كيف السبيل الى الخلاص.. من منظومة المحاصصة والفساد؟
    الجمعة 11 سبتمبر / أيلول 2020 - 04:36
    د. صبحي الجميلي
    لم يعد تفكيك منظومة المحاصصة والفساد والخلاص منها، مطلبا فكريا وسياسيا بحتا، بل له بعده العملي وكونه حاجة ماسة، فهذه المنظومة هي التي أوصلت بلدنا الى ما هو عليه من سوء، وهي الكابحة والمعرقلة لأي مسعى لإحداث أي تغيير يروم بناء الدولة ومؤسساتها، وتغيير نمط وآلية عمل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وان يكون على أسس مغايرة عن تلك التي اعتمدت منذ ٢٠٠٣ ولحد الآن، والتي ثبت فشلها بآلاف القرائن والواقع الحي المعاش، ومعاناة أبناء شعبنا المتعددة الأوجه. ومن المؤكد ان هذا ليس له أبعاده الراهنة وحسب، بل ويرتبط على نحو وثيق بمستقبل بلدنا.
    فأصبح ملحا وضرورة لا غنى عنها التخلص من المنظومة الحاكمة التي غدت أقلية، مرفهة بيدها قرار السياسة والمال والنفوذ، وغالبية ساحقة من أبناء الشعب تنوء تحت ثقل الأزمة العامة التي تتعمق جوانبها المتعددة يوما بعد آخر. 
    ان البدائل المطروحة على جدول العمل تقول بأنه يتوجب الانتقال من دولة المكونات الى دولة المواطنة، المدنية الديمقراطية والمبنية على العدالة الاجتماعية. وهذا يفترض أن يكون عنصرا رئيسا في اية رؤية جدية الى عملية الاصلاح والتغيير، والعمل من اجل تحقيقه.
    من له مصلحة في ادامة الوضع الراهن؟ هناك رأي واسع بأنها قوى المحاصصة والفساد والفاسدين والمرتشين والمنتفعين، وهذه قوى موجودة في مركز القرار السياسي، وهناك من يتعشق معها من كبار أصحاب المال والبنوك والتجار والمليشيات المتمردة على الدولة، وهؤلاء لهم تأثير كبير وسيطرة وسطوة على الإعلام في منابره المختلفة. وتحظى هذه القوى بدعم خارجي مكشوف يشكل أحد العناصر المهمة في غطرستها ونفوذها. 
    في مقابل هؤلاء هناك فئات اجتماعية واسعة وطيف واسع من أبناء الطبقات الوسطى والكادحة والفقيرة وجماهير واسعة قد وصلت الى قناعة، بأن استمرار الحال يعد من المحال وتتطلع الى التغيير الشامل، وهو سياسي بامتياز ويمس اس منهج الإدارة والحكم وبناء الدولة. 
    وفي هذا السياق يبرز واضحا أمام القوى التي تنشد التغيير بأن موازين القوى حتى الآن (جزء منها يستند الى فوضى السلاح والدعم الخارجي)، مختلة لصالح قوى الإعاقة والتمنع، ورغم الحاجة الى عدم النظر الى هذه الموضوعة على نحو ميكانيكي جامد، فان قراءة متمعنة للواقع الملموس تؤشر ذلك. 
    فكيف السبيل الى تغير موازين القوى وتفكيك منظومة المحاصصة والفساد وإنقاذ بلدنا من شرورها، وماذا يتوجب ان تقوم به القوى الجادة الساعية الى التغير الشامل؟ 
    فِي محاولة للإجابة على هذا السؤال المحوري والاساسي نقول: 
    • عندما يدور الحديث عن تغيير دستوري سلمي، فأداة ذلك تكمن في الانتخابات، وراهنا الانتخابات المبكرة، والتي لها هدف واضح يتلخص في تغيير جدي في قوام مجلس النواب لصالح المتماهين مع الغالبية من أبناء الشعب، ويتطلعون الى حياة ونمط عيش في دولة مدنية تصون الحريات الخاصة والعامة، وتوفر فرصا متكافئة للمواطنين ومستوى معيشة إنسانيًا، ويحقق مصالح البلد العليا وسيادتها واستقلالها ويصون قرارها الوطني. 
    فعملية الانتخابات القادمة المطلوبة لها بعدها السياسي رغم التذرع بقضايا فنية وقانونية، إنْ توفرت الإرادة السياسية يمكن إنجازها في أيام قلائل.
    وهنا تأتي ضرورة العمل والضغط لإصلاح كامل المنظومة الانتخابية، وتهيئة مستلزمات واجواء اجرائها، ومن ذلك: مكافحة الفساد وفتح ملفاته بخطوات ملموسة، حصر السلاح بيد الدولة وتفكيك المليشيات والتصدي لأي تمرد على الدولة، والكشف عن قتلة المتظاهرين، وتطبيق قانون الأحزاب على نحو سليم وعلى الجميع، والاستعانة بالدعم الاممي الفاعل في الانتخابات.
    هذه الإجراءات لم تقدم عليها حكومة الكاظمي بعد، بل ونشهد حالة من التردد في الإقدام عليها رغم اعلان النوايا وما جاء في البرنامج الحكومي. لذا فإن الضغط الجماهيري يجب ان يكون باتجاه تحقيق هذه المطالَب، والعمل الحثيث كي لا تكون الانتخابات القادمة كسابقاتها وسيلة لإعادة انتاج ذات الوضع السابق ورموزه. 
    • هناك حاجة الى عمل مركز وتعبئة شاملة ضد الفساد والعمل على فضح رموزه وازاحتهم واسقاط مشاركتهم في الانتخابات القادمة. ان ذلك يتطلب خلق دينامية جديدة نشطة لتشكيل قوى ضغط معادية للفساد وبناء حركة جماهيرية واسعة وخلق اجواء سائدة في المجتمع تمنع من يريد العودة من الفاسدين. وهذه هي احدى التحديات التي تواجه قوى التغيير. 
    • أهمية الانحياز الى الجماهير وتوعيتها بمصالحها وتبني قضاياها والدفاع عنها، وتعرية من يريد اثارة الغرائز عندها، وفقا لمصالحه الخاصة والتسلق على اكتاف المواطنين.  والاستناد في هذا العمل الى عرض وتبيان الحقائق عن الحصيلة البائسة لأغلب من تسنم المسؤولية خلال السنوات الماضية. 
    • تعرية القوى الطائفية والاثنية التي تقوم دعايتها على ادعاء تمثيل هذا المكون او تلك الطائفة كذبا وزورا، في حين هي تعمل من أجل نفوذها وإدامة سلطتها وخدمة مصالحها الخاصة. 
    • السعي الى لعب دور فاعل في الحركة الشعبية والاحتجاجية، وتطوير العلاقة مع القطاعات الجماهيرية ومع الاتحادات العمالية والفلاحية والنقابات المهنية وعموم المثقفين والأكاديميين والمتخصصين، والعمل من أجل تكوين قوى ضاغطة مؤثرة ترتقي الى مستوى الضغط المطلوب تسليطه على الحكومة والقوى السياسية المتنفذة. 
    • تحفيز العمل السياسي والجماهيري وإقناع أوسع الأوساط الشعبية للإقدام على ذلك، ومغادرة السلبية الى فضاء العمل النشط والفاعل. ونشير هنا أيضا الى وجود شخصيات في الدولة أو خارجها منزوية حاليا، وهي وطنية ومخلصة يمكن لها أن تتحفز عند خلق الظروف الملائمة وتشجيعها على التحرك.
    •  تطوير الدعاية الإعلامية والتعبئة السياسية والتأثير الفاعل على الراي العام وكسبه لصالح عملية التغيير. وهذا يتطلب تصعيد الخطاب الناقد والمحرض والتعبوي. مع ان المشكلة هي ليست في الخطاب فقط وانما يجب أن يكون وراء هذا الخطاب قوة تسنده ومتصاعدة، أي جماهيرية شعبية، وان يكون صدى اصواتها قويا في المؤسسات والكتل السياسية المتنفذة، وحتى القوى السياسية المترددة، والتي لم تحسم موقفها لحد الآن، يمكن تحفيزها لأن تكون فعّالة.
    ويبقى دور الحزب الشيوعي العراقي هاما، ضمن القوى المتطلعة والعاملة من أجل التغيير، فمطلوب عمل حثيث وتكثيف للجهود لتوحيد القوى المتعددة سواء قوى الاحتجاج أو القوى المدنية والديمقراطية والوطنية، ولعب دور مطلوب في ايجاد ديناميكية للقوى المدنية ولقوى الاحتجاج. 
    ومطلوب من الحزب منذ الآن أعداد مشروعه السياسي للانتخابات بالاستناد الى مشروعه المدني الديمقراطي، وأن يكون مادة للتثقيف والتوعية والتعبئة في مرحلة مبكرة. وأن يمثل هذا المشروع البديل للمنظومة الفاسدة، والترويج الواسع له في المجالين السياسي والإعلامي، والتعاطي الواسع مع الشخصيات المؤثرة في صناعة الرأي العام.  
    ومن جانب اخر تمس الحاجة الى صياغة إستراتيجية واضحة متكاملة لمكافحة الفساد، تحتوي على آليات تنفيذها واعتبارها ورقة اتهام لقوى الفساد والنهب. مع السعي كي تصبح إطار عمل وتنسيق لكل القوى المدنية والديمقراطية والوطنية المخلصة والنزيهة. 
    القناعة عميقة بأن تنفيذ هذه التوجهات يتطلب مشاركة واسعة ومؤثرة في الحركة الاحتجاجية، وهي حركة كل المقومات متوفرة  لاستمرارها وزيادة زخمها. وهذا يوجب على القوى المدنية والديمقراطية أن تكون حاضرة ومبادرة وداعمة ومشاركة في الحركة الاحتجاجية، والسعي المتواصل الى تنمية الحركات الاحتجاجية الجماهيرية وخلق ديناميكية تؤدي الى رقي الحركات الاحتجاجية ودفعها أبعد من مطالبها الآنية، والى مستوى تنظيم أرفع لربط الأهداف الآنية بالأهداف السياسية ذات الصِّلة بالتغيير المطلوب. وفِي هذا الشأن ولدور الشباب والطلبة في الحركة الاحتجاجية والجماهيرية وانتفاضة تشرين، يتوجب الاعتناء بهم لشحذ الهمم ورفع الطاقات. 
    ان من الهام ان تتوفر عند قوى التغيير الإرادة والقناعة بإمكانية تحقيق ذلك، وهجر حالة اليأس والقنوط والتردد، والعمل المثابر لجعل موضوعة التغيير هما وطنيا عاما، وان تعبأ كل الطاقات الخيرة لتحقيقه بخطوات واثقة متراكمة وصولا الى تفكيك منظومة الأقلية المتنفذة، وتحقيق الأهداف المنشودة، المعبرة عن تطلعات جماهير واسعة، وإقامة الدولة المدنية، دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.

     "طريق الشعب" 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media