بصمات على جدار الحضارة
    السبت 25 يوليو / تموز 2020 - 20:03
    د. توفيق مغلاج
    لو تحدثت عن أبناء جيلي من مواليد سبعينيات القرن العشرين لقلت: إن ذاك الجيل نشأ وشب على سماع قول القائلين (كنا أصحاب حضارة وكنا ... وكانت لغتنا العربية مهوى أفئدة المتعلمين والمتدينين لكونها لغة العلم والدين) 
    وفي العقد الأخير من القرن العشرين شرعت في إعداد بحث عن الأدب الأندلسي الأمر الذي جعلني أقرأ في مؤلفات تاريخ العرب في الأندلس منذ الدخول وحتى (للأسف) الخروج ليس من خارطة الأندلس جغرافيا فقط بل ومن خارطة الحضارة 
    كم كانت مشاعر الفرح تغمرني عندما كنت أقرأ أن أبناء الطبقات الراقية في (الأندلس) كان الواحد من أبنائها يتباهى بمعرفته للغة العربية ويعتبر ذلك ميزة تستحق أن يتسامى بها على أقرانه
    سنة 1998 حضرت في المركز الثقافي الإسباني في دمشق محاضرة لمستشرقة إسبانية تحدثت فيها عما تركت اللغة العربية والحضارة العربية من أثر على اللغة الإسبانية والحضارة الإسبانية وضربت أمثلة كثيرة لذلك التأثير، وقالت في ختام محاضرتها ما فحواه (إن هذه المحاضرة هي بمثابة مشاركة منها في مشروع تأمل أن يقوم يوما ليعيد إلى الحاضر الصورة المشرقة للحضارة العربية واللغة العربية وتأثيرها على اللغة والحضارة الإسبانية)
    نعم هي إسبانية أعجبت بحضارتنا فجاءت لتحاضر فينا ما زهدنا فيه نحن العرب، وتبادر إلى مخيلتي سؤال: لماذا لا يوجد مشروع عربي مدعوم من الدول العربية سواء من جامعة الدول العربية أو من أي دولة من الدول العربية لنشر اللغة العربية في البلدان غير الناطقة بالعربية ليتعرف الناس على ما وضعنا من بصمات على جدار الحضارة، وأننا كنا يوما الصانعون لها.
    صقر قريش
     وتساءلت بعد أن قرأت عن صقر قريش (عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، المولود سنة 113هـ) هل عقمت النساء اليوم أن تلد صقر قريش آخر يعيد لنا شيئا من أمجادنا التي نتغنى بها وليكون أول من يرفع القواعد من البيت كحجر أساس لمشروع حضاري للتعريف بحضارتنا السالفة ولشحذ الهمم ليكون لنا في الحضارة اليوم دورا فاعلا لا منفعلا. 
    كان إبراهيم أمة
     شاءت الأقدار في العام 2009 أن أتعرف إلى صقر قريش في العصر الحديث الدكتور وليد الحيالي وتعرفت إلى مشروعه العظيم (الأكاديمية العربية المفتوحة بالدنمارك) لقد كان مشروعه الشيء الذي كنت أحلم به أن يكون حجر الأساس الذي نرفع عليه قواعد البيت لنؤذن في الناس في الحضارة العربية وبلغة العرب ليأتوا إليها من كل فج عميق، لقد كان إبراهيم في الأنبياء أمة وكان الدكتور وليد الحيالي في الدعوة إلى إحياء لغتنا وحضارتنا أمة أيضا.
    فلنولينك قبلة ترضاها
     لقد آمن الدكتور وليد الحيالي بسمو ونبل فكرته وهدفه، وبذل في سبيل تحقيق ذلك كل نفيس، وما آمن معه بالفكرة وسموها إلا قليل، وكان يرى ما لم ير الآخرون من مستقبل مشرق للأكاديمية ولسمو فكرتها ولريادة دورها في نشر اللغة العربية وأهميتها وقدرتها لتكون لغة بحث علمي وحاملة لواء التبشير بمستقبل للتعليم وعندما كان يحدث الدكتور وليد الآخرين بذلك كانون يرون أنه ضرب من الخيال، وشاءت الأقدار أن تثبت للرجل أصالة التفكير والإبداع عنده.
     عندما هزت أزمة كورونا عروش التعليم التقليدي، جاءت طريقة وأسلوب الرجل لتلقف ما تشدق به المبطلون والمراهنون على الفكرة.
    لقد بدت الأكاديمية ومؤسسها بعد الهزيمة التي مني بها التعليم التقليدي، بديا بطلا ونموذجا لا يشق لهما غبار، لقد أثبتت الفكرة صحتها وصدقت نبوءة الرجل، ونجح ترياقه الذي ظل لسنوات ينصح الناس به وهم زاهدون، لقد صارت القبلة التي عمل لأن تكون قبلة العلم والمتعلمين من عرب ومن عجم.
    ألم يأن للذين أمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله
    والآن ألم يأن لمن يضطلع بمسؤولية نشر اللغة العربية وآدابها والحضارة التي نشأت بها والعلوم التي دونت بها، ألم يأن لهم أن تخشع قلوبهم لفكرة الأكاديمية والإيمان بما حققته من نجاحات ليكونوا لهذا المشروع عمادا وأوتادا، ألم يأن لهم ولـ (ألكسو) أن يدركوا أنه بات لديهم ابنا يكلم الناس في المهد وبقي أن نصدقه وننصره (ماديا ومعنويا ) ليكون رسولا للعالمين. 

                                                                 دكتور/ توفيق مغلاج



    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media