قوانين تطور العالم الإسلامي في الحاضر والمستقبل 1/2
    الأربعاء 12 فبراير / شباط 2020 - 17:12
    د. هادي حسن حمودي
    باحث وأستاذ جامعي عراقي - لندن
    أقام المركز الثقافي الإسلامي – لندن ندوته الأولى لعام 2020 في قاعة المحاضرات في التاون هول – إيلينغ، هذا الأسبوع. تحت عنوان (العالم الإسلامي وتحديات العصر). محاضرتي كانت بعنوان:
     (Current and Future Laws
    For the development of the Islamic world,
    Example from Oman)

    هنا خلاصة وافية لها باللغة العربية:

    الحلقة الأولى:
    لصياغة مستقبل الدول الإسلامية، بما فيها عُمان، خمسة قوانين تصوغ ذلك المستقبل.
    نحاول، هنا، أن نسكتشف القوانين التي أثرت في رسم أحداث التاريخ السياسي والحضاري لعُمان، سواء كان التاريخ القديم أم الوسيط، أم الحديث والمعاصر، وكذلك صياغة مستقبلها. لأن هذا الاستكشاف يساعد على رسم الخطوط العامة لتطور البلدان الإسلامية الأخرى، نظرا للتاريخ المشترك والعقيدة الواحدة، والظروف المتشابهة، واعتمادا على نجاح عُمان المعاصرة في الاستفادة من تلك القوانين، لصياغة حاضر يشهد العالم له بالنجاح الذي هو مؤشر لمستقبل أكثر نجاحا، بحكم تأثير تلك القوانين.
    إن استقراء أحداث التاريخ، يدلنا على أن للمستقبل العُماني، كما للحاضر العُماني الذي بدأ منذ سنة 1970، خمسة قوانين تتحكّم في مساره، وكلّما ازدادت فاعليّة تلك القوانين، وتكاملت فيما بينها، ارتفع شأن البلاد داخليّا وخارجيّا. وقد أفادت عُمان من القوانين الأربعة التي سيّرت تاريخها القديم والوسيط، ثمّ أضافت إليها، في العصر الحديث، قانونا خامسا. 
    أمّا القوانين الأربعة لتاريخها القديم والوسيط، فهي: 
    أوّلا: إغراء الآفاق الواسعة: ذلك أنّ عُمان، في مراحل تألّقها وتوقّدها، حظيت بأبناء أوفياء لها، حملوها في قلوبهم ودارات أعينهم، ونقلوها معهم إلى الهند والصّين وأفريقيا، بشواطئها ووسطها وشمالها، بل استداروا بها عبر رأس الرّجاء الصّالح، وخاضوا ما كانوا يسمّونه بـ(بحر الظّلمات) وأرادوا به ما نعرفه اليوم بـ(المحيط الأطلسي) فوصلوا إلى شواطئ الأمريكيّتين. 
    كما احتضنوها وهم يُهاجرون إلى البصرة والكوفة، وما وراءهما من بلدان وأمصار شرقا وغربا، ويشاركون في الفتوحات، وينشئون المراكز العلميّة في المدن والحواضر التي حلّوا بها. وكان القادة العُمانيّون الأقوياء، كمالك بن نصر، ومالك بن فهم، وغيرهما.. يأخذون بأيدي النّاس نحو تلك الآفاق، تجارة وسياحة ونقلا للفكر والعقيدة، بروح إنسانيّة صبور على قساوة الظّروف. فيُفيدون ويستفيدون؛ ثمّ يعودون إلى وطنهم الأمّ يحملون خير العالَم إليه، كما حملوا خيره للعالم المعروف في تلك الأزمان. 
    فقانون إغراء الآفاق الواسعة، يمثّل النّموّ النّفسي للفرد، ومحصّلة الحركة الاجتماعيّة التي تتطلّع إلى ما وراء حدود البلاد، وتتحرّك نحو الآفاق البعيدة والقريبة، تحرّكا تفاعليّا حرّا، مفيدا ومستفيدا، تجارة وعلما ونموّا اجتماعيّا. ولم يُعرف عن العُمانيين، عبر تاريخهم الطّويل، التّخوّف من (الآخر) حتّى لو كان مختلفا عقيدة وفكرا وسلوكا.
    وهذا قانون يجب أن يُراعَى في صياغة مستقبل عُمان، كما هو يُراعى اليوم في صياغة نهضتها، وكما رُوعيَ في حقب التّوقّد التّاريخيّ السّابقة. ومعلوم أن المستقبل في المفهوم الحاضري يبدأ من اللحظة التي تلي اللحظة الحالية.
    ثانيا: العقيدة: شهدت عُمان أقدم العقائد المعروفة عبر التّاريخ، وباعتقادنا أنّها أوّل أرض سكنها الإنسان، من شرقيّ عدن وما والاها, ولنا على ذلك براهين عديدة ليس هنا مجال ذكرها. وإذا كان هناك مَن يختلف معنا في هذه الرّؤية، فإنّ الجميع متّفقٌ على أنّها الأرض التي حلّ بها هود وأنبياء عديدون جاؤوا بعده. فلمّا أرهصت شمس الاسلام بالسّطوع والشّروق، انضمّ العُمانيّون الى الدّين الجديد، وحملوه معهم إلى أصقاع الأرض المختلفة. فكان أن لعبت العقيدة، عبر الأزمان المتطاولة، أدوارا مهمّة في تشييد الحضارات العُمانيّة المتتابعة، سواء في داخل عُمان أم في خارجها. ولا يقلّل من أهمّيّة هذه الحقيقة فترات الخمود والجمود، إذ كان ذلك الخمود والجمود نتيجة لسوء فهم للعقيدة أو تعصّب لا يقتضيه تغيّر الأزمان، ولا ترتضيه العقيدة نفسها. 
    وبعد ظهور الإسلام امتزج العُمانيون بالجيوش الاسلاميّة، فمصّروا الأمصار في البصرة والكوفة والقيروان وغيرها. ونقلوا الاسلام إلى الأصقاع البعيدة بالتّجارة والدّعوة بالتي هي أحسن. وإلى الآن هناك في شرق آسيا وجنوب شرقيّها، أسماء شوارع ذات أصول عُمانيّة، جاءت من لفظ عُمان وأسماء مدنها، وهناك آثار جمّة دالّة على عمق تأثير العُمانيين في (الآخر) المختلف عقيدة ورأيا وسلوكا. ولا يمكن أن يحدث ذلك التّأثير لولا الثّقة بالذّات. وهي تلك الثّقة التي تتولّد من العقيدة والبيئة وإرادة الإنسان نفسه. وتلك هي أبرز العوامل التي تؤدّي إلي انتصار الإنسان على الظّروف الصّعبة التي تواجهه. فليس كلّ إنسان، وخصوصا في تلك الأزمان المتمادية في القِدَم، يستطيع أن يصارع رمال الصّحراء من جهة، وأنواء البحر وأمواجه، من جهة أخرى، كي يصل إلى مبتغاه. 
    وبطبيعة قوانين العلاقات بين الشّعوب والأمم، لا بدّ أن يكون العُمانيّون قد أفادوا من ظروفهم البيئيّة وصعوبات الحياة التي علّمتهم كثيرا من الطّرق التي يتغلّبون بها على تلك الصّعوبات، في بناء علاقاتهم مع الأمم والشّعوب التي احتكّوا بها واختلطوا معها في رحلاتهم شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا. وبذلك فإنّهم قد أثّروا وتأثّروا إلى هذا الحدّ أو ذاك بهؤلاء أو أولئك مِمّن خالطوهم وعاشوا بين ظهرانيهم.
    واليوم، تنظر عُمان إلى عقيدتها بوعي عصريّ، يتلمّس في تلك العقيدة المبادئ العامّة والقواعد الكلّيّة لتستفيد منها في بناء حاضرها ومستقبلها، بحسب حاجة الأزمنة المتغيّرة، من غير غلوّ ولا افتئات على الحقّ والحقيقة.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media