتعليم والمجتمع للفترة الزمنية 1968 – 2003، وتصاعد فساد مؤسسة الدولة في إدارة الاقتصاد والتعليم للفترة الزمنية 2003 – 2020.
لا تكمن تحديات وإمكانات إدارة الشأن الاقتصادي في المحافظات المنتجة للنفط بالعراق في النفط كمادة خام طبيعية بحد ذاتها، وإنما في سوء إدارة الدولة المركزية لهذه المادة واستبعاد المحافظات المنتجة من المشاركة المباشرة في إدارتها منذ بدء استخراجها ولغاية اليوم، الأمر الذي قاد إلى تعاظم تأثير العمليات الإنتاجية المختلفة لصناعة استخراج النفط في تكوين السمات الثلاث الأساسية الآتية لهيكل الاقتصاد المحلي للمحافظات المعنية:
• غياب مساهمة الأنشطة الاقتصادية والتكنولوجية وفعاليات الأعمال المحلية من دائرة العمليات الإنتاجية المختلفة لنشاط صناعة استخراج النفط في المحافظة المنتجة.
• غياب مشاركة المحافظة المنتجة ليس فقط من الإدارة المباشرة لصناعة النفط سابقا وحاليا، وإنما أيضا غيابها المُحتمل من التنظيم المؤسساتي المستقبلي لهذه الصناعة (غياب مشاركتها الرسمية في إدارة عقود جولات التراخيص النفطية، وغياب مشاركتها الفعلية في صياغة مسودات مشروعات قانون النفط والغاز الاتحادي العالق التشريع، وغياب مُشاركتها في صياغة قانون شركة النفط الوطنية العراقية لعام 2018)، على الرغم من أن أحكام الدستور النافذ تجيز هذه المُشاركة.
• اقتطاع العمليات الإنتاجية لاستخراج النفط والغاز وخطوط أنابيب نقل النفط الخام وتخزينه للتصدير لمساحات واسعة من الأراضي، الأمر الذي أعاق تطوير الأنشطة الاقتصادية خارج القطاع النفطي كالزراعة والبناء السكني في المحافظة المنتجة.
إن تعاظم التأثير السلبي لقطاع استخراج النفط في اقتصاد المحافظات المنتجة، يؤكد أمرا تنظيميا وسياسيا غاية في الأهمية الاقتصادية، ويتمثل في غياب إمكانات تطوير اقتصاد المحافظات المنتجة من دون تغيير إيديولوجية "النفط مقابل الغذاء"، واستبدالها بإيديولوجية أخرى بديلة لا تقطع الصلة بقطاع استخراج النفط ولكنها تضع الاقتصاد مقابل النفط. يمكن لنا تسمية الإيديولوجية البديلة بمصطلح "النمو مقابل النفط"، بمعنى إدارة قطاع الاستخراج النفطي بنظام مؤسساتي جديد يضع مسائل النمو والتطوير الاقتصادي والتحديث التكنولوجي والمعرفي للمحافظة المنتجة في مركز العمليات القانونية والتنظيمية والإنتاجية لإدارة قطاع الاستخراج النفطي نفسه.
في مقاربة "النفط مقابل الغذاء"، وهي المقاربة الرسمية المعتمدة في العراق منذ أمد طويل، يُدار قطاع الاستخراج النفطي الوطني بنظام موارد مؤسساتي يضمن إنتاج القيمة الاجتماعية المتحققة (وهي على وجهة التحديد قيمة عائدات تصدير النفط الخام، أو الريع النفطي)، بينما في مقاربة "النمو مقابل النفط"، المُقترحة من كاتب هذه السطور، فتبنى على أساس نظام موارد مؤسساتي يضمن مُشاركة الاقتصاد المحلي في إنتاج القيمة الاجتماعية الكلية من إدارة نشاط قطاع الاستخراج النفطي المحلي، الأمر الذي سيوفر تحقيق القيمة الاجتماعية الكامنة (بمعنى إنتاج قيمة مضافة جديدة) من العمليات التنظيمية والاقتصادية والتكنولوجية لأنشطة استخراج النفط والغاز نفسها. تقوم مقاربة "النمو مقابل النفط" على أساس رؤية تنظيمية عملية مفادها الآتي: ينبغي أن يُدار قطاع الاستخراج النفطي الوطني بنظام موارد مؤسساتي جديد يسمح بإشراك المحافظة المنتجة والفعاليات الاقتصادية المحلية والسكان المحليين بشكل مباشر في العمليات التنظيمية والاقتصادية والتكنولوجية والبيئية الجارية بمناطق الاستخراج النفطي المحلية، من أجل خلق قيمة مضافة جديدة، ذلك أن مقاربة "النفط مقابل الغذاء" السائدة الآن تُقصي الأطراف المذكورة من المُشاركة المباشرة في العمليات المعنية لنشاط الاستخراج النفطي الجاري فيها. يمكن ضمان مُشاركة الأطراف المحلية المذكورة في إدارة أنشطة قطاع استخراج النفط المحلي من خلال الإجراءين المؤسساتيين الآتيين:
• الأول، تعديل أحكام الدستور النافذ ذات الصلة المباشرة بإدارة الموارد النفطية (أحكام المادتين 111 و112)، بمسارات تثبيت مفردات نظام إدارة الموارد النفطية (الحقوق والمعايير والآليات والأدوات المؤسساتية الطابع والإجراء التنفيذي) وهياكله التنظيمية، على نحو يُلّزم ويُيسّر ويُعجّل من تشريع قانون نظام موارد مؤسساتي جديد لإدارة قطاع الاستخراج النفطي الوطني (مقترح التعديل الدستوري نورده في خاتمة البحث).
• الثاني، ينبغي لقانون نظام الموارد المؤسساتي الجديد أن يوفر الشروط التنظيمية والقانونية المواتية للإشراك المباشر للأقاليم والمحافظات المنتجة في إدارة نشاط قطاع الاستخراج المحلي، عبر مسارات وقنوات تنظيمية واقتصادية وتكنولوجية وغيرها، بما يحقق المنفعة الأعلى والضرر الأدنى للاقتصاد المحلي، وبما لا يلحق الضرر التنظيمي والتكنولوجي والاقتصادي بالعمليات الإنتاجية للاستخراج النفطي الجاري تنفيذها بموجب عقود جولات التراخيص النفطية المُبرمة في الوقت الحاضر.
وبما أن الحقول النفطية العملاقة والكبيرة تقع الآن في قبضة عقود جولات التراخيص النفطية المُبرمة مع الشركات الأجنبية، فمن الناحية العملية، سيعتمد تحقيق إشراك وإدماج اقتصادات الأقاليم والمحافظات المنتجة بإدارة نشاط قطاع الاستخراج النفطي فيها في ضوء التعديل الدستوري والقانوني المُرتقب، على تغيير قواعد هذه العقود، وهو تحدي كبير تحكم مواجهته شروطا مختلفة كثيرة، منها الشرطين الآتيين (أنظر تفصيل ذلك في: الكعبي، www.akhbaar.org في 5 آذار 2019):
• مدى اتساع ومقدار القوة التفاوضية التي تمتلكها حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة تجاه الحكومة الاتحادية، عند البحث في تغيير أحكام العقود النفطية المُبرمة ما بين الحكومة الاتحادية والشركات النفطية الأجنبية العاملة في أراضي المُكونات الاتحادية.
• إن مصادر تكوين القوة التفاوضية للأقاليم والمحافظات المنتجة كثيرة ومختلفة في قيمة التأثير التفاوضي، وتتوزع على مصادر دستورية وقانونية وسياسية واقتصادية وإنتاجية وجغرافية محلية الطابع، إلا أن النظام المؤسساتي السائد في إدارة الموارد النفطية لا يسمح بتكوين قوة تفاوضية قوية للحكومات المحلية المنتجة للنفط، ما لم يجر تعديل الدستور الحالي للبلاد وتشريع قانون نظام مؤسساتي جديد لإدارة الموارد النفطية، على نحو يسمح بموجبهما تكوين قوة تفاوضية محلية مؤثرة في أحكامهما المتعلقة بإدارة الموارد النفطية الوطنية. نشير إلى أن أحكام مشروعات قانون النفط والغاز الاتحادي العالق التشريع وقانون شركة النفط الوطنية العراقية لسنة 2018 لا تسمح بتكوين الحقوق والقواعد والآليات والأدوات المؤسساتية التنظيمية، الضامنة ليس فقط لمشاركة الأقاليم والمحافظات المنتجة مباشرة في إدارة مواردها النفطية المحلية، وإنما أيضا لا تكسبها قوة تفاوضية مؤثرة لتغيير قواعد عقود جولات التراخيص النفطية المُبرمة حاليا لصالحها، أو اكتسابها قوة تفاوضية مؤثرة للمُشاركة في إقرار وتنفيذ عقود جولات التراخيص النفطية المستقبلية المحتملة.
الخاتمة:
في جميع النُظم المؤسساتية لإدارة قطاع استخراج النفط الرسمية النافذة والمُقترحة، تبرز للواجهة مُعضلات اغترابه (كتحديات وإمكانات) عن بيئته الاقتصادية المحلية، سواء على مستوى الاقتصاد الوطني، أم على مستوى اقتصادات الأقاليم والمحافظات المنتجة، الأمر الذي قاد إلى الإخفاق المأساوي في توطينه. إن نجاح نُظم إدارة الموارد النفطية مشروط دائما بتكوين ودعم وحماية عناصر بيئات مؤسساتية ملائمة لعملها، وهذه العناصر بدورها ما هي إلا تحديات ينبغي مواجهتها وإمكانات ينبغي استثمارها، وإن أمر نجاح اختيار وتحقيق نظام مؤسساتي جديد لإدارة الموارد النفطية سيكون أيضا مرهونا بتكوين البيئة المؤسساتية المناسبة، والتي يأتي في مقدمتها المُكوّن المؤسساتي الدستوري والمُكوّن المؤسساتي القانوني، والأخير يجب أن يُصاغ ويُشَرّع على ضوء أحكام المُكوّن الدستوري، ذات الصلة المباشرة بتأسيس وفعل هذا النظام.
في بحث سابق (الكعبي، www.akhbaar.org في 8 كانون الأول 2019)، كما أشرنا في مقدمة هذا البحث، اقترحنا تعديل أحكام المادتين (111 و112) من الدستور النافذ، ذات الصلة المباشرة بنظام إدارة الموارد النفطية، بمثابة مُكوّن مؤسساتي دستوري للتمهيد لتأسيس نظام إدارة جديد لمواردنا النفطية عن طريق التشريع القانوني المناسب لهذا النظام، على النحو الآتي:
المادة (111 المُعدلة). "يُنظم بقانون:
أولا: الاحتياطيات النفطية والغازية المكتشفة والتي يتم اكتشافها، وكذلك النفط والغاز المُستخرج والمُصنع والمُصدر منها، ملك كل أفراد الشعب العراقي بصرف النظر عن مكان إقامتهم سواء داخل العراق أم خارجه.
ثانيا: بنمط إدارة تشاركي فيما بينها، تنوب الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط والغاز عن أفراد الشعب العراقي ولصالحهم في الإدارة الإستراتيجية والعملياتية لتطوير واستغلال الموارد النفطية والغازية الوطنية.
ثالثا: تشجيع الجهد الوطني المباشر، وتحريم أي شكل من أشكال الامتياز النفطي وما في حكمه، والتعاون مع الغير في نشاط إدارة تطوير واستغلال الموارد النفطية والغازية الوطنية، شريطة مصادقة مجلس النواب على عقود التعاون النفطية".
المادة (112 المُعدلة). "يُنظم بقانون:
أولا: بنمط إدارة تشاركي فيما بينها، تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط والغاز بالإدارة الإستراتيجية، بما فيها رسم السياسة الإستراتيجية النفطية، لعمليات الاستكشاف والتطوير الإنتاجي والاستخراج والتصنيع والنقل بالأنابيب الرئيسة والناقلات البحرية والتسويق النفطي، بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي، معتمدة في ذلك أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار النفطي.
ثانيا: بنمط إدارة تشاركي فيما بينها، تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط والغاز بالإدارة العملياتية لاستغلال الحقول النفطية والغازية المنتجة والمكتشفة والتي يتم استكشافها بمعايير الجودة والشفافية والإفصاح، وبما لا يلحق الضرر التكنولوجي بالمكامن النفطية والغازية وبالبيئة المحيطة.
ثالثا: تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط والغاز بتكوين كيان إداري مستقل إداريا وماليا، تُمَثّل فيه جميعا، لضمان إدارتها الإستراتيجية والعملياتية لتطوير واستغلال الموارد النفطية والغازية الوطنية، وترتبط تنظيميا بهذا الكيان شركة النفط الوطنية العراقية كمُشغّل وطني لجميع حقول النفط والغاز المنتجة والمكتشفة والتي يتم استكشافها.
رابعا: تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط والغاز بتوزيع منافع تطوير واستغلال الموارد النفطية والغازية بشكل مُنصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تحديد نسبة منها لتعويض ضرر العمليات النفطية على البيئة والبنى التحتية في مناطق الإنتاج.
خامسا: تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط والغاز بضمان إدماج اقتصادات وفعاليات الأعمال المحلية بالعمليات التكنولوجية والتنظيمية والاقتصادية الجارية في مناطق الإنتاج".
يتضمن المُكوّنين الدستوري والقانوني للنظام المؤسساتي الجديد، المُقترح من قبلنا لإدارة الموارد النفطية الوطنية، العناصر المؤسساتية الآتية بتكثيف شديد:
1. موضوع الملكية: الاحتياطات النفطية والغازية المكتشفة والتي سيتم اكتشافها والكامنة، والمستخرج والمُصنع والمُصدر منها.
2. شخص موضوع الملكية: جميع أفراد الشعب العراقي وفي جميع أماكن تواجدهم الدائم أو المؤقت.
3. نوع الملكية: فردي تشاركي.
4. نمط إدارة موضوع الملكية: نمط الإدارة التشاركية.
5. طريقة تعيين شخوص الإدارة التشاركية لموضوع الملكية: الإنابة عن شخص المالك للتصرف بموضوع ملكيته، من خلال تكوين مؤسسات سيادية مستقلة إداريا وماليا، وتكون العضوية فيها محصورة فقط بالشخوص الدستورية للتصرف بحقوق الإدارة التشاركية لموضوع الملكية.
6. شخوص التصرف بحقوق الإدارة التشاركية لموضوع الملكية: الحكومة الاتحادية، وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط والغاز.
7. تشجيع الجهد الوطني المباشر، وتحريم أي شكل من أشكال الامتياز النفطي وما في حُكمه، والتعاون مع الغير في نشاط إدارة تطوير واستغلال موضوع الملكية. يُشترط لنفاذ عقود التعاون مع الغير في نشاط إدارة تطوير واستغلال موضوع الملكية مصادقة مجلس النواب.
8. مسارات نشاط الإدارة التشاركية لموضوع الملكية: مسار الإدارة الإستراتيجية ومسار الإدارة العملياتية.
9. قواعد/معايير النشاط والتصرف بمخرجات الإدارة التشاركية لموضوع الملكية: ضمان خيار المنفعة الأعلى لشخص الملكية على المستويين الوطني والمحلي للإنتاج النفطي (إنتاج القيمة الاجتماعية المتحققة وإنتاج القيمة الاجتماعية الكامنة)، واعتماد تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار النفطي، وتأمين معايير الجودة والشفافية والإفصاح والإنصاف وغيرها، وبما لا يلحق الضرر التكنولوجي بالمكامن النفطية والغازية وبالبيئة المحيطة.
10. الهيكل المؤسساتي للإدارة التشاركية لموضوع الملكية (أنظر خارطة الطريق المؤسساتية أدناه):
تبتدئ خارطة الطريق المؤسساتية بتكوين كيان إداري مستقل إداريا وماليا، تحت تسمية مؤسسة "المجلس الاتحادي للطاقة" مثلا، تُمَثّل فيها جميع شخوص الإدارة الإستراتيجية والعملياتية التشاركية لموضوع الملكية. يجري تشكيل هذا المجلس عن طريق تشريع قانون خاص به. يتكون المجلس من الشخوص الثلاثة للتصرف بحقوق الإدارة التشاركية لموضوع الملكية: الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط، ولا ينبغي لأي خبير أن يشغل عضوية المجلس. يمثل الحكومة الاتحادية في هذا المجلس مجلس الوزراء (أو تخويله وزارة النفط الاتحادية)، بينما سيكون مجلس النواب خارج عضوية المجلس لاستحالة مشاركته في أعمال الإدارة التنفيذية المباشرة للشؤون العامة (على ضوء التحديد الدستوري لوظائف مجلس النواب في التشريع والرقابة، الوارد في المادة 61/أولا/ثانيا). يمثل حكومة الإقليم والمحافظة المنتجة في عضوية المجلس الجهة المختصة بشؤون الطاقة في السلطة التنفيذية من هذه الحكومة. يجري تمثيل جميع الأقاليم والمحافظات المنتجة في المجلس عند حد معين من حجم إنتاجها النفطي، كأن يكون مثلا (100 ألف) برميل نفط مكافئ في اليوم. يتولى المجلس الاتحادي للطاقة صياغة السياسة النفطية للدولة وأعمال الإدارة الإستراتيجية للموارد النفطية (إعداد وصياغة السياسات والخطط الإستراتيجية لتطوير واستغلال الموارد النفطية) وتقديمها مباشرة لمجلس النواب للتشريع أو للمصادقة على وثائقها؛ وتنظيم وتوجيه ورقابة إدارة العمليات النفطية الجارية سواء من قبل شركة النفط الوطنية العراقية، أم من قبل شركات النفط الأجنبية العاملة بموجب عقود جولات التراخيص النفطية المُبرمة والعقود النفطية المستقبلية. يجري التصويت على قرارات المجلس بموجب آلية تنظيمية مُحددة يتضمنها قانون المجلس الاتحادي للطاقة، تأخذ بعين الاعتبار حجم الإنتاج النفطي اليومي لأعضاء المجلس (باستثناء مجلس الوزراء أو وزارة النفط الاتحادية، حيث تخصص له/لها حصة من التصويت، كأن تكون مثلا 33,34%، والثلثين المتبقيين يجري توزيعهما بين حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة حسب نسبة إنتاجها من إجمالي حجم الإنتاج النفطي الوطني الكلي).
في النظام المؤسساتي الجديد لإدارة الموارد النفطية، يمكن لوزارة النفط الاتحادية أن تؤدي فيه دورها التنظيمي ووظائفها الإدارية باحتمالين تنظيميين مختلفين: الأول، إشغالها عضوية المجلس الاتحادي للطاقة وفي الوقت نفسه إدارة شركات تكرير وتصنيع النفط (في حالة استثناء هذه الشركات من التشكيلات المملوكة لشركة النفط الوطنية العراقية)؛ والثاني، الاكتفاء بعضوية المجلس الاتحادي للطاقة، وهو احتمال يتفق تماما مع ما جاءت به الأسباب الموجبة في مشروعات تشريع قانون النفط والغاز الاتحادي. في مشروع مجلس الوزراء لهذا القانون عام 2011، جرى تحرير وزارة النفط من الإدارة المباشرة للعمليات النفطية: "... من أجل تمكين وزارة النفط من التركيز على دورها الرئيس فيما يتعلق بوضع السياسات الاتحادية والتخطيط والإشراف والمتابعة وتحسين الكفاءة التشغيلية..."، وهذا الدور التنظيمي ستؤديه وزارة النفط في المجلس الاتحادي للطاقة.
يُمكن للمؤسسات الثلاث الآتية (شركة النفط الوطنية العراقية، مجلس الأعمار الاتحادي، والمركز الوطني لدراسات الطاقة والأعمار) أن ترتبط تنظيميا وعلى نحو مباشر بالمجلس الاتحادي للطاقة:
1. مؤسسة "شركة النفط الوطنية العراقية": يجري اقتراح مشروع قانون الشركة كمؤسسة مستقلة إداريا وماليا من قبل المجلس الاتحادي للطاقة ومرتبطة تنظيميا به، بما ينسجم مع أحكام التعديل الدستوري المُقترح، كمُشغّل وطني لجميع حقول النفط والغاز المنتجة والمكتشفة والتي يتم استكشافها، ويضع نظام عملها الداخلي بنفسه لا أن يترك لمجلس إدارتها. "تزاول الشركة والشركات المملوكة لها نشاطها بضمان الحكومة" (الاقتباس من: الفقرة 3 من المادة 2 في قانون تأسيس الشركة رقم 123 لسنة 1967). تتولى الشركة أعمال الإدارة الإستراتيجية (في حدود صلاحياتها)، وأعمال الإدارة العملياتية (إدارة العمليات النفطية)، وأعمال الإدارة التنفيذية (إدارة عمليات تحقيق السياسات والخطط والبرامج والمشروعات والمبادرات الإستراتيجية، التي يَعدّها ويُصادق عليها مجلس الطاقة الاتحادي). للشركة مجلس إدارة يضم في عضويته: ممثل عن مجلس الوزراء (أو عن وزارة النفط الاتحادية)، وممثل عن السلطة التنفيذية في حكومة الإقليم المُنتج، وممثل عن السلطة التنفيذية في حكومة المحافظة المُنتجة، ورؤساء إدارات الشركات النفطية المملوكة. لا ينبغي لأي خبير أن يشغل عضوية مجلس إدارة الشركة. في الهيكل التنظيمي لمجلس الإدارة، يمكن الاكتفاء بمنصب رئيس المجلس لتلافي تقاطع خطوط السلطة الإدارية والصلاحيات التنظيمية في عمل المجلس، ولتبسيط وتسهيل عمليات اتخاذ القرارات فيه ورقابة مسؤوليات تنفيذها من قبل المجلس الاتحادي للطاقة وأجهزة الرقابة الحكومية الأخرى. تتكون تشكيلات الشركة من جميع الشركات المستخرجة للنفط والغاز، وشركات الخدمة النفطية، وشركات نقل النفط بالأنابيب والناقلات البحرية ومرافئ التصدير، وشركات تكرير وتصنيع وتسويق النفط والغاز ومنتجاتهما. تجري عمليات اتخاذ القرارات في مجلس إدارة الشركة على وفق الآليات التنظيمية التي يتضمنها نظامها الداخلي، الموضوع لها من قبل المجلس الاتحادي للطاقة. يمكن استثناء شركات تكرير وتصنيع النفط والغاز من تشكيلات الشركة في الوقت الحالي، وربما لأمد زمني غير منظور، بغرض تخفيف أعباء إدارة عمليات هذه الأنشطة على الشركة، وإيكال هذه المهمة لوزارة النفط الاتحادية حتى وقت اكتمال الشروط المناسبة لضمها لأعمال الشركة لاحقا. يتكون الهيكل التنظيمي للشركة من التقسيمات التنظيمية الثلاثة الآتية:
أ. المركز الإستراتيجي (مجلس إدارة الشركة). يختص المجلس بأعمال الإدارة الإستراتيجية لنشاط الشركة في تطوير واستغلال الموارد النفطية الوطنية على وفق سلطاته وصلاحياته التنظيمية كمُشغل وطني للحقول النفطية، ويتكون، كما أشرنا أعلاه، من الشخوص التنظيمية الآتية: الحكومة الاتحادية، وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، عن طريق انتداب ممثلين عن سلطاتها التنفيذية في المجلس، وبموافقة المجلس الاتحادي للطاقة ومصادقة مجلس النواب على هذا التمثيل، ورؤساء إدارات مجالس الشركات المملوكة. يجري تمثيل حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة في المجلس على وفق معيار حجم إنتاجها النفطي، معبرا عنه ببرميل نفط مكافئ يومي يُتفق بشأنه. لا ينبغي للخبراء إشغال عضوية المجلس. يختار المجلس رئيسا له من بين أعضاءه بالأغلبية المطلقة وبموافقة المجلس الاتحادي للطاقة ومصادقة مجلس النواب.
ب. المركز التنفيذي. يختص بأعمال الإدارة التنفيذية لنشاط الشركة، ويتكون من الشخوص التنظيمية الثلاثة الآتية: 1) "مجلس النفط"، 2) رئيس مجلس إدارة الشركة ونوابه (يتم ترشيح واختيار النواب من قبل مجلس إدارة الشركة، وعند الضرورة التنظيمية بموافقة المجلس الاتحادي للطاقة ومصادقة مجلس النواب على الاختيار)، 3) المدراء العامون لأنشطة الأعمال الرئيسة في المركز التنفيذي. تنحصر مهام مجلس النفط (وهو تشكيل تنظيمي مستوحاة فكرته، ولكن بوظائف وأدوار وشخوص تنظيمية مُغايرة، من المادة 1/ب والمادة 6 لقانون تنظيم وزارة النفط رقم 101 لسنة 1976) في نقل قرارات المركز الإستراتيجي إلى المراكز العملياتية وضمان تنفيذها، فضلا عن تقديم الدعم والإسناد التقني والمعلوماتي لمجلس الإدارة والمراكز العملياتية. يشغل عضوية "مجلس النفط" رئيس مجلس إدارة الشركة ونوابه، وممثلين عن الشركات المملوكة للشركة (يجري تمثيل شركات الاستخراج النفطي بمقياس إنتاج برميل نفط مكافئ يومي، وشركات التكرير والتصنيع النفطي بمقياس حجم الإنتاج السنوي، وجميع الشركات الأخرى بمقياس الحلقة التنظيمية/التكنولوجية النفطية لنشاطها). لا ينبغي للخبراء إشغال عضوية مجلس النفط. رئيس مجلس إدارة الشركة هو الذي يُمثلها أمام الجهات الرسمية وغيرها، ويرأس مجلس النفط فيها، ويُنفذ قرارات مجلس إدارة الشركة. يتولى المدراء العامون في المركز التنفيذي إدارة أنشطة الأعمال الرئيسة للشركة (الإنتاج، التطوير، المالية، الموارد البشرية، التسويق، العلاقات العامة، وغيرها)، ويجري ترشيحهم من قبل رئيس مجلس إدارة الشركة، واختيارهم من قبل مجلس النفط ومصادقة مجلس إدارة الشركة.
ج. المراكز العملياتية. تُعدّ كل شركة من الشركات المملوكة لشركة النفط الوطنية العراقية مركزا تنظيميا عملياتيا مستقلا لها. يتولى المركز المعني أعمال الإدارة العملياتية، في نطاق تخصصه الوظيفي، لتحقيق السياسات والخطط والبرامج والمشروعات والمبادرات الإستراتيجية، الموضوعة من قبل المجلس الاتحادي للطاقة.
2. مؤسسة "مجلس الأعمار الاتحادي": يجري اقتراح مشروع قانونها ونظام عملها الداخلي كمؤسسة مستقلة إداريا وماليا من قبل المجلس الاتحادي للطاقة ومرتبطة تنظيميا به. تناط بهذا المجلس حصريا مهمات توظيف جزء من الأرباح الصافية التي تحققها شركة النفط الوطنية العراقية جراء عملياتها النفطية. نحن نقترح أن يجري توزيع الأرباح الصافية للشركة (بعد استعادة تكاليفها الرأسمالية والتشغيلية) على النحو الآتي: نسبة 10% لتمويل الاستثمارات النفطية المستقبلية للشركة، وتمويل تحسين البيئة والبنى التحتية المادية والاجتماعية في مناطق الاستخراج النفطي لعملياتها، وتمويل مجالات خدمة العاملين فيها؛ ونسبة 90% تؤول للمجلس الاتحادي للطاقة، يجري توزيعها على النحو الآتي: يُخصص منها نسبة 20% لتمويل مشروعات "مجلس الأعمار الاتحادي"، و80% لتمويل الموازنة الاتحادية السنوية عن طريق وزارة المالية الاتحادية. يُمكن لمنظومة إدارة "مجلس الأعمار الاتحادي" أن يكون هيكلها التنظيمي على النحو الآتي (أنظر تفصيل ذلك في: الكعبي، www.akhbaar.org في 29 تشرين الأول 2019):
أ. مجلس الأعمار الاتحادي، ويتكون من عضوية (مثلا تسعة أعضاء):
- رئيس المجلس الاتحادي للطاقة، رئيسا لمجلس الأعمار الاتحادي.
- نائب رئيس مجلس الأعمار الاتحادي (وسيكون رئيسا للجهاز التنفيذي لمجلس الأعمار الاتحادي).
- ممثل عن حكومة الإقليم المنتج للنفط والغاز (في الوقت الحاضر حكومة إقليم كردستان).
- ممثل عن حكومة المحافظة المنتجة للنفط والغاز (مثلا اختيار أربع محافظات ذات الاستخراج النفطي الأكبر).
- ممثل عن وزارة المالية الاتحادية (لأداء وظيفة مراقبة حركة التخصيصات المالية للمجلس).
- ممثل عن وزارة التخطيط الاتحادية (لأداء وظيفتي التنسيق والتكامل بين مشروعات مجلس الأعمار الاتحادي ومشروعات الأعمار في المؤسسات الحكومية الأخرى).
ب. الجهاز التنفيذي لمجلس الأعمار الاتحادي، يختص بأعمال الإدارة التنفيذية لنشاط مجلس الأعمار الاتحادي، ويتكون من الشخوص التنظيمية الآتية:
- رئيس الجهاز التنفيذي (يجري اقتراح ترشيحه من قبل رئيس مجلس الأعمار الاتحادي، والتصويت على ترشيحه في المجلس الاتحادي للطاقة).
- نائب رئيس الجهاز التنفيذي (يجري اقتراح ترشيحه من قبل رئيس الجهاز التنفيذي، والتصويت على ترشيحه في مجلس الأعمار الاتحادي).
- المدراء العامون لمشروعات البنى التحتية والمرافق العامة (نقترح وعلى مدى العشر سنوات القادمة من عمل مجلس الأعمار الاتحادي أن تنحصر مشروعاته في قطاعات البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية الآتية: الإسكان العائلي، البنى التحتية المادية للصحة والتعليم، الري والمياه واستصلاح الأراضي الزراعية وتنمية الأرياف، خطوط ومحطات السكك الحديدية، طرق المواصلات البرية ما بين المدن ومع دول الجوار، توليد ونقل الطاقة الكهربائية، الموانئ البحرية والمطارات المدنية).
3. مؤسسة "المركز الوطني لدراسات الطاقة والأعمار": يجري تأسيسها ووضع نظام عملها الداخلي من قبل المجلس الاتحادي للطاقة كمؤسسة تابعة تنظيميا له، ويجري تمويل نشاطها من قبل مجلس الأعمار الاتحادي. يُقدم المركز خدماته من الدراسات والاستشارات والمعلومات بطلب رسمي من المجلس الاتحادي للطاقة أو شركة النفط الوطنية العراقية أو مجلس الأعمار الاتحادي. من جانب تقديم المركز خدمات الاستشارات، فهو يحل محل "مكتب المستشارين المستقلين" التابع للمجلس الاتحادي للنفط والغاز في مشروعات قانون النفط والغاز الاتحادي العالق التشريع، ومحل الخبراء في مجالس إدارات جميع المؤسسات المذكورة في هذا البحث (المجلس الاتحادي للطاقة، شركة النفط الوطنية العراقية، ومجلس الأعمار الاتحادي)، ذلك أن عمل الخبراء في المؤسسات السيادية المذكورة يتنافى مع خصوصية نشاط ووظائف هذه المؤسسات أولا؛ وثانيا، ربما يقع الخبراء تحت تأثير وهيمنة بعض رجال السياسة، الأمر الذي يقود إلى خضوع استخدام خبراتهم المهنية للمناورات السياسية الضيقة . يصدر المجلس الاتحادي للطاقة لائحة عامة بشروط التوظيف والعمل في المركز، تستند على سياسة عدم التمييز الجنسي والطائفي والعرقي والقومي في التوظيف والتشغيل، ودعم المجلس لحقوق العاملين المشروعة في المركز (هذه السياسة استعرناها من: الفقرة رابعا من المادة 18 في قانون تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية رقم 4 لسنة 2018).
المصادر:
دستور جمهورية العراق (2005).
قانون تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية رقم (123) لسنة 1967.
قانون تنظيم وزارة النفط رقم 101 لسنة 1976.
قانون تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية رقم (4) لسنة 2018.
الكعبي، جواد كاظم لفته (2017). طبيعة السيطرة التنظيمية للشريك الحكومي على العمليات الإنتاجية في عقود جولات التراخيص النفطية. http://iraqieconomists.ne في 3 أيلول.
الكعبي، جواد كاظم لفته (2017). جدلية "الخيل" و"الخيالة" في إدارة تكاليف العمليات النفطية بموجب عقود جولات التراخيص. http://iraqieconomists.ne في 20 أيلول.
الكعبي، جواد كاظم لفته (2018). حول خيبة أمل المحافظات المنتجة من نظم إدارة صناعة استخراج النفط في العراق. http://iraqieconomists.ne، في 9 كانون الثاني.
الكعبي، جواد كاظم لفته (2018). تقييم طبيعة عمل نظام إدارة الموارد النفطية في قوانين تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية. http://iraqieconomists.ne في 10 نيسان.
الكعبي، جواد كاظم لفته (2018). لمصلحة من تقرع طبول النزاعات التنظيمية في مشروعات قانون النفط والغاز الاتحادي؟ http://iraqieconomists.ne، في 7 آذار.
الكعبي، جواد كاظم لفته (2018). الهيكل التنظيمي المتناقض لشركة النفط الوطنية العراقية يقود إلى "خصخصة" حقوق التصرف بملكية وبإدارة الثروة النفطية الوطنية. http://iraqieconomists.ne في 27 آب.
الكعبي، جواد كاظم لفته (2019). الاختلال المنهجي في إدارة عمليات تطوير صناعة النفط والغاز بالمنهاج الوزاري 2018-2022. www.akhbaar.org في 14 شباط.
الكعبي، جواد كاظم لفته (2019). هل بمستطاع قانون شركة النفط الوطنية العراقية إدارة وتعديل عقود جولات التراخيص النفطية المبرمة؟ www.akhbaar.org في 5 آذار.
الكعبي، جواد كاظم لفته (2019). في ضوء قرارات المحكمة الاتحادية العليا: ماذا بعد "الإعدام التنظيمي!" لشركة النفط الوطنية العراقية ككيان إداري مستقل؟ www.akhbaar.org في 5 نيسان.
الكعبي، جواد كاظم لفته (2019). تحليل مقارن للكيفية المؤسساتية لإدارة نشاط أعمار العراق. www.akhbaar.org في 29 تشرين الأول.
مشروع قانون النفط والغاز الاتحادي، المقترح من قبل مجلس الوزراء، آب 2011.
................................................................................................
د. جواد الكعبي/باحث أكاديمي
jawadlafta@yahoo.com
كانون الثاني/يناير 2020
روابط متعلقة بالدراسة: