العراق وإيران. الدفع المالي يختلف عن تعزيز التبادل التجاري
    السبت 19 سبتمبر / أيلول 2020 - 05:17
    صباح نعوش
    باحث إقتصادي
    تتسم العلاقات الاقتصادية العراقية الإيرانية بهيمنة طهران ليس فقط على المبادلات التجارية بل كذلك على جانب مهم من السياسة النقدية والاستثمارات في العراق. جميع الاتفاقات الاقتصادية بين البلدين كاتفاق الدفع المالي تصب في هذا الاتجاه. 

    في شباط 2019 وقع العراق وإيران اتفاقاً ينص على كيفية استفادة إيران من أموالها لدى البنك المركزي العراقي والمتمثلة في الديون المستحقة لها من ثمن مبيعات الغاز الطبيعي والكهرباء. انه اتفاق الدفع المالي. وبموجبه تستخدم إيران هذه الأموال لشراء المواد "المسموح بها" من قبل الجانب الأمريكي. عندئذ لا توجد مبادلات مالية بين العراق وإيران محرمة وفق القرارات الأمريكية.

    يرى البعض أن هذا الاتفاق استلهم آليته من نظام تعزيز التبادل التجاري (يسمى انستكس) الذي وضعته ألمانيا وفرنسا وبريطانيا لتنظيم مبادلاتها مع إيران بعد العقوبات الأمريكية. ثم انضمت إليه دول أوروبية أخرى. وبمقتضاه تصدر شركة إيرانية سلعة ما إلى شركة أوربية. وتستورد شركة إيرانية أخرى سلعة ما من شركة أوربية أخرى. تقوم الشركتان الإيرانيتان بتسوية عمليتها وكأن الواحدة اشترت من الأخرى. وتقوم الشركتان الأوروبيتان بنفس التسوية. وهكذا تتم المبادلات السلعية بين البلدين دون تدخل للتحويلات الخارجية الممنوعة من قبل واشنطن.

    لكن الاتفاق مع العراق يختلف عن هذا النظام. إذ لا توجد سلع عراقية تصدر إلى إيران مقابل الصادرات الإيرانية من الغاز الطبيعي والكهرباء. لأن العراق لا ينتج أساساً المواد الغذائية والأدوية إلا على نطاق ضيق لا يكفي حتى للسوق المحلية.

    وُضع نظام الدفع المالي من قبل إيران وتشرف عليه شركة إيرانية مقرها في العراق. فهي التي تحدد المواد التي تحتاجها إيران وقيمها والدول المعنية. وتطلب من البنوك العراقية تنفيذ العمليات التجارية. وحتى في هذا الميدان المصرفي هنالك تأثيرات إيرانية واضحة. بمعنى أن هذا الاتفاق لا يحقق أي مكسب اقتصادي للعراق بل يمثل صورة من صور هيمنة إيران على القرار في العراق.

    وفي المقابل نظام تعزيز التبادل أوروبي كما ذكرنا تشرف عليه شركة انستكس التي تديرها ألمانيا وتتخذ من باريس مقراً لها. وليست لإيران أية علاقة بهذا التنظيم. بل أنها غير مقتنعة بفاعليته لعدم سريانه على صادراتها النفطية. لكنها وافقت عليه لأنها لا تملك بديلاً عنه. الأوربيون هم الذين يحددون الأسلوب الأفضل لهم في تعاملهم مع إيران. في حين أن طهران هي التي تحدد علاقتها التجارية الخارجية في نظام الدفع المالي.

    وتجدر الإشارة إلى أن نظام تعزيز التبادل يصادف عدة عراقيل مع واشنطن أفضت إلى تأخر تنفيذه. فقد وُضع النظام في كانون الثاني من عام 2019 في حين لم تتم العملية الأولى بموجبه والمتعلقة بمواد طبية ألمانية مصدرة إلى إيران إلا في نهاية آذار 2020. لعب وباء كورونا دوراً في هذه العملية.

    الدفع المالي الطريقة المثلى لإيران في الظروف الحالية لاستيفاء  ديونها المترتبة على العراق. قبل هذا النظام كانت بغداد تستطيع الاحتماء بالعقوبات الأمريكية أي عدم دفع الديون المترتبة عليها لطهران. في حين لم يعد بالإمكان ذلك بعد الاتفاق على هذا النظام. وبالتالي تزداد الأزمة المالية العراقية حدة تحت ظل تردي أسعار النفط.

    ويلاحظ عدم وضوح الرؤية في تحديد حجم الديون العراقية الناجمة عن المشتريات من إيران. يفترض أن لا تتعدى ملياري دولار. في حين صرح مسؤول إيراني مؤخراً بأن حجمها يصل إلى خمسة مليارات دولار. وقد تظهر تقديرات أخرى أكبر لأسباب تتعلق بحسابات مصرفية. 

    يستخدم العراق إذن كي تتملص إيران من العقوبات الأمريكية. فهذا النظام لا يسهم بتحسين المالية الخارجية وليس له علاقة بمعدلات النمو أو بالتشغيل. العراق يقوم بدور الوسيط المصرفي. ولا يتردد المسؤولون الإيرانيون في التصريح بهذا الدور. لكنه وسيط من نوع خاص حيث يجتهد لإرضاء الإيرانيين دون الاصطدام قدر الإمكان بالأمريكيين. أما المصلحة العراقية فلا تدخل في المعادلة. في حين وضع نظام تعزيز التبادل لخدمة الشركات الأوربية بالدرجة الأولى مع الأخذ بنظر الاعتبار المصالح الإيرانية.
     
    صباح نعوش
    باحث اقتصادي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media