وتبقى صرخة الحسين المدوية في شهر محرم الحرام عالية ومدوية تستذكرها الأجيال جيلاً بعد آخر ومهما طال الزمان لأنها صرخة إلهية خرجت من سبط رسول الله وخامس أصحاب الكساء
ولهذا كان الإمام الحسين هو المصباح الإنساني الذي أضاء دياجير الظلام الحالكة وليضع كل صباحاتها المشرقة وبكل بريقها المتألق من أجل تحقيق إنسانية الإنسان وبكل معانيها السامية والمشرقة وذوبانها وصقلها في الرسالة الإسلامية المحمدية الخالصة لوجه الله سبحانه وتعالى ليعلّم المسلم وكل الناس كيف أخذ الحقوق واعطاء الحقوق الفردية والاجتماعية بعد ان تم سلبها من قبل حكومات الظلم والقهر والاستعباد وهم بنو أمية ومن لف لفهم والتي لم تكن تحكم بالدين والإسلام ولا تقر به. وهذا هو شهر محرم هو شهر أحزان آل محمد يستذكره الموالون بل المسلمون كافة والعالم أجمع لما حصل من فواجع ومآسي للأمام الحسين وأهل بيته واصحابه المنتجبين، وليكون السواد والحزن هو الذي يتشح به هذا الشهر الحزين لأنه فيه تم سفك الدم الظاهر لخامس أصحاب الكساء وسبط رسول الله(ص)بكل وحشية وبدون أي رأفة أو رحمة وليتم سوق ذراري رسول الله كسبايا حالهم حال الترك والديلم واعتبارهم خوارج كما يشاع ذلك في الأمصار ومن قبل فئة ضالة مجرمة بقيادة يزيد وأبن مرجانه وعمرو بن سعد وشمر وباقي مجرمي التاريخ العصر(عليهم لعائن الله).
والحسين هو الشخصية التي تركزت بها كل العبقرية وكل القداسات الروحية والإنسانية الكاملة لتكون روحه الشريفة لتمثل الحياة كلها والنبع الصافي لها، ولتكون هذه الروح الصافية هي صانعة للحياة بكل معانيها الكاملة، ولتكون عاشوراء والحسين هي مدرسة تهب العقائد والمبادئ لكل الأجيال المتعاقبة. ولتكون هذه الحياة هي حياة صانعة للتاريخ وليست حياة فرد خاصة محدودة بعمر معين بل هي حياة كلها ثراء خالدة تمثل كل قيم ومثل الإسلام الخالدة، وحياة تدخل في ضمير وقلب كل الأجيال الواعية من بني الإنسان من المؤمنين بقيم الحق العدالة وبكل معانيها السامية.
ولهذا كان وجود القيادة، وعلى مستوى عالٍ من الخبرة، و الكفاءة، و الشمولية العالية في إدارتها، و بالشكل الصحيح، فكان القائد هو الأنموذج الأمثل فيها، و هذا هو من سمات النجاح الأولى التي أعطت انعطافة مميزة ، وكانت الاستراتيجية التي تمت قيادة النهضة الحسينية هي قيادة محكمة فكانت خارطة الطريق وسير الأحداث كما رسمتها الأنامل الشريفة لأبي الشهداء وكل أهداف النهضة الحسينية كانت تستمد أصولها من تعاليم الإسلام الشريف، و القرآن الكريم، و السُنة النبوية الشريفة، وكانت المدد القوي والذي تحقق ما تصبو اليه من قيم ومبادي سامية والتي تعتبر في وقتنا الحاضر عملة نادرة في المجتمع الإنساني وعبر التاريخ.
ومن المعلوم انه حينما نتحدث عن قيم السماء فأنها قيم العدالة والحق والمساواة فالسماء تريد الحرية والحياة الكريمة للإنسان والعزة والكرامة للبشر والين هم سواسية كأسنان المشط والذين في تعاليم ديننا ليس هناك فرق بين أبيض واسود أو عربي أو أعجمي بل كل متساوون في الحقوق والواجبات ولهذا جاء في محكم كتابه { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }(1).
ولهذا كان ديننا دين البشرية وكان الأمام الحسين هو ذلك الترجمان لهذا القرآن فكان القرآن الناطق الذي يمشي على الأرض وكانت غاية النهضة الحسينية هو تطبيق هذه القيم من الحق والعدالة ونبذ الظلم والقهر وبكل أشكاله وانواعه فكانت هي منبر الحرية والاعتدال وعدم التعصب بل الوسطية وكانت خير صدى للحق والعدل الذي يعلو ولا يعلى عليه ولهذا يقول الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام، عن أبيه عليه السلام قال: "قال أمير المؤمنين عليه السلام: الإيمان له أركان أربعة: التوكّل على الله، وتفويض الأمر إلى الله، والرّضاء بقضاء الله، والتّسليم لأمر الله -عزّ وجلّ-"[1]. ولهذا جسّد الإمام الحسين عليه السلام أعلى درجات الارتباط بالله، فقد كان المثل الأعلى لمقامات التوكّل والتفويض والرضا والتسليم.
وفي أعظم موقف، وطفله الرضيع بين يديه، رماه حرملة بن كاهل الأسديّ بسهم فذبحه في حجر الحسين، فتلقّى الحسين عليه السلام دمه حتّى امتلأت كفّه منه، ثمّ رمى به إلى السماء، ثمّ قال: "هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله"، قال الإمام الباقر عليه السلام: "فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض"(3).
فالإمام الحسين عليه السلام وصل إلى مرتبة التسليم، وإلى درجة لا يرى فيها نفسه، بل لا يرى إلّا الله، ولهذا يقول عليه السلام في دعاء عرفة: "متى غبتَ حتّى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك؟... عميت عينٌ لا تراك عليها رقيبًا"(4)، (5).
. ولهذا فالأمة البشرية تعاني اليوم وحتى في الماضي من حكم الجبابرة والطغاة الفاسدين وبمختلف المسميات والأشكال والتي تطالعنا في كل يوم بشكل وأسم جديد. ولهذا فالأمة ليس لديها إلا خلاص وخيار وحيد ويكمن في العبادة لله سبحانه و تعالى. وأتباع قيم ومبادئ النهضة الحسينية وقيمها السامية والخالدة عبر الزمان لأنها طريق الحق والمسير نحو النهج الصحيح والسبيل الصحيح لله سبحانه وتعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصادر :
1 ـ [الحجرات : 13].
2 ـ لكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح عليّ أكبر الغفّاريّ، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج2، ص47.
3 ـ العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج45، ص46. (ينقله عن ابن طاووس، السيّد رضيّ الدين عليّ بن موسى الحسينيّ، اللهوف في قتلى الطفوف، أنوار الهدى، إيران - قم، 1417ه، ط1، ص69).
4 ـ العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج64، ص142.
5 ـ مقتبسة من كتاب (زاد عاشوراء للمحاضر الحسيني 1441 هـ "الناشر: شبكة المعارف الإسلامية. تاريخ الإصدار: 08 / 2019. النسخة: 0 ، الكاتب معهد سيد الشهداء