حسن المسعود.. التماسات حروفية جديدة في عالم متغير
يمكن القول ان الفنان العراقي حسن المسعود هو من اوائل الفنانين العرب الذين قدموا " اللوحة الحروفية" في السبعينات من القرن الماضي بمزاوجة الخط العربي والتشكيل، إذ جعل من الحرف العربي عنصرا تشكيليا مهما في بناء اللوحة واخرجه من جمود التشكيلات النمطية التقليدية ليتناسب ويتكيف مع استخداماته في اي مساحة او شكل معتمدا على ما يمتلكه الحرف العربي من مرونة وقدرة ومطاوعة على التشكيل، لينقله الى افاق جديدة بمعطيات حسية وبصرية تتقصى الايهامات البصرية وتنتج علاقات جدلية بين رؤية موضوعية ورؤية ذاتية. الوان حارة واخرى باردة، مساحات بيضاء متسعة، وحروف ونقاط سوداء متحركة في حوار شامل يقف الحرف العربي فيها عمودا بنائيا فخما ليكوّن اساسها المعماري .
تجارب حسن المسعود الطموحة، التي تعمقت بالاطلاع والمشاهدة والدراسة التجريبية وكتابة البحوث في جماليات الحرف العربي، مكنته من ايجاد جمالية تحمل خصوصية متفردة كان عليها ان تواجه مبادىء وتصورات جديدة في عالم الخط العربي المعاصر. فقد قدم وحدة ثقافية جديدة وواسعة اكتسبت استقلاليتها عن كل التجارب الحروفية الشائعة يمكن القول عنها بانها متوافقة مع نمط الحياة الحديثة وذائقة الانسان المعاصر. وقد أفرزت تجاربه نتائج فنية متعددة لم تتوفر لعديد من الفنانين الحروفين العرب، توصل من خلالها الى ضرورة إحياء الخط من جديد والتعريف به ككيان ابداعي متميز يمكن اخراجه من حدود التقليد لاعطائه قدرة الانطلاق نحو آفاق رحبة تضمن له خلق ممارسات فنية متكاملة الصنعة.
التجديد الذي قام به المسعود، والذي يعترض عليه العديد من الخطاطين التقليدين بحجج تبدو واهية وغير مقنعة، يتناسب والقلق الابداعي لهذا الفنان الذي يمتلك قدرا كبيرا من الحساسية والتطلع لخلق التماسات بصرية جديدة في عالم يدرك طبيعة تغيراته. فبتجاربه ورحلاته التي استمرت اكثر من اربعين عاما من النشاط الخصب ، مارس تاثيرا اكيدا في تحديد المسارات الفنية الحديثة في اللوحة الحروفية من خلال تشكيلاته التعبيرية التي هي اشبه بتأليفات ملونة تهدف الى تحويل السطح المصور الى مجموعة سطوح فضائية تبني نفسها بالحرف لتحوله في احيان كثيرة الى فن لاصوري، متحررة من نظام القواعد المتزمتة، متقاطعة ومتداخلة تؤلف فضاء اللوحة، غير منفصلة، متفردة وتجعل من الحرف مجالا اكثر حيوية واكثر تطويرا وتحسينا ومتسما بالحداثة .
هذا الفنان يتمتع بطاقات ورؤى تحمل جدية كبيرة، مقارنة بعدد من الفنانين الذين يعاصرونه، من خلال النهج المتدرج الذي اختاره واخضعه لقناعة واعية للسيرفي عملية تطوير عوالم الخط العربي. اقام مجموعة كبيرة من المعارض الشخصية في جميع انحاء العالم، وهو معروف باسهاماته ومداخلاته النقدية سواء في الصحف أوالمجلات العربية والاجنبية، واصدر عددا من الكتب باللغات العربية والفرنسية والايطالية والانكليزية حول اصول وانجازات ومستقبل فن الخط العربي.
سعى حسن المسعود، ولا يزال، الى تأسيس وبناء اسلوب خاص ومتميز عن جميع الخطاطين العرب، نلمس فيه اشياء مغايرة نأى بها عن دوائر التقوقع والتكرار والاجترار التي ميزت العديد من النتاجات المعاصرة في اساليب هذا الفن الرفيع. وهو قبل خوضه في تطبيق مسائل جمالية محضة وقبل الشروع في ارتياد تجربة ذات خصوصية طموحة تطلبت منه اختراق مجالات اوسع وارحب في الافق البعيد، قبل ذلك، درس الفن التشكيلي في مدرسة البوزار للفنون في باريس ليتمكن اولا من التقنية والصنعة الفنية، ومن اجل استيعاب نظري لتاريخ الفن وفلسفة الفن العربي والاسلامي، وكذلك النظر الى المسار والايقاع الذي يضبط كلا من الفن الغربي ونظيره العربي الاسلامي.
لم تغب عنه التطورات الحديثة في الفنون التشكيلية العالمية، آخذا بعين الاعتبار تجارب العديد من اساتذة الصنعة وزملاء المهنة في كل من العراق ومصر وتركيا ومدن آ سيوية وعربية متعددة.
لقد خرج حسن المسعود بخلاصة اساسية وهي ان الفن او الممارسة التشكيلية بصفة عامة تعالج بعدين اساسيين: بعد الفضاء وبعد الزمن. فقد اعتمد على حصر الحرف العربي داخل فضاء وتكثيفه داخل مساحة الورق التي يرسم عليها، الا انه يوهم بابعاد تتجاوز تلك المسافات الصغيرة، وتتجاوز الحدود الفاصلة بين الممارسة التشكيلية والممارسة المعمارية او التزويقية التي تمثلها اساليب الخط العربي، وحقق نجاحا باهرا ومتميزا في معظم تجرباته التي تواصلت بشكل مكثف على مدى سنين عديدة لتغوص اعماله عميقا في ذاكرة المتلقي لهذه البناءات المعمارية الشاهقة، المتماسكة، الجديدة في شكل الحرف، وهي تحمل ايقاعات عصرية تتميز بتراكمات جمالية جديدة وبنوع من التضاد الذي كسّر من خلاله الايقاعات القديمة، عبر مفاهيم جمالية او تشكيلية مشحونة باحاسيس حية حديثة، فخلق بها عمقا لاعلاقة له بالفضاء كمادة، بل كمفهوم حسي.
اعماله المعمارية هذه، هي بناء نهضوي غير معزول عن التطور العام الذي تعيشه المجتمعات الانسانية، وهي وإن سارت في البداية ببطء وتردد احيانا، الا انها ترتبط الان وبكل وضوح بواقع تاريخي معاصر لحركة التجديد وكل المتغيرات الفكرية والعلمية التي يشهدها العالم. ان إنجازاته تشبه من يحاول نقل الصفات الثلاثية الابعاد الى شكل الحرف، مع انها مساحة ذات بعدين، فطريقته تتناقض كليا مع مفاهيم معاصريه التي ينحصر همها في نقل الحرف وعدم تخطي قواعده ليكون كرمز للتعبير عن افكار دينية وروحية لا تزال الى يومنا هذا المحرك الاساسي للخلق الفني لدى الخطاط الفنان، الا ان ما يقدمه حسن المسعود يتوافق والاتجاهات العلمية وتبدل البنى الاجتماعية والجمالية للعصر، اي ان تمثيل العالم المرئي لشكل الحرف يكون عنده بالتطبيق العلمي الايهامي لما تراه العين البشرية من زوايا جديدة غير تقليدية ضمن حقول بصرية غير محددة، لذلك اخضع عمله لتخطيط هندسي جديد وكانه مكعبات معمارية بنائية تتجه كلها نحو الاعلى. اما خط الافق الذي يشكل القاعدة فاستعاض عنه بجملة مكتوبة هي بيت شعر او مقولة شائعة او حكمة، ضمن هيكلية تسمح لحرف واحد ياخذ صعوده في الفضاء بحسب تصور الفنان للمسافات والاحجام والنسب الغير تقليدية.
- ولد عام 1944 في مدينة النجف/ العراق
- 1969 يسافر الى باريس لينهي دراسته في مدرسة البوزار للفنون بعد خمس سنوات
- يعمق دراسته للخط العربي في زيارات دراسية بحثية لكل من القاهرة واسطنبول وبورصة
- 1980 تصدر له دار نشر فلاماريون في باريس كتابا عن الخط العربي
- 1986 تنشر له دار فلاماريون كتابا تحت عنوان" حسن المسعود الخطاط"
- 1991 يصدر كتابا يتضمن خطوطا بنصوص لجبران
- 1991 تنشر له دار فبيوس كتابا يتضمن 130 عملا فنيا من الخط العربي
- 1997 يصدر مع الكاتبة اندره شديد كتابا بعنوان" الحديقة المفقودة"
- 1997 تنشر له دار الترناتيف كتاب " خطوط الارض "
- 1998 مع الكاتب الفرنسي جاك سالومى يصدر كتابا يحمل 65 لوحة فنية من اعماله
- 1999 يصدر كتابا تحت عنوان" سفر الطيور"
- 2000 يصدر كتاب" دفتر خطاط" عن رباعيات جلال الدين الرومي
- 2002 تصدر له دار فلاماريون كتابا عن الخط العربي
- 2003 يصدر كتاب " خطوط الحب "
- 2003 ينشر مجموعة من 65 لوحة مختارة تحت عنوان" خطوط الانسان "
- 2004 يصدر كتاب " بعيدا عن الفرات " حول حياته وعمله الفني
- يصدر عام 2004 كتابا عن ملحمة كلكامش