"اللعب الخطر والقفز على حبال وباء مرض كوفيد 19 ، وفايروسه المستجد ، واشباهه" الجزء الأول
    الأربعاء 12 أغسطس / آب 2020 - 08:00
    أ. د. سمير هاني السعدي
    الاوبئه هي من نتاج الاساءة الشديدة للطبيعة .. ولم تأتي عن عبث او من فراغ.  

     (كوفيد 19 بشكل خاص ، ومتلازمات سارس وميرز هي امثلة حية وواضحة للاوبئة المتفشية في بداية الالفية الثالثة ، وخلال اقل من عقدين من الزمان ، وتوجب علينا الحذر الشديد ، واعادة كل حساباتنا السابقة ، فالعالم يسيرعلى منحنا منحدرا وملتويا ، وتوجب صرف الطاقات البشرية والمادية في البناء والتقدم والتعاون المثمر ، وليس السير في طريق النزاعات الشديدة ، والدمار ، والكوارث بانواعها ، ويوجد متسع للابداع للجميع).  

    في الاجزاء الثلاثة من مقالاتي السابقة الموسومة ب: "كل شيء من اجل المعركة ضد مرض كوفيد 19" وفايروسه المستجد" ، (وضد متلازمات الفقر ، والجهل والتجهيل والتخلف ، والفساد، والارهاب ، واللامسؤولية) ، حيث تناولت فيها بعض الخطوات الاساسية من اجل الانتصار في المعركة الطويلة والمضنية ضد مرض كوفيد 19" ، وحصاره ومنعه من أن يبقى ضيفا ثقيلا بالاكراة بيننا ، وحولنا ، وحول ماحولنا!. كما وجهت نقدا في مقالاتي الثلاثة اللاحقة عن ما يسمى "بمناعة القطيع" (المناعة الجماعية) التي لاتعتمد على استخدام لقاح فعال للفايروس فيها. 

    واود الأن المتابعة والتاكيد على أن الوباء الحالي بفايروسه المستجد كوفيد 2 الغامض والذي اتيحت له الفرصة ، عن غير قصد ، او لاخطاء في الحسابات والتقديرات ، للانتشار السريع والعدوى ، يبدو ميالا اكثر مما تصورنا للتحرك والامتداد بدوائر منتظمة او متعرجة ، في آن واحد ، وللتوسع والوصول الى كل اصقاع العالم ، وكمثل القاء حجر في بركة صغيرة لاتلبث موجات ماءه ان تصل حدودها وتمتطي ضفافها ، فان الفايروس هذا يتوسع في كل اركان العالم فعليا ، ويتجول فيه بحرية شبه تامة ولا تعرف له حدودا محددة!. SARS-CoV-2 

    أن هذا يعني انه يفرض علينا التعايش اوالتآلف المؤلمان معه وعلى مضض ، حتى ظهور لقاح او لقاحات فعالة ، وادوية مؤثرة ، واكتشاف اساليب تعامل جديدة معه تضاف للعناصر الدائمة في الوقاية العامة والفردية والتباعد الاجتماعي ولبس الكمامات والنظافة ، وتوسيع امكانيات المستشفيات والمراكز الصحية والمختبرات  وزيادة عدد الفحوصات، والعناية النفسية الدافئة بالمرضى وبمعالجيهم من اطباء وكوادر صحية ومساعدة ، وعدم العبث بالبيئة فهذا بكليته وبمجموعه هو: لقاحنا الوحيد المتوفرللآن. 

    ولاشك ، ومن خلال ذلك كله ، يبدو اننا أضعنا فعليا ، واضاعت دول كثيرة جدا فرصا ذهبية للتصدي له ، لو انها دقت ناقوس الخطرعندما كان الفايروس يقرع الطبول الصينية (برؤوس بروتيناته المكورة كرؤوس عصي الطبول تلك المسماة سبايك بروتين) في بداية ظهوره وتفشيه الهائل في اوهان الصينية ، قبل عبوره الخاطف لحدودها البعيدة ، لينتشر رويدا رويدا، على وقع اهمال الاجراءات الصحية الوقائية الاولى ، وعدم التصرف بسرعة شديدة لغياب خطط الطوارىء الوبائية ، وغياب اجراءات الوقائية السليمة لمواجهته بجدية. 

    لقد أعتقد السياسيون المحنكون ، والأقتصاديون اللامعون ، والمخططون الاستراتيجيون ، واصحاب القرار المتمكنون .. المتحكمون ، على عكس معظم العلماء والمتخصصون في مجالات الامراض الجرثومية المعدية ، والانتقالية والاوبئة ، والجوائح المسشرية والمنتظرة ، او المفاجهة بالظهور ، أعتقدوا حد الاصرار من ان الاوبئة المتفشية ، لن تكون بهذة الشدة والانتشار، والاصرارعلى البقاء والمراوغة ، والقددرة العالية ، والشراهة في الاصابة والقتل. 

    وقد تمادى بعض هؤلاء المسؤولين في الاعتقاد من انهم واعون جدا ، ويمتلكون السلطة الكبرى ، او شيه المطلقة على البشر، وعلى الطبيعة ، وما أمامها وما وراءها ! ، وبعضهم صار يعتقد انه ينتمي الى صنف الالهة الذي لايختلف عن صنف الهة الرومان أو الاغريق ، بل ويتفوق عليه! 

    وربما يعود ذلك الى اعتبار ان العلم والطب والتكنولوجيا الحديثة وغيرها قد تطورت حثيثا ، وهو امر رائع ومتقدم وعظيم ومفرح لاشك ، معززين بتطور فعالية مراقبات الاقمار الصناعية ، وسرعة الوصول الى كل اصقاع الارض ، او الاشراف عليها من الفضاء ،وذلك باتت قدراتهم كافية ، كما ظنوا ، للسيطرة على الطبيعة كلها ، وعلى كل الكائنات الاخرى واشباهها مستصغرين دورها المهم.  

    ونسى هؤلاء بذلك ان للطبيعة حساباتها الخاصة بها ، وخاصة التعامل مع الكائنات الدقيقة وحتى اشباهها ، وتقديراهميتها الفعلية في دورة الكائنات الحية واتي ربما تعتبر نفسها ، ولو نظريا! ، اول الكائنات الحية في الظهورعلى سطح الارض ، ومافوقها ، وما تحتها ، وما وراءها! ، أو حتى في اعماق المحيطات ، وأسطح محيطاتها الشاسعة والمترامية الاطراف ، القريبة منها والبعيدة ، السائلة والمتجمدة ولايمكن تجاهلها اواساءة تقدير قوتها واثرها الهائل.  

    اعتقدوا ايضا انهم تمكنوا من امتلاك مفاتيح الطبيعة السحرية او المفاتيح الفعالة والمؤثرة الكثيرة للتصرف بها ، مثل تلك المفاتيح التي استخدمتها الفايروسات ، وبقية الجراثيم ، وخاصة المرضية والمعدية والوبائية منها ،حيث استطاعت و تمكنت حقا من ان تفتح بها اقفالا سرية تحمي الخلايا البشرية واغشيتها المتطورة جدا. 

    أن غشاء الخلية الرقيق جدا ، والذي لايرى الا تحت المجاهر المكبرة جدا واذي يبدو اول وهلة كغشاء عادي للحماية ، ماهو الا عالم هائل وكبير ، وكأن تركيب جزيئاته اوسع من تركيبات وجزيئات سور الصين العظيم ، ولكنها دقيقة التراكيب والوظائف الفسيولوجية بشكل يثير الذهول والعجب والاعجاب حتى عند العلماء انفسهم. 

    فالعلوم الحديثة كعلم المورفولوجيا ، وعلم الخلية ، وعلوم الانسجة ، والكيمياء الحيوية والعضوية ، والبيولوجية الجزيئية ، وعلم الوراثة ، وعلم وضائف الاحياء ، وعلم المناعة المميز ، وعلم الاحياء المجهرية او الدقيقة قد تطورت جميعها تطورا هائلا يثير الاعجاب والعجب ، بل والذهول احيانا كثيرة ، مع متعة فائقة تثيرها ليس بين طلاب المعرفة وحدهم ، بل وحتى بين العلماء انفسهم!. 

    فعلى سبيل المثال فقد تضاعفت قدرات المكرسكوبات او (المجاهر) المختلفة و منها: المكرسكوبات الالكترونية ذات ألأختراق الضوئي العالي:  

    Transmission Electron Microscopes  

    والمكرسكوبات الالكترونية الماسحة لاسطح الخلايا والانسجة وغيرها:  

     Scanning Electron Microscopes 

    والتي لها القدرة على تصوير التراكيب الدقيقة من الخارج بدقة عالية ، والمكرسكوبات الذرية ، والنانوية المتطورة وغيرها كما يلي: 

    Atomic Force Microscopes and Nano Microscopes 

    Phase contrast Microscopes  (ميكروسكوبات التباين) 

    Ultraviolet Microscopes (ميكروسكوبات الأشعة فوق البنفسجية)  

    Polarized Microscopes (ميكروسكوبات الضوء المستقطب)  

    Immunofluorescence Microscopes (ميكروسكوبات الفلوريسنت المناعية) 

     وغيرها.Micromanipulator Microscopes (ميكروسكوبات التشريح) 

    لقد عانت كل مجالات العلوم من تطورات هائلة ، وظهرت علوم جديدة ومنها علم الامراض المستجدة ومنها علم الامراض المستجدة المعدية: 

     New Emerging Diseases & New Infectious Emerging Diseases 

    بسبب بروز المستجدات الجديدة من الامراض ، ومنها الامراض المعدية والوبائية.  

    لكن تفكير اصحاب القرار واصحاب البورصات وأسواق المال والمتخمين بالارباح والحصاد الاقتصاي غير المر! ، لم يواكب الحد الادنى من ذلك التطور، وفوق ذلك الامر فان البعض يعتقد بأنه صار ضليعا في تلك الاختصاصات! والبعض صار يتحداها او يعاندها!. 

    ولاشك ان دورهم مهم جدا ، وفعال حقا ، اذا كانوا يعملون بتناغم فعال ، وأهتمام ، ومساندة حقيقية ، وانسجام مع العلماء المتخصصين ، والعاملين بجدية بالغة ، وحرص شديد لايجاد الحلول لمعضلات ظهور وانتشار الامراض الموجودة دائما او المستجدة منها ، ومعرفة مسبباتها والطفرات الوراثية التي قد تعانيها فجأة ، والتصدي لها ، ومنعها من الانتشار. 

    ان اصحاب الاختصاص من العلماء الضالعين في معرفة علم الاحياء المجهرية وعلم المناعة وعلوم الامراض المعدية والوبائية والمستجدة ، وغيرها من العلوم المرتبطة بها ، والأطباء المتخصصون هم الادرى والمعنيون بالدرجة الاولى بهذه الاوبئة ، والبحث عن مسبباتها، وسيرها ، وطرق الوقاية منها ، واساليب مواجهتها ، وتتبعها ، وتطوير العلاجات واللقاحات الفعالة لها ، ومراقبتها ، وانقاذ البشرية من شرورها وتفشيها ، وتوقعات ظهور مثيلات لها ، قد تقض مضاجع البشرية ومواجعها وتعرض مستقبلها وحياة افرادها وعيشها وحريتها للخطر الماحق.  

    البروفيسور الدكتور سمير هاني السعدي* 
    أستاذ علم الاحياء المجهرية الطبي والمناعة ، واستاذ علم الانسجة البشرية في الولايات المتحدة الامريكية سابقا.  

    أستاذ سابق بكلية الطب في جامعة بغداد. 

    Professor of Medical Microbiology and Immunology, and Professor of Human Histology

    [[article_title_text]]
    فايروسات كورونا (كوفيد 19) تحت المجهر الالكتروني محاطة بأغلفتها والبرةتينات البارزة من كل منها والتي تمنحها مظهرها التاجي واسمه


    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media