تابِعوا، أَكْمِلوا... ولا تتوقَّفوا
    السبت 1 أغسطس / آب 2020 - 06:13
    أبو تراب كرار العاملي
    اختلاف القوم، تباين الآراء وتعدّد المواقف وتشعّبها، فوجٌ أوّل يتمركز في دِفّة، ثانٍ في موضعٍ مقابل وآخرون يتبعثرون في نقاطٍ أخرى.
    فرضيّات تُطْرَح، نظريّات يُستعان بها وأمثلة في البَيْن تُضْرَب. شَكِّل الموضوع كما تشاء، وأَظْهِره كما يحلو لك وما شِئْتَ فَعَبِّر.
    وفي نهاية المطاف، مهما سُلِكَ من طرق لتوصيف النّزاعات، وبصرف النّظر عن أسلوب تظهير المشاكل واختلاف التّموضعات وتعدّدها، إلّا أنّ النّتيجة العامّة الممكن سماعها ـ إن طُرِح السّرد على عاقل مثلاً ـ تُفيد بأنّه تباينٌ طبيعي واختلافٌ ليس بالغريب، فالعقول مختلفة وللألباب مساراتها وتوجّهاتها، ولطرق التّفكير أشكالها وتجلّياتها، فلا يستغربنَّ أحدكم أساس فكرة الاختلاف، وَلْيَتَعامَل مع الأخير تعامُلَ مَنْ تكيّف مع "محيطٍ ما" وتأقلمَ مع "جَوٍّ كذائيّ".
    لكن مهلاً... لا بأس بسؤال يفتح باب المزيد: ماذا بعد ذلك؟

    المرحلة التّالية تتعلّق بِتَبِعات أيِّ خلاف يحصل بين فردٍ وآخر، بين جماعة وأخرى أو بين طرف ونظيرٍ له.
    بتظهيرٍ آخر، الخطوة اللّاحقة تتمحور حول المسار العملي لِكِلا الطّرَفَيْن المعنِيَّيْن بالخلاف.

    وهنا، لا بأس بإظهار ثلاث حالات مختلفة تُشَكِّل ميادين تطبيقيّة تتيح المجال لوقفات تأمّليّة تَرْشَح عنها مواقف قد لا يوجد لها منافِس عند المُتَدَبِّر العاقِل لوضوح المشهد وعدم غموض وجهة الصّواب.
    فوزٌ بالتّزكية، مسارٌ نَيِّرٌ واضح المعالم، فَلْتَرْسو سفينة الحقّ بسلامٍ آمنة بعيداً عن هيجان الأمواج واضطرابها المُخِلّ بالاستقرار.

    أولاها:
    عدوٌّ غاشم وكيانٌ ظالمٌ يحتلّ الأرض من غير وجه حق، يسلب الأموال وينهب الخيرات، يتعدّى ويبطش... ومزيدٌ أسود وشرٌّ داهِم.

    ردّ الفعل:
    الصّلح مرفوض في ظلّ الاحتلال، لا بديل عن انسحاب المُحْتلّ الفوري دون أيّة مماطلة مبغوضة وتَلَكُّؤ مقيت لسببٍ تافهٍ أو لآخر أَتْفَه {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

    ثانيتها:
    ضمن المجتمع الإسلامي، الزّمرة الإيمانيّة والبيئة الصّالحة، في إطار اجتماعي ضيّق، وربما في قلب حلقة عائليّة أضيق، قد يتّفق أن يقع تبايُنٌ في الآراء المُتاحَة والتّوجّهات العمليّة المطروحة بعد تجاوز مرحلة التّسليم بوحدة المفاهيم العقائديّة المشتركة.
    فقد لا يخلو المشهد من عدم اتّحادٍ تامّ في بعض المصاديق اللّوجستيّة في كنف مظلّة شاملة ينضوي الجميع تحت قِيَمِها النَّيِّرة.

    ردّ الفعل:
    لا تتخاصَموا وإن وُجِدَ الاختلاف، فظهوره طبيعي، ولكن سَيْطِروا عليه ولا تَفسحوا له المجال ليتحكّم بكم، بل حَوِّلوا وجوده لفرصة الاستفادة من تعدّد الآراء ووفرة الطّروحات الّتي قد تُتَرجَم بطريقة ازدهاريّة تنهض بالأحوال إلى نسخة أفضل ومرتبة أسمى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.

    ثالثتها:
    داخل المساحة الجغرافيّة ذاتها، بلدٌ مشترك ووطن لجميع أبنائه، اختلاف بين التّكتّلات السياسيّة المتنوّعة الزّاخرة بالأفكار والمالِكة لرصيد لا بأس به من الطّروحات. وهنا قد يقع الاختلاف على القضايا الاستراتيجيّة الّتي تتخطّى حدود الوطن، أو على المسائل الحياتيّة الدّاخليّة ذات الطّابع المعيشي والإداري... أو الاثنين معاً. تالياً، تنشأ "الخصومة السّياسيّة".

    ردّ الفعل:
    لا تقتربوا من التّقاتل وابتعدوا عنه بطريقة تسدّ عليكم فرصة التّفكير بالعودة إليه، اِرْفعوا شعار "لا للحرب الأهليّة... نعم للسّلم الأهلي"، فَعِّلوا روح المواطنة والعيش المشترك، اِرْبطوا النّزاع، اِبتعدوا عن المناكفات والكيديّات السّياسيّة، اِستثمروا على النّقاط المشتركة التي تَهُمّ المواطنين على اختلاف انتماءاتهم وتعدّد اصطفافاتهم واجتهِدوا على النّهوض بالوطن وصولاً إلى تأمين لقمة عيشٍ هنيئة، حياةٍ كريمة ومزيدٍ مُريح "وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق" (من عهد أمير المؤمنين الإمام "علي بن أبي طالب"(ع) ل"مالك الأشتر").

    وعليه:
    في حالةٍ أولى، تابِعوا الجهاد، أَكْمِلوا النّضال... ولا تتوقّفوا عن المطالبة بالحقّ وطرد المعتدين ونبذ الظّالمين.

    في حالةٍ ثانية، تابِعوا المُعاشَرَة الطّيّبة، أَكْمِلوا مسيرة الحبّ والتّكامل الأخلاقي... ولا تتوقّفوا عند تباين هنا واختلاف هناك.

    وفي حالةٍ ثالثة، تابِعوا بناء الوطن، أَكْمِلوا النّهوض بالمجتمع... ولا تتوقّفوا عند مفترقات تثبيطيّة تُبَطِّئ المسير إن لم توقِفه.

    "تابِعوا، أَكْمِلوا... ولا تتوقَّفوا"

    وللحكاية تَتِمَّة

    [وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ]

    أبو تراب كرار العاملي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media