من يفشل في حوار الحارات، هل ينجح في حوار المكونات؟
    الثلاثاء 24 نوفمبر / تشرين الثاني 2020 - 21:30
    عباس سرحان
    يبشّر  بعض الساسة العراقيين هذه الايام بفكرة تشكيل" كتلة طولية عابرة للمكونات" في اشارة الى اللعب خارج منطقة الطائفية والمذهبية التي طبعت العملية السياسية طيلة السنوات الماضية.
    ويزعم أنصار هذه الدعوة أنهم يريدون من ورائها تشكيل حكومة موحدة تكون قادرة على تقديم الخدمات للمواطنين واصلاح العملية السياسية.
    وفي واقع الحال إن هذه الدعوة ليست بجديدة على الواقع السياسي العراقي، فقد سبقتها دعوات مشابهة على أعتاب كل انتخابات نيابية، وشاعت مصطلحات مشابهة لمصطلح" الكتلة الوطنية الطولية العابرة للمكونات".
    وللتذكير ببعضها مثلا ابتدع سياسيون عراقيون في السنوات الماضية، مصطلحات، حكومة الشراكة، وحكومة الفريق المنسجم، وحكومة الفضاء الوطني، وحكومة التوافق وغير ذلك.
    ولكن للأسف فشلت كل هذه الطروحات السياسية وعجزت عن تشكيل حكومة قوية قادرة على حفظ البلاد والعباد وصيانة السيادة والمال العام، بل أن هذه العناوين البرّاقة كانت تعود بالجميع الى نقطة البداية.
    فتتشكل بعد كل انتخابات حكومة مبنية على المحاصصة وتقاسم السلطة ومشاركة الجميع في إدارة البلاد بشكل غير منسجم، إنما تقتطع كل كتلة من الكتل الفائزة جزءً من جسد الدولة الإداري وتعتبره نصيبها الذي لايشاركها فيه أحد.
     ولاشك أن فكرة الكتلة الوطنية العابرة التي ينادي بها هذه الأيام زعيم تيار الحكمة السيد عمار الحكيم، ستلاقي مصير الافكار التي سبقتها ولن تنجح لعدة أسباب.
    أولا: أن العراق يعاني من انقسام طائفي حاد منذ سنوات اتخذ اشكالا متعددة، وتحول لاحقا إلى صراع سياسي  يشعر فيه اغلب السياسيين أنهم يمثلون مناطقهم أو طوائفهم ويسعون لإرضاء جمهورهم ولو على حساب شركائهم في الوطن.
    ومثال ذلك الاستخفاف الدائم للزعماء الكورد العراقيين ببغداد باعتبارها عاصمة الدولة العراقية وسعيهم  للتمرد على قرارها، وحرصهم على تأسيس كيان سياسي كوردي خاص بهم مستقل عن جسد الدولة العراقية.
    ثانيا: إن زعيم تيار الحكمة، السيد عمار الحكيم، لم ينجح في بناء تحالفات استراتيجية مع شركائه التقليديين من شيعة العراق، كسائرون ودولة القانون والفتح، على الرغم من القرب الايديولوجي والجغرافي معهم، فلماذا ينجح في بناء شراكات مع الأبعد منهم، وهو قد أخفق في حوار الحارات؟.
    ثالثا: سبق للحكيم أن بشّر بحكومة الفريق المنسجم، والفضاء الوطني، وشارك آخرين في ايصال رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي الى السلطة، كما أوصل رئيس الوزراء الحالي، مصطفى الكاظمي اليها، ومع ذلك لم يحقق من خلالهما ما وعد به من ازدهار وتقدم ولم يقض على الفساد بل ان الفساد استشرى بشكل أكبر في مفاصل الدولة التي فقدت هيبتها أيضا.
    إذن لاتعدو اطروحة"الكتلة الوطنية الطولية العابرة للمكونات" عن كونها محاولة لتغيير قناعات الجمهور بهدف حصاد اصواتهم، وهو أمر طبيعي ومن حق أي لاعب سياسي أن يطلق الشعارات التي يعتقد أنها تقرّبه من الجمهور، وقد سبق للحكيم ان وعد البصريين مثلا بشركة هيل انترناشيونال .
    واعتبرها نافذة لازدهار البصرة من خلال محافظ الحكمة آنذاك ماجد النصراوي، والنتيجة أن المحافظ غادر العراق في ظروف غامضة وبشكل مفاجيء، تلاحقه شبهات فساد في ملفات كبيرة.
    كما أن السيد الحكيم  شكّل قبل سنوات  كتلة المواطن وكان من أول أهدافها المعلنة خدمة المواطن. لكن هذه الكتلة لم تضع حلولا لمشاكل البصريين حين تولت إدارة محافظتهم، وظلت المدينة النفطية الغنية تغرق بالنفايات والمياه الآسنة والعشوائيات ويفتك السرطان بأجساد المئات من أبنائها.
    لاشك أن العملية السياسية في البلاد تعاني من مشكلة كبيرة. لكن الأهم من ذلك أن إرادات العاملين في الوسط السياسي لم تصل بعد إلى المستوى الذي يذلل الصعاب ويتجاوز العقبات ويصنع النجاح.
    بل على العكس من ذلك إن معضلة العملية السياسية تكمن في طريقة تفكير معظم الساسة المبنية على عدم الشعور بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم وإصرارهم على نفس المنهج الذي حكموا فيه البلاد منذ 2003.
    مع أن الحل لا يخفى على حريص، فالديمقراطية تعني "حكم الأغلبية" ولو أراد العاملون في مجال السياسة إنقاذ العراق مما هو فيه، لما وقوفوا بوجه الدعوات إلى حكومة الأغلبية التي دعا اليها بعض الزعماء السياسيين في 2014.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media