سؤالٌ... تَأَمُّلٌ... وفائدة
    الأربعاء 18 نوفمبر / تشرين الثاني 2020 - 07:32
    أبو تراب كرار العاملي
    كونٌ واسعٌ وكوكبٌ فسيح
    عالَمٌ بديعٌ ومليءٌ بالعلوم
    حياةٌ أُتيحَت... ولو إلى حين
    فرصةُ عَيْشٍ قُدِّمَت لنا... فأتينا ولو عابرين
    في فلكِ مَمَرٍّ أُسْقِطَت رؤوسنا... قبل بداية الرّحلة
    شَرَعَ القوم في مشاوريهم... مهما اختلفت الأمكنة
    وتوجّهوا لمواجهة ما خُفِيَ عن أنظارهم وجهلته أبصارهم
    فتقدّمت الدّعسات ومضت الخطوات تستقبلها بِقاع شتّى
    عقول العلماء مُتعطّشة... وألبابهم كأوعية لا أحجام تحدّها
    فَحَيَّ إلى العلم... وهلمّوا لاكتساب المعارف
    ولا تغفلوا عن حسن اختيار المصادر
    كتاب اللّه تعالى... وكلامه المقدّس
    "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢)"
    (سورة يوسف)
    أحاديث الأنبياء والأولياء الصّالحين
    وعلى رأسهم النّبي وآله الطّاهرين
    "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣)"
    (سورة النحل)

    جاء في الذّكر المبارَك:
    "وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (٨٣)" (سورة الكهف).

    مَنْ هو "ذو الْقَرْنَيْن"؟

    تَعَدُّدٌ في الأقوال، فقد ورد في [مجمع البيان في تفسير القرآن] لِلْ"الفضل بن الحسين الطبرسي (قدس سره)":

    {واختلف فيه، فقيل: إنه نبي مبعوث فتح الله على يديه الأرض، عن مجاهد، وعبد الله بن عمر.}.

    فأن يجتمع عنصرا "النّبوّة" و"الفتح" مع تسديدٍ إلهيّ بطبيعة الحال، فذلك يعزّز المشهد بهالةٍ ربّانيّة، هنيئاً لِمَنْ كسبها وجُعِلَت من نصيبه.

    {وقيل: إنه كان ملكا عادلا.} [المصدر السّابق].

    وأن يلتقي عامِلا "الحُكْم" و"العدالة"، فهذا يعني "إِثمارٌ" جميل، ازدهارٌ كريم وإعمارٌ في الأرض في رِحاب المَعِيَّة الإلهيّة، فيكون المُتَصَدِّي لهذا التّوجّه من خير خلفاء الأرض "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً".

    {وروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام: إنه كان عبدا صالحا، أحب الله، وأحبه الله وناصح الله وناصحه، قد أمر قومه بتقوى الله، فضربوه على قرنه، ضربة بالسيف، فغاب عنهم ما شاء الله. ثم رجع إليهم فدعاهم إلى الله، فضربوه على قرنه الآخر بالسيف، فذلك قرناه، وفيكم مثله - يعني نفسه عليه السلام.}
    [المصدر السّابق].

    أمّا أن ترى ميزَتَيْ "العبوديّة" و"الصّلاح"، فأهلاً بك في مركب الخير، فلا تتردّد في الالتحاق به وحَجْزِ مقعدٍ بين ركّابه قبل فوات الفرصة وغيابه عن حدود نظرك وإفلاح بصيرتك.

    ولا بأس أن تتذكّر ما تقول في تشهّد صلاتك:
    "أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمَّداً عبده ورسوله، اللّهم صلّ على محمَّد وآل محمَّد".

    ولا بأس أن تُضيف على التّذكّر تأمّلاً بعنصر "العبوديّة" المُتَجلّي في مصطلح "عبده".

    ولا تنسَ العروج على قول اللّه (جلّ وعلا):
    "فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (٣٩)" (سورة آل عمران).

    وَأَضِفْ على العروج توقّفاً ـ ولو يسيراً ـ على عبارة "وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ".

    وَاخْرُجْ من التّذكّر والعروج بنفحة "تَزْكَوِيَّة" تمضي بك قُدُماً في سبيل التّقرّب، ورَفْع الهِمَم والسّعي للتّحلّي بهاتَيْن الميزتَيْن المباركَتَيْن.

    وصولاً إلى المحبّة والنّصيحة في علاقة متبادَلة بين المرء وخالقه.

    فإن أحبَبْتَ كريماً من بني البشر... من الطّبيعي أن ترى تَبِعات كَرَمِه تتلاقى مع ما ظهر منك من الحبّ، فَتَنْشَأُ علاقة حُبٍّ وجدانيّة متبادَلَة.

    فكيف إذا اندفعت عواصِف حبّك إلى خالق الحبّ وربّ الكرم، فَتَوَقَّعْ حينئذ علاقةً محورها التّميّز وسِمَتها العطاء... والمزيد الجميل.

    توسّعاً إلى الجانب الفكري والعامِل الإرشادي المتمثّلَيْن بالنّصيحة الّتي تُقَدَّم لِخَلْقِ اللّه فتضعهم على السّكّة الإلهيّة الصّحيحة وتسيّرهم نحو الوجهة الرّبّانيّة المُنْجِيَة "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) [سورة النحل]، فَمَنْ يبذل جهده بنصح العباد وإرشادهم، يُؤمَل أن لا يتركه ربّ العباد، وأن يُسَدِّد خطاه لما فيه خيره، نفعه ونجاته.

    فالعامل المشترك بين مختلف مقولات القوم عن "ذِي الْقَرْنَيْنِ" هو عناصر الخير، الصّلاح، الاستقامة المُتَّزنة وما شِئْتَ فَعَبِّرْ من الصّفات الخَيِّرة والسِّمات النَّيِّرة الّتي تجعل من هكذا عبدٍ إنساناً يمضي على طريق الهدى ويَصْلُح لِأَنْ يُقَدِّم لنا موعظةً في الدّنيا ونصيحةً للآخرة.

    سؤالٌ... تَأَمُّلٌ... وفائدة

    "إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)" [سورة ق]

    وللحكاية تَتِمَّة

    [وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ]


    أبو تراب كرار العاملي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media