مقدمة :
حتى متى تبقى أغلب المفاهيم الإنسانيّة مُلتبسة لدى العرب؟
حُبّ الوطن شيء طبيعي يكاد يكون غريزة مشتركة لدى معظم البشر المُتحضّر!
والوطنيّة في معناها العام مفهوم أخلاقي يمثّل التعلّق العاطفي ولاءً وإنتساباً لبلدٍ ما ,عادة هو البلد الأمّ الذي وُلِدَ فيه المرء وعاش فيه معظم حياته!
إنّما يختلف الناس في مشاعرهم وأحاسيسهم تجاه الأوطان ,تبعاً لما عاشوه من سعادة وهناء ورفاهيّة ,أو ما لاقوه من ظُلم وقسوة وشظف الحياة!
الفقير المُعدَم أو المقموع المُطارد سياسياً أو عقائدياً سيكون على إستعداد للذهاب الى أقصى الكوكب لو توفرّت له الظروف المناسبة لإحترام إنسانيتهِ وحريتهِ!
فهل يحقّ لنا وصم مثل هذا الشخص بالخيانة وإنعدام الوطنيّة ؟
لو كان الأمر كذلك لجاز لنا القول أنّ عشرات الملايين من العرب والمُسلمين هم خونة غير وطنيين ,كونهم هاجروا أو لجؤوا الى الغرب (الكافر)!
ثمّ هل الصومالي أو العراقي أو السوري يحب وطنه كما يفعل الياباني أو الأمريكي أو الألماني أو الفرنسي؟هل مرّد إختلافاتهم هو مقدار وطنيتهم بالذات؟
في الواقع لا وطنية حقيقية دون وطن حُرّ ناهض يسعد فيه أبناءه الأحرار بالعدالة والمساواة!
***
الوطنية لدى العرب!
تصرّف أو قول عادي ربّما يقلب الوطنيّون الصالحون الى لاوطنيين طالحين!
عند العرب والمسلمين عموماً الوطن يتمثّل أولاً بالزعيم أو القائد المُلهم حامي الحمى ,حتى لو وصل البلد في عهد ذلك الزعيم الى القاع في سلّم الأوطان ,كنتيجة حتميّة لرعونة الديكتاتور وإنفراده بالرأيّ!
وبعد الزعيم يأتي الدين ورجالهِ والمشتغلين بهِ كقيمة مهمة تمثّل الوطنية!
(للدكتور علاء الاسواني ندوات ومقالات كثيرة عن هذا الموضوع)!
الأغاني والأناشيد الوطنيّة التي تتغنى بالزعيم وأمجاد الماضي التليد تصدح طيلة الوقت وأيّ معترض سيكون خائن عديم الوطنية!
ومادة (التربيّة الوطنية) تُفرض تدريسياً من الإبتدائية الى الجامعة!
وليتَ نصوصها قريبة من الصحّة ,لكنّها للأسف في مجملها مبالغة وكذب وتلفيق وتزوير للتأريخ .كأنّ الوطنيّة أن تقول نحنُ خير اُمّة منذُ أبد الآبدين!
العرب يعلمون جيّداً أنّ أكثر مايهّم زعمائهم هو الدخول في معارك وحروب خارجية وبناء القصور الفخمة خرافيةُ البذخ ,لأجل تخليد أسمائهم في التأريخ وينبغي على الشعب الهتاف لهم طيلة الوقت كي يثبت أنّه وطني غيور على بلدهِ! للأسف الشعب يفهم الوطنيّة كما يعرفها أؤلئك الزعماء الأوغاد!
وفي عراق اليوم ليُثبت الفاشلون وطنيتهم يهتفون :(كلا ..كلا أمريكا)!
رغم أنّها هي التي حرّرتهم من أبشع طاغية عرفه الكوكب!
***
الخلاصة :
في ندوة رائعة من ندوات طبيب الأسنان الروائي المصري (د.علاء الأسواني) بعنوان وطنيتنا حماها الله (الرابط 2) ,يتحدث عن العواطف البشرية المعتادة ثمّ عن العواطف الدينيّة والوطنية الإيجابية منها والسلبيّة!
من جهة أخرى فإنّ الأزهر الشريف (وآلاف المتحدثين الإسلاميين) كي يثبتوا وطنيتهم وغيرتهم على الدين ,إنتقدوا بشدّة خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 2 إكتوبر 2020 عن الإسلام ,كونه قال :
(الإسلام دين يعيش أزمة اليوم في جميع أنحاء العالم)!
بالله عليكم إذا لم تكن هذه حقيقة يلمسها كلّ متابع ,فما هي الحقيقة إذاً ؟
على كُلٍ علّقَ د.خالد منتصر على ذلك قائلاً :
[غضب المسلمون فى أنحاء العالم وسيظل هذا الغضب حائلاً بيننا كمسلمين وبين فهم تلك الأزمة التى نعيشها والتى جعلتنا أكثر الأمم تصديراً للإرهابيين ,وأكثر الدول فى نسب الفقر والتخلف ,وأقل الدول إسهاماً فى الكشوف العلمية]!
أقول : الوطنيّة ليست الكذب والمديح والنفاق والإنحياز للذات طيلة الوقت!
إنّما هي النضال والكفاح لرفعة الوطن (الشعب أهمّ جزء في الوطن) وجعله آمناً لجميع أبناءهِ ,وذلك عن طريق العمل والعِلم والتفكير بطريقة علمية ونبذ الخرافات التي تملأ حياتنا وتحيلها جحيماً لا يُطاق!
***
الروابط
1 / الأزهر الشريف ينتقد خطاب ماكرون!
https://www.bbc.com/arabic/trending-54391072
2 / ندوة د.علاء الاسواني / وطنيتنا حماها الله !
https://www.youtube.com/watch?v=tRwNl7M4mlQ
رعد الحافظ
12 إكتوبر 2020