رئيس المحكمة الجنائية اختلف مع نسيبه فاتهمه بالإبادة الجماعية! – فضائح القضاء العراقي
    الجمعة 3 يوليو / تموز 2020 - 00:30
    صائب خليل

    فضيحة القضاء العراقي بتبرئة العيساوي لم تكن مفاجئة للشعب العراقي، وإن كانت صادمة ومخيفة. فالقضاء العراقي بعد 2003، قد يكون افسد المؤسسات التي انشأها الاحتلال.
    واعتمد الاحتلال لتحقيق هدفه على سيطرته على الترشيحات والتعرف على الفاسدين واختيارهم بعناية والضغط من أجل وضعهم في كل منصب مؤثر في الجهاز، ومن خلال الحصول على ملفات تمكنه من ابتزاز القدماء (مثل الملفات التي هربها الكاظمي الى اميركا)، وتدريب قياديين جدد يتم انتقاؤهم بعناية بإشراف السفارة، وترقية الأفسد والأكثر طاعة للاحتلال.
    وكانت دورات القضاة الجدد تجري تحت اشرافهم في الخارج، وبالذات هنا في هولندا. وبقضاتها الجدد الذين تم انتقاؤهم وقدماء الفاسدين، أتاح الجهاز تبرئة الإرهابيين أو الفاسدين الذين يتم القبض عليهم، ولم يكن العيساوي إلا احدث هؤلاء، والباقي ينتظر دوره، خاصة بعد استلام الكاظمي السلطة التنفيذية في البلاد.
    .
    ولكي تدركوا حجم المأساة في هذه المؤسسة، سأعيد نشر ملخص لمقالتين سبق ان نشرتهما مع الوثائق في عام 2011 و 2018 حول قضية واحدة يشيب لها رأس الشباب كنت شاهدا عليها.
    .
    موجز القضية أن استغاثة وصلتني من مشتكي مقيم في هولندا، تربطه علاقة نسب مع رئيس المحكمة الجنائية العراقية العليا السابق، القاضي محسن ريسان الكاصد (والذي كان مقيما في هولندا أيضا قبل تسلمه منصبه). وكان هناك خلاف بين المشتكي وعائلة القاضي كاصد، حول شروط الطلاق والأطفال، لم يتوصلوا الى حل له، مما اغضب القاضي، وهنا بدأت المهزلة المأساوية.
    .
    حاول محسن الكاصد استغلال منصبه للضغط على نسيبه، فلم يجد طريقة سوى تلبيسه تهمة قضائية وإصدار أمر القاء القبض عليه. ولأن المحكمة متخصصة بتهم الإبادة الجماعية وامثالها، وجه الكاصد هذه التهمة الى نسيبه!
    فالمحكمة متخصصة كما يقول قانونها، بالجرائم التي هي " في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجّه ضد أيّة مجموعة من السكان المدنيين"! والتهمة المنسوبة إلى المتهم في كتاب إلقاء القبض تقول أنها "وفق المادة 12 وبدلالة المادة 15" من قانون المحكمة، والتي اكتشفت بعد قليل من البحث، بأنها نفس المادة التي حكم بها على سبعاوي ابراهيم الحسن وسلطان هاشم و"الحكم بالإعدام شنقا حتى الموت على مزبان خضر هادي في قضية الانتفاضة الشعبانية"، وهي أيضاً نفس المادة التي استخدمت لإدانة مجرمي لتطهير العرقي(1) ضد الكرد في حلبجة!
    .
     ولأن النسيب يقيم في هولندا، ولا تصل سلطة القاضي إليه، قام الأخير بإضافة أخيه الأكبر، إلى نفس التهمة الخطيرة، وإلى أوامر القاء القبض!
    .
    وبالفعل هاجمت قوات مكافحة الإرهاب بيوتهم في وقت متأخر من الليل، لكن لم يجدوا فيها سوى النساء والأطفال. إلا أن الشرطة تمكنت لاحقاً من إلقاء القبض على الأخ لتبدأ قصة أقرب إلى الخيال من قصص اساءة أستخدام قاضِ كبير لمنصبه الرفيع والخطير، وصار يبتزهما لتمرير شروطه حسب قول النسيب، الذي أكد أن القاضي اشترط  دفع مبلغ كبير من المال له، مقابل إطلاق سراح أخيه! وجرى الاتفاق بضمانة و شهادة النائب السابق في البرلمان العراقي، السيد عامر حسين جاسم الذي يبدو أنه اراد المساعدة على حل المشكلة بأقل الخسائر.
    .
     إلا أن النسيب عجز عن تدبير مبلغ الابتزاز الكبير، (والذي خفض من مئة مليون دينار الى خمسة وعشرون مليون دينار) فعادت المضايقات من جديد. وهكذا قام الرجل بإرسال شكوى إلى المسؤولين أوضح فيها مشكلته وأرفق بها الوثائق اللازمة، ومن ضمنهم مجلس الوزراء ومجلس النواب ورئيس مجلس النواب والنزاهة ونائب رئيس الجمهورية حينها طارق الهاشمي ورئيس لجنه النزاهه في اللبرلمان بهاء الاعرجي".
    .
    اجاب مجلس الوزراء، بأنه تم التحقيق مع القاضي وانه انكر الأمر وابرز اتفاقية بالمصالحة وادعى انها انهت جميع النزاعات. أما رد مجلس القضاء الذي كان مشابهاً، لكنه حين وصل إلى السفارة العراقية في هولندا، ضاع!
    والغريب هنا أن مجلس الوزراء ومجلس القضاء لم يسألا القاضي عن طبيعة الدعاوى ضد رئيس المحكمة، رغم ان المشتكي اطلع المجلسين على طبيعة تلك الدعاوى بكل وضوح في شكاياته! وبالتالي لم يسائلا القاضي عن تزوير تهمة جنائية عليا واستخدامها كورقة ضغط للتفاوض في قضايا عائلية! كذلك لم يسألاه عن سبب اشراك اخ المتهم في الدعوى وامر القاء القبض! لم يكن هناك "حق عام" ولا خوف على بلد يقوم فيه شخص بهذا المنصب، بكل هذا الاسفاف في الهبوط.

    ويبدو ان القاضي الكاصد قد غضب من الشكوى وأراد الانتقام، فاستمر بالدعوى المزورة رغم خطورتها الشديدة عليه، بل وقام بإرسالها الى الإنتربول، وهنا ارتكب غلطة عمره الكبرى!
    .
    كان المشتكي عائداً بسيارته من المانيا الى هولندا، وروى لي كيف أن عدداً كبيرا من سيارات الشرطة أحاطت بسيارته مع صديق له، فجأة ونزل منها الشرطة يرفعون المسدسات ويلقون القبض عليهما! وبعد تفتيش السيارة وساعات طويلة تحت الاحتجاز، واتصالات، تم اطلاق سراحهما.
    .
    بعد ذلك القت الشرطة الهولندية، القبض على القاضي الكاصد (الذي كان قد عاد الى هولندا) باعتبار المشتكي مواطنا هولندياً، إضافة الى تقديم دعوى كاذبة خطيرة. وقد قام المدعي العام الهولندي بالمطالبة بسجن رئيس محكمة الجنايات العراقية، السيد كاصد ستة سنوات بدلا من الـ 15 سنة المعتادة لمثل هذه الجرائم، عطفا على عائلته، كما ذكر المدعي العام. وقد نشرت مجلة (NRC) الهولندية الواسعة الانتشار خبر تلك الفضيحة(2)
    .
    هذا إذن هو جهاز القضاء العراقي المؤسس تحت ضغط البسطال الأمريكي، والذي يلعب دوره المطلوب في نشر الفساد وتدمير البلد – الهدف الاسمى للاحتلال.
    ومن المناسب هنا ان نذكر ان إحدى "إنجازات" التظاهرات هي تغيير قانون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ليكون مجلسها من القضاة، واعتبروا ذلك مكسباً حققته التظاهرات للعراق. والحقيقة انه لم يكن إلا نحو الأسوأ، فازدادت حرية الاختيار الفاسد للمؤثرين، إضافة الى مضاعفة تمثيل كردستان الى اثنين بدلا من واحد كما في القانون السابق.
    .
    هذه الحقائق، إضافة الى الحقائق الكثيرة المعروفة والفضائح المشهورة لمختلف الشخصيات القضائية الكبيرة، تجعلنا ندرك أن أي كلام عن "احترام القضاء العراقي" و "استقلالية القضاء" هي كلام فارغ لا معنى له بدون أن يتم تنظيف هذا الجهاز مما وضع الاحتلال فيه من فاسدين مغرقين في الفساد، وان الشعارات لا تخدم سوى إدامة الخلل حتى لو كانت بحسن نية، تماما مثل شعارات التقدير للجيش العراقي في الوقت الذي لم تتم حتى اليوم محاكمة ومعاقبة الخونة الذين سلموا المدن من هذا الجيش، ومازالت التعيينات الكبرى تنفذ بتوصيات أو تأثير من الاحتلال، حتى وصل الأمر اليوم الى ان يكون القائد العام للقوات المسلحة عميل علني لا يجرؤ احد على انكار حقيقته.
    .
    ليست حالة خاصة منفردة، حيث ان بطلها رجل في اعلى المناصب القضائية. كما ان امتناع المؤسسات العراقية الكبرى (مجلس القضاء الأعلى وغيره) عن اتخاذ أي اجراء بشأنه حين وصلتهم الشكوى، مؤشر قوي ان فساد القضاء بأبعد الحدود، هو الشيء الطبيعي والمعتاد. كما ان اطمئنان الكاصد وهو يرتكب حماقته مؤشر على اطمئنانه على أن الفساد محمي تماما في  العراق وانه جزء أساسي من السلطة القضائية.
    هذه الفضيحة المدوية لا تقتصر على تبرئة المتهم، بل تمتد إلى فضائح لا نهاية لها لو طرحت الأسئلة التي لن نطرح. فكيف تسقط الأدلة مرة واحدة عن جرائم كثيرة؟ وإن كان "الشاهد الوحيد" قد سحب شهادته، كما جاء في الاخبار، فكيف حكمت المحكمة بهذا الحكم على متهم جراء شهادة شاهد واحد لم تتمخض عن ادلة مادية واثباتات؟ ثم ألا يقتضى القضاء شاهدين على الأقل؟ ولماذا لم تتم محاسبة هذا "الشاهد" الذي كذب تحت القسم، والذي تسبب لهذا "المسكين" بكل هذا الأذى والحرمان؟
    إنها ذات الأسئلة التي لم يسأل "مجلس القضاء الأعلى" الكاصد عنها، والوقاحة التي تصرف بها القاضي الذي حكم ببراءة رافع العيساوي هي ذات الوقاحة المطمئنة التي تصرف بها الكاصد حين رفع كذبته الى الإنتربول!
    .
    ومن المؤكد ان تبرئة العيساوي ليست أول ولا اخر فضائح التبرئة، فالفضائح السابقة ببعيدة عن الأذهان. فقد تمت تبرئة الدايني بنفس الطريقة، من احكام بعشرات جرائم القتل والتفجيرات بعد ان عاد و" سلم نفسه "، بل واعُتبرت مدة هروبه خارج العراق خدمة مجزية وصُرفت له مستحقاته من رواتب ومخصصات كنائب في البرلمان بما يعادل ثروة ! في حين اتخذت طريقة تبرئة واسقاط التهم عن عدنان الدليمي وولديه ومعهم 42 متهما من المنفذين في دعاوى قتل وتفجير وتهجير طالت عشرات المغدورين واكثر من 200 عائلة من عوائل حي العدل ومقترباتها وبشهادات جديدة أيضا! وبالطبع لا ننسى عودة مشعان الجبوري واسقاط تهم الارهاب والفساد المالي عنه وعودته الى عضوية البرلمان وسليم الجبوري والافلام الموثقة لاعترافات المنفذين ضده، والتي انتهت بتتويجه رئيسا لمجلس النواب بدلا من المشنقة!(3)
    .
    هذا اذن هو القضاء العراقي، وهذه هي أجهزة الدولة العراقية التي انشأتها اميركا، وتخيلوا مدى الظلم وعدم الإحساس بالأمان المسلط على الشعب المسكين الذي يعيش في بلد هذا قضاءه وهذه مؤسساته، والتي خلقتها جهة تبغي القضاء على هذا الشعب ووطنه. فهل من عجب عندما يخدم ذلك الفساد الاحتلال ومخططاته، ان يبرئ هذا القضاء رافع العيساوي ومن سيأتي بعده؟ بل هل من عجب ان نسمع بالمزيد من المجرمين المبرئين ربما من سجن الحوت ذاته؟
    .
    (1) إدانة مجرمي لتطهير العرقي
    http://faylee.org/2009/908087.htm
    (2) ‘Rechter handelde uit wraak voor dochter’ - NRC
    https://www.nrc.nl/nieuws/2018/01/26/rechter-handelde-uit-wraak-voor-dochter-a1589882
    (3) عارف معروف - لعبة الطرد خارج الحلبة والعودة في شوط آخر !
    https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=3067909949982654&id=100002910368466

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media